ولننظر الآن بعد هذا التمهيد الطويل في شبهة حديث ابن عمر رضي الله عنه وتقليبه لثدي الأمة ومسه لعجزها من فوق ثوبها وكشفه عن ساقها على ملأ من الناس. فإن من المتقرر أن بلاد المسلمين كان فيها رقيق وإماء، وكان فيها بيع للرقيق وشراء.. وأن لهذا البيع والشراء أحكامه التامة التي تتابعت قرون الأمة على العمل بها حتى ضاع الجهاد وضاع السبي والرق، والله المستعان.
فلنبدأ أولا بتقرير أن الواقعة المذكورة في الحديث لا سبيل للطعن في صحتها، وإليك بعض النصوص فيها وفي بابها، قد قام عليها حكم شرعي يأتي بيانه بعدُ إن شاء الله تعالى.
فعند البيهقي في سننه الكبرى عن عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب عن بن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد شراء جارية واشتراها فلينظر إلى جسدها كله إلا عورتها ما بين مقدار إزارها إلى ركبتها"
وعنده كذلك قوله: "أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِىٍّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ الْخَلاَّلُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ بَأْسَ أَنْ يُقَلِّبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَيَنْظُرَ إِلَيْهَا مَا خَلاَ عَوْرَتَهَا وَعَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهَا إِلَى مَعْقِدِ إِزَارِهَا ». تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَاضِى حَلَبَ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ. {ت} وَرُوِّينَاهُ فِى كِتَابِ الصَّلاَةِ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَالإِسْنَادَان ِ جَمِيعًا ضَعِيفَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ."
وعند الطبراني في المعجم الكبير قال حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ثنا حفص بن عمر الكندي ثنا صالح بن حسان عن محمد بن كعب القرظي عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا بأس أن يقلب الرجل الجارية إذا أراد أن يشتريها ما خلا عورتها ما بين ركبتها إلى مقعد إزارها"
وهذا الحديث وإن كان لا تجوز نسبته إلى النبي عليه السلام (لأن في سنده كذاب وضعيف) - ولعل الصواب وقفه - إلا أن التواتر المعنوي بمشروعية النظر والتقليب في الجارية عند شرائها - بصرف النظر عن تفاصيل ما يشرع وما لا يشرع في ذلك - يوحي بأن له أصلا، والله أعلم.
ومما وقفت عليه من الآثار عن السلف من الصحابة والتابعين ما يلي:
في مصنف عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال قلت له الرجل يشتري الأمة أينظر إلى ساقيها وقد حاضت (يعني بلغت وأنبتت) أو إلى بطنها قال نعم قال عطاء كان بن عمر يضع يده بين ثدييها وينظر إلى بطنها وينظر إلى ساقيها أو يأمر به..
وفيه كذلك أنه قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني عمرو أو أبو الزبير عن بن عمر أنه وجد تجارا مجتمعين على أمة فكشف عن بعض ساقها ووضع يده على بطنها [ ص 286 ]
وفيه روى عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن دينار عن مجاهد قال مر بن عمر على قوم يبتاعون جارية فلما رأوه وهم يقلبونها أمسكوا عن ذلك فجاءهم بن عمر فكشف عن ساقها ثم دفع في صدرها وقال اشتروا قال معمر وأخبرني بن أبي نجيح عن مجاهد قال وضع بن عمر يده بين ثدييها ثم هزها ..
وفيه عن عبد الرزاق عن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد قال كنت مع بن عمر في السوق فأبصر بجارية تباع فكشف عن ساقها وصك في صدرها وقال اشتروا يريهم أنه لا بأس بذلك"
قلتُ (أبو الفداء) فتأمل هذه الروايات يتبين لك منها أن فعل ابن عمر رضي الله عنه في تلك الواقعة أمام هذا الجمع كان ليبان المشروعية، وحتى لا يتهيبوا من أمر هو مشروع لهم. وقد كان رضي الله عنهما من أحرص الصحابة على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أشد الناس فيها كما هو معلوم، فليس الظن بمثله رضي الله عنه أن يحملهم على فعل مخالف للأصل على هذا النحو ما لم يكن على بينة من مشروعيته.
