صقر قريش
الخليفة الهارب
عبدالرحمن الداخل
هو عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك بن مروان ابن الحكم الاموي المرواني ([1])امه بربرية ولد في دمشق سنة 113 هجري وُصف عبد الرحمن، بأنه كان مديد القامة، نحيف القوام، أعور، أخشم له ضفيرتان، أصهب ، خفيف العارضين، له خال في وجهه . عاش في دمشق حتى سقطت الخلافة الاموية على يد العباسيين سنة 132 هجرية ففر بتجاه المغرب هو وابنه ومولاً له يدعى بدر وخرج هارباً مرة اخرى الى ليبيا سنة 136 هجرية فعبر مضيق الاندلس سنة 138 هجرية وقد كان يحكم الأندلس آنذاك يوسف بن عبد الرحمن الفهري نيابة عن العباسيين ، وقد حاول الفهري مقاومة تسلل وتجمعات عبدالرحمن الداخل ، لكنه هزم أمامه عندما التقيا سنة 139 هـ ، ودخل عبد الرحمن قرطبة ، فتأسس بذلك للأمويين الذين سقطوا في دمشق على يد العباسيين ، ملك جديد في الأندلس الإسلامية . ولم تنجح كل محاولات العباسيين على عهد ابو جعفر المنصور في استرداد الأندلس ، كما لم تنجح محاولات ملك الصليبيين ( شارلمان ) في استغلال الظروف والقضاء على صقر قريش ، واستتب بذلك الأمر للفرع الأموي الذي تكون في الأندلس . ففي سنتين تولى الامارة العظمى في الاندلس سنة 140 هجرية ولم يطلبها لنفسه وتوفي اميراً للمؤمنين في الاندلس سنة 172 هجرية ففي اقل من ثمانية سنين استطاع رجل واحد هارب لا قوة ولا سند له بإقام دولة قوية مهيبة استمر في بناءها اكثر من ثلاثين سنة توارثها ابنائه من بعده , هذه قصة الارادة تمثلت في شخص وقصة الطموح تمثلت في رجل , يقول عنه الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور في احد مجالسه مع ندمائه سائلاً ([2]): من صقر قريش ؟ قالوا : انت يا امير المؤمنين الذي راض الملك , وسكن الزلازل , وحسم الادواء . قال : ما صنعتم شيئاً _ اي لم تعرفوه _ قالوا : فمعاوية , قال ولا هذا , قالوا : فعبدالملك بن مروان , قال : لا و قالوا : فمن يامير المؤمنين ؟ , قال : عبدالرحمن بن معاوية , الذي تخلص بكيده من سنن الاسنة وظباة السيوف , يعبر القصر ويركب البحر . حتى دخل بلداً اعجمياً فمصر الامصار وجند الاجناد واقام ملكاً بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة عزمه . ان معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان وذللا له صعبه , وعبدالملك ببيعة تقدمت له , وامير المؤمنين انا بطلب عترته واجتماع شيعته , وعبدالرحمن بن معاوية منفرداً بنفسه مؤيداً برايه مستصحباً بعزمه , هذه قصة رجل فريدة رجل مطارد مطلوب الراس مشرد يبحث عنه في كل مكان يستطيع ان يتجاوز كل هذه المخاطر والصعاب وينشى ملكاً وحده ويسيطر على الاندلس كلها بل وتثور عليه خمس وعشرون ثورة فيقضي عليها كلها ويخضعها فاية ارادة واي قوة مستندة الى عزيمة كان يملكها ذلك الرجل ؟ يقول عنه ابن حبان مؤرخ الاندلس : " كان عبد الرحمن راجح الحلم، فاسح العلم، ثاقب الفهم، كثير الحزم، نافذ العزم، بريئاً من العجز، سريع النهضة في طلب الخارجين عليه، متصل الحركة، لا يخلد إلى راحة، ولايسكن إلى دعة، ولا يكل الأمور إلى غيره، تم لاينفرد في إبرامها برأيه، شجاعاً مقداماً، بعيد الغور، شديد الحذر قليل الطمأنينة، بليغاً، مفوهاً، شاعراً، محسناً، سمحاً، سخياً، طلق اللسان "([3]).
هذه قصة شاب طموح ينبغي على الجميع ان يتفهم معانيها وان ندرسها الى ناشئتنا لترفع الهمم التي فترت ولتسقي الطموح الذي بدا يذبل في النفوس في عصر العولمة .


([1]) سير اعلام النبلاء

([2]) تاريخ الاندلس بتصرف

([3]) دولة الاسلام في الاندلس