بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وبعد : فهذا هو الجزء الثاني من تفريغ أشرطة مباحث في الجرح و التعديل للشيخ المحدث عبد الله السعد وهي في شرح مواضع من تتمة كتاب شرح العلل لابن رجب بعد كل درس منها درس عملي أمثلة تطبيقية من أحاديث العلل الكبير للترمذي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
"النوع الثاني من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض فهو على ثلاثة أضرب :
الضرب الأول : من حدث في مكان لم يكن معه فيه كتبه فخلّط ، وحدث في مكان آخر من كتبه فضبط . أو من سمع في مكان من شيخ فلم يضبط عنه وسمع منه في موضع آخر فضبطه ".
قبل أن أتكلم على ما ذكره الحافظ ابن رجب رحمة الله عليه أقول :
إن الرواة على ثلاثة أقسام فيما يتعلق بالثقة والضبط :
· إما أن يكون هؤلاء الرواة ثقات . فهؤلاء الحكم فيهم واضح وهو صحة حديثهم إلا إذا تبين أنهم قد أخطأوا في هذا الحديث ووقعوا في وهم في هذا الحديث
§ مثل سفيان الثوري
§ ومثل شعبة بن الحجاج
§ ومثل سفيان بن عيينة وإن كان في نهاية عمره تغيّر ولكن هو مشهور من كبار الأئمة والحفاظ
§ ومثل مالك بن أنس
وأيضا طبقة شيوخ هؤلاء من :
§ عبدالله بن عون
§ والأعمش
§ وأبو إسحاق السبيعي
§ والزهري
§ وقتادة
وأمثال هؤلاء ممن اشتهروا بالثقة والضبط والإتقان وإن كان هناك من مسّهم في شيء من حديثهم
§ مثل أبي إسحاق عندما تقدمت به السنّ تغيرت به الحال قليلا
§ ومثل الأعمش في شيوخه الصغار تُكُلِّم فيه ، وأقول هذا الكلام نسبي
فأقول : القسم الأول أن يكون هؤلاء ثقات اشتهروا بالعدالة والضبط والإتقان فحديثهم الأصل فيه الصحة إلا ما تبين أنهم أخطأوا فيه .
· والقسم الثاني : الرواة الذين ضُعّفوا وهم ضعفاء . فهذا القسم أيضا حكمه معروف وإن كان هؤلاء يتفاوتون من حيث هذا التضعيف فهناك من يُكتب حديثه فيتقوى بغيره وهناك من لا يكتب حديثه لأنه لا يتقوى بغيره لشدة ضعفه .
· والقسم الثالث : هم الرواة الذين حديثهم في بعضه صحيح والبعض الآخر ليس بصحيح . وهذا القسم مهم جدا لأن هناك من يعامل هؤلاء معاملة الثقات فيخطئ ، وهناك من يعاملهم معاملة الضعفاء فيخطئ كذلك . وإنما الصحيح هو معاملة حديثهم بالتفصيل . وهذا الضعف :
§ إما أن يكون ناشئا من تقدم في السن وكِبَر في العمر فتغيّر حديثهم وأصبحوا مختلطين لا يضبطون فهذا سبب .
§ وإما أن يكون هذا السبب هو أن هؤلاء الرواة حدثوا في مكان فكانوا ضابطين فلم يضبطوا حديثهم
§ وإما أن يكون السبب في ذلك أنهم عندما حدثوا في بلدهم وكانت كتبهم موجودة ويراجعون كتبهم فأصبح حديثهم مستقيما
q مثل معمر بن راشد البصري – كما سوف يأتي – فما حدث به في اليمن فحديثه صحيح مستقيم وعندما جاء إلى البصرة وكان على سفر ومستعجل ويريد الناسُ أن يسمعوا كل حديثه فأدى هذا به إلى الاستعجال والإسراع فوقع الوهم في حديثه والخطأ فهذا سبب أيضا من أسباب التضعيف
§ أو يكون هؤلاء الرواة موصوفين بالبدعة فإذا رووا فيما يتعلق ببدعتهم تساهلوا نوعا ما وإن كان هذه القضية لعله يأتي التنبيه عليها والأمر في هذه المسألة فيه تفصيل لكن أنا أذكر هذا على سبيل الإجمال
§ أو يكون هؤلاء الرواة ضبطوا حديث بعض شيوخهم دون البعض الآخر ؛ وذلك أنهم سمعوا من أناس في بداية عمرهم وفي مقتبل سنّهم مثل إسماعيل بن عياش ضبط حديث أهل بلده من أهل الشام سمع منهم قديما – ومن المعلوم أن الإنسان إذا سمع أو علم الشيء قديما يرسخ ويبقى والذي سمعه أخيرا قد ينساه – فإسماعيل بن عياش سمع من أهل بلده قديما فضبط حديثهم وسمع بعد ذلك من أهل الحجاز وأهل العراق مثلا فلم يضبط عنهم وأصبح حديثه عن هؤلاء ضعيفا بينما حديثه عن الشاميين صحيح ففي الحقيقة أن هؤلاء ( القسم الثالث الذين حديثهم بعضه صحيح وبعضه غير صحيح ) ينقسمون إلى الأقسام الأربعة التي تقدم ذكرها :
§ القسم الأول أن يكون هؤلاء قد تغيروا في نهاية عمرهم فأصبح حديثهم بعد التغير ضعيفا مثل سعيد بن أبي عروبة حديثه القديم صحيح وحديثه بعد 145 تغيّر فأصبح حديثه الأخير ضعيفا
وينبغي أن ينتبه إلى مسألة الاختلاط . فأقول : الاختلاط عند من تقدم من أهل العلم ؛ عند البخاري وابن المديني وابن معين وأحمد .. ممن تقدم من الحفاظ أنه عبارة عن التغير تغير الحفظ والضبط . ثم إن هذا التغير على قسمين :
§ إما أن يكون تغيرا أكبر بحيث أصبحوا لا يضبطون وأصبح حديثهم الأخير مردودا مثل سعيد بن أبي عروبة ومثل عبدالرحمن بن عبدالله المسعودي فهؤلاء تغيروا تغيرا شبه كامل .
