داء العناد والمكابرة لا دواء له..،
لاتكن صاحب دعوى وبين مكمن الخلط للناظرين، وإلا زُم لسانك واخطمه، فهو أسلم لك، و سأبين لك -وللناظرين- أنك الواقع في الخلط، الذي أبيتَ الرجوع عنه:
فقد أتيت بنقلين نصهما:
قال أبو الفرج في ترجمة أبي المخبل السعدي من الأغاني : ((ذكره ابن سلام في الطبقة الخامسة من فحول الشعراء)).
وقال في ترجمة عبيد بن الأبرص : ((وجعله ابن سلام في الطبقة الرابعة من فحول الجاهلية)).
وظننتََ أن قوله :" من فحول الشعراء"، و"من فحول الجاهلية"، إشارة إلى الكتاب، ولم تدر أنها إشارة إلى عنوان التقسيم الذي ضمنه ابن سلام كتابه، ومن الأدلة على ذلك أن أبا الفرج غاير بين الإحالتين، فقال في الأولى:" من فحول الشعراء"، وقال في الثانية: "من فحول الجاهلية"، ولو كان قصده الكتاب لأثبت له اسما واحدا لا اسمين، فهذا لا يسعك إلا التسليم به، ولن يجدي العناد شيئا، فالحق لايحتاج لمعاند مكابر، بل يحتاج لمنصف فقط.
ومكمن الخلط هنا: في عدم تفريقك بين الإحالة للكتاب (وذلك يكون بذكر عنوانه) وبين الإحالة للفصول أو التقسيمات التي يتضمنها الكتاب (وذلك يكون بذكر عناوينها).
فقد انتيهنا من بيان خلطك.
وكأني بك علمتَ ما في حجتك من وهاء (وما في احتجاجك بها من التسرع وقلة النظر)، فأخذت بالركون لقرائن ظننت أنها تنفعك، وهي تزري بالمتسمك بها، فقلت:
أما الصدق فهو ما يؤيده صنيعه وطبقاته التي لم تُذكر سوى للفحول
نعم ذكر طبقات فحول الشعراء وذكر غيرهم، فكان ماذا ؟؟ هل هذا كاف في التجاسر على نص عنوان الكتاب الثابت في موضعين من المخطوطة ؟؟
وقد بلغ بك الأمر أن تشكك في النسخة التي كانت بين يدي حافظ الديار الشامية في زمانه ابن ناصر الدين الدمشقي (وهو قرين حافظ الديار المصرية ابن حجر) ، وكأنك تجهل أن المحدثين لا يحوزون إلا أصح النسخ وأضبطها، وأنهم لا يعتمدونها إلا بعد مقابلتها على الأصول الصحيحة، خصوصا وأن هذا الحافظ مشهور بالتحري والضبط والتنقيح، فهو المصحح لأخطاء الذهبي في ضبط الرجال والأنساب في جزء مفرد مطبوع، وهو منثور في تعليقه على "مشتبه النسبة"، المنبوز بـ" تحرير المشتبه" (وهو مطبوع في عشر مجلدات تقريبا)وهو أنفع كتاب في بابه، يدل على إمامة وجلالة الرجل، فنقل مثل هذا الرجل المحقق لا يرده إلا صليب الخد.
ولو سلمنا بأن الناسخ أسقط كلمة "فحول" من عنوان الكتاب، فإن الأصول الصحيحة المشهورة ستقضي على الناسخ بالوهم، ويكون المصير إليها، كيف وهذا رجم بالغيب وظن يهوي بالمعتمد عليه إلى الحضيض، وقد سبق ذكر أن نُسخ المحدثين أصح النسخ.
ولو قلنا بأن الناسخ أخطأ وأسقط تلك الكلمة، فهل يجوز عليه الوهم في مقدمة الكتاب وفي آخره، وقد أثبت الناسخ في آخر الكتاب عنوانه بدون كلمة "فحول"في طبعة محمود شاكر نفسها، فهل يجوز عليه الوهم في الموضعين، فاعجب للظنون كيف تجلب العار لصاحبها .
وما ظننتُ العصبية والحمية للرجال تبلغ بأصحابها هذه الرتبة المنحطة، حتى ادعى صاحبنا أبو فهر بأن ذاك العنوان ملفق، فقال:
فتلفيق من لفق لفظ الطكبقات على لفظ الشعراء = حكاية بالمعنى أو اتباع لتسمية ناسخ أو كذب على المؤلف..
ليُنظَر إلى هاته الظنون التي لا تغني من الحق شيئا، فلو جاز تطرق هذه الآفات على هذا الكتاب، لجاز ذلك على تراث الأمة بأكملها، ولكن أبى الله غير ذلك، فما من كتاب إلا ويرويه عن مؤلفه رجال أمناء وعنهم تتفرع أسانيده، وإن لم يكن له إسناد، فأصوله الصحيحة معروفة مشهورة عند أهل العلم (كل بحسب فنه)، وإذا همَّ أحدهم بالتصرف فيه أو تحريفه أو نسبته لنفسه، إلا انبرى له من يبين عواره، ويهتك أستاره، و راجع ما تقدم ففيه رد على هاته الظنون أيضا.
ثم قلت:
ونقل أبي الفرج الذي يروي الكتاب بسنده وليس قصاراه نسخة ناسخ كابن ناصر الدين،
ذكرك لأبي الفرج مغالطة، فقد بينتُ بأنه لم يقصد إيراد عنوان الكتاب فيما نقلتَه عنه.
وانظر كيف دفعتك عاطفتك المنحازة للشيخ محمود شاكر-رحمه الله- للتنقيص من قدر ذاك الإمام الجليل والناقد البصير ابن ناصر الدين الدمشقي، و وصمته بـ"ناسخ" في معرض الإزراء والذم، فالتنقيص من أقدار العلماء الأكابر هينٌ في سبيل تنزيه محمود شاكر عن الخطأ.
هل يرضى الشيخ العلامة محمود شاكر – سحَّ الله عليه وابل رحمته وغفرانه- بهذا منك في الدفاع عنه، بدون شك لن يرضاه، فلا تجعلن الشيخ محمود شاكر -رحمه الله – مطية تركبها للتطاول والتجاسر على أئمتنا وعلمائنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
و أما الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي فقد سقتُ نغبة من بحر حفظه وإمامته فيما سبق.
ومن أين لك أن الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي لا يروي الكتاب بإسناده؟، هل وقفت على برنامجه أو ثبَته أو فهرسته، ولم تلف فيما يروي من مرويات، هذا الكتاب بعينه؟، أم أنها الظنون المنسوجة بخيوط العصبية المهترئة؟؟، وقد سبق الكلام عن تحري المحدثين وضبطهم ، و الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي من أعلاهم رتبة ومنزلة في هذا الباب -رحمات ربي عليه-.
وقد جاريتك في هذا الموطن حتى أبين لك أنك تأتي بكل نطيحة ومتردية وموقوذة في سبيل نصرة الشيخ العلامة محمود شاكر رحمه الله ( وهو في غنى عن هرائك) ، وإلا فالحديث عن سند أبي الفرج في الكتاب، يصح لو كان في نقله ما يدل على عنوان الكتاب، وهذا ما بينا عدمه فيما سبق.
والغلو في الرجال من أعظم أسباب قلب الحقائق وتغييرها، و حال صاحبنا أبي فهر خير مثال لذلك، ويتبين ذلك من قوله:
ولا يبقى مع من يخالف هذا إلا محض التوهم والتقليد..
ليُنظَر كيف رمى من يعتمد على نص العنوان المثبت في أول المخطوطة وآخرها بالتوهم، بينما المعتمد على رجل رأى كلمة "فحول" في نسخة تقادم عليه زمن رؤيتها، هو: المحق، والمعلوم أن الكتاب (أو حفظ الكتاب) مقدم على حفظ الصدر، لأن الثاني يتطرق إليه النسيان والاختلال وغيرهما من الآفات، خصوصا أن عنوان الكتاب ثابت في موضعين من المخطوطة، فمن المتوهم ومن المتيقن والمحق ؟؟؟، اللهم نعوذ بك من التعصب للرجال.
وليس معه نص المخطوطة فقط، بل يعتمد على نقل لإمام حافظ محرر محقق هو ابن ناصرالدين –رحمه الله-.
وقد وسم صاحبنا أبو فهر الاعتماد على نقل ذاك الحافظ بـ"التقليد"، و هو في هذا الوسم بين حالتين:
الأولى : أنه لا يدر معنى "التقليد" ولا يفهمه.
الثانية: أنه غالط و أوهم و دلس بهذا الوسم.
و بيان ذلك كالآتي:
فنقل العدل الثقة حجة بنفسه، لأن مرجعه إلى الحس والمشاهدة، والحس والمشاهدة من الأدلة القطعية المسلم بها لدى العقول بأجمعها، وهي تفيد القطع واليقين.
فكيف بعد هذا، يقال أن الاعتماد على نقل الحافظ ابن ناصر الدين "تقليد"، والتقليد: هو اتباع قول شخص من غير حجة (و لتنظُر كتب الأصول للاستزادة)، و الحافظ ابن ناصر الدين ليس له إلا نقل ما رآه وشاهده، وبالاعتماد على نقله فكأننا وقفنا على الكتاب وعايناه.
فانظروا كيف صار اتباع الدليل والبرهان "تقليدا"، والمعتمد على حفظٍ متقادم ومدخول لرجل واحد "دليلا"، أليس هذا من قلب الحقائق تعصبا لرجل من المسلمين، لن يغني عنه يوم القيامة شيئا.؟؟
وأنا على يقين من أن الشيخ العلامة محمود شاكر –رحمات ربي عليه- لو وقف على نقل ابن ناصر الدين الدمشقي لتراجع عن إثباته لكلمة "فحول"، فهذا اللائق بمقامه ومنزلته، وأما العناد والمكابرة فبضعاف طلبة العلم أليق منه بالأكابر.
ولقد عجبتُ لك يا أبافهر أشد العجب، وأنت تحاول الذب عن الشيخ –رحمه الله- بكل "واه" و "ساقط" و" ضعيف" و"راش" من القول والظن والجسْر، وذلك كله من أجل تنزيه الشيخ عن الخطأ، بل تجاسرت على الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي –رحمه الله-، حتى تبلغ غرضا هو بمنأى عنك، والحق أحق بالتعصب له من الرجال.
بل صار العنوان المثبت في الأصل المخطوط و المعضد بنقل الحافظ الثبت الحجة ابن ناصر الدين الدمشقي "ملفقا" و "كذبا على المؤلف"، بل أضحى ابن ناصر الدين الحافظ الإمام مجرد "ناسخ"، أهذا كله من أجل رفع صفة الخطأ والزلل عن رجل من بني البشر؟؟، نقر بعلمه وفضله، ولكن حفظه (المتقادم والمطروق بعدة آفات) يبقى مجرد ظن أمام رتبة اليقين التي يعتليها المستند على المخطوطة ونقل الحافظ ابن ناصر الدين.
ما كنت أظن بامرئ مسلم أن يبلغ هذا المبلغ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
لا أدر هل استدراكاتي على الشيخ فعلت بمحبي هذا الشيخ (و أنا منهم) ما تفعله النار في الأخضر واليابس؟
ألم يقنعوا مني بأن قصدي نزيه غير مدخول ؟؟، فلم يتركون تلك المواطن جانبا ويتعلقون بالأذيال وببنيات الطريق؟؟، لماذا تُكرر ألفاظ ملَّها السمع والبصر "قلة الأدب" و"التجاسر" و"التهجم" و.و..و.؟؟
وقد قلتُ ردا على أحدهم ، وقد اتهمني بمثل هاته "الافتراءات":
و أما تلك الأوصاف التي وصمتُ بها تلك "المواطن" من قراءة العلامة محمود شاكر رحمه الله لـ"أسرار البلاغة"، فأنا وصمتها بما هي عليه، و بحقيقتها التي لو رام المعاند المكابر دفعها، عاند و كابر عقله و حسه، نعم هي مصبوغة بشيء من الغلظة و الشدة ، و لكنها هي الأوصاف التي تقتضيها تلك "المواطن" نفسها.
و أنا أطلب من صاحبنا أن يبين كذب تلك الأوصاف ، و أن معانيها لا تطابق مسمياتها ، و إلا فعليه بالوجوم و الجثوم، و الصمت و السكوت
.
ونسأل الله تعالى العفو والعافية.