المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلمان أبو زيد
وقد حدث في هذا العصر دعوتان، إحداهما طريق إلى الأخرى:
1- دعوة التعايش بين المسلمين والكفار أو السلام العالمي المزعوم الذي مضمونه من قبل المسلمين التنازل عن الجهاد لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله بل التنازل عن بغض الكفار والبراءة منهم ومن دينهم.
2- الدعوة إلى التقريب بين الملل الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام وعقد الوحدة بينها والدعوة إلى احترامها لأنها عند أصحاب هذه الدعوة أديان سماوية وطرق موصلة إلى الله وموجبة للنجاة والفوز بالآخرة، بل فوق ذلك من يصحح جميع الأديان أديان المشركين وأهل الكتاب، وهذا يتفق مع مذهب أصحاب وحدة الوجود، ولكن الدعوة الرائجة التي تلتبس على كثير من الناس هي دعوة الوحدة بين الملل الثلاث والتعايش بينهم، ولهذه الدعوة مؤسسات وجمعيات من المسلمين واليهود والنصارى، ومن المقترحات لهذه الدعوة إصدار المصحف والتوراة والإنجيل في كتاب واحد، وبناء مجمع يضم المعابد الثلاثة.
الخطورة الحقيقية ليست في الدعوة الثانية (وإن كانت أخت الأولى) بشكلها الفج هذا، فهي مكشوفة، وغالبية المسلمين وإن كان تدينهم مجرد موروث شكلي لا يمت للإسلام بصلة فهم سيرفضونها بشكلها هذا المباشر(ليسوا مستعدين بعد)، ومنهم طبعاً من سيتبناها، بل هناك من يتبناها فعلاً وإن لم يوجد مصحف موحّد ومعبد موحّد بالشكل الظاهر .
ليس بالضرورة إصدار مصحف موحَّد، ولكن يكفي -حالياً على الأقل- مثلاً إصدار منهج دين جديد في كل دولة، مثل ما جاء في حلقة تغيير المناهج الدينية في مصر، في برنامج "سهرة مع خالد عبد الله"، حيث أوضح الضيوف بأن القائمين على مشروع تغيير المناهج قاموا بحذف نسبة كبيرة من منهاج الدين لجميع المراحل الدراسية وقاموا بالمقابل بزيادة نسبة المادة التي تتحدث عن الفراعنة (طمس الهوية الإسلامية وإحلال الهوية الوطنية بدلاً منها)، وكذلك تحدثوا عن كتاب واسمه ( الأخلاق )، بمعرفة ومشاركة مفتي الديار المصرية علي جمعة، ويهدف إلى التركيز على الأخلاق باعتبارها سمة إنسانية مشتركة بين جميع الأديان يجب الحض عليها ، وفي هذا الكتاب لا يتم ذكر أي عَلَم إسلامي أو نصراني أو يهودي عند ذكر القصص التي فيها عبر أخلاقية، ولكن يستعاض عن اسم العَلَم بلقب "رجل صالح"، فبدل أن يقال قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكذا وكذا يقال قام رجل صالح! فتأملوا..!
( بالمناسبة شاهدت من أشهر جلسة أسئلة تم عرضها في مؤتمر (كلمة سواء) في أمريكا، للتقريب بين المسلمين والنصارى، والذي شارك فيه المفتي علي جمعة والداعية عمرو خالد وثلة من الدعاة، فسأل أحد الحاضرين المفتي وقال له: "قمتم بتسمية المؤتمر "بكلمة سواء" كدعوة للتقريب بين المسلمين والنصارى، وهذا العنوان مغرّر -قال هذا بشكل غير مباشر- فلماذا لا تكمل بقية الآية" ؟ فردّ المفتي -وقد فهم مرمى السائل- : "نعم سأكمل الآية ولماذا لا أكملها، وفعلاً أكملها ( ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله..) ثم قال -مستنكراً- بعد أن انتهى "وهل ترى بيننا في القاعة من يُشرك بالله أو من يقول أنه مشرك ويعترف بالشرك" !!! طبعاً القاعة كانت مليئة بالنصارى سواء الذين كانوا يجلسون مع المفتي من القساوسة ورجال الدين النصراني أو من الحضور! )
حقيقةً.. الدعوة الأولى هي الخطيرة والسرطانية الخبيثة، حيث تهدف إلى خلق جيل جديد يلغي مفهوم الكفر والتكفير والولاء والبراء والجهاد، ويدعو إلى عالم واحد ورب واحد (مُختلَق) ونبذ الحكم على الناس باعتبار أن الله تعالى سيحكم بين الجميع في الآخرة. واعتبار كل مؤمن "بالله" وإن كان نصراني أو يهودي هو مؤمن ما لم يكن مستكبر ومحارب ومجرم (هذه الدعوة موجودة حالياً).
