بعد بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أرجو منكم أن تفيدوني في هذه الشبه الخطيرة التي أصبحت تنغص علي حياتي. هذه الشبه التي أخذت تتسرب إلى قلبي رويدا رويدا وتنغص حياتي ووالله إني أعلمك ياشيخي أني لم أبعث بهذه الرسالة إلا بعد أن استفحل المرض فلا تعتقد أني بعثتها من أجل المجادلة , وإنما بعثتها كي تطمئن نفسي وتركن من وساوسها , وإني والله ياشيخي خائف من أن يعاقبني الله على ذكرها فلا أذكرها لك من باب الإنكار وعدم الرضوخ لأوامر الله وإنما من باب قلة العلم والجهل, إن هذه الأفكار قد أخذت تتسرب إلى قلبي منذ ما يقارب السنتين وكان مصدرها هذه النفس الخبيثة الأمارة بالسوء دون أن أتعرض إلى الشبه التي يلقيها أعداء الإسلام وإني والله ياشيخي خائف أن يكون ذلك عقابا ربانيا على ما اقترفت يداي من المعاصي , ومنذ ذلك الوقت بدأت تتسرب إلى قلبي شبهة بعد شبهة حيث أصبحت مذ ذلك الوقت أفكر في أحكام هذا الدين الحنيف فينتاب هذا العقل المحدود التساؤلات الكثيرة عن الحكمة من تلك التشريعات التي لم توافق هذا العقل المعوج المحدود الأفق ,وعند ذلك يبدأ صراع شرس بين نفسي وشيطاني من جهة وإيماني اليقيني من جهة أخرى ,فتارة تنتصر نفسي وأعوانها وتبدأ بأخذي إلى طرق مظلمة وسوداوية وعندها أكره نفسي وأقول يا ليتني كنت ترابا ,وتارة ينتصر إيماني اليقيني الذي يحصل عن طريق العقل كذلك عن طريق أشياء أخرى يقينية ملموسة كإعجاز القرآن الكريم وغير ذلك فتدفع بتلك الشبهات وترمي بها عرض الحائط وعندها أشعر بنشوة وفرحة ما بعدها نشوة وتستقر نفسي وتهدأ ,ولذلك فحياتي مزيج بين المشاعر السوداوية الكئيبة وبين مشاعر حلاوة الإيمان والتي أنتم أعلم بها ,و مع ذلك فإن سبحانه وتعالى قد هداني لمعرفة الردود على هذه الشبه دون أن أقرأ شيئا عن الرد لتلك الشبه وعندما أقرأ تلك الردود أفاجأ بأنها تطابق ماهداني ربي له وذلك من فضله تعالى ,ولكن المشكلة أنني ما إن أنتهي من شبهة حتى تأتيني شبهة أثقل منها تقسم ظهري وتشل حركتي وأحيانا تكون تافهة لكنها تعلق في ذاكرتي ,وعندما أتذكرها تبدأ الوساوس التي تودي بي إلى ماسبق ذكره دون أن أستطيع السيطرة على نفسي ,فأرجو من الله أن يلهمكم حلا لمشكلتي كي أصل إلى النفس المطمئنة التي تحدث ربي عنها في كتابه العزيز (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) والآن سأعرض لكم بعض هذه التساؤلات وليس جميعها:
الشبهة الأولى : بدأت هذه الشبهة تتسرب إلى قلبي منذ أن درست الطب النفسي كمادة لي في كلية الطب البشري ,فلاحظت من دراستي لهذه المادة أن الناس يتأثرون بشكل كبير بالبيئة المحيطة وخاصة العائلة,فعلى سبيل المثال قرأت أن الشخصيات المسماة في علم النفس بالشخصيات المضادة للمجتمع ,البيئة هي السبب الرئيسي في تطورها ,فهذه الشخصيات لا تراعي بالا للمعايير الإجتماعية والثقافية والدينية ,والمؤهب لذلك هو البيئة الأسرية والاجتماعية المفككة والفقيرة حيث التربية القاصرة والتوجيه الضعيف, فلاحظت أن اختلاف البيئة قد يؤدي إلى عدم تكافؤ الأشخاص من حيث الإقتراب من الخير أومن الشر, أو من الحق أو من الباطل أومن الكفر أو من الإيمان ,فتقربهم هذه البيئة من أفكار وعقائد وطبائع معينة وتبعدهم عن أخرى ,طبعا لا أنكر دور العقل في التمييز لكن البيئة لها دور كبير في التأثير على العقل ,فتقربه من أشياء وتبعده من أشياء ,فلاحظت أن البيئة ذات العقيدة الفاسدة لكن يوجد بعض المنطق في جزء من تلك العقيدة وليس منطقا كاملا, أي يوجد بعض التقاطع مع العقيدة الصحيحة ,أو يوجد بعض الأخلاقيات الحميدة في هذا الدين الفاسد ,أو توجد في هذا الدين بعض الشخصيات التي تمتلك أخلاقا عظيمة تحبها الفطرة الإنسانية ,فتجعل هؤلاء الناس لا ينتبهون للفساد القائم في العقيدة وإذا نبهوا لذلك الفساد ,التفوا على أنفسهم فطمأنوها إما بالجزء الصحيح من العقيدة أوبالأخلاقيات الموجودة عندهم أو بأخلاق رموز