[6]الحديث عن علم مصطلح الحديث .
______________________________ ___
فقد ذكرت في مرة سابقة عندما أكون في المسجد وأدرس مثل هذا الكتاب فإنني من مواجهتي للناس إن كانوا يفهمون أم لا ، وقد استفهمت وقلت آنذاك أنا لا أدري إن كنتم تفهمون كلامي أو أنه أتى ثمرته أم لا ، ولا أدري ما هي الوسيلة التي أعلم بها إن كنت قد وفقت في عرض المادة أم لا ؟ .
وفي الأسبوع الماضي جاءتني عشرات الرسائل ومئات المكالمات كلها تثني على هذا الدرس وطريقة الطرح ، لا سيما في علم الحديث الجامد الذي تولينا فيه شرح بعض علوم الحديث مما زاد من اغتباطي وفرحتي بفهم الناس لهذا العلم الجديد ، وفي كل مرة إن شاء الله تعالى أعيد شيئًا يتعلق بالأصول ، علم الحديث وعلم أصول الفقه وطبعًا محل علم الحديث أنما يكون من خلال الإسناد علي الطريقة التي درجنا عليها وأذكر بها إن شاء الله اليوم وفي كل مرة حتى يستوعبها من يسمعها .
طريقتي في الشرح:-
أولاً: أقرأ نص الحديث سندًا ومتنًا قراءة صحيحة .
ثانيًا: ننظر في علاقة الترجمة بالحديث وهل الترجمة مناسبة للحديث أم لا ؟
والمناسبة إما أن تكون جلية وإما أن تكون خفية
جلية(لا خفاء فيها) كهذا الحديث الذي نشرحه الآن حديث بن عباس_ رضي الله عنهما_لأن البخاري رحمه الله بوب عليه بقوله (باب ما جاء في الصحة والفراغ).
ومتن الحديث كلام النبي _عليه الصلاة والسلام_: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) فتكون الترجمة مناسبة وجلية كأن البخاري ترجم بنص الحديث جعل الترجمة هي الحديث .
خفية: مثل الحديث الذي ذكرناه في المرة السابقة في باب المنديل ، أن ميمونة _رضي الله عنها_أعطت النبي _ﷺ _منديلاً أو خرقة أو ما يشبه في زماننا هذا الفوطة حتى ينشف بها بعد الوضوء فردها وجعل ينفض بيديه.
فهذا الباب عندما نقول( باب المنديل )ونذكر مثل هذا الحديث لا ندري ماذا يريد الإمام؟_ رحمة الله عليه _من هذا الحديث ، يريد أن يتنشف أم لا يريد ألا يتنشف .
فلو كان يريد ألا يتنشف لكانت الترجمة خفية ، لأنه كما قلنا في المرة الماضية لولا أن ميمونة _رضي الله عنها_ رأت النبي _صلي الله عليه وسلم _يتنشف ما دفعت إليه المنديل ، لكن يكون غالب أمره_ ﷺ_ لا يتنشف إنما ينفض يديه للعلة الذي ذكرناها في المرة الماضية وهي أن الذنوب تسقط مع قطر الماء أو مع آخر قطر الماء كما جاء في الحديث
ثالثًا: أن ننظر هل الإمام البخاري ذكر هذا الحديث في مواضع من صحيحة أم لا ؟ فإذا كان ذكرها في مواضع على عادة البخاري أنه قد يذكر الحديث الواحد في عدة مواضع لأنه يلتمس الفقه الذي فيه فإن كان البخاري ذكر الحديث في عدة مواضع نذكر المواضع كلها ونذكر تبويب البخاري على هذه المواضع ، فإذا كان لم يكرر الحديث ننبه أنه لم يكرر الحديث مثل حديث بن عباس الذي نشرحه الآن .
( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) لم يذكره البخاري _رحمه الله إلا في هذا الموضع من صحيحه .
