المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السكران التميمي
جعل هذا المثال القرآني يبين أن (ما) تطلق على العاقل على الاطلاق والتعميم فيه نظر كبير، وهو مردودٌ على من استشهد به ليثبت ذلك.. فأثبت لي أن جميع من يسبح لله في السموات والأرض كلهم عقال!! والآية الأخرى المعروفة في تسبيح غير العاقل معروفة ترد هذا.
بل الصواب فيها بالنسبة لاطلاقها على العاقل هو:
فتكون هنا منزلة على النوع مرادة له لا على الشخص. فتأمل
.
بارك الله فيك أبا عصام.
لكن الحقيقة: أن المسألة فيها اختلافًا؟
ويكاد أئمة اللغة أن يكونوا متفقين على أن ( ما ) الأصل فيها أنها لا تقال إلا لغير العاقل.
ثم اختلفوا بعد ذلك في جواز إطلاقها على العاقل؟ فأطلق ذلك جماعة منهم بدون تقييد!
فأخبرني صلاح الدين بن محمد المنصوري - إجازة بالمشافهة والمكاتبة - عن شيخه زكي الدين إبراهيم عن العلامة اللغوي النحوي المتفنن مصطفى بن محمد سليم الغلايينى - وكان أحد أعضاء المجمع العلمي العربي - أنه قال في كتابه الماتع ( جامع الدروس العربية): ( وقد تُستعملُ (ما) للعاقل، كقوله تعالى {فانكِحوا ما طاب لكم من النساءِ}، وكقولهم "سبحان ما سخَّركنَّ لنا"، وقولهم "سُبحانَ ما يُسبِّحُ الرعدُ بحمده". وذلك قليل. وأكثر ما تكون (ما) للعاقل، إذا اقترن العاقِلُ بغير العاقل في حكم واحد، كقوله سبحانه {ويُسبِّح لله ما في السَّمواتِ وما في الأرض}. فان ما فيهما ممن يعقل وما لا يعقل في حكم واحد وهو التسبيح، كما قال تعالى {وان من شيء إلا يُسبح بحمده. ولكن لا تفقهون تسبيحهم} ... ).
قلت: فأطلق استعمال ( ما ) للعاقل، مع تنبيهه على أن هذا الاستعمال قليل، وإن شئتَ فقل: هو خلاف الأصل.
وقبله قال العلامة السعد التفتازاني في ( التلويح ) [1/108] شارحًا قول صاحب ( التوضيح ): ( ومنها " ما " في غير العقلاء ) قال: ( هذا قول بعض أئمة اللغة، والأكثرون على أنه يعم العقلاء، وغيرهم).
وقال ابن عقيل في ( شرح الألفية ): (وأكثر ما تستعمل ما في غير العاقل وقد تستعمل في العاقل ومنه قوله تعالى ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى ) وقولهم سبحان ما سخركن لنا و سبحان ما يسبح الرعد بحمده ومن بالعكس، فأكثر ما تستعمل في العاقل وقد تستعمل في غيره ).
وراجع حواشي الصبان على شرح الأشموني حول تلك المسألة.
بل رأيتُ العلامة بدر الدين ابن أم قاسم قد قال في ( توضيح المقاصد والمسالك في شرح ألفية ابن مالك ) :[1/430] ( وأجاز أبو عبيدة وابن درستويه وابن خروفومن وافقهم، وقوع "ما" على آحاد من يعقل، ونسبه ابن خروف إلى سيبويه، واستدلوا بظواهر تأولها المخالف، ووافقهم المصَنِّف).
والأكثرون من أهل العربية لم يجيزو استعمال " ما " لغير العاقل بإطلاق! بل خصوا ذلك بعدة ضوابط.
فقال الأستاذ عبد الرَّحمن بن عبدالرَّحمن شُمَيْلَة الأَهدل في ( المذكرات النحوية على الألفية ) [1/125]: ( قد تستعمل "ما" للعاقل على خلاف الأصل وذلك في ثلاث مسائل :
…الأولى : أن يجتمع العاقل مع غير العاقل نحو : قوله تعالى { سَبّحَ للهِ مَا فِي السّمَوَاتِ وَ الأَرْض} فإنه يشمل العاقل وغيره .
…المسألة الثانية : أن يكون المراد صفات من يعقل نحو قوله تعالى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النّسَآءِ} .
... المسألة الثالثة : أن يكون أمْرُه مبهما على المتكلم كقولك وقد رأيت شبحا من بعيد: انظر ما ظهر لي ؟ )
وقبله قال العلامة ابن أم قاسم في ( شرح الألفية ) [1/429]: (و"ما" لما لا يعقل نحو: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 5 أو لصفة من يعقل نحو: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} "أي وبانيها", {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} أي الطيب، أو لمبهم أمره نحو أن ترى شبحا تقدر إنسانيته وعدم إنسانيته، فتقول: أخبرني ما "هنالك".
قال في شرح التسهيل: وكذلك لو علمت إنسانيته ولم تدر أهو ذكر أم أنثى؟ ومنه قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي} .
قلت: وقال غيره: أتى بما دون "من" لأن الحمل حينئذ لم يتصف بالعقل, أو لمختلط بما لا يعقل، نحو: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} .... ).
وكلام غيرهما في هذا الصدد كثير.
وبالنسبة لكلام الشيخ يحيى يا أيها الحبيب أبا المظفر على الشيخ الفحل وأمثاله ليس قصده التحامل الشخصي أو التشهير وهتك الستر.. أبدا.
إنما هي الأخطاء المتكررة في فهم المسلمات البديهية لمن يعد من أهل الصنعة والذي لو تفكر قليلاً وبحث أقل لعرف خطأه وتعجله في ذلك.
نعم أبا عصام، وقصْدُ الشيخ يحيى العِلْمي سافر من كلامه، وحاشاي أن أرميه بشيء هو منه براء.
وإنما التمستُ منه: تخفيف العبارة وحسب في حق أمثال الشيخ الفحل، لأمور ذكرتُ له بعضها، أما من شنَّع عليهم في كلامه سوى الفحل = فهو مصيب على الجادة في هذا التوبيخ!
بارك الله فيه وفي علمه ووقته. ومثله يستفيد منه الكبار والصغار.