قال أبو بكر الجصاص في كتابه: ((الفصول في الأصول)) : ((وقال الله تعالى: {بلسان عربي مبين} يعني بلغة؛لأن اللغة بالِّلسان تظهر)) انتهى بلفظه.
قلت: وكل ذلك لم يكن بل خطأ على العربية هو....
والعرب يقولون : لسان القوم،ولسان العرب،ولسان عربي،ولا يقولون: لغة القوم،ولا لغة العرب،ولا لغة عربية،وليس ذلك من كلامهم.
وقول من قال : ((اللغة)) = خطأ على العرب كله وإنما هو من كلام المتكلمين والناقلين لكتب الفلاسفة ....فما كانت العرب تسميه لساناً صار أولئك المتكلمون يسمونه : لغة..ثم كثر لفظ اللغة في كلام الخاصة والعامة...وهو لسان محدث مولد،وليس بلسان العرب الذي نزل القرآن به...
فأبو بكر الجصاص المعتزلي...استبد بلفظ محدث مولد اللفظ العربي وهو اللسان....
ثم زعم أن اللفظ الذي لم تكن العرب تعرفه ولا تتكلم به (اللغة) هو الحقيقة،وهو أصل الوضع،وأن اللفظ العربي الذي كانت العرب تتكلم به (اللسان) هو المجاز المنقول إلى غير ما وضع له (!!!)
والعرب يقولون اللسان يعنون به ذلك اللحم الذي في الفم ،ويقولون اللسان يعنون به كلام كل قوم الذي يعقلونه ويتكلمون به،ولا ندري بأي ذلك تكلموا أولاً،ولا سبيل إلى العلم به.
ولا يذكر لفظ اللسان في كلامهم إلا وفي كلام المتكلم أو أنبائه ما يبين ما أراده به...
فقول الجصاص وغيره إن لفظ اللسان وضع في أصل اللغة لذلك اللحم الذي في الفم وهو حقيقة في ذلك اللحم مجاز في غيره،وه يدل على ذلك اللحم من غير قرينة ولايدل على الكلام الذي يُنطق به إلا بقرينة كل ذلك زعم باطل لا حجة لهم به
وبعض الباحثين يورد استعمال أهل العلم كالطبري ونحوه للفظ اللغة في موضع اللسان
وكل ذلك لا نفع فيه ولا يُثبت عربية لفظ....فكله بعض عصور الاحتجاج وانتشار لسان المولدين...
وآخر ذهب يحتج ببيت شعر لأبي نواسأو بيت لا يعرف من رواه لا زمام له ولا خطام ومجرد إيراد هذا دليل على ضعف تحقيق مورده بما تثبت به عربية الكلمات..
أما اللغة في كلام العرب فتعني لسان القوم يخالفون به غيرهم من أهل اللسان نفسه....
ويستعمل بعض العرب مكانها لفظ: اللحن
وهي التي ترادف في لسان المولدين لفظ: اللهجة ،ولفظ اللهجة في الدلالة على هذا المعنى لفظ مولد...واللفظ العربي الصواب مكانه هو لفظ: اللغة أو اللحن...
وشاهده قول ذي الرمة:
من الطنابير يزهي صوته ثمل = في لحنه عن لغات العرب تعجيم
أما اللغة التي في كلام الجصاص وغيره وتكون بمعنى (الكلام) فهو لفظ مولد أخذوه من اليونانية القديمة وأصله فيها (logic)....
ولفظ اللغة في كلام العرب ليس هو بمعنى (اللسان) أو (الكلام) وإنما معناه: لسان القبيلة المعينة أو الفئة المعينة يخالفون به غيرهم من أهل اللسان نفسه ،وهو مع هذا استعمال نادر عندهم...
فاختلاف دلالة الألفاظ ،أو اختلاف الألفاظ الدالة من زمان إلى زمان هو اختلاف ألسنة...
واختلاف ذلك بين أهل الزمان نفسه وأهل اللسان نفسه هو اختلاف لغات ويسميه المحدثون: اختلاف لهجات
والعرب استعملت اللغة بمعنى اللهجة...
واستعملت اللسان بمعنى اللهجة...
واستعملت اللسان بمعنى الكلام....
ولكن لم يثبت عنهم قط استعمال اللغة بمعنى الكلام...