دينهم والتي رسموها في مخيلاتهم ,فاطمأنت نفوسهم بذلك وتابعوا حياتهم دون أن يلقوا لذلك بالا,ثم أصبحت تتطور لدي هذه الشبهة عندما عاشرت الطبقة الجاهلة فوجدت الدين عندهم هو تقليد وليس نابع عن يقين وتصديق ,فسألت نفسي أنهم لو ولدوا لا سمح الله وآباؤهم على دين المسيحية أو اليهودية ,عندها لا أعتقد أنهم سيقومون بالتحقق من صحة دينهم ,وسيتابعون حياتهم بناء على ملة آبائهم وأجدادهم,فأسئلت هنا وأنا خجول من ربي على طرح هذه الأسئلة لكنني قد عانيت كثيرا من هذه الشبهات حتى مزقت حياتي ولم اعد أحس لها طعما:
1-ما الفرق بين هذا المسلم المقلد وهذا الذمي المقلد فالإثنان لم يكلفا أنفسهما بالبحث عن الحقيقة ,لكن أحدهما سيخلد في النار والآخر سيخلد في الجنة ,فالمسألة مسألة تخليد وليس مسألة مؤقتة
2-عندما نمحص حياة المسلم الملتزم والمسلم المتفلت نجد أن الملتزم في أغلب الأحيان عائلته ملتزمة وأن المتفلت عائلته متفلتة بعيدة عن الدين حتى في الأفكار فعندما نجد امرأة غير متحجبة نجد أن أمها في أغلب الأحيان غير متحجبة
الخلاصة :ألاحظ أن التقليد في أغلب الأحيان هو الذي يتغلب على التجرد في الحكم على الأشياء, أي يتغلب على العقل والمنطق,فأجد القليل جدا من الناس من وقف موقف الحياد من دينه ثم بحث عن الحقيقة فإن وجدها على حق انتقل من التقليد إلى اليقين, وإن وجدها على باطل انتقل من الباطل إلى الحق ,حتى إنني لا أشاهد ذلك في الشرق وإنما أشاهده بشكل أكبر في الغرب,حيث الآباء في الشرق منذ نعومة أظفار أبنائهم يكثرون من الحديث عن الدين وعن المقدسات في دينهم ويسردون لهم من القصص العاطفية المؤثرة التي تحببهم بشخصيات وتكرههم بأخرى ,هذه القصص تبنى على أخلاق أشخاص أومواقف أشخاص أوعدل أشخاص وليس على اعتقادهم فيتعلقون بدينهم تعلق عاطفة ومشاعر وليس تعلق عقل ومنطق فعلى سبيل المثال :
قصة سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا علي وزوجته فاطمة الزهراء التي اختلقها الشيعة عندما ضرب سيدنا عمر بن الخطاب فاطمة الزهراء فكسر ضلعها إلى آخر رواياتهم ,فمنذ نعومة أظفار أطفالهم نجد هذه القصة وما شابهها تتردد على مسامعهم حتى يتولد الحقد على سيدنا عمر وتحدث المغالاة في حب سيدنا علي وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ,فمهما حاورتهم بعد ذلك لا تجد فائدة من ذلك لأنهم كما أظن قد ارتسمت من صغرهم صورة معينة من الصعب أن تكسرها وتحطمها لتبني صورة أخرى ,فالتقليد عند بلاد الشرق مبني على اسس متينة من العاطفة والمشاعر منذ الصغر والتي من الصعب أن تحطمها لتبني صورة على أساس العقل والمنطق ,أما في الغرب فتجد أنهم متحررين من سيطرة هذه الصور فتعلقهم بدينهم سطحي بسيط وآباؤهم لا يلقون اهتماما لأبنائهم من ناحية الدين ,فسؤالي هنا وبصراحة مع أن هذه الصراحة قد تكون غير مؤدبة لكني مضطر إليها حتى أتخلص من الهم والحزن الذي يرافقني في حياتي :هل المقلدون غير المسلمون جميعهم في النار مع أن الذين انتقلوا من التقليد إلى العقل والمنطق أي من غير الإسلام إلى الإسلام عددهم قليل جدا في هذا الزمان,
3-نجد في هذا الزمان أنه عندما يعرض الإسلام على شخص غير مسلم وخاصة في الغرب فتجده قد بدأ بالسخرية منا ومن ديننا الحنيف ,فسرعان ما يتهمه بالعنف والقتل والعدوان والجهل والتخلف وحب النساء ويعود السبب في ذلك إلى أفعالنا التي لا تنتمي لديننا الحنيف بشيء من جهة ,والتي اعتقد البعض أنها من ديننا, وإلى التضخيم الإعلامي والحملة الإعلامية الشرسة التي قام بها أعداؤنا حتى إن بعض المسلمين قد ساعدوهم في ذلك فعرضوا الإسلام بصورة مشوهة
والسؤال هنا:هل الإنسان غير المسلم الذي يتعرض للشبهات المثارة حول الإسلام والتي أصبحت كالجبال العالية في وجه الحق ,فالإنسان لكي يصل للإسلام الحقيقي يجب أن يتجاوز هذه الجبال التي وضعها أعداء الإسلام في وجه الحق ,فهل هؤلاء الناس محاسبون كغيرهم أم أن ذلك عذرا لهم.
