مات أبي واستراح من أيدي أولئك الجزَّراين الذين يُدْعون: ( أطباء )! أحسن الله إلى المحسن منهم، وعامل المسيء بما يستحق.
سكن الوالد إلى نوم عميق بعد أن كان لا يذوق نومًا من اختلاف المباضِع والحُقَن والإِبَر التي كانت تعمل في جسده!
إني لعلى يقين أنه ما مات لكونه فقيرًا مُعْدَمًا من ذلك الطراز الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، ولكن سهام الأقدار-بإرادة الله- أصابت منه موضعًا أمر الله به أن يُصاب.
عقم الكلام، وخرست الأقلام فما أجد ما أصف به موته أمامي!
لقد ذكروا لي أنه قال قبل موته بيوم: ( أرى سعيد جالس مع عمرو بن العاص ) يناديني باسمي: ( سعيد ) وما علم أنني شقيت بفراقه منذ الساعة!
ثم ما شأني وشأن عمرو بن العاص؟ ذاك سيدي ومولاي، وما غايتي إلا أن أمسح عنه ما اغبرَّ من جهاده في سبيل الإسلام، فكيف تكون طاقتي بمجالسة مثله؟
صَبرْتُ واسترْجَعْتُ لكوني أعلم أن أحق ما صُبِر عليه ما ليس إلى تَغْييره سبيل. وهكذا الدنيا كما يقول الأوائل: تُصبِح لك مسرّةً، وتمسي مساءة. وفي كثرة الأسى عزاءٌ عن المصائب.
فاللهم إنك تعلم أن فجيعتي في أبي ليست بدون فجيعتي في شيوخ وشباب ونساء وأطفال سوريا والعراق وفلسطين وسائر بلدان الموحدين.وكم من مَيْتة ميِّت أشرفُ من حياة حَيٍّ، وليست المصيبة في قتْل من استشهد ذابًّا عن دينه مطيعًا لربه، وإنما المصيبة فيمن قلَّتْ بصيرتُه وخمَل ذكره بعد موته.. هكذا عَقِلْنا عن أئمتنا.
فاللهم عجِّل لي ولأهلي بصبرٍ أتبلَّغ به بقية أيامي، وزدْنا من الإيمان بك ما أحطُّ به عني أوزار جهلي بك وأحْسِنُ به ختامي. واغفر لوالدي ولموتى المسلمين، وتجاوز عن خطيئآتهم فإنك أنت أرحم الراحمين.