دعوني أتوجه بالحديث إلى أبعد مما ذكرتموه مشايخنا الفضلاء , فأقول :
أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإعفاء اللحية وحف الشارب .
فهل هذا الأمر يدل على الوجوب أم على الاستحباب .
1- قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المشركين أعفوا اللحى وأحفوا الشوارب "
وقال عليه الصلاة والسلام : " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم "
وجاء عند أحمد : " أعفوا اللحى وجزوا الشوارب وغيروا شيبكم ولا تشبهوا باليهود والنصارى "
وهذا الأمر النبوي شمل الأمر بإعفاء اللحية وجز الشوارب وصبغ الشعر ( أي تغيير الشيب ) وبما أن الأمر واحد وجاء بصيغة واحدة وعلة واحدة , فإن أي صارف لأي أمر من هذه الأمور الثلاثة , يـُعد صارفاً للجميع عن الوجوب .
فالنبي عليه الصلاة والسلام قد أوتي جوامع الكلم ولا يمكن أن يأمرنا بأمر يعني به الوجوب , ثم يأمرنا بأمر آخر وبنفس العلة والصياغة ويعني به الاستحباب .
وبما أنه ثبت أن بعض كبار الصحابة لم يصبغوا , بل وبما أنه ورد عنه عليه السلام أنه قال : " من شاب شيبة في الإسلام كانت به نوراً يوم القيامة " وبما أن جماهير العلماء لا يرون وجوب صبغ الشعر وتغيير الشيب , فهذا دليل على أن الأمر بإعفاء اللحية وجز الشوارب لم يكن للوجوب كما هو الحال بالنسبة لصبغ الشعر وتغيير الشيب , إذ الأمر واحد والعلة واحدة .
إذن :
مجرد وجود صارف لأحد هذه الأوامر – المتحدة في العلة – يعني أن صيغة الأمر أصلاً لا تعني الوجوب .
2- ذكر ابن حزم رحمه الله الإجماع على استحباب قص الشارب فقال : " واتفقوا أن قص الشارب وقطع الأظفار وحلق العانة ونتف الإبط حسن "
وبما أن العلماء – حتى وإن لم يـُجمعوا – يرون استحباب قص الشارب لا وجوبه , فهذا الحكم ينسحب على اللحية إذ الأمر واحد .
3- بما أن بعض الصحابة والتابعين كانوا يأخذون من لحاهم ( ما زاد عن القبضة أو ما نقص عنها بلا تحديد .. في النسك وغير النسك ) , وبما أنهم أعلم وأفهم منا بمعاني اللغة العربية ودلالات الأمر النبوي , فيـُحتج بفهمهم على أن الأمر النبوي لم يكن للوجوب إذ لو كان الأمر للوجوب لما أخذوا من لحاهم شيئاً لا في النسك ولا في غيره .
أما تقييد الإباحة فقط بأخذ ما زاد عن القبضة وتحريم ما دون ذلك , فهو أمر غير صحيح لأنه ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يأخذون من لحاهم دون تحديد .. فعلام تقييد الإباحة فقط بما زاد عن القبضة ؟؟!!
والله أعلى وأعلم .
,, أبو فهد ,,