4-هناك طبقة من الناس المحاكمة لديهم غير صحيحة فلا يستطيعون التمييز بين الحق والباطل ,فلذلك هم يعتمدون على آراء وأفكار غيرهم ,وخاصة الأشخاص الذين يثقون بهم , وإن هناك أناس لا يثقون بأنفسهم فيعتقدون أن تفكيرهم غير سليم ,وأنهم غير مؤهلين للتفكير في صحة دينهم ,فيعتمدون على من يثقون بهم وخاصة الأهل ,فهم يرددون مايقوله آباؤهم ,لأن ثقتهم بأهلهم أكبر من ثقتهم بأي شيء آخر.
الشبهة الثانية:عندما نتأمل في الناس على اختلاف عقائدهم نجد أن هناك في كل طائفة أناس مخلصون لدينهم وعقيدتهم يضحون بالغالي والثمين لنصرة دينهم وتراهم في كل أوقاتهم يتوجهون إلى ربهم بصدق وإخلاص أن يرضى عنهم ,فهل الله سبحانه وتعالى يهديهم إلى العقيدة الصحيحة إن كانت عقائدهم باطلة , ,وأرى ذلك خاصة في طوائف المسلمين كالشيعة الإمامية , فترى بعضهم يقرأ في كل صلاة اهدنا الصراط المستقيم ويبكي ويتوجه إلى ربه بصدق بالأدعية المختلفة, طبعا وهو موحد فهل الله تعالى يهديه إلى الصراط المستقيم ويأخذ بيده إلى أهل السنة والجماعة أم يبقى على حاله حتى لو أخلص في دعائه, وكذلك الحال بالنسبة للمتصوفة والسلفية فهناك من المتصوفة ماتجده يمضي ليله ونهاره يذكر ربه ويدعوه بصدق ويرجو رضاه وكذلك الأمر بالنسبة للسلفية فهناك منهم ما يفعل ما فعله المتصوف ولكنه مع ذلك لا تجد أنهما أصبحا على مذهب واحد وإنما بقيا مختلفين وعندما تقول أن الخلاف فرعي, فأقول لك ليس كذلك, لأنك قد تجد أحدهما يكفر الآخر وعندما تقول أنه لا يوجد إخلاص في الدعاء, فأقول لك إني أعرف من كلا الطرفين أناس صدقو ماعاهدوا الله عيه فأرجو من الله أن يلهمكم جوابا لهذا التساؤل
الشبهة الثالثة :فهي عبارة عن شبهة ألقاها علي صديق لي كان قد سألني إياها وتقول(إن سيدنا نوح عليه السلام قد أقام في قومه لمدة 950عام بنص القرآن وأنا أعرف أن الإسلام قد نفى أن الإنسان يتطور عبر الأزمان عن طريق رفض النظرية الداروينية,ويقو القرآن والسنة النبوية أن أعمار السابقين وأطوالهم كانت كبيرة جدا وعندما تقول لي أن نظرية داروين كانت بتغير النوع فهنا نجد أن هناك كذلك تغيرا في صفات النوع البشري فالمعروف أن أجهزة الجسم يصيبها التلف مع الزمن وعمرها الوسطي لا يتجاوز ال80سنة فهذا تساؤلي ولا تعتقد أنني أنكر أي شيء في القرآن والعياذ بالله وإنما من باب العلم بالشيء كي لا أترك للشيطان ثغرة ينفذ بها إلي )
الشبهة الرابعة: عن الخلود بالنار فأنا أؤمن به إيمانا يقينيا لكن شيطاني ونفسي الخبيثة قد اتخذوا من جهلي الكبير وحماقتي مدخلا إلى عقيدتي الراسخة كي ينالوا منها ويودوا بي إلى الضلال والعياذ بالله, فأرجو من الله أن يلهمكم حلولا شافية لهذه التساؤلات والأهم من الرد على أسئلتي الدعاء لي بقلب صادق متيقن من الإجابة في ظهر الغيب فإن الله يقول في كتابه العزيز (ومن يضلل الله فما له من هاد) فأرجو من الله أن أكون من أولئك الذين قال فيهم (ومن يهد الله فما له من مضل) وأرجو منكم أن لا تتأخروا علي بالإجابة فأنا سوري وأخاف أن أسقط شهيدا في إحدى المظاهرات وعقيدتي فيها خلل أو فساد, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.