§ وإما أن يكون هذا التغير قليلا ليس بالكثير تغير يسير مثل أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبدالله وصفه بعض الأئمة بالاختلاط ولكن هذا الاختلاط إنما هو تغير في الحافظة قليلا وحديثه صحيح لكن وقع في بعض الأوهام القليلة بعدما تقدمت به السن فهذا القسم يعامل غير معاملة القسم الأول . ومثلُ أبي إسحاق السبيعي سفيانُ بن عيينة وصفه يحيى بن سعيد القطان بالاختلاط ولكن هذا الاختلاط يسير بينما هو تغير في الحفظ قليل .
فأقول بالنسبة للقسم الأول : يكون ما حدثوا به قبل الاختلاط صحيحا وما حدثوا به بعد الاختلاط يكتب فإن وجد ما يشهد له فهنا يقبل وإن لم يوجد ما يشهد له فهنا يردّ ولا يقبل إلا إذا كان الراوي عنهم من الأئمة الكبار الذين يعرفون صحيح حديثهم من سقيمه ففي رواية هؤلاء عنهم تكون روايتهم مقبولة بسبب رواية هؤلاء الرواة عنهم . مثل عبدالله بن صالح كاتب الليث كان له جار يُدخِل في حديثه ما ليس منه فأصبح في حديثه أحاديث ليست من حديثه . هذه الأحاديث يعرف أنها ليست من حديثه الحفاظ الكبار مثل : البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة وأمثال هؤلاء وقد نصّ ابن حجر على ذلك ، وقد قال محمد بن إسماعيل البخاري في مواضع متعددة من العلل الكبير للترمذي : كل راوٍ لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه لا أروي عنه . فهو رحمه الله كثيرا ما يعرف صحيح حديث الشخص من سقيمه فلذلك لما أتى إلى إسماعيل بن أبي أويس قال له : اخرج لي كتابك فلما أخرج له كتابه انتقى من حديثه ما كان صحيحا حتى إن إسماعيل قال بعد ذلك للبخاري : علِّم لي على هذه الأحاديث فعلم له البخاري عليها فأخذ لا يحدّث إلا بها .
ومثل ما قال وكيع بن الجراح الرؤاسي : كنا ندخل على سعيد بن أبي عروبة – يعني بعد الاختلاط – فيحدثنا فما كان من حديثه كتبناه وما لم يكن من حديثه أسقطناه .
ففيما يتعلق بالاختلاط هذا هو المنهج الصحيح هذا هو منهج من تقدم من الحفاظ وأما منهج بعض من تأخر فهم يعاملون المختلطين معاملة واحدة وهذا خطأ . المختلطين ليسوا على درجة واحدة كما تقدم بل الاختلاط أكبر وأصغر . الأئمة أطلقوا الاختلاط على النوعين القسمين السابقين فينبغي الانتباه لهذا . فأقول هذا قسم .
والقسم الثاني من هؤلاء الرواة سمعوا في مقتبل عمرهم وبداية حياتهم ونشأتهم في الطلب عن أهل بلدهم فأتقنوا وبعد ذلك سمعوا من غير أهل بلدهم فلم يتقنوا
مثل إسماعيل بن عياش كما تقدم ذكره قبل قليل
ومثل بقية بن الوليد وقد ذكر نصّ بعض الحفاظ على ذلك بالنسبة لبقية لكن إسماعيل أشهر تقريبا هم متفقون على ذلك .
قوله والأئمة على التفصيل في حديث إسماعيل بن عياش وحتى بقية
بقية في روايته عن الشاميين أضبط . وتقريبا قد يكون هذه قاعدة عامة نوعا ما إلا في الحفاظ الكبار – أن يكون الإنسان معرفته بحديث أهل بلده أكثر لأنه يعرف هؤلاء من قبل وسمع منهم قديما وجالسهم كثيرا بخلاف الواردين على بلده وإلا هو يكون مسافر لهم يحاول أن يسمع ما عندهم باستعجال وبسرعة فعموما رواية الشخص عن أهل بلده تقدم على غيرها وهذا له مدخل كبير في علم الصناعة الحديثية وعلم العلل . وهذا من طريقة من تقدم . وطريقة من تأخر أنهم لا يلتفتون إلى هذا أحيانا ولذلك كما ذكرت بالأمس أن خالد بن دريك في روايته عن عائشة رضي الله عنها في حديث "إذا بلغت المرأة المحيض لا يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى الوجه والكفين هذا كما ذكرت أنه باطل ومعلل بعلل كثيرة سبع إلى ثمان علل . ومن هذه العلل كما ذكرت أن خالد بن دريك شامي وعائشة مدنية رضي الله تعالى عنها وأهل المدينة لم ينقلوا هذا عنها . وخالد بن دريك لم يسمعها وهو مقلّ الحديث فمن أين له هذا الحديث عنها . فلا شك أن هذا دليل على نكارة وبطلان هذا الخبر بالإضافة إلى ما تقدم ذكره مما سبق من العلل التي أُعلّ بها هذا الخبر وبالتالي فهذا الخبر ساقط ولا يتقوى وباطل فهذه المسألة كما ذكرت مدخل في علم الصناعة الحديثية والجرح والتعديل . ويا أيها الإخوان هذه القواعد لابد من فهمها والانتباه لها وإذا لم ينتبه إليها طالب علم الحديث سيخطئ سيكون كلامه على الأحاديث ليس بالمستقيم بل فيه نظر.
