تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 18 من 18

الموضوع: مسير أم مخير...؟

  1. #1

    افتراضي مسير أم مخير...؟

    كتب بعضهم:

    "وهذه المسألة مما أقض مضجع العبد لله وأقلق باله ، وعلى قدر ما قرأت واطلعت في الكتب والمتون والحواشي والملخصات والمبسوطات على قدر ما ازدت حيرة وعجبا.

    وحق لكل إنسان عاقل أن يحتار في المسألة ولا يصل فيها إلى قرار ويسلم بالعجز والقصور وإلا ماذا أبقى الإنسان لربه إن كان قد أحاط بسر القدر والقدر سر الله في خلقه !!

    أسئلة كثيرة تتلاطم كموج البحر في خلدي .. هل يريد الإنسان إلا إن أراد الله له أن يريد !!!؟؟؟ وإن كانت إرادته بإردة الله فهو الجبر !! وإن كانت حرة مستقلة عن الله فهو العجز لله - سبحانه !!! أمران أحلاهما مر !!
    وهل للإنسان كسب واختيار في غير الخير والشر مع ان كسبه للخير والشر يتأثر بغيرهما مما يحيط بالإنسان!!!؟؟
    هل يختار الإنسان من هو وأين ولد والبيئة التي نشأ فيها والدين الذي لقن في صغره !!!؟؟
    وأليس لهذه الأمور المحيطة بالإنسان منذ نشأته أثر كبير عميق في اختياراته وطريقة تفكيره ونظرته للحياة والإله ، وهل الإنسان إلا ابن بيئته !!!!؟؟؟
    يعني الإنسان لا يختار بيئته تماما مثلما أنه لا يختار لونه وطوله وشكله ، إلا أنه يؤاخذ بكسبه وإرادته المتأثران لا محالة ببيئته التي وجد نفسه مغروسا مجبرا مكرها فيها !!!؟؟؟

    وسألت هنا وهناك ولففت ودرت سائلا عباد الله وخلق الله :
    هل إرادة الإنسان بإرادة الله أم بغير إرادة الله !!!؟؟
    وهل يريد الإنسان إلا ما أراد الله له أن يريد !!!؟؟؟

    وكل من سألت يردد عبارات قراها أو سمعها دون ان يسبر لب القضية ، بل هو للأسف لم يتجاوز طبقة القشرة الخارجية !!

    ودائما كنت أخرج بنتيجة واحدة مؤداها : الجبر لا محالة ، وإلا فالشرك لا محالة !!!!

    ولم تعني وتغني عني كل تلك العبارات المنمقة والجدلية المطولة ، فالأمر يعود إلى مستوى واحد ساذج لا تعقيد فيه ، ودائما ما كنت أسلم لمن أسأل من المشايخ وأنسحب من الحوار لأني أعرف أني بغيتي ليست عنده فأكتفي بالصمت حفظا لمقامه وبعدا عن تكدير صفو المجلس .

    حتى أعثرني الله على شيخ وقور جليل يبدو النور في محيا وجهه ، فتوسمت فيه المعرفة وسألته ..

    فتبسم وقال : يا ولدي هذا سر مصون لا يبلغ كنهه أحد ، غير أنه يكفيك أن تعرف أن الله حكيم عليم ، وأنك لا تحاسب إلا بما تريده أنت بحريتك واختيارك ، انت تختار وتريد الشيء ولكن ذلك لا يكون إلا بارادة الله سبحانه وتعالى لك ان تريد الشيء وتختاره .

    فقلت له : وكيف أحاسب على أمر أردته باراداة الله لي ان أريده !!؟؟

    فقال : بل أردته أنت وما أراده الله لك إلا لأنه علم في الأزل أنك تريده باختيارك !!
    يا بني .. علم الله محيط بكل شيء في الأزل وهذا هو قدره سبحانه وتعالى الذي لا مفر منه فما علمه يكون وفق علمه ووفق ما أملاه في اللوح.
    والله بعلمه الازلي علم أن نفسك بعد ان تخلق وتكون تريد وتختار مثلا في لحظة معينة في مكان معين ان تعصي الله معصية معينة وهذا اختيار منها حر دون املاء ، فكتب الله ذلك في اللوح وفق علمه فلا يكون إلا ما كتبه ، وأراد سبحانه وقوعه فلا يكون إلا ما أراده ، وأراد من نفسك أن تريد ما علم أنها تريده في الأزل فلا تريد الشيء وتوجد الإرادة إلا بارادة الله وجودها ، فأنت الذي اخترت وإن لم تكن عملية اختيار كالتي نعرفها في الدنيا إلا أنك اخترت أصلا كل دقائق حياتك وسكناتك وحركاتك وعلمها الله في الأزل وعلم ما ستختار فأراده وفق علمه فكان ما أراد ، فهو اختيار منك تم قبل أن تكون وعلم الله أن نفسك ستختاره فأراده ، فكل شيء معد سلفا وجاهر كالسيناريو مثلا وأنت تعيد فقط تمثيل كل الخطوات التي سبق لك أن اخترتها وأردتها في علم الله وكلنا نمشي ونعيد تمثيل السيناريو الموضوع لنا سلفا ولكن باختيارنا له قبل أن نوجد ويوجد في علم الله .

    فقلت له : وكيف أريد الشيء وأنا لم أخلق بعد في العدم !!؟؟
    فتبسم وأجاب : ذلك سر الحكيم العليم الذي هو ليس مثلي ولا مثلك ، هو أدرى بهذه النفوس إذ خلقها وهو أدرى بكوامنها وكنهها ، فبعلمه وحكمته البالغة علم اختيار نفسك الحر قبل ان تكون نفسك .

    ولما راى معالم الإعياء على وجهي استطرد قائلا : يا ولدي ليس هذا مما تدركه العقول ولا أنت به مكلف ولا له مجعول ، فلا ترهق نفسك به وسلمه لله سبحانه مع الكف عن الخوض فيه وتنزيه الله عن كل ما لا يليق .
    هو سر لله سبحانه وتعالى لا يطلع عليه خلقه ، وآلية عمله لا نعرفها ولا نستيطع التعبير عنها فنكتفي منها بما تصله عقولنا ونلجم العقل عن الخوض فيما لم نملك مفاتحه ، فالله يحاسبنا على كسبنا وأفعالنا الاختيارية وحاشاه عن الظلم ولا نريد شيئا إلا بارادته سبحانه لنا أن نريده ولا يكون إلا ما يريد ، أما كيف ولمَ ولعل وعسى فلن تقدم ولن تؤخر شيئا ومن من الخلق يستطيع أن يزعم أنه قد أحاط بكل شيء علما وفهما !!


    أراحني جوابه والتزمت مقاله وآمنت بأن للعبد كسب واختيار يخلق الله بموجبه الأفعال ويحاسب العبد عليه دون أن أستطيع أن أفهم آلية الأمر في نفسه وكيف يكون ويتم ، فقط أعلم أن للعبد إرادة وأن الله أراده مريدا للشيء باختياره وارادته".

