المطلب الخامس
تَفَضُّلُ الله بإنزال القرآن
من مظاهر عظمة القرآن الكريم أن الله تعالى أثنى على نفسه الشَّريفة لتفضله بإنزاله، وعلم عباده أيضاً كيف يثنون عليه تعالى من أجل إنزال الكتاب .
فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} [الكهف: 1].
من أسباب هذا الثناء:
أما لماذا تفضَّل عزَّ وجلَّ، ولماذا وجب الحمد؟ فهو ما يوضحه الشنقيطى رحمه الله بقوله:
" علم الله جل وعلا عباده في أول هذه السورة الكريمة أن يحمدوه على أعظم نعمة أنعمها عليهم. وهي إنزاله على نبينا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم، الذي لا اعوجاج فيه؛ بل هو في كمال الاستقامة. أخرجهم به من الظلمات إلى النور. وبين لهم فيه العقائد، والحلال والحرام، وأسباب دخول الجنة والنار، وحذرهم فيه من كل ما يضرهم، وحضهم فيه على كل ما ينفعهم، فهو النعمة العظمى على الخلق، ولذا علمهم ربهم كيف يحمدونه على هذه النعمة الكبرى "(1) .
وإذا كان من دواعى تفضله تعالى كونه أنزل الكتاب مستقيماً لا عوج فيه .. فإنَّ من الدَّواعى أيضاً كونه نذيراً .. ومن أنذرك فقد حذَّرك، ومن حذَّرك وقاك من الخطر.
ومن ثناء الله تعالى على نفسه الشَّريفة لتفضُّله بإنزال القرآن قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].
" فهذا بيان لعظمة الله الكاملة، وتفردَّه بالوحدانية من كل وجه، وكثرة خيراته وإحسانه، فمعنى {تَبَارَكَ}: تَعَاظَمَ وكملت أوصافُه، وكَثُرت خيراتُه، والتى أظَمُها وأفضلُها أنَّ نَزَّلَ هذا الفرقان، الفارقَ بين الحلال والحرام، والهدى والضلال، وأهل السَّعادة والشَّقاوة "(2) .
المطلب السادس
اقتران أسماء الله بتنزيل القرآن
فمن مظاهر عظمة القرآن أن الله تعالى عرف ببعض أسمائه الحسنى ذات الأثر البالغ فى حياة العباد عند الحديث عن تنزيل القرآن، ليكون إقبالُهم على الكتاب المُنزَّل إقبال من يعرف قدره ويدرك شأنه وعظمته، ويعلم أنَّ مَنْ أنزله يملك تنفيذ وعدِه ووعيدِه .
فمن ذلك قوله تعالى: {حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 1-3].
وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41-42].
وقد تكرر كثيراً فى القرآن، ذكرُهُ بعض أسمائه وصفاته جلَّ وعلا، بعد ذِكْرِ تنزيل القرآن العظيم(3) .
ولا يخفى أنَّ ذِكْرَهُ جلَّ وعلا هذه الأسماء الحسنى العظيمة، بعد ذكره تنزيل هذا القرآن العظيم، يدل بإيضاح على عظمة القرآن العظيم، وجلالة شأنه وأهمية نزوله(4) .
ـــــــــــــــ
(1) أضواء البيان (4/3)
(2) انظر: تفسير السعدى (3/425).
(3) تأمل نماذج لذلك فى الآيات التالية: (آل عمران: 1-3) (ييس: 1-5) (الزمر: 1-2) (غافر: 1-2) (الشورى: 1-3) (الجاثية: 1-2) (الأحقاف: 1-2).
(4) أضواء البيان (7/42).