لكن بالنسبة لبقية بن الوليد فحديثه فيه تفصيل لكن حديثه عن أهل بلده أقوى وإن كان أيضا يُقبَل حديثه عن غير أهل بلده بخلاف إسماعيل بن عياش لا يقبل . أعني كما روى عن نافع عن ابن عمر أنه لا يقرأ القرآن حائض ولا جنب .
هذا مما أنكر على إسماعيل بن عياش رواه عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن الرسول e قال :" إن الحائض والجنب لا يقرآن القرآن " وهذا الحديث منكر ومن رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين موسى بن عقبة حجازي . فأقول بقية بن الوليد ليس مثل إسماعيل بن عياش يُقبل حديثه عن غير أهل بلده بشروط أخرى
أنه يصرح بالتحديث
وفي شيخ شيخه يصرح بالتحديث لأنه يدلس تدليس الإسناد وتدليس التسوية وبالذات إذا كان الرواي عنه من الحفاظ الثقات فيكون حديثه أقوى لأنه بالذات أهل بلده أهل الشام ما كانوا ينتبهون إلى مسألة صيغ التحمل فهو قد يقول إن فلانا قال كذا فهم يقولون : إن بقية قال حدثنا وهو ما صرّح بالتحديث وقد نصّ على هذا أبو حاتم الرازي فأقول بقية ليس مثل إسماعيل بن عياش في هذا ولكن حديثه عن أهل بلده أقوى فأقول إن هذا هو القسم الثاني .
· وأما القسم الثالث :
أن يكون أحد الرواة الثقات حدّث في بلده فكان حديثه صحيحا وحدث في مكان آخر فكان حديثه غير متقن فيه أوهام وأخطاء والسبب في هذا كما ذكرت أن كتبه ليست معه والذين حضروا عنده يريدون أن يسمعوا منه بسرعة فأكثَرَ من التحديث والإكثار من أسباب الخطأ
ومثل ما وقع هذا لمعمر بن راشد البصري . معمر بن راشد حديثه على أقسام ( وفي الحقيقة تقسيم حديث الرواة من طريقة من تقدم وهذه مسألة مهمة وأحيانا حديث الراوي لا يكون على درجة واحدة بل على درجات درجة أصح من درجة أو درجة صحيحة ودرجة ضعيفة ) فمعمر بن راشد أيضا حديثه على درجات :
§ أصح حديثه ما حدث به في اليمن وإذا كان شيوخه مثل الزهري ومثل قتادة وبالذات الزهري فقد أتقن عنه والسبب في تقديم حديثه الذي في اليمن لأنه كان عندما نزل اليمن وكانت كتبه معه . هو بصري لكن خرج من البصرة وهو صغير فجلس في اليمن إلى أن توفاه الله عز وجل فرواية أهل اليمن عنه متقنة أو من سمع منه في اليمن لأنه كانت كتبه معه ويراجع ويحدّث شيئا فشيئا فلذلك رواية هشام بن يوسف الصنعاني وعبدالرزاق مقدمة على رواية غيرهم وبالذات عبدالرزاق بن همام
§ والقسم الثاني من أقسام حديثه : إذا كان الرواة عنه من أهل اليمن ولا يكون شيخه الزهري ولا قتادة لأنه تُكُلم في بعض شيوخه ولا يكون ممن تُكُلِّم في رواية معمر عنهم لأن معمر تكلم في رواية البصريين عنه لأنه كما ذكرت جاء للبصرة ويبدو أن كتبه ليست معه فحدث بسرعة فوقع الخطأ في حديثه فإذن رواية البصريين عنه فيها أخطاء وأوهام لكن هذا القسم الأصل فيه الصحة والاستقامة حتى يتبين أنه أخطأ أعني أن هذا التضعيف نسبي . الأصل في حديثه حتى ما حدث به في البصرة أنه على الاستقامة حتى يتبين أنه أخطأ فيه .
§ والقسم الرابع : إذا كان فيما حدث به في البصرة وشيوخه الذين تكلم في رواية معمر عنهم .
وكثير من الرواة يا أيها الإخوان يحصل في حديثهم تقسيم فإذن لابد من هذا . وهذا أيضا مبني على طريقة من تقدم وهذا له مدخل في صحة الحديث من عدم ذلك .
ومثل إسماعيل بن عياش جريرُ بن حازم في رواية البصريين عنه حدّث في مصر ما كانت كتبه معه فكان يحدث من كتب الناس وهو حافظ لكن وقع في بعض الأوهام والأخطاء فمثل هذا كثير فمثل هؤلاء الرواة ينبغي أن يعرفوا ويعامل حديثهم بالتفصيل السابق الذي تقدم ذكره قبل قليل فهذا القسم الثالث .