رابعاً :ثم بعد ذلك ننظر هل أخرج هذا الحديث أحد غير الإمام البخاري أم لا ، فإن كان أحد خرج الحديث غير البخاري لا سيما الإمام مسلم نذكر مواضع الحديث في كتب السنة الأخرى وطبعًا لن نستقصي في المسألة إنما سنذكر على الأقل الكتب الستة ومسند الإمام أحمد ونضم إلى هذه الكتب صحيح بن خزيمة وصحيح بن حبان والمستدرك الحاكم وإذا كان الدار قطني والبيهقي وسنحاول بالقدر المستطاع ألا نطيل في مسألة التخريج ، إلا لو كان أحد ا المخرجين ذكر زيادة على المتن الذي ذكره البخاري _رحمه الله_ وكان يتعلق بالزيادة معني ، فهذه سننبه عليها ونقول الزيادة زادها فلان وإسنادها صحيح أم لا .
خامساً :ثم بعد ذلك نذكر شيئًا من علم الحديث قواعد المصطلح من خلال السند لأن هذا هو المحضن الطبيعي لعلوم الحديث الإسناد ، وعلم الحديث كله إنما وضع لتصحيح الإسناد وتضعيفه ومن ثم يقبل المتن أو يرد .
النافذة الوحيدة لنا لنتكلم عن علم الحديث الذي أنا مغتبط شديد الاغتباط أنه دخل قلوب الجماهير وسيزيد ونحن لا نزال على شاطئ البحر إنما إذا دخلت وأحسنت السباحة فهذا موضوع أخر .
سادساً :ثم بعد ذلك نذكر المتن أي كلام النبي_ صلي الله عليه وسلم _أو كلام الصحابي أو كلام التابعي على حسب ما يذكر الإمام البخاري ونذكر المعاني الذي اشتمل عليها هذا الكلام والمتن هو المحضن الطبيعي لعلم أصول الفقه أيضًا ، لأن علم أصول الفقه هو الذي يسدد لك الفهم ، وهؤلاء الذين يتخبطون عشوائيًا ويعملون كل شيء ، ويتكلمون على الأحاديث بجهل ويقولون هذا مردود وهذا مكذوب وغير ذلك .العلة التي عندهم لم يدرسوا .
ديننا دين محكم متين كل شيء مربوط بقواعد ، وسنبين هذه القواعد ونبين كيف استللنا هذه الفائدة ، وعلى أي قاعدة بنيناها ، ونحاول بالقدر المستطاع ألا نكثر من ذكر القواعد حتى لا يمل المستمع .
لكنهم طلبوا مني طلبًا لا أدري كيف أوفيه وهو أن أتحدث عن تاريخ الحديث وكيف بدأ هذا العلم الجليل وكيف يمكن أن يصل المرء إلى مراتب في هذا العلم ، فأنا أقول أن هذا الموضوع يحتاج إلى حلقات مفردة ، وأنا لا أريد أن أخرج عن موضوع الكتاب لأن الكتاب طويل وحتى لا يطول الأمر بنا .
لكن أنا بدا لي أن أسلك خطة وسطًا وهي أن أوزع الكلام على تاريخ الحديث إذا جاءت مناسبة من خلال الإسناد ، ولأبين الجهد الكبير الذي بذله علماء الحديث
مارجوليوس وعلم الحديث.
لدرجة أن أحد المستشرقين المحترقين على الإسلام وأهله وهو مارجوليوس قال: ليفخر المسلمون بعلم حديثهم فإننا لا نعلم في الدنيا كلها أمة وفقت إلى ضبط كلام نبيها أو كلام أي إنسان كما وفقت هذه الأمة التي سددها الله تبارك وتعالي وابتكرت هذا العلم الجليل .
قال الذهبي رحمه الله عن علم الحدبث
[ لولا أصحاب المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر ] .
وقال الإمام المبارك عبد الله بن المبارك [ لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ] .
فالإسناد هو الذي يفضح القائل ، سمي لنا من أي جهة أخذت هذا الكلام ونفحص هذه الجهة وننظر إذا كانت هذه الجهة ثقة أم لا ؟ لأن الأخبار يدخلها الصدق والكذب بخلاف الإنشاء, كيف تعرف أنه صدق ؟ إذا كان الذي أخبرك به من الصادقين ،
نضع هنا قاعدة : :من الأصل ومن الفرع ؟ عندنا راوي وعندنا رواية واحد قال لك كلام ، من الأصل ؟ هذا الإنسان المتكلم ولا الكلام ؟ بالطبع الأصل المتكلم ، فالراوي هو الأصل والكلام أو الرواية هي الفرع .
