ضعف حديث ابتداء الطواف :
( بسم الله ، والله أكبر ، اللهم إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعاً لسنة نبيك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) .
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير (2/241) :
" حديث عبد الله بن السائب أنه كان يقول في ابتداء الطواف : " بسم الله ، والله أكبر ، اللهم إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، ووفاءً بعهدك ، واتباعاً لسنة نبيك " . لم أجده هكذا ، وقد ذكره صاحب المهذب من حديث جابر ، وقد بيض له المنذري والنووي وخرجه ابن عساكر من طريق ابن ناجية بسند له ضعيف .
ورواه الشافعي عن ابن أبي نجيح ، قال : أُخبرت أن بعض أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يا رسول الله ، كيف نقول إذا استلمنا ؟ قال : " قولوا : بسم الله ، والله أكبر ، إيماناً بالله ، وتصديقاً بما جاء به محمد " .
قلت : وهو في الأم عن سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ..... ورواه الواقدي في المغازي مرفوعاً " . انتهى .
فالحديث مرفوعاً لا يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
كلام العلماء على القول بهذا الدعاء في الطواف :
قال الفاكهي في أخبار مكة (1/100 ، 101) :
حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة ، قال : حدثنا ابن المقرئ ، قال : حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : " قول الناس في الطواف : اللهم إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، شيء أحدثه أهل العراق " .
وقال ابن الحاج في المدخل (4/225) : " سئل مالك ـ رحمه الله ـ عن قول الطائف : إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ، فقال : هذه بدعة . لم يحدّ في ذلك حداً من قول مخصوص أو دعاء ، بل يدعو بما تيسر له .. " . أهـ
وذكر الشيخ الألباني في حجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بدع الطواف : " قولهم عند استلام الحجر : اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك " .
وقد روي هذا الدعاء موقوفاً عن :
(1) علي بن أبي طالب .
(2) وابن عباس .
(3) وابن عمر ـ رضي الله عنهم ـ ، ولا يثبت ذلك عنهم .
(1) أثر علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ :
رواه أبو داود الطيالسي في مسنده (174) ، ومسدد في مسنده ـ كما في إتحاف الخيرة المهرة (3/189) ـ وابن أبي شيبة في مصنفه (4/105) و (10/367) والفاكهي في أخبار مكة (1/99 ، 100) ، والطبراني في الأوسط (1/157) ، وفي الدعاء (2/1200) ، والبيهقي في الكبرى (5/79) من طريق أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنهُ كانَ إذَا مَرَّ بالحَجَرِ الأسودِ فَرَأَى عليهِ زِحَاماً اسْتَقْبَلَهُ وكَبَّرَ، وقالَ : " اللهمَّ تصديقاً بكِتَابِكَ وسُنَّةِ نَبِيِّكَ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " .
قال البيهقي : " ورُوِيَ من وجه آخر عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ؛ أنهُ كانَ يقولُ إذَا اسْتَلَمَ الحَجَرَ : " اللهمَّ إيمَاناً بِكَ وتَصْدِيْقاً بِكِتَابِكَ، واتِّبَاعاً لِسنة نَبِيِّكَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
وإسناده ضعيف جداً ، فيه الحارث الأعور . صاحب علي ، كذّبه الشعبـي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف . تقريب تهذيب (1139)
قال مُسْلم بن الحَجَّاج : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا جرير عن مُغيرة ، عن الشَّعْبـي ، قال : حدثني الحارث الأعور الهمْداني وكان كَذَّاباً. تهذيب الكمال (4/40) .
قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (3/189) : " مدار الإسناد على الحارث الأعور وهو ضعيف " .
وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (3/157) حديث رقم (1049) : " هذا إسناد واهٍ من أجل الحارث وهو الأعور وهو ضعيف " .
(2) أثر عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ :
روي عنه من طريقين :
الطريق الأولى :
رواه عبد الرزاق في المصنف (5/33 ، 34) ، ومن طريقه الطبراني في الدعاء (2/1201) عن محمد بن عبيد الله ، عن جوبير ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه كان إذا استلم قال : " اللهم إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك وسنة نبيك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
إسناده واه بالمرَّة ، وإن شئت قل : إسناده ساقط بالمرَّة . فهو طريق لا يَعْبَأُ به أحد يدري ما الحديث .
(أ) فيه محمد بن عبيد الله وهو ابن أبي سليمان العرزمي ، متروك .
قال البخاري في التاريخ الكبير (1/123) : " تركه ابن المبارك ويحيى " .
وقال الذهبي في " الكاشف فى معرفة من له رواية فى الكتب الستة " (3/64) : " قال أحمد : ترك الناس حديثه " . انظر العلل ومعرفة الرجال (1/313) .
قال النسائي في الضعفاء والمتروكين (2/230) : " متروك الحديث " .
(ب) وفيه جوبير ، وهو ابن سعيد الأزدي ، ضعيف جداً . انظر التقريب (987) .
(ج) وفيه ـ أيضاً ـ انقطاع بين الضحاك بن مزاحم وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ
فالضحاك بن مزاحم ، صدوق كثير الإرسال ـ كما في التقريب (2978) ـ .