وعن عبد الرزاق عن بن جريج عن رجل عن بن المسيب أنه قال يحل له أن ينظر إلى كل شيء فيها (يعني الأمة المستامة) ما عدا فرجها"
وروى مثله عن الثوري عن جابر عن الشعبي قال إذا كان الرجل يبتاع الأمة فإنه ينظر إلى كلها إلا الفرج
وعن عبد الرزاق عن بن جريج قال عمن سمع عليا يسأل عن الأمة تباع أينظر إلى ساقها وعجزها وإلى بطنها قال لا بأس بذلك لا حرمة لها إنما وقفت لنساومها (أي لننظر في شرائها)
وعن عبد الرزاق كذلك عن الثوري عن عبيد المكتب عن إبراهيم عن بعض أصحاب عبد الله أنه قال في الأمة تباع ما أبالي إياها مسست أو الحائط .. (يعني لا حرمة لها، فعند أمن الفتنة فإنه لا مانع شرعا من هذا المس بما تدعو إليه حاجة الشراء)
وهذا العمل، أعني الكشف عن الأمة والنظر إليها ومسها من فوق الثياب عند إرادة شرائها، لا خلاف في مشروعيته بين أهل العلم، وإن اختلفوا في تقرير حدوده، تماما كما أنه لا خلاف بينهم في مشروعية النظر للمخطوبة عند خطبتها مع ثبوت الخلاف في مقدار ما يشرع النظر إليه منها لتلك الحاجة الشرعية المعتبرة. والعلة واحدة، ولهذا جاء الكلام في هذه المسألة في كتب الفقهاء في باب النكاح مقرونا بالكلام عن نظر الخاطب للمخطوبة.
فالأمة تشترى للنكاح والاستمتاع كما تشترى لغير ذلك من الأغراض، فعند المساومة لشرائها فإن الحاجة الشرعية تلجئ الشاري لتأملها ولتبين محاسنها بما يجعله يقرر قبوله أو رفضه للسعر الذي يطلبه بائعها فيها! هذه تجارة معتبرة في شريعة الإسلام ولا يجوز فيها الغرر. ولا شك في أن الأمة لا تستوي بالحرة فيما لكل منهما من عورة وحرمة، فعندما تدعو الحاجة الشرعية إلى مخالفة أصل تلك الحرمة، فإنما يكون ذلك بقدر ما تتحقق به الحاجة وفي حدود ما هو مأذون فيه بالنص.
قال البهوتي في شرح منتهى الإرادات: ولرجل وامرأة نظر ذلك أي الوجه واليد والرقبة والقدم ورأس وساق من أمة مستامة أي معرضة للبيع يريد شراءها كما لو اراد خطبتها بل المستامة أولى لأنها تراد للاستمتاع وغيره نقل حنبل لا بأس أن يقلبها إذا أراد الشراء من فوق الثياب لأنها لا حرمة لها وروى أبو حفصة أن ابن عمر كان يضع يده
بين ثدييها وعلى عجزها من فوق الثياب ويكشف عن ساقيها"
قلتُ ومعلوم أنه لا يجوز للخاطب مس مخطوبته فضلا عن تقليبها، فهذا قدر من التجوز في الأمة عند شرائها لا يكون مثله في الحرة عند خطبتها للتفاوت في الحرمة وللفرق في صفة العقد بين الحالتين.
وفي منار السبيل عند تلك المسألة: "قال في الشرح: ولا نعلم خلافاً في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها، وفيه أحاديث كثيرة. انتهى. وعن الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم. وقال ابن عبد البر: كان يقال: لو قيل للشحم: أين تذهب؟ لقال: أقوم العوج. وكذا أمة مستامة، لما روى أبو حفص بإسناده: أن ابن عمر كان يضع يده بين ثدييها، وعلى عجزها من فوق الثياب، ويكشف عن ساقها ذكره في الفروع."
