نُبذة حول منهج الألباني
وأختم بإشارات يسيرة (جدّاً جدًّا) على منهج إمام الدنيا المحدث العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في تصحيحه وتضعيفه للأحاديث، متضمناً إشارات أُخرى في الرد على (نابتة العصر):
قال –رحمه الله- في «السلسلة الصحيحة» (6/594): «...فرجعت إلى المصادر القديمة التي هي عمدة المتأخرين في التراجم كالبخاري وابن أبي حاتم وغيرهما, فوجدتُ... ».
وقال: «واعلم أيها القارىء الكريم؛ أن مثل هذا التحقيق يكشف لطالب هذا العلم الشريف أهمية تتبع طرق الحديث, والتعرف على هوية رواته, فإن ذلك يساعد مساعدة كبيرة جداً على الكشف عن علة الحديث التي تستلزم الحكم على الحديث بالسقوط, وهذا ما لا يفعله جماهير المشتغلين بهذا العلم قديماً وحديثاً, وحسبك دليلاً على هذا الذي أقول, موقف المنذري والهيثمي والمناوي مِن هذا الحديث وتقويتهم إياه.
وقد اغتر بهم بعض المتأخرين من المقلدين... ». [«السلسلة الضعيفة» (4/264) ]
وقال: «إن حديث الترجمة منكر, وإن تعددت طرقه, وكثر رواته, لمخالفتهم لمن هم أكثر عدداً, وأقوى حفظاً, فلا جرم أن أعرض عنه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم, وهو مثال صالح من الأمثلة الكثيرة التي تؤكد أن قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها, وأن تطبيقها لا يتيسر أو لا يجوز إلا لمن كان على معرفة قوية بأسانيد الأحاديث ورواتها، كما يدل من جهة أخرى على تساهل ابن حبان في «صحيحه» بإخراجه لهذا الحديث المنكر فيه ». [«السلسلة الضعيفة» (5/133)]
وقال ناصحاً بالاستعانة بأهل الاختصاص في علم الحديث، وفي الوقت نفسه منتقداً جماهير الكتاب في عدم اهتمامهم في بيان مرتبة الحديث الذي يستدلون به: «... والسبب واضح؛ وهو أنهم (لا يعلمون)، ولكن هذا ليس عذراً لهم ؛ لأن بإمكانهم أن يستعينوا بأهل الاختصاص من المعروفين بتخصصهم في علم الحديث، والعارفين بصحيحه وضعيفه، سواء كانوا من الأئمة السابقين كالإمام أحمد والبخاري ومسلم ونحوهم، أو مِن الحفاظ اللاحقين كالحافظ الزيلعي والذهبي والعراقي والعسقلاني وأمثالهم». [«السلسلة الضعيفة» (10/439)]
وقال –أيضاً- منتقداً الشيخ عبدالقادر السندي –رحمه الله-: «...لأن مثل هذه المخالفة مِن مثل هذا المتأخر زَمنًا وَعِلْمًا مما لا سبيل إليه إلا بالرجوع إلى أهل الاختصاص الحفاظ؛ الذين بوسعهم الاطلاع على تدليسات الراوي ثم إيداعه في المنزلة التي يستحقها بالنظر إلى تدليسه قلة وكثرة، لذلك؛ أقول للشيخ السندي: (ليس هذا عشك فادرجي).
نعم؛ للمتمكن في هذا العلم أن يُرجح قولاً على قول للمتقدمين، وأما أن يعارضهم برأي من عنده، ليس بالرجوع إلى قواعدهم، فهذا مما لا يجوز أن يقع فيه طالب العلم كما صنع هذا السندي». [«السلسلة الضعيفة» (12/915)]
وقال ناصحاً لأحد أفاضل كبار العلماء حيث بنى على حديثٍ منكرٍ: «خطبةً مِن خُطَبِه، وقدّم له بمقدمة وجيزة ووصفه بـ (الحديث العظيم) تقليداً لابن تيمية وابن القيم، وسكوت الشيخ إسماعيل الأنصاري عليه في تعليقه على «الوابل الصيب»؛ فلعل الفاضل يعيد النظر في الحديث، ويتبع فيه أقوال الأئمة النقاد الذين أجمعوا على استنكاره، فإنهم المرجع في هذا الأمر؛ لاختصاصهم به، والفاضل معنا في ذلك، والحمد لله. وبالله التوفيق». [«السلسلة الضعيفة» (14/1241) ]
وقال –متراجعاً-: ((..وأقره الذهبي في «تلخيصه»، وأكده بقوله: «لا أعرف زيداً هذا».