أنا لا أنظر في الفرع إلا إذا نظرت إلى الأصل ، فلا أنظر إلى الكلام ولا إلى الرواية إلا إذا نظرت إلى المتكلم ، هذا المتكلم جدير بأن يستحوذ على تصديقي إياه أم سأطرح كلامه .
فلذلك نشأ علم كبير جليل اسمه علم الجرح والتعديل ، فهؤلاء العلماء الكبار الذين رحلوا إلى سائر الأقطار وباعوا الحمار والدار واستدانوا وأجر بعضهم نفسه مع نبله ومكانه عند بعض الجمالين والحمالين كأبي حاتم الرازي .
الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: لأجل أن يشتري الورق كان يرهن بعض أساس المنزل ، ولأجل أن يشتري الدقيق كان يرهن بعض ما يملك مع جلالة أحمد ، البقال الذي أعطى له أحمد بن حنبل الدلو كرهن نحن لا نعرف من هذا البقال مات يوم مات وبقي أحمد بن حنبل رحمه الله اسمه يسير كالشمس عبر القرون ، أتى إلينا اسمه زكيًا كسائر علماء الملة رحمة اله عليهم أجمعين .
فعلماء الحديث بذلوا جهودًا جبارة في ضبط هذا العلم :
وأنا ليس هناك مجال لأتكلم لكنني وأنا أفتش ماذا أقول لأبين الجهد الذي بذله علماء الحديث في تقريب هذا العلم وتهذيبه وضبطه فتذكرت منظومة لأحد علماء الحديث قرب بها هذا العلم ، لأن هذا العلم العلماء كتبوه نثرًا ونظموه شعرًا ، فمنهم من نظم ومنهم من اختصر ومنهم من اعترض ومنهم من انتصر ، كل هذا العلماء يعترضوا علي بعض لتحرير المادة العلمية .
كل هذا جيد لكن أن يتفنن بعض علماء الحديث في عرض المادة العلمية الجافة عن طريق قصيدة غزلية فهذا هو عجب العجاب ، علم جامد يسبقه في قصيدة غزليه لرجل محب أرسل رسالة إلى حبيبه يتوجع من ألم الفراق ، ويبين له أنه على العهد في المحبة وأنه مشتاق إليه بل إنه يهيم به .
هل يخطر على بال أحد أن يسبك العلم الجامد علم الحديث المقصود بالعلم الجامد علم الآلة في قصيدة غزلية وبأرق لفظ يكون ، وقد رأيت في هذه المرة أن أتحفكم بهذه القصيدة الغزلية التي ذكر فيها هذا العالم عناوين علم الحديث ولم يدخل في القواعد ، إنما ذكر العناوين .
وهذا العالم هو أحد مشايخ الإمام الذهبي وهو معروف بابن فرح الأشبيلي الأندلسي ، وأنا سأذكر لكم القصيدة وأبين لكم مواضع علم الحديث فيها لتعرف كيف وفق هذا العالم ولانت له الألفاظ كأنها عجينة ، استطاع أن يصرفها كما يحب ، فيقول هذا المشتاق المحب يتكلم مع حبيبه فيقول:
يقول ابن فرح الأشبيلي الأندلسي:
غرامي صحيحٌ والرجا فيكَ مُعضَلُ
ودمعي وحزني مرسلٌ ومسلسلُ
ووجدي فيك يشهد القلبُ أنــهُ
ضعيفٌٌٌ وموضوعٌ وذليَ أجمـلُ
ولا حَسنٌٌٌ إلا استماعُ حَدِيثُكُمُ
مشافهةً يُمليَ عليَ فأنقــــلُ
وأمريَ موقوفٌ عليكَ وليس لـي