    فما رأيكم بارك الله فيكم؟

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,277

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    الحمد لله وحده
    أما بعد، فإن مسألة القدر من المسائل التي زلت فيها أقدام وانحرفت فيها أفهام، وخاض فيها عتاة الفلاسفة وأذنابهم من أهل الكلام، فلا زالت أفهامهم تتهافت فيها حتى أسلمتهم إلى الإلحاد في صفات الله، ثم إلى الإلحاد عن دينه جملة واحدة ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولا شك أنه إشكال ليس بالهين، وأنه من محارات العقول، ولهذا نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن الخوض فيه وأمرنا بالإيمان به، مع علمنا بأنه لا يتعارض مع حرية الاختيار التي جعلها الله للعباد حجة عليهم يوم الحساب. فواجب المسلم الموحد التسليم - بيقين لا يساوره شك - بامتناع هذا التعارض، والامتناع عن مطالعة كلام الفلاسفة في ذلك حتى لا تعلق في نفسه الشبهة وتزل قدمه إلى مهاوي الضلال، نسأل الله السلامة.
    ولكن إذا ما أثيرت الشبهة وظهر القول الباطل فإنه يتعين الرد عليه وبيان الخلل فيه.
    فسأستعين بالمولى جل وعلا في رد هذه الشبهة التي أوردها صاحب المقال، وأصبحت متكأ للملاحدة وأذنابهم في إبطال الحق الذي جاء به المرسلون، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    سآتي على ما في مقال الكاتب بالتفصيل - وأشكر للأخ الفاضل نقل الموضوع للتعقيب عليه - ولكن ينبغي التقديم بمقدمة مهمة في الابتداء، أسأل الله التوفيق فيها والسداد.

    فنقول إن هذا التعارض المزعوم بين القدر والاختيار مخالف للنقل والعقل والحس جميعا.
    فأما مخالفته للنقل فإن الله تعالى قد قرر في محكم التنزيل أن الإنسان مختار لنفسه، وأنه قد ألهم الفجور والتقوى (أي أوتي من التمييز والعقل ما به يرى الحق بدليله والباطل بدليله، فيختار على علم)، فارتهنت نفسه يوم البعث بما كسب وبما عملت يداه، فحق عليه الجزاء وقامت عليه حجة ذلك، واعترف يومها بما اقترف، فلا ظلم ولا بخس، وهذا مستفيض في القرءان، منها على سبيل المثال لا الحصر:
    ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)) [البقرة : 286]
    ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)) [المدّثر : 38]
    ((فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) [آل عمران : 25]
    ((لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) [إبراهيم : 51]
    ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)) [آل عمران : 30]
    ((ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ)) [آل عمران : 182]
    ((هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ)) [الأعراف : 53]
    ((وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ)) [فاطر : 37]
    ((وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)) [آل عمران : 145]

    فهذا المعنى مستفيض في القرءان، ومع ذلك يقول جل في علاه:
    ((وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)) [الإنسان : 30]
    ((مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)) [الأعراف : 178]
    ويقول كذلك جمعا بين المعنيين:
    ((بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ)) [الروم : 29]
    ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)) [الجاثية : 23]
    فانظر كيف أن هذا الكفار قد اختار اتخاذ الهوى إلها، اختيار حرا على علم مسبق، ومع هذا، فقد كان - في نفس الوقت - موصوفا بأن هذا إضلال من الله له، وبأنه لا يهديه أحد من دون الله قطّ إن كان الله قد كتب عليه خاتمة الضلالة (نسأل الله العافية)!
    لقد سأل الصحابة رضي الله عنهم - وهم أبر الناس قلوبا وأنقاهم عقولا - رسول الله صلى الله عليه وسلم، في وجه كونهم مطالبين بالعمل والسعي في الحياة الدنيا مع أن آجالهم قد قدرها الله لهم من قبل أن يخلقهم، فقال بأبي وأمي: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له". هذه الكلمات المعدودات، من جوامع الكلم، وفيها فقه المسألة لمن عقلها وتدبرها، نسأل الله الرشاد.
    فالنبي عليه السلام يقرر أن أعمالنا هذه قد كتبت وقضي أمرها من قبل أن نخلق، ومع ذلك فقد أوجب الشارع علينا أن نسعى وأن نختار، مع علمنا بأننا مهما اخترنا من أمرنا فلن نخرج عما كتبه الله لنا من قبل خلقنا، ولكننا معاشر المخاطبين بالرسالات لن نصل إلى ذلك الذي كتبه الله إلا من طريق تقوم به حجة الحساب علينا يوم الحساب، ألا وهو خيارنا الذي اخترناه فيما بين أيدينا من الأمر، وعلمنا بالحس والمشاهدة والعقل جميعا أننا قد اخترناه لأنفسنا ولم نجبر عليه، وكان بوسعنا أن نختار خلافه قبل الإقدام عليه ولكننا اخترناه بعلم ورضى. فهذا هو وجه استحقاقنا للأجر أو العقوبة، فيما علمناه من معنى الثواب والعقاب والعدل وتقرر عندنا بموجب اللغة والحس والقياس العقلي المجرد.. وبهذا لا تقوم لأحد حجة يوم القيامة إن أراد الاحتجاج بالقدر، فقد أحياه الله وأبقاه في الأرض ما كان يسعه به أن يختار خلاف ما اختار، وكان يعلم عاقبة ما ارتضاه لنفسه من اختيار، فلما جاءه أجله، خرج من الدنيا على نحو قد اختاره بعلم فاستحق ما قامت عليه الحجة به!
    وهذا وجه قولنا إنه لا تعارض في الحس والمشاهدة والعقل كذلك، فنحن نرى أننا مختارون وندرك ذلك ولا نجهله، ولا نرى جبرا من أحد على أفعالنا، ولا نرى "تسييرا" لأفعالنا بقوة خارجية تغلب إراداتنا وتقهرنا فلا نملك لها دفعا! وفي الوقت نفسه فإننا نقرر بضرورة العقل أن هذا الكون لا ينضبط إلا بخالق قد كتب في تقديره لكل ذرة من ذراته مستقرا ومستودعا، على علم مسبق تام بما هو كائن في كل ركن من أركان خلقه، فلا يأتي حدث من الأحداث فيه إلا وقد علمه وقدره تقديرا، وعلم ما كان قبله وما هو كائن بعده، وما كان من سواه من احتمالات أخرى لو كانت كيف يكون الحال، وإلا فإن تخلف هذا الوصف عن الخالق = نقص وجهل تأباه العقول السوية في حقه، ولا حقيقة له إلا خروج ذلك الكون عن حكمه وسلطانه التام، ومصيره إلى ورود الخلل على نظامه المحكم، ثم إلى الفوضى والزوال، وهذا باطل بيّن بالعقل والحس جميعا.
    وفي الحقيقة فإن سبب الخلل الذي ساحت فيه عقول الفلاسفة من قبل، ومن تعلق بكلامهم من المتكلمين، إنما هو الخلط في المعاني والمصطلحات، ولا أراه إلا خلطا متعمدا من حيل وألاعيب الشيطان، لتزيين الباطل في أعينهم.
    فعندما يسأل أحدهم السؤال: هل الإنسان مخير أم مسير، فإنه ينبغي أن يحرر مراده أولا بهذا التسيير، هل يقصد به الجبر، الذي حقيقته اضطرار الإنسان إلى عمل يخالف اختياره على علم؟ فإن قالوا نعم فقد كذبوا، فإن هذا يخالف الحس والمشاهدة، ويخالف ما جاء به المرسلون! وإن قالوا لا، ليس هذا ما نقصد، فأين التعارض إذن مع كون الإنسان مخيرا؟؟ لا تعارض البتة! لأن القدر المحسوم مسبقا لمصير الإنسان واختياراته لا يتعارض مع حرية تلك الاختيارات والإرادات على وجه من الوجوه! تلك الحرية التي علم الإنسان - بموجب فهمه لمعنى العدل في سائر ألسنة البشر - أنه يستحق من أجلها الجزاء على اختياراته بعد قيام الحجة الرسالية عليه. ونقول نعم أنت ميسر لما تختار ولكنك لست مسيرا (بما ينفي معنى الاختيار نفسه!). فصحيح قد قدر الله لك اختيارك وكتبه عليك من قبل أن يخلقك، ولكن لا حجة لك في ذلك يوم الحساب لأنك قد تحقق العلم والإقرار لديك بمعنى الاختيار - الذي رأيته في الدنيا بالحس والمشاهدة - وبوجوب الجزاء والحساب بناء على ذلك الاختيار! فمن عقل هذا المعنى وتأمل فيه، فإنه ينزل معنى الاختيار ومعنى الجبر ومعنى الجزاء والحساب والعدل، كل منها في منزله الصحيح، بلا إفراط ولا تفريط، ومن ثمّ يزول لديه الإشكال من أساسه! لأنه لم يظهر ذلك الإشكال أصلا إلا من الخلط في المعاني بانسحاب معنى القدر على الجبر، الذي يقابل معنى الاختيار ويناقضه، وليس الأمر كذلك ولله الحمد! فإذا تقرر ذلك لدينا، سهل علينا الرد على كل جاهل من أقزام الإلحاد ورؤوسهم، يقول إن القدر ينافي حرية الاختيار!

