عِنْدِمَاْ يُطْوَىْ كِتَاْبُ الْعُمْرِ
تذكـرْ يـومَ يـأكلُــك الترابُ
ويهـجـرُك الأحـبةُ والصِّـحَــابُ
وتنتـثـر الـدمـوعُ بـخـد أمٍّ
غدت ثكلى , كما انتثـر الـحُـبَـاب
ويبكيك الصـغـيرُ بدمـع يُـتْمٍ
يقول : أبــي؟ ولكـنْ, لا يُـجـاب
وتبكي البنت مــن قلـبٍ شَجِيٍّ
كواه الـحـزنُ, أذهـلـه الـمُـصابُ
وتُدفَـنُ فـي الـثرى فرداً, وتبقى
إلى يومٍ يـجـيء بـه الـحـــسابُ
وتُسـأَل مـن مـلائـكةٍ, ولكن
بقـبرك, هـل ستعـرف مـا الجوابُ ؟
وكيف الحـالُ إن نُوديت : عبـدٌ
عـصـى مـولاه, يا بئـس الـمآبُ !
تركتَ المال خلفك, ليت شِعري !
لأجـل الـمـال كم ذَلَّـت رقـابُ !
وبيتُك قـال: يسكنـني سواكم
.....إليّ , إلـيّ , نـاداك الـخــرابُ
أمانيك العِـظـامُ غـدت سراباً
ودنيـا الـمـرء فـي صيـفٍ سحابُ
زمـانـك راح فـي تعَب وكَدٍّ
وفـي سَـفَرٍ, وأضْـنـتكَ الـصِّـعاب
فيا لَـضيـاعِ عمـرِك بعد هذا!
لَـعَمْـرُكَ, إن ذا شـيءٌ عُـجَـــابُ
ألست تـرى بأن العُـمـر طيفٌ
كظل الـشمـس, بـدّده الـغِـيـاب؟!
جنـيناً كنـتَ, ثم اليـومَ طـفلٌ
وصـرت فـتـىً شـجـاعـاً لا يَهاب
....فشاب الرأسُ, وازداد اشـتعالاً
ومثلَ الـحُـلْـم قـد ذهـب الشـبابُ
كـتابُ العُـمْر يـحوي كل فعل
ويُطـوى عنـــدمـا تفـنى الـكتابُ
فكم سـوّّدتَ صفحـته بذنـبٍ !
وكم ـ يا صاحِ ـ جـانبَـك الصوابُ !
تقول : غـداً أتوبُ, و بعد شهرٍ
..ويـمضـي الـعـامُ..لـم يأتِ الـمتاب؟
فكم تعصـي الإلـه بجوفِ ليلٍ !
ولـم تـلحــقْ بـمَـن لله تــابـوا
وكم ودعت فـي الدنيا عـزيزاً !
علـى أمـل الـلـقـاء, ولا إيـــابُ
تناديـك المقابرُ: سوف تُـمسي
بـسـاحـتـنـا, ويُـبلـيـك الـتراب
فيا من يقطع الـدنـيا بـلهـوٍ:
رويـدَك , إنـمـا الــدنيـا ضَبـاب
لذائـذُها انقضت, والـذنبُ باقٍ
وقــد زالـت ليـالــيهـا الـعِـذابُ
وتعطيك السرورَ بـها قلــيلاً
وبـحـرُ الـحـزن يـمـلـؤُهُ انـصبابُ
ولم تعدِل جـناحـاً من بعوضٍ
وإن نعـيمـهـا يــومـاً عَــــذاب
وإن وصـالَـها هـجـرٌ وبَيْنٌ
وإن مـيـاه أبـحُـرِهــا ســـرابُ
وبعضُ المنعِ فـي الدنيا عـطـاءٌ
وبـعـض الأَعْـطـِيـات بـهـا عِـقاب
دع الدنـيا, ولا تُـخْـلد إليها
وكـنْ كـالنـسر مـنـزلُـه الشـِّـهابُ
أعِزَّ النفـسَ بـالطـاعات عزّاً
رفيعـاً لا يـطـاولـــه الـسـحــاب
تعافُ الأُسْدُ رَغم الـجوعِ أكلاً
إذا ولــغت بــقـصـعـتـه الـكلابُ
أناسٌ أمّـلوا أمـلاً, ومـاتوا
....فخـابت أُمنيـاتُـهُـمُ وخــــابـوا
الشيخ الشاعر:مصطفى قاسم عباس
منقول من صحيفة الوطن الليبية