الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
وبعد؛
فـ (( ليس من رأى كمن سمع ))
تذكرت هذه المقولة، وأنا أقرأ تعليقات الإخوة على هذا الخبر المحزن.
فمنهم من لا يعرف الشيخ محمد - رحمه الله - إلا عن طريق مشاركته في المجلس.
ومنهم من لازمه ردحا طويلا من الزمن، وعمل وسافر معه، وأحسب الشيخ الفاضل كاتب المقال من هؤلاء.
ومنهم من كانت علاقته به من خلال العمل، لفترة من الزمن.
وكنتُ - كاتب هذه الكلمات - من هذا الصنف الأخير.
وما أسجله الآن في هذه السطور هو ما رأيته بنفسي، وشهدته على قدر علمي
(وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين).
نعم، قد يكون الشيخ - كما ذكر بعض الإخوة - عنده شدة وحزم قد تغضب البعض منه أحيانا، وليس هذا متعمدا منه، بل لطبيعة شخصيته، كما حكى لنا هو ذلك ذات مرة بنفسه، لكنه مع هذا كله: كان طرازا فريدا بين طلبة العلم.
لم ينسه عمله أنه في حقيقة الأمر طالب علم، عليه أن يقرأ ويدون، ويبحث ويدقق، فلم ينسق وراء هموم العمل تاركا ما أحبه من علم.
كانت لديه نهمة شديدة للحديث وعلله، حريصا على الإفادة والاستفادة، ولو ممن هم دونه، متواضعا لا يأنف من ذلك.
وكان يتثبت من المعلومة، ثم يعود ليدونها بين فوائده التي فهرسها، ليجتمع عنده من الفوائد ما تغبطه عليه، وقد رأيت ذلك بنفسي ذات مرة، وأصابني وقتها ما ذكرت.
ولم يكن الشيخ يتطرق للحديث فيما لا يحسن، وهذا من أبرز سماته.
أذكر أني ناقشته ذات مرة في أحد الأحاديث، فلما انتهينا إلى حكم فيه، سألته عن العمل بمقتضاه، أي في الناحية الفقهية؛ فتبسم وقال لي: هذا نسأل عنه أهل الفقه!
وكان - رحمه الله - حريصا على وقته، وذكر ذات مرة أنه يعتذر عن الدخول في مناقشات المجلس، أو المرور عليها؛ ضنا بوقته، وحفاظا عليه!
هذا شيئا مما خبرناه عن الشيخ - رحمه الله - نحسبه كذلك والله حسيبه، ولا نزكيه على الله.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة،....، أنتم شهداء الله في الأرض"
كم تألمنا - يعلم الله - لخبر وفاته، ودمعت العين، وحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وإن هذا الخبر وأمثاله، ليلقي على طلبة العلم تبعة ثقيلة، بالقيام بسد هذه الثغور في الأمة، والتي يتركها العلماء وطلبة العلم والأئمة، وألا يركنوا لحياة الراحة والدعة، وأن ينظروا إلى الحياة الحقيقة الدائمة.
ففز بعلم تعش حيا به أبدا ..... الناس موتى وأهل العلم أحياء
أسأل الله أن يرحم الشيخ محمد رحمة واسعة، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجمعنا به مع نبينا الذي نحبه ونذب عن سنته، وأن ينزل على أهله ومحبيه الصبر والسكينة، آمين