    أما بعد، فيقول الكاتب:
    وإن كانت إرادته بإردة الله فهو الجبر !! وإن كانت حرة مستقلة عن الله فهو العجز لله - سبحانه !!! أمران أحلاهما مر !!

    ونقول صحيح إن إرادة الإنسان مشروطة بإرادة لله (كما أن وجوده نفسه كمخلوق مشروط بإرادة خالقه) ولكن هذا ليس جبرا، لأن مطلق نسبة الإرادة إلى الإنسان - وهي حق مشاهد معلوم - تنقض ذلك الجبر المزعوم وتبطله، كما لا يماري في ذلك أحد! وهذه النسبة بمجردها، هي التي عليها ينبني الحساب والثواب والعقاب باللغة والعقل والمشاهدة، بغض النظر عما هو كائن من تقدير لها عند الله تعالى من قبل وقوعها! فليس من شأنك عند الحساب أن الله قد كتب عليك أن تختار ما اخترته من قبل أن يخلقك، ولكن الشأن في أنك قد اخترته اختيارا حقيقيا عن علم وإرادة تعلمها وتشهد بها على نفسك، وتعلم أنها توجب لك ما سمعته في الخبر من استحقاق الثواب أو العقاب! نحن اليوم أحياء نختار، ولا ندري ما كتب الله لنا من اختيارات، ولكننا ندري أننا مستحقون للجزاء عليها لأنها أفعالنا التي اخترناها قبل الشروع فيها، بلا جبر ولا قهر! فإن وقع الاختيار والعمل، تبين لنا ما كان يخفى علينا من تقدير الله المسبق، وبلغنا أجلنا الذي كتب الله لنا ونحن نشهد على أنفسنا باستحقاق الجزاء كما نشهد لله بإحكام تقديره وتمام حكمته وعدله، سبحانه وتعالى.
    فهذا حقيقته ومؤداه: العلم بأنك مهما عملت فإنك ميسر إلى ما خلقك الله له أيا ما كان ذلك (وهو اللفظ الصحيح في هذا المقام وليس "مسير" التي ضربها الفلاسفة)! وهذا ما جمعه النبي عليه السلام في كلمات معدودات محكمات تفصل الأمر وتحكم التحرير وتحسن البيان وتبطل ما تهافت به الفلاسفة، ولله الحمد والمنة!
    أما قول كاتب الموضوع:

    وهل للإنسان كسب واختيار في غير الخير والشر مع ان كسبه للخير والشر يتأثر بغيرهما مما يحيط بالإنسان!!!؟؟


    هل يختار الإنسان من هو وأين ولد والبيئة التي نشأ فيها والدين الذي لقن في صغره !!!؟؟
    فالجواب نعم ولا شك، له كسب واختيار، ولكن قوله إن كسب الإنسان للخير والشر يتأثر بكذا، فهذا خروج عن أصل موضوع القدر والجبر والاختيار إلى مسألة أخرى وهي مسألة الابتلاء والامتحان! وهو تشغيب وتخليط لا نراه إلا في كلام الملاحدة ولا نستغربه منهم، فهم أهل لكل جحود وعناد!

    إن الفرق ظاهر بين أن يكون الاختيار صعبا يحتاج إلى إخلاص وعزيمة وصدق، حتى يقوى الإنسان على مخالفة ما ورثه من البيئة التي ولد فيها (ومن ثمّ يستحق أن يضاعف له الأجر بذلك)، وبين أن يكون الاختيار ممتنعا أصلا بالحس أو بالعقل، وتكليفا بما لا يطاق، على ما يتحصل من معنى الجبر! نعم الاختيار ابتلاء وامتحان في حقيقته ولا شك، فكان ماذا؟ وما علاقة ذلك بمعنى القدر الذي يستشكله الكاتب؟

    يقول:

    وأليس لهذه الأمور المحيطة بالإنسان منذ نشأته أثر كبير عميق في اختياراته وطريقة تفكيره ونظرته للحياة والإله ، وهل الإنسان إلا ابن بيئته !!!!؟؟؟


    ونحن نسأله: وهل هذا الأثر عندك جبر لا يملك فيه الإنسان اختيارا، فلا تقوم عليه حجة الحساب به يوم الحساب، أم أنه كان يملك - بأصل خلقته - أن يترك الباطل مهما كانت تلك الأمور المحيطة به، وأن يلزم ما أمره الله به من بعدما علمه وعلم جزاء من خالفه؟؟
    وتأمل قوله:
    يعني الإنسان لا يختار بيئته تماما مثلما أنه لا يختار لونه وطوله وشكله ، إلا أنه يؤاخذ بكسبه وإرادته المتأثران لا محالة ببيئته التي وجد نفسه مغروسا مجبرا مكرها فيها !!!؟؟؟