وتبعه ابن الملقن في «مختصر الاستدراك» (1/ 513)، وتبعه المعلق عليه، واستشهد بي!(1) فقد كنتُ قد خرَّجتُ الحديث تخريجاً مختصراً في «غاية المرام» (197/ 328)، لم تتيسر لي يومئذ ما تيسر لي الآن من المصادر والمراجع، والحمد لله، فكان لا بد من الاعتماد على من تقدم من الحفاظ، وبخاصة منهم الذهبي النقاد.
ثم تبين لي أن الرجل ثقة، وتعجبت كل العجب من تتابع الحفاظ على عدم معرفتهم إياه؛ مع أنه مترجم في كتب التراجم القديمة التي هي المرجع في كثير من الترجمات الواردة في كتب الحفاظ المتأخرين كالذهبي، والمزي، والعسقلاني، وغيرهم...)). [«السلسلة الضعيفة» (14/351)]
وقال: «وأرى أن هذا أمر لا بد منه، أن يستفيد المتأخر من المتقدم من أهل العلم، ولا يغتر بما عنده ؛ كما عليه كثير من الناشئين اليوم! ومن نافلة القول أن أذكر الشرط في ذلك، وهو ما لم يظهر خطؤه». [«السلسلة الضعيفة» (14/336) ]
وقال: «فالعجب مِن بعض المشتغلين بهذا العلم في العصر الحاضر، من الذين لا يعبأون باجتهادات الحفاظ الذين سبقونا في هذا المجال، وتعقيباتهم على بعض الحفاظ المتقدمين، وبخاصة من كان معروفاً بالتساهل فى التوثيق كابن حبان مثلاً! فقد رأيت اتفاق رأي الحافظ ابن حجر مع الذين حكموا بجهالة (أبي سليمان الليثي)، وترجيحه لضعف الراوي عنه، مع هذا كله ترى الأخ الداراني في تعليقه على «موارد الظمآن» (8/ 100) يعرض عن ذلك كله، ويقول: «إسناده حسن»! تقليداً لابن حبان! الذي لا يكاد يخالفه في توثيقه للمجهولين والضعفاء إلا فيما ندر!». [«السلسلة الضعيفة» (14/321)]
وقال: «فالعلة إذن هو ابن عقيل الذي دارت عليه الطرق ؛ فإنه مختلف فيه(2) - كما في «الفتح» (10/10) - والذي استقر عليه رأي الحفاظ المتأخرين هو تسليك حديثه وتحسينه...». [«السلسة الضعيفة» (13/1035)]
وقال عن (شهر بن حوشب): «اختلفت فيه أقوال الحفاظ المتقدمين منهم والمتأخرين، وغاية ما قيل في حديثه أنه حسن ؛ وذلك يعني: أن في حفظه ضعفاً، وذلك مما صرح به مَن جرحه – كأبي حاتم وابن عدي وغيرهما -، وهو الراجح الذي دل عليه تتبع أحاديث... ». [«السلسلة الضعيفة» (14/769)]
وقال عن (سعيد بن زكريا المدائني أبو عمر، أو أبو عمرو): «وهذا هو الذي يصدق عليه قول الهيثمي المتقدم: «اختلف في ثقته وجرحه» ؛ فقد ذكروا في ترجمته نحو عشرة أقوال متضاربة: ما بين موثق، ومضعف، ومتوسط، ولعل أقربها ما رواه الأثرم عن الإمام أحمد قال: «كتبنا عنه، ثم تركناه. فقلت له: لم ؟ قال: لم يكن به - أرى - في نفسه بأس، ولكن لم يكن صاحب حديث».
وهذا جرح مفسر ؛ فمثله قد يحسن حديثه ؛ إن وجد له شاهد أو متابع.... ». [«السلسلة الضعيفة» (14/988)]
والأمثلة على الاختلاف في الحكم على الرواة مشهورة ومعلومة، وما ذكرناه إلا نتفاً يسيرة مِن ذلك.
والحمد لله ربّ العالمين.
ــــــــــ
(1) هل سيرجع المعلقُ على «المختصر» كما رجعَ الشيخ؟
(2) الرواة المختلف فيهم كثرٌ جداً بين أئمة المتقدمين -أنفسهم-، فضلاً عن اختلافهم في تصحيح أو تضعيف حديث –ما-، فما مَخْرَجُ القوم مِن هذه الورطة؟!