وقال المرداوي في الفروع: "وله - جزم جماعة أنه يستحب - قبل الخطبة نظر ما يظهر غالبا، كرقبة وقدم، وقيل: ورأس وساق، وعنه: وجه فقط، وعنه: وكف. وقال أبو بكر: حاسرة، وله تكراره وتأمل المحاسن بلا إذن.
وينظر من أمة مستامة رأسا وساقا، وعنه: سوى عورة الصلاة وقيل: كمخطوبة، نقل حنبل: لا بأس أن يقلبها إذا أراد الشراء، من فوق الثوب؛ لأنها لا حرمة لها. قال القاضي: أجاز تقليب الصدر والظهر بمعنى لمسه من فوق الثياب. وروى أبو حفص بإسناده: أن ابن عمر كان يضع يده بين ثدييها وعلى عجزها من فوق الثياب، ويكشف عن ساقها"
قلتُ (أبو الفداء): وقوله "لأنها لا حرمة لها" يفهم منه بالمخالفة تقرير الحرمة في مثل هذا للحرة المخطوبة.
وقال صاحب شرح المقنع: ""وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الأمة المستامة" لأن الحاجة داعية إلى ذلك ولأن رؤية ما ذكر يحصل المقصود به لأنها تراد للاستمتاع وغيره من التجارة وحسنها يزيد في ثمنها وعنه: سوى عورة الصلاة وقيل كمخطوبة نقل حنبل لا بأس أن يقلبها اذا اراد شراء من فوق الثوب لأنه لاحرمة لها قال القاضي أجاز تقليب الصدر والظهر بمعنى لمسه من فوق الثياب وظاهره أن الأمة إذا لم تكن مستامة أنه لا يجوز النظر إليها وهو وجه."
فهذه بعض أقوال الفقهاء في المسألة، وقد نقلتها لا للترجيح الفقهي فيما بينها، ولكن لبيان أن الحكم بمشروعية هذا الفعل (النظر في الجارية المراد شراؤها والتقليب من فوق الثياب والكشف عن الساق كما صنع ابن عمر رضي الله عنهما) هو قول جماهير السلف والخلف استنادا على هذا الأثر بعينه عن ابن عمر رضي الله عنه، دونما استنكار ولا استقباح ولا شيء من هذا، والحاجة تدعو إلى ذلك كما هو واضح.
ومن أعجب ما قرأتُ من ردود بعض الإخوة على هذه الشبهة قول بعضهم إن الحديث جاء فيه أنه رضي الله عنهما كان "إذا اشترى جارية، فعل كذا وكذا"، فهذا معناه أنه يفعل تلك الأشياء بعد أن يشتريها فتكون حلالا له!! فهؤلاء الإخوة سامحهم الله يقينا لم يقفوا على غير تلك الرواية في هذه المسألة، وأسألهم: ما فائدة النص على تلك الأفعال بهذا التفصيل أصلا إن كان الأمر كما فهمتم، أنه رضي الله عنه فعل بها تلك الأشياء بعد أن اشتراها؟ بل الرواية نص فيما كان يفعل رضي الله عنه عندما يريد شراء الجارية، ليس فيما يفعل بها بعد شرائها، فمعلوم بالبداهة أنه بعد شرائها يباح له منها كل شيء!
ومن عجائب الردود كذلك دعوى بعض الإخوة أن ابن عمر كان يضع يده بين الثديين لا على الثديين، وذلك حتى يتفحص القفص الصدري كما يفعل الطبيب، لأنه يريد أن يطمئن من أنها ليس بها مرض. فكيف يجيب عن كشف الساق وتقليب العجز؟؟
ينبغي أن يكون الجواب ضاربا في أصول من يفتري على هذه الشرائع ويحكم بأنها لا أخلاقية! أي أخلاقيات تلك ومن الذي جاءكم بها؟؟ النصارى يقولون دينكم يعلمكم الجنس ويهتم بالجنس، يعيبون علينا أن وجدوا في شريعتنا أحكاما مفصلة للنكاح والجنس، قاتلهم الله! فهل يكون الجواب بأن نتبرأ من أن في ديننا تعليما مفصلا لما شرع الله في معاشرة النساء وفي أدق تفاصيل العلاقة بين الرجل وامرأته، نعتذر له لكونه لا يأتي على هواهم؟؟ هؤلاء السفهاء لا يهتدون سبيلا في أمور العلاقة بين الرجل وامرأته وضوابط سد الذرائع وتأمين الفتنة فيها، لأن رسولهم الكذاب بولس وصاحبه بطرس جعلا الجنس - كل الجنس - شيئا قبيحا مستحقرا بإطلاق، يفصل بين العبد والرب، فجعلوا خير الطرق للوصول إلى معرفة الرب = قتل تلك الشهوة الفطرية في نفوس الناس وحرمانهم من إشباعها!! فهل خلقهم ربهم ليكونوا أمة من الأخصياء والمحرومين الذين لا يتناكحون ولا يتكاثرون؟؟ هل جعل الحالة المثلى لسائر بني آدم حتى يعرفوه حق المعرفة، ألا يمس رجل امرأة قط ولا يشتهيها في نفسه؟؟ يفنى البشر إذن ويهلكون، أفلا يعقلون؟؟
إنك ترى الواحد من هؤلاء المساكين - من شدة فقرهم لشريعة رب العالمين التامة المحكمة - لا يجد بدا في بعض الأحيان من أن يغير ملته وعقيدته (كنيسته) بحثا عمن يبيح له الطلاق من زوجته!! ثم يهزأ السفهاء الحاقدون بشريعة رب الأرض والسماء، يقولون إن فيها كلاما عن الجنس والنكاح.. قاتلهم الله!! أي شريعة عند هؤلاء ومن أين جاءوا بها وبأي حق جعلوها حكما على شرعة رب الأرض والسماء؟؟
لا يريدون شريعة فيها أحكام للنكاح، فليختصوا إذن كلهم لا شأن لنا بهم، فإن شريعة الإسلام جاءت لرجال أسوياء أقوياء ونساء سويات صحيحات، لا للأخصياء ولا المجبوبين ولا الممسوحين المشوهين!!!
ومما يستشكل به بعض التفهة من أصحاب الشبهات على هذا الحديث، قولهم: أليس في رؤية ابن عمر وهو يفعل هذه الأفعال في مكان "عام" ما يثير شهوات وغرائز الناس؟ وجوابهم يبدأ بتأصيل قاعدة مفادها أن الأحوال الزائدة على ما هو منصوص عليه في واقعة من الوقائع، لا يصح الإلزام بلازم فاسد منها، لأنها أصلا لم تذكر في المرويات المنقولة في تلك الواقعة! ففي حالتنا هذه، لم يخبرنا الراوي هل كان هؤلاء القوم المجتمعون عند البائع في مكان من الطريق حيث يراهم كل أحد أم كانوا في جانب مستتر. ثم حتى على التسليم بأنهم كانوا في السوق حيث يرى الناس وينظرون، فإنه من المتقرر في الشرع أن ما يغلب على الظن وقوع الفتنة به فإنه يمنع وإن كان مندوبا في غير تلك الأحوال. يعني يمنع أن يكون ذلك في مكان عام أمام المارة من الناس..
ففي حاشية الروض المربع على زاد المستقنع عند قول الماتن: "ويباح نظر ذلك، ورأْس، وساق، من أَمة(4) وذات محرم(5)." قال الشارح: "(4) أمة مستامة، كما لو أراد خطبتها، بل المستامة أولي، لأنها تراد للاستمتاع وغيره، وحسنها يزيد في ثمنها، ولا يجوز النظر إليها بشهوة، وكذا غير المستامة، وفي الواضحة: ما رأيت بالمدينة أمة تخرج وإن كانت رائعة، إلا وهي مكشوفة الرأس في ظفائرها، أو في شعر محمم، لا تلقي على رأسها جلبابا، لتعرف الأمة من الحرة، إلا أن ذلك لا ينبغي اليوم، لعموم الفساد في أكثر الناس، فلو خرجت جارية رائعة مكشوفة الرأس في الأسواق والأزقة، لوجب على ولي الأمر أن يمنع ذلك"
فالأمة إن كانت يخشى الفتنة بها فإنها تؤمر بستر ما لا يجب على الإماء ستره (كالرأس والشعر والذراع) ويتعين ذلك في حقها.. وهذا في عامة أحوالها وهي تمشي في الأسواق لقضاء حوائج سيدها، فكيف بها وهي تقف ليستام عليها من يريد شراءها، يكشف هذا عن ساقها، ويقلب هذا ثديها، وينظر إليها من غلب على الظن افتتانه بهذا؟ لا شك أن المنع في هذا أولى، وقد يلزم أن يجعل ولي الأمر ذلك البيع في مكان مغلق (كمحلات هذا الزمان)، وهذا ما حصل بالفعل في القرون المتأخرة حيث أصبحت هناك حوانيت تخصص لذلك فيما يسمى بسوق النخاسة. وليس من شريعتنا في شيء ما صوره الكفار في روايات ألف ليلة وليلة من عرض الإماء للناس في الطرقات عاريات والنداء عليهن! إنما هذا ديدن القوم في بلادهم اليوم فيما يسمى بأسواق الجنس، حيث تعرض العواهر والمومسات في الفاترينات لإثارة شهوات الرجال وجذبهم للزنا والدعارة، قبحهم الله ولعنهم!!
أما شراء الإماء عندنا ممن يبيعها - سواء كان تاجرا أو غير ذلك - فإنه ما كان يرخص فيه كشف إلا في الحدود التي تقدم ذكرها، ولا مس ولا تقليب إلا من فوق الثياب، وكل هذا لغاية الشراء، فإن اشتراها صارت له كامرأته، لها ما شرعه الله للإماء من حقوق، وإلا انصرف عنها ولم يجز له التعرض لها بعد ذلك.. وكل هذا مع اشتراط أمن الفتنة لعامة الناس وحرمة التشهي بهذه الأفعال من فاعلها حال فعلها! فبالله أين الثرى من الثريا، وأين هذا من ذلكم؟
ويدعي الرافضة قبحهم الله أن في هذا الفعل من ابن عمر رضي الله عنه خرما للمروءة حيث أظهره على أعين الناس.. ونقول لهم إن دعواكم تلك يلزمكم منها أن تجعلوا تخبؤ الرجل للمرأة الحرة التي يريد نكاحها لينظر منها ما يرغبه في نكاحها = خرما للمروءة كذلك! وأن تجعلوا كشف الفرج بين يدي الطبيب أو القاضي للحاجة الشرعية خرما للمروءة وقدحا في الدين كذلك، وعليه فقس كثيرا مما أبيح على خلاف أصل المنع للحاجة الشرعية تجعلونه خرما وقدحا في فاعله! فأي تأصيل شرعي هذا؟ بئست العقول عقولكم وبئس الفقه فقهكم!
ما دام الفعل مشروعا بخلاف الأصل، فإنه يقدر بمقدار الداعي إليه، ويدور حكمه مع علته وجودا وعدما.. وهل الذي جاء في النص أن ابن عمر رضي الله عنه كان لا يمر بقوم يستامون جارية إلا رفع ثوبها وهز ثديها، أراد الشراء أم لم يُرد؟
قاتل الله البغي والجهالة والهوى!
فالحاصل أن ابن عمر رضي الله عنه لم يكن عابثا ولا كان لاهيا فيما فعل، وإنما مثل هذا كمثل الخاطب يباح له ما لا يباح لغيره للحاجة الشرعية، وينضبط الأمر كله بجملة ضوابط الشرع المطهر.. فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة العقل، والله نسأل أن يعلمنا ديننا وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه
والحمد لله رب العالمين.