والقسم الرابع كما ذكرت أن هناك من وصفوا ببدعة . والذين وصفوا بالبدعة فيهم خلاف
هل حديثهم كله مردود
أو يُقبل من حديثهم إذا لم يكونوا دعاة فإذا كانوا دعاة لا يقبل
أو فيما حدثوا به مما يؤيد بدعتهم لا يقبل وإذا كان من غير ذلك يقبل
والقول الرابع - وهو القول الصحيح - وهو أن من ثبت صدقه وضبطه فهذا يقبل حديثه سواء حدث فيما يؤيد بدعته أو لم يكن كذلك وهذا أيضا مذهب جمهور من تقدم الإمام البخاري رحمة الله عليه روى لبعض من وصفوا بذلك وكذلك أيضا الإمام مسلم كما روى لعلي بن ثابت عن زرّ بن حبيش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "إنه لعهد النبي الأمي إليّ أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق" وعلي بن ثابت وصف بالتشيع ولكن علي بن ثابت عنده صدق وعنده ضبط ولا يخفى على الإخوان أن تشيع من تقدم ليس كمثل الآن الآن هم مشركون وملاحدة وزنادقة نسأل الله أن يعافينا وإياكم دينهم وعقيدتهم الغلو في أهل البيت وتأليههم وأنهم يدعونهم من دون الله ويستغيثون بهم نسأل الله أن يعافينا وإياكم من ذلك وإنما نح نتكلم على من تقدم وأنهم لم يكونوا كذلك معاذ الله . فعلي بن ثابت ثبت حفظه وصدقه فلذلك احتج به الأئمة ؛ احتج به الإمام مسلم وصحح له الترمذي هذا الحديث بل قال أبو نعيم في الحلية هذا حديث متفق على صحته ويعني بذلك أن شروط الصحة منطبقة فيه ولا يعني بمتفق على صحته رواه الشيخان لا بل له اصطلاح خاص متفق على صحته يعني الشروط التي يشترطها الأئمة لصحة الأحاديث تتفاوت لكن هذا باتفاقهم يعتبر صحيحا لأن كل الأئمة الشروط التي يشترطونها موجودة فيه فله اصطلاح خاص .
فهذا هو المنهج الصحيح لكن هناك ممن وصف بالبدعة قد يتساهل في رواية أحاديث هي تؤيد مثل عبدالرزاق بن همام رحمه الله لا شك أنه من أهل العلم ومن أهل العلم ومن أهل الضبط والإتقان ولكن عندما أصيب بالعمى أخذ يلقن فوقع في حديثه بعض المنكرات وكذلك أيضا قد يلقن أحاديث تتعلق بالتشيع وهو عنده شيء من ذلك فأنكرت عليه أحاديث من هذا الباب فيما يتعلق بالتشيع وما شابه ذلك فأقول هذا قسم رابع .
قال الحافظ ابن رجب رحمة الله عليه : "هو على ثلاثة أضرب من حدث في مكان لم يكن معه فيه كتبه فخلط وحدث في مكان آخر ومعه كتبه فضبط أو من سمع في مكان عن شيخ فلم يضبط عنه وسمع منه في موضع آخر فضبط عنه قال : فمنهم معمر بن راشد على حديث معمر بن راشد رحمة الله عليه
وذكر مثلا قال :" حدث بحديث أن النبي e كوى أسعد بن زرارة من الشوكة " قال :" رواه باليمن عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل مرسلا" وهذه الرواية صحيحة وحديثه باليمن أصح قال :" ورواه بالبصرة عن الزهري عن أنس فأخطأ" والصواب أنه ليس عن أنس الصواب عن أبي أمامة بن سهل ولكن هذا الذي جعله عن أنس حدث به بالبصرة فأخطأ فيه فحديثه الذي حدث به في اليمن هو الصحيح
قال :" ومنه حديث إنما الناس كإبل مئة " قال :" رواه باليمن عن الزهري " يقصد حديث " الناس كإبل مئة لا تجد فيها راحلة" وهذا الحديث صحيح والمقصود به أن الناس يتفاوتون مثل ما تتفاوت الإبل . الإبل تجد فيها راحلة تُرتحل والكثير منها لا ترتحل فالناس كذلك منهم من يكون معروفا بالصدق والإيمان والنزاهة والأمانة . وكثير من الناس ليسوا كذلك فهم مثل الإبل .
قال :" رواه باليمن عن الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعا ورواه بالبصرة مرة كذلك ومرة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة " تلاحظون أنه أخطأ فبدل أن يجعله من مسند ابن عمر جعله من مسند أبي هريرة فرواه عن الزهري عن سالم عن أبيه أي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما .
" ومنه حديثه عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة .. " الحديث فأمره الرسول e كما جاء في نفس الحديث أن يختار أربعا منهن ويطلق الباقي والصواب في هذا الحديث أنه مرسل وأن معمر أخطأ فيه فقال :" قال الإمام أحمد في رواية ابنه صالح : معمر أخطأ في البصرة في إسناد حديث غيلان ورجع باليمن فجعله منقطعا" أي مرسل جعله من مرسل الزهري.
قال :" ومنهم هشام بن عروة " هشام بن عروة حديثه على قسمين :
§ ما حدث به في المدينة في الدرجة العليا من الصحة .
§ وما حدث به في العراق وهو دون ما حدث به في المدينة وإن كان الأصل فيه الصحة والسبب في ذلك كما تقدم السفر والاستعجال في التحديث فأصبح في حديثه أخطاء وأوهام وإلا فلا شك أن هشام في الدرجة العليا من الصحة .