    المتأثران لا محالة؟ سبحان الله! هذا عين كلام الملاحدة! هذا ما نراه في حجاججهم قاتلهم الله.
    ترى الملحد يدور حول نفسه يسعى بأي طريق من الطرق للوصول إلى تسويغ فلسفي مقنع لما هو عليه من إلحاد عما جاءه من خبر السماء! تراه يبدأ بالكلام عن القدر والجبر وكيف أن عقله لا يستسيغه، ثم تراه يقول إننا مساكين مغلوبون على أمرنا لأننا نولد في بيئة فيها كذا وكذا، فكيف يحسابنا الله على اختياراتنا؟ ثم تراه إن حوجج في ذلك يقول لك إن الإسلام فيه كذا وكذا، ومشكلته كذا وكذا، فإن حوجج قال إن وجود الله ليس ضروريا، وقد قال الفيلسوف فلان كذا وكذا، فما جوابكم؟ إلى آخر ذلك المراء العفن الذي يعلمه من خَبِر جحودهم وعرف حالهم، قاتلهم الله!!
    وقول الكاتب:
    وكل من سألت يردد عبارات قراها أو سمعها دون ان يسبر لب القضية ، بل هو للأسف لم يتجاوز طبقة القشرة الخارجية !!

    وما لب القضية إذن؟ لب القضية كبر وهوى متبع عند أصحاب تلك الشبهات، وتسمية للأشياء بغير أسمائها، تزيينا للباطل وزخرفة للإلحاد! لبها كما يقول الكاتب:
    ودائما كنت أخرج بنتيجة واحدة مؤداها : الجبر لا محالة ، وإلا فالشرك لا محالة !!!!

    فإن كان الكاتب قد عافاه الله من تلك الشبهات، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ولكن لا يبدو لي ذلك، أسأل الله له الهداية. وكلام الشيخ الذي يزعم أنه سأله فيه تخليط ومخالفات واضحة!
    فقوله:
    بل أردته أنت وما أراده الله لك إلا لأنه علم في الأزل أنك تريده باختيارك !!

    هذا تكلف واضح وهو باطل إذ حقيقته نفي أصل الإرادة عن الله جل وعلا! إن كان الله لم يرد لنا ما اخترناه إلا لأنه علم أنه من إرادتنا، فأين إرادته إذن، وأين سبقها لإرادتنا وتعلقها به تعلق المشروط بالشرط كما قرره القرءان؟ بل الله خلقنا على ما يريد، وأخرج من ظهر آدم خلقا للجنة وخلقا للنار، قدر لكل منهم اختياراتهم وأعمالهم تقديرا، على إرادته هو لا على إرادتهم هم!! فهذا الجواب من صاحبه، حقيقته إثبات العلم لله مع نفي الإرادة والخلق عن عقيدة القدر، والله المستعان!
    وأعجب منه قوله:
    فأنت الذي اخترت وإن لم تكن عملية اختيار كالتي نعرفها في الدنيا إلا أنك اخترت أصلا كل دقائق حياتك وسكناتك وحركاتك وعلمها الله في الأزل وعلم ما ستختار فأراده وفق علمه فكان ما أراد ، فهو اختيار منك تم قبل أن تكون وعلم الله أن نفسك ستختاره فأراده

    فقوله إننا اخترنا من قبل أن نخلق ومن قبل أن نكون، قول باطل يكذبه الحس والمشاهدة كما ينافي المنقول والمعقول! ولو صح لما كان لبعث الرسل وإنزال الكتب من فائدة، ولجاز أن يحاسبنا الله يوم القيامة على أفعال لا ندري أننا فعلناها، لأنها كانت منا قبل أن نكون وقبل أن نخلق!! فكيف يتصور هذا المعنى أصلا؟
    ومما يؤكد فساد تصور هذا الشيخ المجيب، قوله:
    فكل شيء معد سلفا وجاهر كالسيناريو مثلا وأنت تعيد فقط تمثيل كل الخطوات التي سبق لك أن اخترتها وأردتها في علم الله وكلنا نمشي ونعيد تمثيل السيناريو الموضوع لنا سلفا ولكن باختيارنا له قبل أن نوجد ويوجد في علم الله .

    تأمل قوله: "اختيارنا له قبل أن نوجد ويوجد في علم الله!!"
    فهل يعقل أن يوجد المعلول قبل علته؟!
    فقلت له : وكيف أريد الشيء وأنا لم أخلق بعد في العدم !!؟؟

    فتبسم وأجاب : ذلك سر الحكيم العليم الذي هو ليس مثلي ولا مثلك ، هو أدرى بهذه النفوس إذ خلقها وهو أدرى بكوامنها وكنهها ، فبعلمه وحكمته البالغة علم اختيار نفسك الحر قبل ان تكون نفسك .
    أما أنا فأتبسم وأقول بل هذا جهل محض، لأن المعدوم لا اختيار له لأنه أصلا لا وجود له، وهذا لا يماري فيه عاقل!!

    هو سر لله سبحانه وتعالى لا يطلع عليه خلقه ، وآلية عمله لا نعرفها ولا نستيطع التعبير عنها فنكتفي منها بما تصله عقولنا ونلجم العقل عن الخوض فيما لم نملك مفاتحه ، فالله يحاسبنا على كسبنا وأفعالنا الاختيارية وحاشاه عن الظلم ولا نريد شيئا إلا بارادته سبحانه لنا أن نريده ولا يكون إلا ما يريد ، أما كيف ولمَ ولعل وعسى فلن تقدم ولن تؤخر شيئا ومن من الخلق يستطيع أن يزعم أنه قد أحاط بكل شيء علما وفهما !!

    قلت: والله لو أن الرجل اكتفى بهذا في جوابه لكفى وأراح، ولكنه خاض فيما لم يحسن تصوره، وأتى بما ينافي العقل والنقل جميعا، ويبطل معنى الإرادة نفسها، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    52

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    أخي الكريم صاحب الموضوع

    الله عز وجل قدر لكل فرد منا مقعد في الجنة ومقعد آخر في النار ..

    وهو من يختار ويشق طريقه حتى يصل لهذا المقعد

    والدليل على المقاعد هذه قد ورد في السنة :

    وإليك هذا الكلام اقتطفته لك من بحثي في هذا المجال :
    فطريق الخير وطريق الشر هي الطرق الموجودة في حيز التخيير, طريقين لا ثالث لهما, فيختار العبد أحدهما بإرادته وقدرته ثم ينتهي الطريقين بنهايتين وهي الجنة والنار, فطريق الخير نهايته الجنة, وطريق الشر نهايته النار, هذا بالنسبة للحياة الدنيا والآخرة, أما الحياة المتوسطة وهي الحياة البرزخية, فقد جاءت السنة لتوضح لنا المقعدين وتفصل لنا المسألة ويتضح لنا من خلالها كيف أن لكل عبد فينا مقعدين, مقعد في الجنة, ومقعد في النار, ويرى العبد تلك المقعدين وهو في قبره, فعن أنس- رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (العبد إذا وضع في قبره وتولي وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد- صلى الله عليه وسلم-؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك في النار، أبدلك الله به مقعداً من الجنة. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (فيراهما جميعاً، وأما الكافر، أو المنافق: فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس. فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين)رواه البخاري في صحيحه, في كتاب الجنائز, باب: الميت يسمع خفق النعال, رقم الحديث: (1273).