علي أحدٍ إلا عليكَ المُعًوَلُ
ولو كان أمريَ مرفوعًا إليك لكنتَ
لي على رغم عُزَالي تَرِقُ وتعدِلُ
وعزل عزولي منكرٌ لا أُسِيغُهُ
وزورٌ وتدليسٌ يُردُ ويُهملُ
أُقضي زماني فيكَ متصلَ الأسيَ
ومنقطعًا عما به أتوصـــلُ
وها أنا في أكفانِ هجركَ مدرجٌ
تُكَلِفُني ما لا أُطِيقُ فأحمِلَُ
وأجريتُ دمعيَ بالدماءِ مُدَبجًـاً
وما هي إلا مُهجتي تتحلـــلُ
فمُتَفِقٌ جفني وسُهدي وعبرتـي
ومفترقٌ صبري وقلبي المبَلبلُ
ومؤتلفٌ وجدي وشجوي ولوعتي
ومختلفٌ حظي وما فيك آمُــلُ
خذ الوجدَ عني مسندًا ومُعَنعناً
فغيري بموضوعِ الهوى يتجملُ
وذي نُبَذٌ من مبهمِ الحب فاعتبر ً
وغامِضُهُ إن رُمتَ شرحًا مُطولُ
غريبٌ يقاسي البعدَ عنكَ ومالَهُ
ورَبِكَ عن دارِ القِلى مُتَحَوَلُ
عزيزٌ بكم صبٌ ذليلٌ لِعِزِكُم
ومشهورُ أوصافُ المُحبِ التذلـلُ
فرفقًا بمقطوعِ الوسائلِ مَالَهُ
إليك سبيلُ لا ولا عنكَ مَعدِلُ
قلا زلتَ في عزٍِ منيعٍ ورفعةٍ
ولازلتَ تعلو بالتجني فأنزِلُ
أوري بُسُعدَيَ والرباب وزينبَ
وأنت الذي تُعنيَ وأنتَ المُؤَمَلُ
فخذ أولاً من أخرٍثم أولــاً
من النصفِ منه فهو فيه مُكَمِلُ
أَبَرُ إذا أقسمتُ أني بحبــهِ
أهيمُ وقلبي بالصبابةِ مُشعَلُ
هذه قصيدة من عشرين بيتًا كما ترى في أرق لفظ يكون ولا يشعر المستمع أو القارئ أن فيها علم أو أن فيها كلام جامد ، فانظر إلى موهبة هذا العالم وكيف أنه تحايل في تقريب هذا العلم بكل ممكن فانظر أين علم الحديث في هذه القصيدة كلها .
فالذي قصده هذا العالم أن يذكر عناوين الأبحاث الحديثية ، صحيح ، ضعيف ، منقطع مرسل شاذ ، معل ، معضل ، معلق ، مدلس ، فهذه كلها عناوين وتحت كل عنوان من هذه العناوين فيه علم ، فيه قواعد
وأنك إذا أحببت هذه القصة تذهب إلى كتب مصطلح الحديث وتدرس الحديث فيقول:
غرامي صحيحٌ والرجا فيك مُعضَلُ ودمعي وحزني مرسلٌ ومسلسلٌ
غرامي( صحيحٌ ) إشارة إلى الحديث الصحيح .
والرجا فيك( مُعضَلُ) إشارة إلى الحديث المعضل .
ودمعي وحزني ( مرسلٌ ) ، إشارة إلى الحديث المرسل .
( ومسلسلُ) الحديث المسلسل .
ووجدي فيك يشهد القلبُ أنــهُ ضعيفٌٌٌ وموضوعٌ وذليَ أجمـلُ
( ضعيفٌ ) الحديث الضعيف ( ومتروك ) هذا الحديث المتروك ،
ولا حسنٌٌٌ إلا استماع حديثكــم
مشافهةً يُملى علي فأنقــــلُ
ولا( حسنٌ ) هذا الحديث الحسن .
إلا استماع حديثكــم ( مشافهةً ) هذه المشافهة ، كما أكلمك الآن فأنا الآن أشافهك .
(يُملى) علي فأنقل هذا الإملاء وهناك سنة تسمى الإملاء عند المحدثين
وأمريَ موقوفٌ عليك وليس لـي علي أحد إلا عليكَ المعـــولُ
وأمري( موقوفٌ) هذا الحديث الموقوف أي كلام الصحابي .
