هذا حديث يُروى عن أم المؤمنين عائشة بأسانيد لا تَسْلَمُ مِن نَظَرٍ.
@ فقد رواه داود بن أبي هند، واختُلف عنه:
1-فرواه حفص بن غياث، عنه، عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عائشة. رواه عنه ابن أبي شيبة (أحمد 24621، ومسلم 214، والطحاوي في شرح المشكل 4357).
2- وخالفه عبد الأعلى بن عبد الأعلى (إسحاق بن راهويه 1631)
3- وإسماعيل بن علية (الطبري في تفسيره 24/551)
4-وابن أبي عدي (الطبري في تفسيره 24/552)
5-وأبو خالد الأحمر (الثعلبي في تفسيره 7/170): رووه عن داود، عن الشعبي، عن عائشة مرسلاً ليس فيه مسروق.
قال الدارقطني في علله (3632): ((يرويه داود بن أبي هند، واختُلف عنه: فرواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن حفص، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة. وغيرُه يرويه عن داود، عن الشعبي، عن عائشة مرسلاً. ويشبه أن يكون حفصٌ قد حفظه)). اهـ قلتُ: ويشبه ألاَّ يكون قد حفظه بل مَشَى على الجادَّة، فقد اتفق أربعةٌ مِن الثقات على إرسال الشعبيِّ عن عائشة، والشعبي لم يسمع منها. قال الحافظ العلائي (نظم الفرائد ص367): ((مدار قبولِ خبرِ الواحد على غلبة الظنِّ. وعند الاختلاف فيما هو مقتضىً لصحة الحديث أو لتعليله، يُرجع إلى قولِ الأكثرِ عدداً لبُعدهم عن الغلط والسهو وذلك عند التساوي في الحفظ والإتقان)). اهـ وقال ابن حجر (النكت 2/780): ((نسبة الغلط إلى الواحد - وإن كان أرجحَ مِن أولئك في الحفظ والإتقان - أقربُ مِن نسبته إلى الجمع الكثير)). اهـ
@ ورواه عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عمير، عن عائشة. رواه عنه عفان بن مسلم (أحمد 24892، وأبو عوانة في مستخرجه 290، والطحاوي في شرح المشكل 2745، والبيهقي في الدعوات الكبير 271) وبشر بن معاذ (البزار 196، والترمذي في علله الكبير 708) وآخرون عند أبي يعلى (4672) وأبي عوانة (291) والطحاوي (4358) وابن حبان (330) وأبي نعيم (الحلية 3/278).
وهذا حديثٌ غريبٌ، وفي كونه محفوظاً نظرٌ. قال الترمذي في علله الكبير: ((فسألتُ محمداً [يعني الإمامَ البخاريَّ] عن هذا الحديث، فقال: "هذا حديثُ عبدِ الواحد بن زياد"، ولم يعرفه إلاَّ مِن حديثه. قال: "وأرجو أن يكون محفوظاً")). اهـ وقال أبو نعيم الأصبهاني في الحلية: ((هذا حديثٌ غريبٌ مِن حديث عبيد عن عائشة، لم نكتبه إلاَّ مِن هذا الوجه)). اهـ قلتُ: وقد رواه الحارث في مسنده (38) عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن هارون (؟)، عن عبيد بن عمير - أو عن ابنه عنه - قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرسلاً ليس فيه عائشة. وهارون في هذا الإسناد لا يُعرف، إلاَّ أن يكون محرَّفاً.
@ ورواه أبو واقد صالح بن محمد بن زائدة، عن أبي سلمة، عن عائشة. رواه عنه وهيب بن خالد (الحاكم 3524) وحاتم بن إسماعيل (ابن عدي في الكامل 5/91). وأبو واقد منكر الحديث ذاهبٌ كما قال البخاري.
@ ورواه الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل وهو ابن أبي عقرب، عن عائشة مرسلاً. رواه عنه مسلم بن إبراهيم (أبو داود في مراسيله 132).
@ ورواه محمد بن المنهال، عن يزيد بن زريع، عن عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن عائشة. رواه عنه أبو يعلى الموصلي (4870) وإبراهيم بن أبي داود (الطحاوي في شرح المشكل 2746). ورجاله رجال البخاري، وإن كان سماع عكرمة مِن عائشة مختلَفٌ فيه. ولفظُه: (("يا رسول الله، أخبرني عن ابن جدعان". قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وما كان؟} قالت: قلتُ: "كان ينحر الكوماء ويكرم الجار ويقري الضيف ويصدق الحديث ويوفي بالذمة ويصل الرحم ويفك العاني ويطعم الطعام ويؤدي الأمانة". قال: {هل قال يوماً واحداً: اللهم إني أعوذ بك مِن نار جهنم؟} قالت: "لا، وما كان يدري ما جهنم!" قال: {فلا إذن})). اهـ
قلتُ: هذا أحسنها إسناداً، وأحسنها متناً! ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ((لا)) ردَّاً لسؤال أم المؤمنين أن يخبرها النبيُّ عن ابن جدعان، فهو امتناعٌ مِنه صلى الله عليه وسلم أن يُحدِّثها عنه. وليس فيه أنها سألته: هل ينفعه ذلك يوم القيامة؟ وفيه أنه معذورٌ لقولها: ((وما كان يدري ما جهنم)). فيكون امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن ذِكر ابن جدعان أنَّ الاشتغال بأهل الإيمان أَوْلَى في التمَثُّلِ بهم والاقتداء بهم عن ذِكر مناقب الجاهليين.
هذا ما وقفتُ عليه في هذا الحديث، فإن وجدتَ فيه زللاً فمِنِّي، والله سبحانه أعلى وأعلم