نصر أبو زيد.. المنفيّ دائماً!
توفي نصر حامد أبو زيد، الكاتب والمفكّر المصري، ليثير الجدل حياً وميتاً. شكّلت أبحاثه في النص الديني والتراث نقلةً مهمة في مجال الدراسات الإنسانية.
استمعتُ على إذاعة "بي بي سي" برنامجاً أعادني إلى قراءة رحلته الفكرية والاجتماعية. رحلته مع العذاب البشري والنفي الجسدي والمعنوي. خرج من مصر شبه مطرود، فاستقبلتْه هولندا، كما استقبلت أسبينوزا من قبل. تأسس كرسي ابن رشد ليكون أستاذاً فيه، ومع أنه لم يتكيّف كثيراً مع هولندا بسبب نزعته إلى البساطة وحنينه إلى القرية، غير أن هولندا أدّت كل ما يجب تجاه باحث ومفكر وعالم كبير.
من هو نصر أبو زيد؟
هو نصر حامد أبو زيد (10 يوليو 1943 - 5 يوليو 2010). ولد في إحدى قرى طنطا ونشأ في أسرة ريفية بسيطة، في البداية لم يحصل على شهادة الثانوية العامة التوجيهية ليستطيع استكمال دراسته الجامعية، لأن أسرته لم تتمكن من الإنفاق عليه في الجامعة، لهذا اكتفى في البداية بالحصول على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عام 1960.
حصل نصر على الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة 1972 بتقدير ممتاز، ثم ماجستير من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1976 وأيضا بتقدير ممتاز، ثم دكتوراه من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1979 بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.
هذا التفوّق أشعل الحقد في النفوس البشرية المحيطة به. فحيكت ضده الأحابيل في القسم الذي يدرّس فيه، أصبح هدفاً لضربات المزايدين على الدين. صار كتابه: "نقد الخطاب الديني" هو موضع رمي السهام في الجامعة. تولى كبر استهداف أبو زيد عبدالصبور شاهين، الذي كُفّر هو الآخر بعد أن كتب رؤيته حول "آدم" فرمي بنفس الرصاصة التي رمى فيها هو نصر أبو زيد. المؤامرة التي حيكت ضد أبو زيد أججت المجتمع ضده فأصدره ضده حكماً بالردة وبضرورة التفريق بينه وبين زوجته. فخرج على إثرها إلى هولندا.
قال أبو عبدالله غفر الله: رحل نصر أبو زيد، وبعد طول منع وتشويه لا تزال كتبه تدخل شيئاً فشيئاً، تباع الآن كتبه في الأسواق السعودية. تباع كتبه الثرية وعلى رأسها: "مفهوم النص ـ فلسفة التأويل ـ نقد الخطاب الديني ـ هكذا تكلم ابن عربي". رحل نصر والذارفون دموعاً عليه لا يمكن إحصاؤهم. فهو أشعل قنديلاً من النور في قلب الظلام الحالك.
تركي الدخيل
ولنقارن بين هذا التمجيد وبين مبرراته
ولماذا شكل نصر ابوزيد في أبحاثه للنص الديني والتراث نقلةً مهمة في مجال الدراسات الإنسانية عند تركي الدخيل
اقرأوا معي هذا المقال من مسلم
نصر أبو زيد: القرآن نص بشري
د . سيد العفاني
نموذج من الحداثيين الذين اتخذوا الدراسات الإسلامية ميداناً لتأويلهم الحداثي العبثي .
يعتقد هذا الحداثي بأن القرآن نص بشري ومنتج ثقافي لا قداسة له , ويشبه بالشعر الجاهلي خاصة شعر الصعاليك .
يقول بنص عباراته التي لا تحتاج إلى تعليق :
" من الواقع تكون النص (القرآن) , ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه , فالواقع هو الذي أنتج النص .. الواقع أولاً والواقع ثانياً والواقع أخيراً .
لقد تشكل القرآن من خلال ثقافة شفاهية , وهذه الثقافة هي الفاعل والنص منفعل ومفعول .. فالنص القرآني في حقيقته وجوهره منتج ثقافي , والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة فترة تزيد على العشرين عاماً .. فهو ديالكتيك صاعد وليس ديالكتيك هابطاً ... والإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص يطمس هذه الحقيقة ... والفكر الرجعي في تيار الثقافة العربية هو الذي يحول النص من نص لغوي إلى شيء له قداسته .
والنص القرآني منظومة من مجموعة من النصوص , وهو يتشابه في تركيبته تلك مع النص الشعري , كما هو واضح من المعلقات الجاهلية مثلاً , والفارق بين القرآن وبين المعلقة من هذه الزاوية المحددة يتمثل في المدى الزمني الذي استغرقه تكون النص القرآني , فهناك عناصر تشابه بين النص القرآني ونصوص الثقافة عامة , وبينه وبين النص الشعري بصفة خاصة , وسياق مخاطبة النساء في القرآن المغاير لسياق مخاطبة الرجال هو انحياز منه لنصوص الصعاليك "
هذا عن القرآن , أما عن النبوة والرسالة والوحي فإنها عند هذا الحداثي الماركسي ظواهر إنسانية وثمرة لقوة المخيلة الإنسانية , وليس فيها إعجاز ولا مفارقة للواقع وقوانينه فالأنبياء مثل الشعراء والمتصوفة مع فارق درجة المخيلة فقط لا غير .
وبنص عباراته يقول :
" إن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية المخيلة في اليقظة والنوم على السواء , ومن حيث قدرة المخيلة وفاعليتها فالنبي يأتي على رأس قمة الترتيب , يليه الصوفي العارف , ثم يأتي الشاعر في نهاية الترتيب .
وتفسير النبوة اعتماداً على مفهوم الخيال معناه أن ذلك الانتقال من عالم البشر إلى عالم الملائكة انتقال يتم من خلال فاعلية المخيلة الإنسانية التي تكون في الأنبياء أقوى منها عند سواهم من البشر .
إنها حالة من حالات الفاعلية الخلاقة , فالنبوة في ظل هذا التصور لا تكون ظاهرة مفارقة .. وهذا يؤكد أن ظاهرة الوحي لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع , أو تمثل وثباً عليه وتجاوزاً لقوانينه , بل كانت جزءاً من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها . (مفهوم النص ) لنصر حامد أبو زيد ص 56 و38 – طبعة القاهرة سنة 1990 م .
وبعد تحويل القرآن إلى نص بشري والوحي والنبوة إلى قوة في المخيلة الإنسانية , يذهب هذا الحداثي الماركسي إلى تطبيق( التاريخيه والتاريخانية ) على معان ومضامين وأحكام القرآن من العقائد إلى الأحكام وحتى القيم والأخلاق والقصص – الأمر الذي يعني نسخ كل مضامين القرآن وتجاوزها .. فيقول :
" فالقرآن خطاب تاريخي لا يتضمن معنى مفارقاً جوهرياً ثابتاً .. وليس ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص .. فالقرآن قد تحول من لحظة نزوله من كونه (نصاً إلهياً ) وصار فهماً (نصاً إنسانياً ) لأنه تحول من التنزيل إلى التأويل , وهذه التاريخية تنطبق على النصوص التشريعية , وعلى نصوص العقائد والقصص , وهي تحرك دلالة النصوص وتنقلها في الغالب من الحقيقة إلى المجاز . أ هـ من (نقد الخطاب الديني ) نصر حامد أبو زيد ص 83, 94, 82, 84 طبعة القاهرة سنة 1992م .
هكذا تم العبث الحداثي بالثوابت والمقدسات : القرآن والنبوة والرسالة والوحي .