أخي أبا عبد الله، نحنُ نتعلّم، ونقرأ القرآن يوما بعد يوم -إنْ شاء الله- وتسجيل معلّقة عنترة بدون لحن مع التّدريب سهل جدّا، أمّا قراءة جزء واحد من القرآن، فينبغي تكراره، ليترسّخ أسلوب سبك الأفعال والأسماء والحروف بشكل بديع، وهذا ما زعمناه، بحيث يكون كما قالَ الكاتب:
"فأما إذا زعمتَ أنَّك لا تريدُ أن تكونَ أديبًا، وإنما غرضُك
1-أن تحوزَ من حسنِ الأسلوب،
2-و[من] رشاقةِ العِبارة،
3- و[من] حلاوةِ اللفظِ
4-بمقدار ما تُبين به عن حاجاتِك، وتنفِّقُ به آراءَك، وتستميل قلوبَ الناسِ إلى ما عندَك من الحقِّ".
سأضرب مثالاً، وهو الجّزء الأوّل من سورة البقرة، لا شكَّ أنّ تكراره سيُصحّح النّطق في الكلام العادي، وهذا الجزء يحتوي بلا شكٍّ على جميع حروف العربيّة، بأشكال مختلفة، يتغيّر نطقها، بحسب موقعها من بعضها، ولا نزعم أنّها احتوت على جميع الأشكال المختلفة من التّرتيب الصّوتي، لكن، دائما ننتبه إلى أنّنا نَجري بحسب تعريفنا للبيان، وهو ما ذكره الكاتب ونقلناه في الأعلى.
بالنّسبة للمفردت، فعندنا مفردات كافية.
ريب، هدى....
بالنّسبة لحلاوة اللّفظ، فأيُّ لفظ أجمل وأحلى من ألفاظ القرآن.
أمّا عن الأسلوب، فالجزء مليء بالأساليب البيانيّة البديعة، مثل:
-أسلوب الإشارة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) الكاتب: ذلك الحقُّ الذي ينبغي لنا أنْ نتّبعه...
-أسلوب التّسوية بين أمرين؛ ويا له من أسلوب بديع رائع، ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) الحكم واحد في كلا الجملتين، الكاتب: سواء عليه أقدّمتَ له المعروفَ أم لا ! نعم ! إنّه إنسانٌ بلا رحمة، ... وتمضي الأيّام وما زالَ السّيد رامز يفسد في الأرض، ويستعبد ...."
-أسلوب السّرد (وإذ، وإذا ...)
-أسلوب الحكاية (فأزلّهما...، فتلقّى، )
-أسلوب النّداء (يا بني...)
-أسلوب.....
وهكذا تتتابع الأساليب، واللهِ إنّها تحتاج لرسالة علميّة، بل أزعم أنّ الأساليب التي وردت في أوّل عشرين آية، تكفي لأن (أن تحوزَ من حسنِ الأسلوب) كما قالَ الكاتب، طبعا الأساليب في الجزء الأوّل من سورة البقرة أزعم أنّها تفوق الألف !
فلا أدري؛ لماذا تنكرون أنْ يكفي القرآن للبيان، وهذا البيان ليس أي بيان؛ هذا بيان ورد في سياقنا، ليسَ بيانا تخترعونَ معناه؛ ثمّ تردّون عليَّ استنادًا إليه، نحنُ هنا نتناقش في سياق واحد، فأحسب أنّه لا ينبغي لكم أنْ تغفلوا عن السّياق، وأنْ تفرّقوا بين الأدب وهو الكذب، وبين الإبانة، وقد وضّحها الكاتب، لذا فقد ذهبتْ ردودكم سدا؛ لأنّه بالنّهاية أنتم تردّون على أشياء مخترعة وهميّة.
وكذلكَ أنا لم أزعم أنّني لا ألحن، وإذا أردتَ اختباري يا أخي الفاضل، فمن المؤكّد أنّني سأتدرّب على الشّيء، وهذا لا ينفع، نحنُ نريد أنْ يُخلص كلُّ إنسان مع نفسه، ويقرأ القرآن، ويكرّره، ليستطيع أنْ يصل إلى البيان، وبذلكَ يستطيع أنْ يحقّق ما ذكره الكاتب، وهو ((بليغًا إذا كتبتَ، فصيحًا إذا حاضرتَ، وأن يكونَ لفظك أنيقًا، ومعناكَ بِكرًا، وأسلوبُك حُوَّلاً مُتصرِّفًا)).
وشكرا.