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    52

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    قلتُ: فالمقعد كان نتيجة لاختيار العبد, دون أن يكون هناك جبراً من الله, وفي لفظ الإبدال دلالة صريحة على ذلك, وعلى إن كل الاختيارات مقدرة ومكتوبة في اللوح المحفوظ, ومعلومة عند الله تعالى, وعندما نقول: قدرة العبد تابعة لمشيئة الله وقدرته, فهو لأن الله - عز وجل- هو من قدر له الطريقين بداية؛ فخلق له طريق الخير, وطريق الشر, ثم سلك الإنسان بإرادته واختياره وقدرته الطريق الذي يريده.
    وكل ذلك لا يخرج عن علم الله الواسع, فهو يعلم من العبد ماذا سيختار, وإلى أين سيكون مآله لا من باب الجبر بل من باب أن الله بداية هو من خلق الطريقين, وقدر تفاصيلها في اللوح المحفوظ بدليل قوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    52

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    وورد عن علي- رضي الله عنه- قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- في جنازة، فأخذ شيئاً فجعل ينكت به الأرض، فقال: (ما منكم من أحد، إلا وقد كتب مقعده من النار, ومقعده من الجنة). قالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسَّر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى}
    فهذا الحديث مما يؤكد بأن كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ, ومع هذا ليس علينا الاتكال وترك العمل, بل الواجب العمل فكل ميسر لما خلقه الله له؛ فإما إلى الجنة وإما إلى النار, والعبد هو من يختار بإرادته وعمله.
    ومن الخطأ الاستدلال بهذا الحديث على أنه كل شيء قد كُتب وأن العبد مُسيَّر فقط, بل العبد مُخيَّر بين الطريقين الموجودة في حيز التخيير؛ فلم يقل النبي- صلى الله عليه وسلم- أن العبد مُسيَّر بل قال مُيسَّر, والفرق واضح بين اللفظتين.
    والإنسان له وصفان، وهو مسير باعتبار, ومخير باعتبار آخر، مسيَّر ليس له خروج عن قدر الله عز وجل، فالله سبحانهوتعالى قدر مقادير الخلق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة, والإيمان بالقدر من أصول الإيمان؛ فالله قدر أشياء وكتبها سبحانه قبل أن يخلق الناس،خلق العبد وقدر رزقه وأجله وشقاوته وسعادته، هذا أمر معلوم وقد أجمع عليه أهل السنةوالجماعة فهو مسيَّر من هذه الحيثية من جهة أنه لا يخرج عن قدر الله ولكنهميسَّر أيضاً لما خلق له،فبين عليه الصلاة والسلام من خلال الحديث السابق أن جميع الأمور مقدرة وأن أعمال العبد وشقاوته وسعادتهوسائر شؤونه قد مضى به علم الله، وقد كتبه الله سبحانه وتعالى فليس للعباد خروج عماكتب في اللوح المحفوظ وعما قدره الله عليه سبحانه وتعالى، وهو من هذه الحيثية مسيروميسر أيضاً، أما من جهة التخيير فالله جل وعلا أعطاه عقلاً وسمعاً وبصراً وأدواتفهو بها يعرف ما يضره وما ينفعه وما يناسبه وما لا يناسبه فإذا أتى الطاعة فقد أحسنالاختيار وإذا أتى المعصية فقد أساء الاختيار فليس بالمجبور ولا مكره بل له عقلينظر به ويميز به بين الضار والنافع والخير والشر والصالح والطالح وله سمع يسمع ولهبصر يبصر به وله أدوات من أيدٍ يأخذ بها ويعطي، ورجل يسير عليها، إلى غير ذلك : نقلته (بتصرفٍ) من موقع الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله-.

    http://www.binbaz.org.sa/mat/10344

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,389

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    بارك الله فيكم
    الانسان مخيّر مسيّر

  7. #7

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    أكبر إشكال في نظري على هذا الكلام أن إسناد الاختيار ابتداء إلى الإنسان ينافي ارتباط حادثات الكون المنظمة بعضها ببعض، إذ لا بد من خضوع اختيار الإنسان لقوة اختيارية أخرى تفوقه وتراقب على ائتلافه مع اختيارات الآخرين ومع الأسباب الكونية.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    2,849

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    يكفيك في هذا المقام قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) [سورة النجم: الآيات 39-41]

    ومن أدرك معنى الربوبية، لم يستعصي عليه فهم هذه المسألة.

    ودعني أبسط لك هذه المسألة في أبسط صورة:
    حياة الإنسان ككتاب من صفحتين، أحداهما مكتوبة، والأخرى يكتبها الإنسان باختياره.
    المكتوبة: المؤمن والكافر فيها سواء، لأن الجميع عباده قدرا.
    وأما الأخرى: ففرق بينهما. لأن الكافر لم يكن من عباده شرعا كالمؤمن.

    واختيار الإنسان لم يكن منه ابتداء، كيف وهو المربوب! بل قدرته واختياره لم يخرجا عن مشيئة الله فهو الرب الذي لا يشاركه أحد في ربوبيته.
    لذا فكثير من الأحايين لا يمكن الإنسان عمل ما يريده، فجعل الله الجزاء على النية، واختص الأعمال الصالحة على النية، فقال المعصوم فيما بلغه عن ربه: (إنما الأعمال بالنيات).
    وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا
    ـــــــــــــــ ـــــــــــ( سورة النساء: الآية 83 )ــــــــــــــ

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    418

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    احسنتم الرد بارك الله فيكم

    خاصه الاخ ابو الفداء جزاه الله خيرا

    الاخ المتحير هداك الله الى الحق
    انت تريد ان تمشى من بيتك الى عمل خير مثلا
    فالله سبحانه وتعالى علم ازلا بذلك ثم انه سبحانه وتعالى جعل لك القدره
    على الفعل فجاء ما اخترت حرا لم تجبر عليه الا انه فى علم الله سبحانه ازلا وبقدره الله تحقيقا


  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    52

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    ليس هناك تعارضاً بين كلامي وكلامك...

    فالله عزوجل قدر كل شي

    وجعل للإنسان طريقين وهو من يختار طريقه ومكانه في النهاية إما إلى الجنة وإما إلى النار

    وهذه الطريقين لاتتعارض مع مافي الكون من نظام

    وأولاً وآخراً...