ودعوة التقريب بين الأديان هذه بهدف طمس معالم الإسلام في قلوب المسلمين، هي التي قد تمهد لأختها التي تدمج الإسلام صراحة مع باقي الأديان فيصبح لدينا كتاب موحّد ومعبد موحّد، وبكل الأحوال سيكون الخيار متاح لجميع الناس، من شاء أن يحافظ على إسلامه ومسجده سيتم هذا له ولكن على أن يكون الإسلام "إسلام جديد أعور"، ومن أحبّ أن يندمج في الدين الموحّد والمعبد الموحّد فمرحباً به كذلك .
الخطوات الحالية تقوم بتشويه مفاهيم الإسلام الحق، وحصرها في زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام وحرف معناها، وتنفير المسلمين -والعالم أجمع- منها تمهيداً لإلغائها تماماً، بالنتيجة سيكون لدينا إسلام جديد.. إسلام المسيح الدجال الذي سيُفتن فيه كل من زهد بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وقلّل من شأنها .
الكثير من الدعاة يتجهون بهذا الاتجاه وبقوة.. شعروا أو لم يشعروا، وهم من الدعاة على أبواب جهنم الذين سيلقون كل من أجابهم في النار، والله أعلم.
هناك تحركات سياسية بهذا الاتجاه، وكلنا يراها .
هناك تحركات قوية كذلك باتجاه ما يسمى "العصر الجديد" New Age وإنسان العصر الجديد ( الكوني )، الذي يؤمن بالوعي الكوني، والتي تفسر الدين عموماً وتفسر الإسلام بشكل مغاير عن الإسلام الذي نعرف.
ومن رواد هذه الحركة في العالم العربي المدعوة (مريم نور) التي تعلمت على يد الهندي (أوشو)، وهي تزعم -بحسب فهمها- بأنها مسلمة، وحقيقةً هذه الدعوة خطيرة ومؤثرة، لأنها تقوم على معلومات حقيقية (تتعلق بالطاقة الكونية) ولكن يتم بلورتها بصورة غير صحيحة تفتن الناس في أنفسهم وفي دينهم . وما لم نفهم حقيقة هذه الدعوة فنميز بين ما هو صحيح وبين ما هو باطل، ليكون تحذيرنا دقيقاً وعلمياً فقد نفتن نحن المسلمين في دينهم، وندفعهم نحو هذا التوجه، الذين كثر دعاته من المسلمين .
ما أريد قوله.. هناك أكثر من جماعة، وأكثر من حركة وأكثر من توجه، وليسوا بالضرورة أن يكونوا جميعاً متآمرين، لا! ولكنهم يلتقون جميعاً بالمحصلة في بوتقة واحدة ويعملون لصالح دعوة واحدة، ودين واحد.. دين المسيح الدجال .
نحن بصدد دعوة خبيثة وخطيرة.. وفاتنة جداً! ما لم نعي بدقة وبهدوء ما يجري، ونمسك بعون الله تعالى بجميع الخيوط المتفرقة والمتشابكة، فقد نساهم من حيث لا نشعر في دفع الناس نحوها بدل تحذيرهم . والله المستعان.