قال :" وقد سبق قول الإمام أحمد : كأن رواية أهل المدينة عنه أحسن أو قال : أصح" يعني قد يقول قائل : كيف يُعرف هذا؟
يعرف بأمرين :
§ الأمر الأول : هو أن يكون الراوي عنه مدنيا أو يكون الراوي عنه بالنسبة لمعمر بن راشد يمني لأن حديثه في اليمن كما تقدم مستقيم أو بالنسبة لهشام بن عروة حديث المدنيين عنه مستقيم
§ أو يقول التلميذ : حدثنا فلان عن فلان بالمدينة أو حدثنا في كذا وكذا . فيعرف بهذين الأمرين .
إما أن يقول سمعنا من فلان بالبصرة أو سمعنا من فلان في المدينة أو في مكة فيعرف أن هذا التلميذ لم يأت إلى هذه البلد فإذن يكون سمع من هذا الشيخ في غير هذا البلد وإنما سمع منه في بلد أخرى فيعرف بأحد هذين الأمرين .
"وقال يعقوب بن شيبة" يعقوب بن شيبة السدوسي من كبار الحفاظ ومن المعروفين بالعلم بالصناعة الحديثية وله "المسند المعلل" وهو كتاب نفيس كبير جدا ولكن أغلب هذا المسند ضاع وإنما وجد قطعة صغيرة من مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الذي وجد . وطريقته رحمه الله يذكر حديث أبي بكر رضي الله عنه ويسوق أحاديثه وإذا كان هناك واحد مكثر عنه يرتب الرواة عنه أيضا وهكذا ويتكلم على كل حديث ويتكلم أحيانا على الرواة وأحيانا يترجم لبعض الرواة ضمن سوقه لأحاديث هذا الصحابي كما ترجم للأوزاعي في القطعة المطبوعة التي وجدت من مسند عمر بن الخطاب ترجم للأوزاعي تقريبا ثمان صفحات من المطبوع توسّع في ترجمته فهو كتاب نفيس جدا ولكن أغلبه فُقِد . وأقوال يعقوب بن شيبة فيها تفصيل في الحكم على الرجال له أقوال مهمة في الصناعة الحديثية وقد سأل علي بن المديني و يحيى بن معين عن التدليس سؤالا دقيقا ومهما ومفيدا وكلامه مفيد وينبغي أن يُعتنى به .
"قال يعقوب بن شيبة : هشام مع تثبته ربما جاء عنه بعض الاختلاف" يعني يقول : هشام مع كونه من الثقات الحفاظ الأثبات لكن أحيانا يأتي عنه بعض الاختلاف يضطرب والاختلاف يدل على عدم الضبط وذلك فيما حدث بالعراق خاصة دون ماحدث بالمدينة فهو الذي وقع فيه الاختلاف كما ذكر قبل قليل .
قال :" ولا يكاد يكون الاختلاف عنه فيما يفحش " هكذا عندكم لعله يقصد هنا والله أعلم أن هذا الاختلاف لا يكون اختلافا +فاحشا يعني اختلافا شديدا وإنما اختلاف يسير لأنه كما تقدم قبل قليل هشام بن عروة حتى فيما حدثه به في العراق أيضا الغالب عليه الصحة لكن هناك أحاديث قليلة وقع فيها ما وقع .
قال :" يسند الحديث أحيانا ويرسله أحيانا لا أنه يقلب إسناده "
لاشك أن قلب الإسناد أشد من إرسال الخبر أو وصله – أحيانا – فالقلب أشد . أيضا حتى الخطأ وهذه قضية مهمة أعني الرواة أيضا ينقسمون إلى ثلاثة أقسام من حيث الخطأ الموجود عندهم :
§ إما أن يكون الخطأ في تصحيف بعض الكلمات التي لا تؤثر فمثل هذا الخطأ يسير ولا يكاد يخلو منه أحد من الرواة فهذا قسم وقد نبّه على هذا الإمام مسلم في كتابه التمييز أعني مثل شعبة بن الحجاج أحيانا يكون خطؤه من جهة الرواة في تسميتهم فقط هذا الخطأ ليس في الإسناد وليس في المتن فهذا ليس مثل غيره فيكون أحيانا الخطأ في تصحيف اسم راو أو في كلمة أي تكون شيئا يسيرا فهذا لا يؤثر كثيرا .
§ والقسم الثاني : أن يكون هذا الخطأ في الوهم في بعض الأحاديث ويكون هذا الوهم ليس وهما شديدا أعني كما تقدم مثلا في وصل خبر أو إرساله أو مثلا في إسقاط راو أحيانا فهذا قسم .
§ والقسم الثالث : في خطأ شديد أشد من القسم الذي قبله فمثلا يقلب الحديث ؛ أثرٌ يجعله حديثا مرفوعا أو متن يقلبه فيدخل متنا في متن أو إسناد يغيّره كله فيدخل إسنادا في إسناد فهذا الخطأ شنيع وهذا الخطأ الشنيع يكون له مدخل في الحكم على الراوي ثم أيضا إن هذه الأقسام الثلاثة هي الرواة بالنسبة لها على قسمين :
§ إما أن يكون أحيانا ؛ شيء نادر قليل فيكون هذا الراوي الأصل في حديثه الاستقامة .
§ وإما أن يكون مكثرا
فمن أكثر من الخطأ في القسم الثالث فيكون متروكا
وأما القسم الثاني فيكون يكتب حديثه ولا يحتج به لكن إن وجد ما يشهد له فيقبل
والقسم الثالث(الأول) يقبل حديثه لأنه وإن كان يكررها لكنه في تصحيف كلمة أو في اسم مثل شعبة بن الحجاج على جلالته وحفظه يقع منه أحيانا تصحيف في اسم الراوي ومع ذلك ما أثّر فيه هو من كبار الحفاظ ومن كبار الأئمة فينبغي الانتباه أيضا لهذا .