    الله عليم حكيم قدير يفعل مايريد في كونه الذي خلقه كيفما شاء

    وليس هناك ظلماً ؛ لأن كل الكون ملكه وحده

    فأفرض مثلاً أن لديك أرضاً فإنك تفعل فيها ماتشاء لأنها أرضك حتى لو تركتها بدون اهتمام ورعاية فهى أرضك

    لا يستطيع أي أحد أن يجبرك على بنائها وإصلاحها مثلاً , ولله المثل الأعلى

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,277

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    حياكم الله تعالى.
    أخي (هطول المطر)، تقول:
    قلتُ: فالمقعد كان نتيجة لاختيار العبد, دون أن يكون هناك جبراً من الله, وفي لفظ الإبدال دلالة صريحة على ذلك, وعلى إن كل الاختيارات مقدرة ومكتوبة في اللوح المحفوظ, ومعلومة عند الله تعالى, وعندما نقول: قدرة العبد تابعة لمشيئة الله وقدرته, فهو لأن الله - عز وجل- هو من قدر له الطريقين بداية؛ فخلق له طريق الخير, وطريق الشر, ثم سلك الإنسان بإرادته واختياره وقدرته الطريق الذي يريده.
    وأقول قد تقدم أن معنى الجبر الذي ينافي حرية الاختيار (التي هي مناط الحساب يوم القيامة) لا علاقة له بمعنى التقدير الرباني، لأن هذا الأخير إنما اشتمل على خلق الله تعالى لإرادات واختيارات العباد أنفسهم، فاختياراتهم مخلوقة كما أنهم مخلوقون، فكونها مخلوقة ومقدرة من قبل خلقهم، لا ينفي عنها معنى الإرادة والاختيار، فحقيقة أني لا أدري ما كتب الله علي أني سأختاره، مع علمي بأن اختياري مكتوب علي مسبقا من قبل أن يقع مني، هذا لا يعني الجبر، ولا يبطل معنى الاختيار نفسه، فالمتأمل في هذا التفريق بين المعاني لا يلزمه - في الحقيقة - أن يتكلف من الردود ما قد يفضي به إلى مقاربة أقوال القدرية من حيث لا يدري.
    وقولك هذا، بارك الله فيك، مآله القدرية لو تأملته، لأنك تقول ما حاصله إن الله خلق للإنسان طرقا وخيارات متعددة في الأمر الواحد، ثم تركه ليختار بإرادة مستقلة من بينها دون أن يكون ذلك الاختيار تابعا لإرادة الله من قبل، وهذا يلزم منه - لو تأملته - حصر إرادة الرب جل وعلا في تقدير البدائل التي يختار العبد منها، وليس في تقدير الاختيارت نفسها التي ينتهي العبد إليها، فيكون بها من أهل الجنة أو من أهل النار. فكأنك تثبت لله العلم بمآل العبد واختياراته، ولكنك تنفي عنه سبحانه إرادة تلك الخيارات بعينها لذلك العبد، وهذا حاصله القدرية، وهو مخالف لقوله جل وعلا: ((وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)) [الإنسان : 30]
    ووجه آخر للجواب عما تفضلت به أن نقول إن الله لم يخلق للعبد طريقا للجنة وطريقا للنار، بل خلق له ما سبق به التقدير والعلم عنده إما من هذا أو من ذاك، ثم العبد لا يخرج باختياراته عن ذلك! فإن قلنا إن اختيارات الإنسان في حياته ينكشف بها الطريق الذي كان مقدرا له، فإن كان هو طريق الخير فقد خلقه الله كذلك - من أفعال ذلك العبد وآثارها - على وفق تقديره وقضي الأمر، ولم يخلق ذلك الطريق الآخر لأنه - كما هو واضح - لم يقع أصلا!

    وأما قولك إن في لفظة الإبدال دلالة صريحة على ما تفضلت به، فلا أتصور وجه الدلالة، بل لو أجريت الأمر على طريقتك، لكان أقرب أن يقال إن هذا المقبور كان ماضيا إلى طريق النار في تقدير سابق، ثم نسخ الله ذلك بتقدير جديد وأبدل هذا مكان ذاك، وهذا تصور فاسد ولا ريب! والصواب أن يقال إن هذا الإبدال لا علاقة له بما سبق في تقدير الله تعالى من كون هذا العبد من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، فهذا مصير مقدور مكتوب على الإنسان من قبل أن يخلق، ولكنه من باب التفضل والامتنان من رب العزة جل وعلا على عبده المؤمن في القبر، فإن المرء يزداد شعوره بعظم ما فاز به، إذا ما اطلع على ما كان ليؤول إليه حاله لو أنه خسر! فلهذا خلق الله مقعدا للمؤمن الناجي في النار مع سبق علمه وتقديره بأنه لن ينزل في ذلك المقعد في منتهى أمره، لا لأنه كان من الممكن - في تقدير الله - أن تنتهي اختيارات ذلك العبد إلى استحقاقه، فإن تقدير الرب جل وعلا ليس مفتوحا للاحتمال والجهل بالمآل، وإنما هذا وصف نوصف نحن به ويوصف به علمنا، والله أعلى وأعلم.
    أما قولك بارك الله فيك:
    ومن الخطأ الاستدلال بهذا الحديث على أنه كل شيء قد كُتب وأن العبد مُسيَّر فقط, بل العبد مُخيَّر بين الطريقين الموجودة في حيز التخيير؛ فلم يقل النبي- صلى الله عليه وسلم- أن العبد مُسيَّر بل قال مُيسَّر, والفرق واضح بين اللفظتين.
    فقد تقدم الجواب عما تفصلت به من تصور لتقدير الله جل وعلا لاختيارات العباد وأفعالهم، وتقدم بيان فساد مفهوم الجبر والتسيير وأن حقيقة أن الله تعالى قد أراد للعبد سائر إراداته واختياراته تعيينا لا يلزم منها جبر ولا تسيير، وإنما هي خيارات على الحقيقة، بدلالة اللغة والحس والعقل، ولا يلزمنا أكثر من هذا لبيان انتفاء معنى الجبر عنها.
    وما تفضلت بنقله من كلام الشيخ ابن باز رحمه الله يوافق في الحقيقة ما بينته لك من مسلك للجواب عن شبهة الجبر والتسيير هذه، فقد بين الشيخ معنى التسيير، وقال إن كان المراد من تلك اللفظة كذا وكذا، فليس هو جبرا وإنما هو حقيقة معنى التقدير الرباني لسائر أفعال العباد من قبل خلقهم وخلقها لهم، فلا يخرجون عليها مهما عملوا، ثم حرر معنى الاختيار وقال إن حقيقته أن الإنسان مريد ومختار لأفعاله، يعي ذلك من أمر نفسه ويدركه على الحقيقة، فإن كان اختياره خيرا فهو من كسبه، وإن كان شرا فهو من كسبه أيضا، وعلى هذا الوجه يتحقق معنى استحقاق الجزاء من مثوبة أو عقوبة، فالحاصل أننا معاشر أهل السنة لا نحتاج للجواب عن شبهات الجبرية والقدرية إلى أكثر من تحرير المعاني على وجهها الصحيح، وفك ذلك الترادف واللزوم الباطل الذي يدعيه أهل البدع، ولله الحمد أولا وآخرا.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    101

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    إن مسألة السيناريو الموضوع لنا سلفا ولكن باختيارنا له قبل أن نوجد ويوجد في علم الله تبادرت إلى ذهني في فترة من الفترات ، فظننت أن المشكلة قد حلت، لكنني سرعان ما تبين لي أن لا فرق بينها وبين مذهب القدرية إلا في الصياغة اللفظية.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    52

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    السلام عليكم

    أخي الكريم أبو الفداء بداية أشكرك على الاهتمام والرد
    ثانياً: اسمح لي أن أخالفك..

