كتاب الحج
51 - ما يفعله بعض الناس من الإكثار من العمرة بعد الحج من التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما وقد سبق أن اعتمر قبل الحج فلا دليل على شرعيته، بل الأدلة تدل على أن الأفضل تركه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يعتمروا بعد فراغهم من الحج، وإنما اعتمرت عائشة من التنعيم؛ لكونها لم تعتمر مع الناس حين دخول مكة بسبب الحيض، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتمر بدلاً من عمرتها التي أحرمت بها من الميقات، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، وقد حصلت لها العمرتان: العمرة التي مع حجها، وهذه العمرة المفردة، فمن كان مثل عائشة فلا بأس أن يعتمر بعد فراغه من الحج؛ عملاً بالأدلة كلها، وتوسيعاً على المسلمين .ولاشك أن اشتغال الحجاج بعمرة أخرى بعد فراغهم من الحج سوى العمرة التي دخلوا بها مكة يشق على الجميع، ويسبب كثرة الزحام والحوادث، مع ما فيه من المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته . (16 / 47)
52 - الواصل إلى الميقات له حالان:
إحداهما: أن يصل إليه في غير أشهر الحج، كرمضان وشعبان، فالسُنَّة في حق هذا أن يحرم بالعمرة فينويها بقلبه ويتلفظ بلسانه قائلاً: (لبيك عمرة)، أو (اللهم لبيك عمرة)، ثم يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم فإذا وصل إلى البيت قطع التلبية، وطاف بالبيت سبعة أشواط، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم خرج إلى الصفا وطاف بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثم حلق شعر رأسه أو قصَّره، وبذلك تمت عمرته وحلَّ له كل شيء حُرِّمَ عليه بالإحرام .
الثانية: أن يصل إلى الميقات في أشهر الحج، وهي شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة . فمثل هذا يخير بين ثلاثة أشياء، وهي الحج وحده والعمرة وحدها، والجمع بينهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى الميقات في ذي القعدة في حجة الوداع خير أصحابه بين هذه الأنساك الثلاثة لكن السُنَّة في حق هذا أيضا إذا لم يكن معه هدي أن يحرم بالعمرة والسُنة في حق من ساق الهدي أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك (16 / 47)
53 - إن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه استحب له أن يقول عند إحرامه: " فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني"[1]؛ لحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها، أنها قالت: يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني"[2] متفق عليه .وفائدة هذا الشرط: أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه من مرض أو صد عدو جاز له التحلل ولا شيء عليه (16 / 49)
54 - لا ينوي الدخول في النسك ولا يلبي بذلك إلا إذا حاذى الميقات أو دنا منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُحرم إلا من الميقات، والواجب على الأمة التأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك كغيره من شئون الدين (16 / 44)
55 - يُشرع له – الحاج - التلفظ بما نوى، فإن كانت نيته العمرة قال: (لبيك عمرة) أو (اللهم لبيك عمرة)، وإن كانت نيته الحج قال: (لبيك حجاً) أو (اللهم لبيك حجاً)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وإن نواهما جميعاً لبى بذلك فقال: (اللهم لبيك عمرة وحجاً)، والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أهلَّ بعدما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقات للسير، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم . (16 / 41)
56 - أداء الصلاة قبل الإحرام ليس شرطاً في الإحرام وإنما ذلك مستحب عند الأكثر، والمشروع له أن ينوي بقلبه ما أراد من حج أو عمرة ويتلفظ بذلك بقوله: "اللهم لبيك عمرة" أو "اللهم لبيك حجة " أو بهما جميعاً إن أراد القران كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، وليس التلفظ شرطاً بل تكفي النية ثم يلبي التلبية الشرعية وهي: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". وهذه هي تلبية النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه في الصحيحين وغيرهما (17 / 67)
57 - ركعتا الإحرام سنة عند الجمهور، وبعض أهل العلم لا يستحبها؛ لأنه لم يرد فيها شيء مخصوص . والجمهور استحبوها؛ لما ورد في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة"[3] أي في وادي العقيق في حجة الوداع وجاء عن بعض الصحابة أنه صلى ثم أحرم، فاستحب الجمهور أن يكون الإحرام بعد صلاة إما فريضة وإما نافلة يتوضأ ويصلي ركعتين والحائض والنفساء ليستا من أهل الصلاة فتحرمان من دون صلاة ولا يشرع لهما قضاء هاتين الركعتين (17 / 68)
58 - المشروع له أن ينوي بقلبه ما أراد من حج أو عمرة ويتلفظ بذلك بقوله: "اللهم لبيك عمرة" أو "اللهم لبيك حجة " أو بهما جميعاً إن أراد القران كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، وليس التلفظ شرطاً بل تكفي النية ثم يلبي التلبية الشرعية وهي: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك " . وهذه هي تلبية النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه في الصحيحين وغيرهما (17 / 67)
59 - النية محلها القلب وصفتها أن ينوي بقلبه أنه يحج عن نفسه أو عن فلان أو عن أخيه أو عن فلان بن فلان هكذا تكون النية، ويستحب مع ذلك أن يتلفظ فيقول: اللهم لبيك حجاً عن فلان أو لبيك عمرة عن فلان عن أبيه أو عن فلان بن فلان حتى يؤكد ما في القلب باللفظ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تلفظ بالحج وتلفظ بالعمرة، فدل ذلك على شرعية التلفظ بما نواه تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام وهكذا الصحابة تلفظوا بذلك كما علمهم نبيهم عليه الصلاة والسلام وكانوا يرفعون أصواتهم بذلك هذا هو السنة ولو لم يتلفظ واكتفى بالنية كفت النية (17 / 71)
60 - إذا كان - الصبي - دون السابعة ليس له نية، بل ينوي عنه وليه وهو الذي يتولى الحج به من أب أو أم أو غيرهما؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن امرأة رفعت للنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع صبياً فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج ؟ قال: "نعم ولك أجر"[4]، ولما روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: "لبينا عن الصبيان ورمينا عنهم"[5] أما إذا كان الصبي قد بلغ السابعة أو أكثر فإنه يعلمه وليه النية وغيرها (17 / 72)
[1]- رواه البخاري في (النكاح) باب الأكفاء في الدين برقم 5089، ومسلم في (الحج) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه برقم 1207
[2]- رواه البخاري في (النكاح) باب الأكفاء في الدين برقم (5089)، ومسلم في (الحج) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه برقم 1207
[3]- رواه البخاري في (الحج) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم العقيق واد مبارك برقم 1534
[4]- رواه مسلم في (الحج) باب صحة حج الصبي برقم 1336
[5]- رواه ابن ماجة في (المنسك) باب الرمي عن الصبيان برقم 3038