قال الدارقطني في سؤالات البرقاني ص (38) : " لم يسمع من ابن عباس " .
وقال المزي في تهذيب الكمال (9/175) : " وقال أبو داود الطيالسي ، عن شُعبة : حدثني عبد الملك بن مَيْسَرة ، قال : الضحاك لم يلق ابن عباس .
وقال أبو أسامة ، عن المُعَلَّى ، عن شُعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة ، قلت للضحاك: سمعتَ من ابن عباس ؟ قال : لا . قلت : فهذا الذي تُحَدِّثُه عَن مَن أخذْتَه ؟ قال : عن ذا ، وعن ذا .
وقال علي بن المديني ، عن يحيى بن سعيد : كان شعبة لا يحدِّث عن الضحاك بن مُزاحم ، وكان يُنْكِر أن يكون لقِيَ ابن عباس قطّ " .
الطريق الثانية :
رواه عبد الرزاق أيضاً في المصنف (5/34) عن بعض أهل المدينة ، عن الحجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس نحوه .
وإسناده ضعيف :
(أ) فيه مبهم " عن بعض أهل المدينة " .
(ب) وفيه الحجاج ، وهو بن أرطأة ، صدوق كثير الخطأ والتدليس ـ التقريب (1119) ـ وقد عنعن .
قال ابن حجر في طبقات المدلسين (117) : " حجاج بن أرطاة الفقيه الكوفيّ المشهور، أخرج له مسلم مقروناً ، ووصفه النَّسائي وغيره بالتدليس عن الضعفاء، وممن أطلق عليه التدليس : ابن المبارك ، ويحيى بن القَطّان ، ويَحيى بن معين ، وأحمد . وقال أبو حاتم : إذا قال : حدثنا فهو صالح وليس بالقوي " . أهـ
(3) أثر عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ :
رواه العقيلي في الضعفاء (1695) ، والطبراني في الأوسط (5486) ، (5843) ، وفي مسند الشاميين (1409) ، وأبو ذر الهروي ـ كما في جلاء الأفهام لابن القيم ص 559 ، 560) ـ من طريق عون بن سلام ، عن محمد بن مهاجر ، عن نافع ، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه كان إذا أراد أن يستلم الحجر قال : " اللهم إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك وسنة نبيك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم يصلي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وهذا الإسناد منكر :
محمد بن المهاجر ، وهو القرشي الكوفي يروي عن نافع وعنه عون بن سلام .
قال العقيلي في الضعفاء : " محمد بن مهاجر القرشي ، عن نافع .
حدثني آدم ، قال : سمعت البخاري ، قال : محمد ابن مهاجر القرشي ، عن نافع لا يتابع على حديثه " . أهـ
قال الذهبي في ميزان الإعتدال (6/346) : " قلت : ولا يُعرف " .
وقال الحافظ في التهذيب (5/339) : " ذكره ابن حبان في «الثقات». قلت : قال البخاري : لا يتابع على حديثه " .
وقال في التقريب (7177) : " ليّن " .
ومن هنا تعلم أن قول الهيثمي في المجمع (3/240) ، والسخاوي في القول البديع (ص 397) : " رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح " ليس بصحيح .
قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في الضعيفة (3/157) حديث رقم (1049) : " موقوف ضعيف " .
وقال متعقباً قول الهيثمي : " والظاهر أن الهيثمي توهم أنه محمد بن مهاجر ابن أبي مسلم الأنصاري الشامي ؛ فإنه من رجال مسلم ، وهو ثقة ومن طبقة هذا ، ولكنه ليس به ، وليس من شيوخ نافع ، ولا من الرواة عنه عون بن سلام بخلاف الأول " .
المحفوظ عن ابن عمر :
والمحفوظ عنه ـ رضي الله عنه ـ أنه كان إذا استلم الحجر قال : " بسم الله ، والله أكبر " .
رواه عبد الرزاق في المصنف (5/33) ، ومن طريقه الطبراني في الدعاء (2/1201) ، والبيهقي في السنن الكبرى (5/79) من طريق نافع ، عن ابن عمر به .
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير (2/241) :
" وروى البيهقي ، والطبراني في الأوسط والدعاء ، من حديث ابن عمر ؛ أنه كان إذا استلم الحجر قال : " بسم الله ، والله أكبر " . وسنده صحيح " . أهـ
الثابت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ابتداء الطواف :
عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : " طَافَ النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالبيت عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكن أَشار إليه بشىء كان عنده وكبر ".
أخرجه أحمد (2378) ، والدارمي (1845) ، والبخاري (1612) ، (1613) ، (1632) ، (5293) ، والترمذي (865) ، والنسائي في الصغرى (5/233) , وفي الكبرى (3912) ، و ابن خزيمة (2722) ، (2724) .
قال الحافظ في الفتح (4/277) : " وفيه استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوفة ". أهـ
وقال العيني في عمدة القاري (9/256) : " فدل هذا على استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوفة " .
والمراد بالشيء : المحجن ـ كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند (2776) وغيره : عن عكرمة ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ، قال: «جاء النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وكان قد اشتكى ، فطاف بالبيت على بعير ومعه محجن ، كلما مر عليه استلمه به ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين ».
هذا والله تعالى أعلم .