    أنت تقول : لأنك تقول ما حاصله إن الله خلق للإنسان طرقا وخيارات متعددة في الأمر الواحد، ثم تركه ليختار بإرادة مستقلة من بينها دون أن يكون ذلك الاختيار تابعا لإرادة الله من قبل..
    أقول أعوذ بالله .. بل بقدر الله وتابعاً لإرادة الله من قبل ؛ فهو من خلق الطرق وقدرها وأرادها
    وهو من خلق إرادات الناس واختياراتهم ؛ فقدرة الله ومشيئته أكبر مما تتصوره عقولنا ذات العلم المحدود.

    وتقول : لكان أقرب أن يقال إن هذا المقبور كان ماضيا إلى طريق النار في تقدير سابق، ثم نسخ الله ذلك بتقدير جديد وأبدل هذا مكان ذاك، وهذا تصور فاسد ولا ريب..

    لم أقل هذا .. بل كل الأمور مقدرة وكل الاختيارات مقدرة وتابعة لقدرة الله

    وتقول : فإن تقدير الرب جل وعلا ليس مفتوحا للاحتمال والجهل بالمآل..

    كيف يكون جهلاً بالمآل وهو من خلقه وقدره ؟؟

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,277

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    أقول أعوذ بالله .. بل بقدر الله وتابعاً لإرادة الله من قبل ؛ فهو من خلق الطرق وقدرها وأرادها
    وهو من خلق إرادات الناس واختياراتهم ؛ فقدرة الله ومشيئته أكبر مما تتصوره عقولنا ذات العلم المحدود.
    أخي (هطول المطر)، أي طرق هذه التي تقول إن الله خلقها جميعا للعبد ليختار منها؟ ينبغي أن تبدأ أولا بتحرير مرادك بكلمة (الطرق) هذه، بارك الله فيك!
    فإن كنت تقصد الأسباب المخلوقة التي يمكن للإنسان أن يختار منها ما هو فاعل فنعم لا شك، هذه تتعدد في ذهن الإنسان بوصفها احتمالات وبدائل أمامه لأحداث وأفعال لم تقع بعد، فهو مخير من بينها. فإن وقع منه الاختيار والفعل، فإن ذلك يكون هو عين ما قدره الله له وكتبه عليه من قبل، هو وسائر ما انبنى على ذلك الاختيار من الأفعال والحوادث والنتائج، وهذا في علم الله طريق واحد لا يتعدد، علمه الله وكتبه وقدره وخلقه وسبب له سائر الأسباب على نحو ما أراد سبحانه وتعالى، فلا يتبدل ولا يتحول!
    وكلامك - بارك الله فيك - عن كون الاختيارات كلها مقدرة، كلام يفتقر إلى الدقة والتحرير. فإن كنت تقصد بالاختيارات : جميع اختيارات العبد المكلف في جميع ما يعرض له من أمور يختار فيها في طريق حياته الخيار بعد الخيار تباعا، فنعم صحيح ولا شك. أما إن كنت تقصد كل الاحتمالات التي يمكن أن يختار من بينها ذلك العبد المكلف في المسألة الواحدة، فهذه كلها لا وجود لشيء منها في الواقع قبل الاختيار، ولا يُخلق منها في الدنيا إلا ما يقع على الحقيقة من فعل العبد، وخلقها هو ما نصطلح عليه بخلق أفعال العباد، الذي يقع حين يقع على طريق واحد لكل عبد، هو ما أراده الله له من قبل وعلمه وقدره. فلا نقول لشيء منها إنه (مقدر) إلا إن كان هو عين ما كتب الله على العبد أنه فاعله، فتنبه لهذا بارك الله فيك.
    أرجو أن يكون الإشكال قد زال، وأرجو أن تنعم النظر والتأمل مليا قبل أن ترقم تعقيبك التالي، أحسن الله إليك.
    ------------
    ملحوظة على الهامش: أرجو ألا تكون متأثرا في طرحك هذا بتأويل العوالم المتعددة في فيزياء الكم للفيزيائي "هيو إيفيريت"، فإنه مخالف للنقل والعقل والحس من وجوه شتى، والله المستعان.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    52

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    السلام عليكم

    أشكر لك اهتمامك بارك الله فيك
    وتسعدني والله ردودك لأني أريد الحق والصواب
    زلم اقرأ للعالم الفيزيائي الذي ذكرت
    .............................. ...........................
    صدقت عندما قلت أن كلامي يحتاج للدقة والتحرير
    ولذلك استدليت بالحديث فالمعقدين تدل على الطريقين
    والطرق التي اقصد هي طريق الخير وطريق الشر

    طريق الخير _________________ الموصل للمقعد الموجود في الجنة
    طريق الشر_________________ال وصل للمقعد الموجود في النار
    وقد قال الله عز وجل {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }البلد10

    ولم أفهم هذه العبارة : أما إن كنت تقصد كل الاحتمالات التي يمكن أن يختار من بينها ذلك العبد المكلف في المسألة الواحدة !!
    كيف مسألة واحدة ؟

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,277

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    ولم أفهم هذه العبارة : أما إن كنت تقصد كل الاحتمالات التي يمكن أن يختار من بينها ذلك العبد المكلف في المسألة الواحدة !!
    كيف مسألة واحدة ؟
    بارك الله فيك، أقصد ما ذكرته أنت من تصور في قولك:
    وعندما نقول: قدرة العبد تابعة لمشيئة الله وقدرته, فهو لأن الله - عز وجل- هو من قدر له الطريقين بداية؛ فخلق له طريق الخير, وطريق الشر, ثم سلك الإنسان بإرادته واختياره وقدرته الطريق الذي يريده.
    وصواب هذه العبارة أن يقال: إن الله خلق له من أسباب الخير ومن أسباب الشر ما يختار منها ذلك العبد خيارا حرا، ومع كونه حرا فإنه لا يجري إلا على ما قدره الله، لا أن الله قدر الطريقين معا لكل إنسان! وإنما قُدر لكل منا ما يقع عليه اختياره، فإن خُير أحدنا في مسألة ما بين طريق خير وطريق شر فاختار أحدهما، فلا نقول إن الله قدر له الطريقين جميعا ثم خيره بينهما، وإنما قدر الله له وكتب عليه أن يختار ما اختاره لا غير، وهذا طريق واحد لا يتعدد.
    فإن قلتَ إن الحديث فيه أن الميت يرى مقعدين في قبره، مقعد في الجنة وآخر في النار، فما اشتبهته على هذا الحديث إنما يرد إلى محكم النصوص التي جاءت بأن الناس فريقان: فريق قد خلقهم الله للجنة وفريق للسعير، كما في حديث (يا آدم أخرج بعث النار) وغيره!
    أرجو أن يكون المراد قد اتضح، وقد تقدم بيان جواب هذا التصور من الحس والعقل كذلك، فراجعه - غير مأمور - بارك الله فيك.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    52

    افتراضي رد: مسير أم مخير...؟

    واضح بارك الله فيك

    لاحرمك ربي أجر المشاركة والاهتمام

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    1,154

    Lightbulb رد: مسير أم مخير...؟

    بارك الله فيكم .