ولو كان مرفوعًا إليك لكنت لي على رغم عزالي ترق وتعذلُ
ولو كان ( مرفوعًا) وهذا الحديث المرفوع وهو ما يعزى إلى النبي _ﷺ_ من قول أو فعل أو تقرير ، .
وعزل عزولي منكرٌ لا أسيغُهُ وزورٌ وتدليسٌ يردُ ويُهملُ
( منكرٌ) هذا الحديث المنكر ، ( وتدليسٌ) هذا الحديث المدلس (ويُهملُ وهذا المهمل ، وسيأتي المهمل بعد ذلك .
أقضي زماني فيكَ متصلَ الأسى ومنقطعًا عما به أتوصـــلُ
( متصلٌ ) وهذا الحديث المتصل ، و( منقطعًا ) وهذا الحديث المنقطع
وها أنا في أكفانِ هجركَ مدرجٌ تكلفني ما لا أطِيقُ فأحمِلَُ
( مدرجٌ ) هذا الحديث المدرج ، الكلام الذي يضيفه الراوي على الحديث من جهة التفسير .
وأجريتُ دمعيَ بالدماءِ مُدَبجًـاً وما هي إلا مهجتي تتحلـــلُ
وأجريت دمعي بالدماء ( مدبجًـا ) فهناك ما يسمى بالحديث المدبج ورواية الأقران .
فمُتَفِقٌ جفني وسُهدي وعبرتـي ومفترقٌ صبري وقلبي المبَلبلُ
فـ ( متفقٌ ) جفني وسهدي وعبرتـي و( مفترق ) صدري وقلبي المبلبل ، المتفق والمفترق والبيت الذي بعد المؤتلف والمختلف
ومؤتلفٌ وجدي وشجوي ولوعتي ومختلفٌ حظي وما فيك آمــلُ
و( مؤتلفٌ) وجدي وشجوي ولوعتي و( مختلفٌ ) حظي وما فيك آمــل
خذ الوجدَ عني مسندًا ومُعَنعناً فغيري بموضوعِ الهوى يتحللُ.
خذ الوجد عني (مسندًا ومُعَنعناً ) هذا الحديث المسند والحديث المعنعن الذي هو عن فلان عن فلان عن فلان ، .
وذي نُبَذٌ من مبهمِ الحب فاعتبر وغامِضُهُ رُمتَ شرحًا مُطولُ
وذي نبذ من ( مبهمِ) الحديث المبهم الذي فيه راوى مبهم .
غريبٌ يقاسي البعدَ عنكَ ومالَهُ وحقِكَ عن دارِ القِلى مُتَحَوَلُ
( غريبٌ ) هذا الحديث الغريب .
عزيزٌ بكم صبٌ ذليلٌ لِعِزِكُم ومشهور أوصاف المحب التذلـلُ
( عزيزٌ) الحديث العزيز . ( ومشهور) الحديث المشهور
فرفقًا بمقطوعِ الوسائلِ مَالَهُ إليك سبيلُ لا ولا عنكَ مَعدِلُ
فرفقًا بـ( مقطوعِ ) هذا الحديث المقطوع وهو ما قاله التابعي .
هكذا هو قد انتهي من ألقاب الحديث ولكنه عمل لنا مفاجأة في الأخر أنه ذكر اسم من يحب لكنه فرقه وجعله بطريقة ألغاز ، فأنت أنظر اسم من يحبه في هذه الأبيات فهو يقول:
أوري بُسُعدَيَ والربابِ وزينبََ وأنت الذي تُعنيَ وأنتَ المُؤَمَلُ
وقد انتهى بذلك ولكنه أراد أن يجعلك كيف تعرف أن تعثر على اسم حبيبه في هذه الأبيات ، فيقول:
فخذ أولاً من أخرٍثم أولــاً من النصفِ منه فهو فيه مُكَمِلُ
( فخذ أولاً ) البيت الذي سيأتي بعد هذا من أخر ثم أولــاً ، من النصف منه فهو فيه مكمل
أَبرُ إذا أقسمت أني بحبــه أهيمُ وقلبي بالصبابةِ مُشعَلُ
أَبَرُ) اسم حبيبه في أول البيت أول الشطر الأول وتكملته في أول الشطر الثاني ( أهيمُ ) فيكون اسمه إبراهيم .