فيعقوب بن شيبة نبّه على هذه القضية هنا في هذا النص وأن خطأ هشام ليس بالفاحش .
يقول :" كأنه على ما تذكر من حفظه يقول عن أبيه عن النبي e "
عن أبيه عروة عن الرسول e هذا مرسل .
قال :" ويقول : عن أبيه عن عائشة عن الرسول e " فيكون هذا موصولا .
قال :"إذا أتقنه أسنده وإذا هابه أرسله وهذا فيما نرى أن كتبه لم تكن معه في العراق فيرجع إليها"
هناك بعض الأحاديث تردد فيها عندما حدث بالعراق فكتبه ليست موجودة حتى يراجعها فيتأكد فهو هاب أن يصلها وهذا من إتقانه وتثبته فأرسل هذه الأخبار .
قال :" ومنهم عبدالرحمن بن أبي الزناد"
وعبدالرحمن بن أبي الزناد والكلام في حديثه قد يطول نوعا ما لأن حديثه ينقسم إلى عدة أقسام .
قال :"وقد وثقه قوم وضعفه آخرون منهم يحيى بن معين "
تضعيف بعض الحفاظ له وتوثيق بعض الحفاظ له هذا أحيانا يكون كل واحد منهم نظر إلى جانب من حديثه أو يقصد قسما من حديثه . وعندنا قاعدة مهمة في الجرح والتعديل : أن الجمع بين الأقوال مطلوب مهما أمكن . عندنا راو اختلف الأئمة فيه فإذا أمكن الجمع بين أقوال هؤلاء الأئمة فبها ونعمت وهذا هو الذي يُسار عليه أولا ، فإذا لم يمكن الجمع فهنا نرجع إلى قواعد أخرى .
فكما تقدم في عبدالرحمن بن أبي الزناد هناك من ضعفه وهناك من وثقه
قال :" ومنهم يحيى بن معين " ممن ضعفه
" قال يعقوب بن شيبة : سمعت علي بن المديني يضعف ما حدث به ابن أبي الزناد بالعراق "
أقوال علي بن المديني لا شك أنها أقوال مهمة واستفاد يعقوب بن شيبة من أقوال شيخه علي بن المديني . وتجد أقوال علي بن المديني فيها شيء من التفصيل – رحمه الله – وفيها شيء من الدقة في الحكم على الأسانيد وإن كان كثير من كلامه قد ضاع لأن كثيرا من كتبه قد ضاعت ولكن وجد جزء من كتبه أو بعض من كتبه مثل ما وجد جزء من العلل وتجد بعض كلامه منقولا في كتب أخرى مثل مسند الفاروق لابن كثير نقل كلاما كثيرا من كلام علي بن المديني وقبله أيضا يعقوب بن شيبة السدوسي في الجزء الموجود من مسند عمر رضي الله عنه تجد فيه أيضا بعض النقل عن علي بن المديني
قال :" سمعت علي بن المديني يضعف ما حدث به ابن أبي الزناد بالعراق ويصحح ما حدث به في المدينة "
فرواية ابن أبي الزناد في المدينة فيها ضعف إلا ما كان من حديث سليمان بن داود الهاشمي فهذا مستثنى كما سوف يأتي وسليمان بن داود الهاشمي بغدادي سمع من ابن أبي الزناد في بغداد .
قال :" وسمعت ابن المديني يقول : ما روى سليمان الهاشمي عنهم فهي حسان نظرت فيها فإذا هي مقاربة وجعل يستحسنها "
هذا قسم من أقسام حديث ابن أبي الزناد . ابن أبي الزناد حديثه على أقسام :
§ أولا : ما حدث به في المدينة وكان شيخه هشام بن سعد أو شيخه والده أبو الزناد فإنه مقدم فيه وبالذات ما حدث به في المدينة .
§ والقسم الثاني : إذا لم يكن شيوخه ممن وصف ابن أبي الزناد بالإتقان عنهم وكان مما حدث به في المدينة .
§ والقسم الثالث : ما حدث به في العراق فهذا دون الذي قبله وبالذات إذا كان شيخ ابن أبي الزناد ممن تُكُلِّم في روايته عنه .
فهذه أقسام حديث ابن أبي الزناد والذي يعنينا هو ما نحن بصدده في التفريق فيما بين ما حدث به في المدينة وما حدث به في العراق وقلنا يُعرف هذا إما بالتنصيص وإما أن يكون الراوي عنه مدنيا مثلا فيكون الغالب أنه سمع منه في المدينة أو يكون الراوي عن ابن أبي الزناد بغداديا فيكون سمعه منه في بغداد .
ـــــــــ التطبيق: من العلل الكبيرـــــــــ
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى :
باب ما جاء في فضل التكبيرة الأولى 241 حدثنا عقبة بن مكرم ونصر بن علي الجهضمي قالا حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن طعمه بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث عن أنس موقوفا ولا أعلم أحدا رفعه إلا ما روى سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس وإنما يروى هذا الحديث عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن أنس بن مالك قوله حدثنا بذلك هناد حدثنا وكيع عن خالد بن طهمان عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن أنس نحوه ولم يرفعه وروى إسماعيل بن عياش هذا الحديث عن عمارة بن غزية عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا وهذا حديث غير محفوظ وهو حديث مرسل وعمارة لم يدرك أنس بن مالك قال محمد بن إسماعيل حبيب بن أبي حبيب يكنى أبا الكشوني ويقال أبو عميرة
§ قال أبو عيسى : حدثنا عقبة بن مكرم ، وعقبة بن مكرم هو العمي وهو ثقة من الطبقة العاشرة
§ قال ونصر بن علي ، ونصر بن علي هو الجهضمي البصري وهو من الثقات المشاهير وقد خرج له الجماعة
§ قال حدثنا سلم بن قتيبة ، هو أبو قتيبة الشعيري وهو أيضا ثقة له شيء من الأوهام والأخطاء وقد توفي عام 200 خرج له البخاري وبقية أصحاب السنن
§ عن طعمة بن عمرو وهو الجعفري العامري ، وطعمة بن عمرو صدوق
§ قال عن حبيب بن أبي ثابت ، وحبيب بن أبي ثابت ثقة من المشاهير وله بعض التدليس فهو يدلس في بعض حديثه .
§ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله e :" من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان ؛ براءة من النار وبراءة من النفاق "
قال أبو عيسى : قد روي هذا الحديث عن أنس موقوفا ولا أعلم أحدا رفعه إلا ماروى سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو ، وإنما يروى هذا عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن أنس قوله .
§ حدثنا بذلك هناد ، هناد هو ابن السري أبو السري التميمي الكوفي وهو من الثقات المشاهير الموصوفين بالعبادة والزهد توفي عام 243 وكتابه في الزهد من أنفس ما كتب في هذا المجال .
§ قال حدثنا وكيع ، ووكيع هو ابن الجراح الرؤاسي وهو من الأئمة الكبار توفي في عام 197 وقيل عام 196 وقد خرج له الجماعة وله أيضا كتاب الزهد لوكيع وقد طبع أيضا وهو من الكتب النفيسة . وقد روى هناد كثيرا عن وكيع وهذا منها .
§ قال نع خالد بن طهمان ، وخالد بن طهمان قد وقع فيه خلاف وهو لا بأس به على بعض الأوهام في حديثه .
§ عن حبيب بن أبي حبيب البجلي ، حبيب بن أبي حبيب البجلي ليس بالمشهور فيه جهالة . ويبدو أنه ليس له إلا هذا الحديث عند الترمذي .
§ عن أنس قوله ولم يرفعه
فأبو عيسى يرجح أن هذا الحديث إنما هو من كلام أنس وأنه ليس حبيب بن أبي ثابت هو الذي رواه وإنما الذي رواه هو حبيب بن أبي حبيب البجلي وأن سلم بن قتيبة وه الذي فيما يبدو أنه أخطأ فجعله بالإسناد السابق عن طعمة بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس مرفوعا بينما رواه وكيع بن الجراح عن خالد بن طهمان عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن أنس من قوله وليس بمرفوع وهذه الرواية هي الراجحة .
قال :" وروى إسماعيل بن عياش هذا الحديث عن عمارة بن غزية عن أنس بن مالك "
وعمارة بن غزية ثقة
" عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي e نحو هذا وهذا حديث غير محفوظ وهو حديث مرسل عمارة بن غزية لم يسمع أنس بن مالك "
فرواية عمارة منقطعة وعمارة بن غزية لم يسمع من أنس بن مالك فبيّن أبو عيسى الترمذي أن هذا الحديث إنما هو من كلام أنس بن مالك وقد رواه عبدالرزاق في مصنفه بإسناد صحيح من كلام أنس بن مالك رضي الله عنه وأما رفع هذا الحديث فرفعه ليس بصحيح .
قال :" باب ما يقول عند افتتاح الصلاة "
§ حدثنا محمد بن موسى البصري ، ومحمد بن موسى البصري لا بأس به كما قال النسائي قال : صالح ، وذكره ابن حبان في الثقات وتكلم فيه أبو داود والأقرب أنه لا بأس به وهو محمد بن موسى البصري الحَرَسي وهو من الطبقة العاشرة .
§ قال حدثنا جعفر بن سليمان الضُبَعي البصري ، وجعفر بن سليمان فيه خلاف وهو معروف بالزهد والعبادة وتوفي بعد 160 وقد خرج له مسلم في صحيحه .
§ قال عن علي بن علي الرفاعي ، وهو علي بن علي بن نجاد الرفاعي وعلي بن علي وثقه آخرون وضعفه آخرون وفيه لين علي بن علي فيه ضعف وقد تكلم فيه يحيى بن معين فعلي بن علي فيه ضعف ويكتب حديثه ويتقوى بغيره .
§ عن أبي المتوكل ، وأبو المتوكل هو علي بن داود الناجي البصري وهو ثقة من الثالثة .
§ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كان رسول الله e إذا قام إلى الصلاة بالليل كبّر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك .." إلخ
فأقول : هذا الحديث من طريق أبي سعيد الخدري فيه ضعف لما تقدم من الكلام في علي بن علي بن نِجَاد ولذلك ضعفه الإمام أحمد وضعفه ابن خزيمة كما في صحيحه .