    أخي صاحب الموضوع - أكرمك الله بنعمه ،
    سر المسألة - والعلم عند الله تعالى والتوفيق للصواب منه - أن تضبط أربعة أمور :

    (1) أن القدر حق خيره وشره، فما من مخلوق ولا حادث في هذه الدنيا - ذواتا أو أفعالا أو أحوالا - إلا وقد علمه الله تعالى أنه سيحدث وكتبه في اللوح، ثم أراد الله تعالى أن يخلق هذا الخلق في الوقت الذي أراده على الوجه الذي أراده بجميع الحيثيات الخاصة به على ما أراده سبحانه ، وعند ذلك يقول تبارك وتعالى لهذا الشيء المراد خلقه: كن، فيكون.

    (2) أن الشيء المخلوق لا يستحق أي حق قبل أن يخلق، فالإنسان لا يستحق أي حق حال كونه طينا، وكذا الجن حال كونه نارا، فمالك الطين والنار سبحانه هو المتفرد بالحق الكامل في أن يجعل من هذا الطين أو هذه النار مخلوقا طيبا صالحا سعيدا أهلا للجنة والرضوان، أو أن يجعل منه مخلوقا خبيثا عاصيا شقيا أهلا للسخط ونار جهنم. وليس في هذا الجعل ما ينافي العدل والحكمة في شيء فإن الجن والإنس حال كونهم معدوما لم يخلق = لا يملكون شيئا ولم يفعلوا شيئا من الأشياء يستحقون عليه الأجر والثواب. ولك أن تعتبر ذلك بأن يكون في يد أحدنا قماش. هذا القماش قبل أن يصنع منه شيئ من اللباس لا يستحق شيئا من الأهداف، فلمالكه الحق في أن يجعل منه عمامة يضعها على رأسه ويكرمها ويداوم على نظافتها، وله الحق الكامل كذلك أن يجعل منه حصيرة يطأها بقدميه ويهينها ويلوثها بالأوساخ، وليس في هذين الاختيارين ما ينافي العدل والحكمة فإن القماش من حيث إنه قماش لا يستحق التحول إلى العمامة، بل مالكها هو الذي أحقه لأن يصبح عمامة أو غيرها. فإن جعلها عمامة فقد أحسن وتفضل عليها بلا استحقاق منها، وإن جعلها حصيرة مهينة فلم يظلمها ولم يبخسها. وإنما يكون البخس والظلم أن جعلها عمامة كريمة ثم يطأ هذه العمامة بقدميه ويلوثها بالأوساخ بلا ذنب منها ولا زيغ ولا تقصير.

    (3) أن الشرور كلها لا تنسب إلى الله فعلا وتغيًّا، وإنما تنسب إليه خلقا وتقديرا على وجه العقوبة لا الابتداء بها. فالشرور جميعها من العبد. فهذا الذي يدخل النار - والعياذ ثم العياذ بالله منها - لماذا دخل النار؟ لأنه فعل الذنوب ومات على الذنب. ثم لماذا فعل هو هذا الذنب الذي مات عليه؟ لأنه فعل قبله ذنوبا - ذنبا بعد ذنب - والله يعاقب المذنب الذي لم يتب بتوصيله إلى أن يفعل ذنبا آخر، فهذه الذنوب ما هي إلا سلسلة العقوبات على من يستحقها. ولك هنا أن تسأل: فما بال الذنب الأول؟ ما سببه؟ وهل من العدل أن يقدر للمخلوق الجديد فعل الذنب؟ الجواب: الذنب الأول لا يكون إلا تركا، أي ترك العبادة التي خلق المخلوق لها. فإذا ترك العبادة فقد قصَّر في أداء ما عليه، والمقصر يستحق العقوبة بلا ريب. لكن هذا الترك أمر عدمي لا وجود له فلا ينسب إلى الله. ومن هذه النكتة ندرك جليا أنه لولا الهداية من الله تعالى لدام المخلوق على حاله من النقصان والضلال وترك الخيرات. فالإنسان من حيث هو إنسان = ظلوم كفار، لأنه وإن خلق لوظيفة العبادة ومفطور على الفطرة السليمة، فليس من نفسه إلا الهوى، وهوى النفس كاف في منع مقتضيات الفطرة لولا الإعانة من الرحمن الرحيم سبحانه. فإذا حال الهوى بين الفطرة وبين العبادة لم تحصل العبادة فبقي الإنسان على ترك العبادة الواجبة عليه، وهو ذنب يستحق صاحبها العقوبة بسلسلة من الذنوب الوجودية بعده كفعل السيئات والتكلم بالمنكرات. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    (4) أن (مذهب الجبرية) الذي يرد عليه العلماء هو المذهب القائل بنفي الفعل للعبد أو نفي قدرته عليه أو نفي إرادته له أو نفي تأثير إرادته على فعله وتسببها له. فالجهمية نافون أن يكون للعبد إرادة وفعل - على ما حكاه الحاكون عنهم، والأشاعرة نافون أن يكون لإرادة العبد أي تأثير على الفعل الذي يقوم به - على ما عليه محققوا مذهبهم من المتأخرين. فهم يثبتون للعبد شيئا سموه (قدرة) وشيئا سموه (إرادة) ونفوا معانيهما وحقيقتهما حيث نفوا تأثير هذه القدرة وترجيحية هذه الإرادة على الفعل. ولم يثبتوا شيئا إلا ما سموه (كسبا) مفاده مجرد اقتران هذه التي تسمى (القدرة الحادثة) بـ(الفعل). والحق أن الله تعالى خلق العبد ببدنه وروحه، ووهب له قدرة واستطاعة على الفعل، ثم أوجد في نفس العبد إرادة لفعل معين في وقت معين، وأزال سبحانه الموانع إن وجدت، فأوجد في العبد فعلا متسببا عن تلك الإرادة ومقدورا له مستطاعا فيستحق بذلك على الثواب أو العقاب ولا ينسب هذا الفعل من حيث إنه فعل إلا إليه. أما من حيث إنه مخلوق فالله خالق كل شيء: ذاتا وصفة وفعلا وأثرا.

    أرجو الله أن يكون هذا بيانا شافيا، والله أعلى وأعلم، وبه التوفيق وعليه التكلان.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •