أخي الحبيب صحة الوضوء المذكور في السؤال مبنية على الخلاف في مسألتين بين أهل العلم وهما الترتيب والموالاة فمن قال بوجوبهما فالوضوء المذكور لا يصح ومن قال بعدم وجوبهما فالوضوء على ذلك يصح وإليك الإشارة إلى أقوالهم مع أهم أدلتهم بشكل موجز
أولاً : الكلام على الترتيب :
استدل من قال بوجوب الترتيب بالأحاديث في وصف الوضوء مرتباً عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي معروفة مشهورة في الصحيحين وغيرهما كحديث عثمان وعلي وعبد الله بن زيد واستدلوا أيضاً بترتيب الأعضاء في آية المائدة مع إدخال الممسوح بين المغسولات قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه على آية الوضوء : والكلام العربي الجزل لا يقطع فيه النظير عن نظيره إلا لفائدة ولا فائدة هنا إلا الترتيب فلو قال قائل : أكرمت زيدا وأهنت عمرا وأكرمت بكراً ولم يقصد فائدة مثل الترتيب لعد عياً ولكّنة ولا يجوز أن تكون الفائدة استحباب الترتيب فقط لأن الآية ذكرت الواجبات وكذلك لم يذكر فيها ترتيب اليمنى واليسرى .اهـ
والقائلون بوجوب الترتيب هم الشافعية والحنابلة وإسحاق واختاره ابن حزم
أما من قال بعدم وجوب الترتيب فاستدل بحديث أخرجه أحمد ومن طريقه أبو داود عن المقدام بن معدي كرب قال: "" أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء ، فتوضأ ، فغسل كفيه ثلاثا ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ، ثم مضمض واستنشق ثلاثا ، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما ، وغسل رجليه ثلاثا "" . قال الألباني (( وسنده صحيح . وقال الشوكاني: "" إسناده صالح "" . وقد أخرجه الضياء في "" المختارة "" ، وهو يدل على عدم وجوب الترتيب ، وأزيد هنا فأقول: إن النووي والحافظ ابن حجر حسنا إسناده . )) اهـ من تمام المنة . فلهذا الحديث قال الحنفية والمالكية وداود بأن الترتيب سنة ولأن آية الوضوء عطفت ذلك بالواو وهي لا تقتضي ترتيباً ولهم أدلة غير ما ذكرته وإنما اقتصرت على أهمها .
و قال شيخ الإسلام عن الترتيب : القول الثالث : الفرق بين المتعمد لتنكيس الوضوء وبين المعذور بنسيان أو جهل وهو أرجح الأقوال وعليه يدل كلام الصحابة وجمهور العلماء . وقال : فمن ترك غسل عضو أو بعضه نسياناً يغسله وحده ولا يعيد غسل ما بعد فيكون غسله مرتين فإن هذا لا حاجة إليه .
المسألة الثانية هي الموالاة
و فيها ثلاثة أقوال : الوجوب مطلقاً وهو مذهب الحنابلة وقال به المالكية ولكن قالوا تسقط بالنسيان والعذر وقال الحنفية والشافعي في آخر قوليه بأن المولاة سنة
واستدل من قال بوجوب الموالاة بأحاديث منها ما يلي :
1. عن أنس بن مالك أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "" ارجع فأحسن وضوءك "" . رواه أحمد و أبو داود و صححه الألباني و قال شعيب إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين . اهـ وهذا الحديث محتمل أنه أراد إعادة الوضوء أو غسل الموضع المتروك وليس بحمله على أحد الاحتمالات بأولى من الآخر والدليل إذ تطرق له الاحتمالات المتساوية بطل بها الاستدلال
2. عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء؛ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة . رواه أبو داود قال الأثرم : قلت : لأحمد : هذا إسناد جيد ؟ قال جيد وصححه الألباني وضعفه بعض أهل العلم لأن في إسناده بقية وهو وإن صرح بالتحديث من شيخه فقد عنعن في شيخ شيخه وهو متهم بتدليس التسوية فلا يقبل منه ذلك . ورواه ابن ماجة من حديث عمر بنحوه وفي سنده ابن لهيعة . قلت : إن صح الحديث فهو واضح الدلالة على اشتراط الموالاة لقوله (يعيد الوضوء)
وقد يُستدل لمن قال بسقوط الموالاة للعذر أن الصلاة لا يجوز تفريق أفعالها باتفاق وقد صحت مع تفريقها لعذر كما في قصة ذي اليدين فالوضوء من باب أولى .
والخلاف السابق في الموالاة في غير التفريق اليسير أما اليسير فنقل النووي وغيره الاتفاق على أنه لا يضر . وزاد بعضهم ولو كان عامداً وقيده بعضهم بالعذر حتى في التفريق اليسير
وقد يقول قائل : إن الدقيقة والدقيقين لا تبطل الموالاة ؟
فالجواب : التفريق اليسير لا خلاف بأنه لا يبطل الموالاة ولكن السؤال هل هذا يعد من اليسير ؟ أظنه كذلك وعلى ظني لا يكون للخلاف في مسألة الموالاة مدخل في سؤالك وإن كان غير ذلك فإن لها مدخلا في سؤالك .
أما قولك قد تكون البقعة في الرجل اليمينى
أقول لو كان كذلك وكان الزمان يسيراً فلا إشكال في كونه يغسله فقط لعدم وجوب الترتيب بين اليمنى واليسرى
هذه إشارات فقط ولم أقصد بسط المسألة والله أعلم