أَبَرُ إذا أقسمت أني بحبــه أهيمُ وقلبي بالصبابةِ مشعــل
علم الحديث علم مر لا يصبر عليه إلا الأحرار وهو كأي علم في الشريعة ولكن علم الحديث له إشكالية ، هذه الإشكالية ربما لا توجد في سائر العلوم
وهي أي تاجر عندما يكون له رأس مال كبير ، ورأس المال هذا موزع في مائة مشروع فمن أجل أن يراقب رأس المال في هذه المشاريع المتعددة يتعب كثيرًا جدًا ، ثم يستعين بإدارة قوية وكبيرة لأجل أن يلاحق رأس المال في مائة مشروع ، على خلاف أن يضع رأس المال وإن كان كبيرًا في مشروعين أو ثلاثة أو أربعة فيقدر أن يُتابع رأس المال .
رأس مال المحدث هو الأسانيد :
هذه الأسانيد لا أبالغ أن قلت أن لها مئات الألوف ، لاسيما الأجزاء الحديثية وكتب التواريخ والمعاجم والمشيخات ، كل هذه عبارة عن أسانيد .
إذا أردت أن تنظر في أي حديث من الأحاديث وتحتاج أن تعرف أهو صحيح أم لا:
تجمع كل الأسانيد التي روي بها هذا الحديث وتسلط الأسانيد بعضها على بعض وترى المتابعات والمخالفات والزيادات والنواقص في المتون والأسانيد وغير ذلك وتعمل عملية موازنات وترى الرواة من خالف من ، ومن تابع من ومن انفرد قصة كبيرة .
فأنا إذا أردت أن أحكم على حديث واحد ومطلوب مني أجمع الأحاديث بقدر ما أستطيع ، فإذا افترضنا أن الكتب المطبوعة مثلاً أربعين ألف كتاب مسند ، فلنجعل هذا الحديث موجود في عشرة ألاف كتاب ، فيكون مطلوب أن يكون عندك عشرة ألاف كتاب ويكون عندك فهارس لهذه العشرة ألاف كتاب ، لأنه ليس من الممكن أنك تقرأ الكتاب ورقة ورقة لترى هل الحديث موجود في كل جزء أم لا ، وإلا بذلك يضيع العمر ، فلابد أن يكون هناك فهارس ، وهذه الفهارس تعرف كيف تتعامل مع الكتاب .
بعدما صار عندك العشرة ألاف وجمعت الحديث من كل هذه الكتب تبدأ ترتب أسانيد الحديث كلها وترى من تابع من ومن خالف من وترى المتن إذا كان هناك راوي زاد كلمة ، وهذا الراوي ثقة أم غير ثقة ، نقبل الكلمة منه أم نردها عليه ، بعد هذه القصة كلها تكتب كلمة واحدة إسناده صحيح ، إسناده ضعيف ، ممكن تغيب خمسة عشر يومًا تبحث في أسانيد حديث .
عندما يكون رأس مال المحدث هو الإسناد وهو موزع في مئات الألوف أو عشرات الألوف من الكتب ، فانظر إلى الذل الذي يعانيه من يتعاطى علم الحديث حتى يصل في الأخر إلى أن يقول إسناده صحيح فأنت بمنتهى البساطة تعتقد أن إسناده صحيح أنه يجلس ويشرب الشاي ويضع قدم على الأخرى وأن المسألة مسألة ذوق وغير ذلك وأنا لست مقتنع بهذا الحديث ، هذا لا يعجبني ، وهذا شكله غير طيب ، ويقول نكتب ونرفع قضايا نريد أن ننقي البخاري ومسلم من الأحاديث والباطلة والموضوعة وغير ذلك ، وهؤلاء جميعهم لا يستطيعون فك الخط ، فهذا هو عجب العجاب وقل ما شئت من ألفاظ العجب .
علم الحديث علم جليل وممتع ولكنه لا يذل إلا لمحب من شعر رأسه إلى أخمص قدمه: ولا يستكثر أي جهد يبذله .
وكما قلت هذا العلم انفردت به أمة جليلة وهذا دليل على عظمتها وأنها أمة لن تموت: ، يفعل أعداؤنا ما يريدون فيها ، لكن ما بقي هذا العلم والعلوم الأخرى ، علوم الآلات ، مثل علم أصول الفقه ، وعلم أصول العربية وهذه العلوم التي يضبط بها دين الله تبارك وتعالي .
وبقي لهذه العلوم حراس يقفون على الرصد ولا يسمحون لأي متلاعب أن يتلاعب بهذه الأصول ويردون عليه ردًا قويًا مفحمًا ما بقي حراس الحدود على هذه العلوم فإن هذه الأمة ستظل هي خير الأمم وهي كذلك ولا يغرنكم فترات الضعف التي تمر بها هذه الأمة الجليلة فإنها أمة لا تموت .
مراجعة لماسبق في الحلقة الماضية:
ذكرنا في المرة الماضية ما يتعلق بعلم الحديث ذكرنا الإسناد ، معنى الإسناد وأنا اذكر في كل حلقة ما يتعلق بعلم الآلة لأن المعاني التي ذكرتها لا أكررها ثانية ، لكن أكرر القواعد لماذا ؟ لأنه كلما جاءت القاعدة أكررها حتى على سبيل الاختصار ، ممكن القاعدة عندما أذكرها لأول مرة أطول قليلًا حتى تستطيع أن تفهم معي ، وعندما أريد أن أعيدها في المرة الثانية ٍسأذكر كلمة ونصف حتى لا أطيل ولكن تذكرك بالقاعدة .
ولا نزال نذكر في كل مرة بالقاعدة حتى تحفظ العلم حتى ولو لم تنظر في الكتاب ، ونحن ذكرنا في المرة الماضية ما معني الإسناد ، وقلنا أن
الإسناد له معاني وأنا اخترت منها( أن كل راو يسند عهدة ما سمع إلى من فوقه ).
من الذي حدثك ؟ فلان ، وأنت من الذي حدثك ؟ فلان ، البخاري رحمه الله يقول: حدثنا المكي بن إبراهيم عندما أسأل الإمام البخاري وأقول له حديث ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ) من الذي حدثك ؟ من أين أتيت به؟ ، فيقول أنا ما أتيت به من عند نفسي إنما حدثني المكي بن إبراهيم وأنا أقول لإبراهيم من الذي حدثك ؟ أم أتيت به من رأسك ؟ فيقول لا حدثني عبدا لله بن سعيد ، وأنت من حدثك قال حدثني أبي سعيد بن أبي هند وأنت سمعت مِن مَن ؟ قال حدثني بن عباس .
فالإسناد: عبارة عن أن يرفع كل رجل الكلام إلى من فوقه حتى يصل الكلام إلى منتهاه ، سواء كان منتهاه الرسول صلي الله عليه وسلم أو كان الصحابي أو كان التابعي أو ما دون التابعي ، والإسناد أيضًا أضيف شيء وسيكون سهل عليكم جدًا .
الإسناد معناه ، الإسناد عليه الاعتماد ، أي كلام مهما كان جليلاً وجميلاً لا يقبل نسبته إلى قائله إلا إذا صح الإسناد ، فيكون العمدة على الإسناد الأول ، عندما تقول فلان سندي ، فما معني سندي ؟ هذا المسند الذي ارتكن عليه أليس اسمه مسند ، وأنا أعتمد عليه ومركون عليه .
فهذا الإسناد أحد معانيه أن عليه الاعتماد :
وقلنا في المرة الماضية الإسناد له طرفان :،
الطرف الأول: من عند البخاري.
الطرف الأخير: عند بن عباس .
عندما نقول أول الإسناد وأخره فأول الإسناد من عند البخاري وإياك أن تخطيء وتقول أول الإسناد عند بن عباس .
خذها قاعدة آخر الإسناد أو أعلى الإسناد من عند الصحابي فيكون الطرف الثاني أوله إذا كان الصحابي آخر واحد في الإسناد فيكون أوله من عند الإمام البخاري ، فدائما أول الإسناد من تحت وأخر الإسناد من فوق .
