قال أبو عثمان الجاحظ : " إنَّ كل كلام للفرس ، وكل معنى للعجم ، فإنما هو عن طول فكرة وعن اجتهاد رأي ، وطول خلوة ، وعن مشاورة ومعاونة ، وعن طول التفكر ودراسة الكتب ، وحكاية الثاني علم الأول ، وزيادة الثالث في علم الثاني ، حتى اجتمعت ثمار تلك الفِكَر عند آخرهم . وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال ، وكأنه إلهام ، وليست هناك معاناة ولا مكابدة ، ولا إجالة فِكر ولا استعانة ، وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام ، وإلى رجز يوم الخصام ، أو حين يمتح على رأس بئر ، أو يحدو ببعير ، أو عند المقارعة أو المناقلة ، أو عند صراع أو في حرب ، فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب ، وإلى العمود الذي إليه يقصد ، فتأتيه المعاني إرسالاً ، وتنثال عليه الألفاظ انثالاً ، ثم لا يقيده على نفسه ، ولا يدرّسه أحداً من ولده " .
البيان والتبين جـ 2 ص 28 .