"قال أبو عيسى : وأما أكثر أهل العلم فقالوا : إنما يروى عن النبي e أنه كان يقول : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إلهٌ غيرك " بدون الزيادة الله أكبر كبيرا ..إلخ وهكذا روي عن عمر بن الخطاب وعبدالله بن مسعود والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من التابعين وغيرهم . وقد تُكلّم
في إسناد حديث أبي سعيد ؛ كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي نِجاد . وقال أحمد : لا يصح هذا الحديث "
فهذا الحديث كما قال أبو عيسى قد جاء من طرق جاء مرفوعا وجاء موقوفا جاء مرفوعا بالإضافة إلى حديث أبي سعيد عن علي وعبدالله بن مسعود وعائشة وجابر وجبير بن مُطعِم رضي الله عنهم أجمعين . قال وأشهرهم حديث أبي سعيد الذي تقدم الكلام عليه قبل قليل وسوف يأتي بمشيئة الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها . وأما الموقوفات فبعضها صحيح وبعضها لا يصح . من الموقوفات الصحيحة حديث عمر رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عبدة بن أبي لبابة عن عمر وإن كان هذا منقطع لأن الإمام لم يقصد رواية هذا الحديث وإنما روى حديثا آخر وكان مقرونا به هذا الحديث . وكذلك أيضا رواه ابن أبي شيبة فهو ثابت عن بعض الصحابة موقوفا كعمر . فالأحاديث المرفوعة إذا ضُمَّ بعضها للبعض الآخر وأيضا إذا ضُمّ إليها ما ثبت عن الصحابة في ذلك فهذا يدل على صحة هذا الخبر ولذلك اختاره الإمام أحمد وإن كان قد ثبت أحاديث أخرى في الاستفتاح مثل حديث أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه "اللهم باعد بيني وبين خطاياي .." والحديث في الصحيحين
ومثل ما جاء أيضا في حديث علي رضي الله تعالى عنه "وجهت وجهي .." إلخ .
فهناك أحاديث صحيحة وبعض هذه الأحاديث قد نُصَّ فيها أنها تقال في صلاة الليل وبعضها .لا . مطلقا والقاعدة في هذا : كل ما ثبت عن الرسول e يُذكر . مثل أنواع التشهدات ومثل أنواع الاستفتاحات ومثل أذان بلال وأذان أبي محذورة فالسنة أن الإنسان مرة يقول هذا ومرة يقول يقول هذا أو المؤذن مرة يؤذن بأذان بلال ومرة يؤذن بأذان أبي محذورة رضي الله عن الجميع وهكذا لأنها كلها ثابتة فالسنة والأكمل أن يأتي مرة بهذا ومرة بهذا وإن اقتصر على شيء منها فهذا أيضا لابأس به .
قال :" وكان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي بن نِجَاد "
يحيى بن سعيد هو القطان البصري توفي عام 198 وهو من كبار الحفاظ و يحيى بن سعيد في الغالب عنده تشدد في نقد الرواة وجرح الرجال والأئمة كما هو معلوم على ثلاثة أقسام فيما يتعلق بهذا منهم من تشدد ومنهم من عنده اعتدال ومنهم من عنده تساهل وبعضهم قد يتشدد في أناس دون آخرين وهذا إما أن نجعله قسما أو ندخله ضمن الأقسام الأخرى
§ فيحيى بن سعيد القطان و يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي هؤلاء عندهم تشدد
§ وهناك من عنده اعتدال كعلي بن المديني والبخاري
§ ومنهم من عنده تساهل في الكلام على الرجال مثل أحمد بن صالح المصري وهو من كبار الحفاظ ومثل أبو عبدالله الحاكم في كلامه على الرواة في المستدرك فيه تساهل .
فالأصل أن يقدم المعتدل ولكن بشرط إذا كانوا في طبقة واحدة من العلم بالرجال . أعني مثلا ابن المديني وابن معين يقدم ابن المديني إلا إذا كان مع أحدهما دليل . فلو كان يحيى بن معين الغالب عليه التشدد ومعه دليل ؛ قال : إن فلانا أخطأ في كذا وكذا وكذا فهذا يقدم لأن معه زيادة علم فنقدم المعتدل لكن بشرط أن يكونا في درجة واحدة إذا لم يكن مع أحدهما دليل . لكن لو تعارض مثلا كلام يحيى بن معين مع كلام غيره ممن عنده شيء من الاعتدال فيقدم كلام يحيى بن معين لجلالته وإمامته في هذا الفن فيحيى بن سعيد يقابله عبدالرحمن بن مهدي في الاعتدال .
§ قال حدثنا الحسن بن عرفة ، وهو العبدي توفي عام 257 والحسن بن عرفة قد عُمِّرَ وكاد يبلغ المئة وهو مكثر من الحديث وهو ثقة صدوق
§ ويحيى بن موسى وهو البلخي أبو زكريا الملقب بخدّ ثقة مشهور وتوفي بعد 240 أو 240 من العاشرة .
§ قال حدثنا أبو معاوية ، وهو محمد بن خازم السعدي المعروف بأبي معاوية الضرير وهو من الطبقة التاسعة توفي في عام 195 وهو ثقة مشهور ولكن تُكلّم في بعض حديثه ؛ تُكلم في روايته عن هشام بن عروة وفلان وفلان فحديثه فيه تفصيل كما ذكرت فيما سبق
§ عن حارثة بن أبي الرجال ، وحارثة ضعيف شبه اتفاق على ضعفه
§ عن عمرة ، وهي بنت سعد الأنصارية وهي ثقة مشهورة توفيت في حَجر عائشة .
§ قالت كان النبي e إذا افتتح الصلاة قال :" سبحانك اللهم وبحمدك .." الحديث فهذا الحديث أيضا ضعيف وحارثة أيضا كما قال أبو عيسى تُكلم فيه وهو ضعيف .
§ وأبو الرجال والد حارثة اسمه محمد بن عبدالرحمن وهو ثقة ولكن حارثة ضعيف .
§ ولكن كما ذكرت الأحاديث المرفوعة يضمّ بعضها البعض الآخر مع ما ثبت عن الصحابة فيكون هذا الحديث ثابتا.