فالإسناد: أن يسند كل إنسان كلامه إلى قائله وشيخه يسنده إلى قائله ويظلوا يصعدوا إلى أعلى حتى يصلوا إلى الصحابي ، فيكون معني الإسناد الارتفاع وهذا معني الإسناد الذي ذكرناه في المرة الماضية .
ثم قلنا الحديث المعلق: وقلنا أن الحديث المعلق هو ما حذف من مبدأ إسناده راوي ، ونحن قلنا أن بداية الإسناد من أين ، وإياك أن تخطيء وتقول من فوق من عند الصحابي ، أول الإسناد من تحت .
وأنا أريد أن أمثل لكم الحديث المعلق ، نحن قلنا المرة السابقة أن أي إسناد في الدنيا له طرفان ، الطرف الأول الذي هو أول الإسناد من عند الإمام البخاري ، وأخر طرف في الإسناد الصحابي ، ولو قلنا هذه المسافة كلها نقسمها إلى مسافة زمنية البخاري من هنا عند أصبعي هذا ثم إلى هنا المكي بن إبراهيم ثم هنا عبد الله بن سعيد ثم هنا سعيد بن أبي هند ثم هنا بن عباس
فأنا الآن لما أحذف راوي من أول الإسناد أحذف من بن عباس ؟ وإياك أن تقول بن عباس ، لأن بن عباس أين ؟ بن عباس فوق ، ونحن نشترط في الحديث المعلق أن يكون الحذف من أول الإسناد فنحذف شيخ البخاري ، ولو حذفنا شيخ البخاري وحذفنا مسافته التي قدرناها فيكون الإسناد هكذا معلق ، لأننا حذفنا أول راوي من رواة البخاري
نعملها على اللوحة ، أنظر عندنا الإمام البخاري ، عندنا الإمام الدارمي ، عندنا أحمد بن حنبل ، كل هؤلاء رووا الحديث عن نفس الشيخ المكي بن إبراهيم بنفس الإسناد وأنت طالع ، فسنقول الإمام الدارمي هذا أول الإسناد طرف الإسناد ، وأنا أريد أن أعلق الإسناد فماذا نعمل ؟ نحذف المكي بن إبراهيم .
الحديث المعلق قلنا ما حذف من مبدأ إسناده راوٍ وهذا رقم واحد أو أكثر فيكون اثنين أو ثلاثة بشرط على التوالي ، أن يكوموا وراء بعض
فهذا الحديث الآن صار معلقًا أم لا ، نعم معلق ، لماذا ؟ حذف الراوي الدارمي هذا طرف الإسناد وهذا أول الإسناد ، حذفناه ، عبد الله بن سعيد هذا ، الدارمي هل أدرك عبد الله بن سعيد ؟ لا ، لم يدرك عبد الله بن سعيد ، فماذا يقول الدارمي ، سيقول أخبرنا ، لا يستطيع أن يقول أخبرنا لأنه لم يسمع منه ، إنما سيقول (عن) فهذا معلق .
فإذا محونا هذا أيضًا عبد الله بن سعيد فنكون حذفنا اثنين من الرواة فكل هذا معلق أم لا ؟ معلق ، ثم حذفنا ذلك ، ما يقي من الإسناد إلا بن عباس رضي الله عنه ، ولو حتى حذف بن عباس فماذا يقول الدارمي ، سيقول قال رسول الله_ ﷺ .
نحن الآن لما واحد منا يقول قال رسول الله ﷺ _صورة هذا الحديث أنه معلق ، حذفنا الإسناد كله ، أنت يمكن أن تحذف الإسناد كله لكن بشرط أن يكون على التوالي ، لكن إذا لم يكون على التوالي فيأخذ أسماء أخري.
مثل أحمد بن حنبل إذا قال حدثنا المكي بن إبراهيم ثم حذف هذا ، لو البخاري قال حدثنا المكي بن إبراهيم فهذا اسمه إسناد معلق ثم حذفنا سعيد بن أبي هند وتركنا عبد الله بن سعيد ، فهل هذا اسمه معلق ؟ لا طبعًا هذا ليس معلق ، أخذ اسم أخر اسمه منقطع ،.