المصرفية الإسلامية!مازلت إلى الآن غير مقتنع بمصداقية ما يُسمى بالمصرفية الإسلامية سواء تلك التي تقوم كياناتها مستقلة أو الأقسام الإسلامية داخل البنوك الربوية، لقد استطاعت المصارف الإسلامية بمجالسها الشرعية ومستشاريها الشرعيين أن تجمّل الوجه القبيح للنظام المصرفي الربوي، فقامت بتفكيك المعاملات الربوية المباشرة إلى عدة معاملات مباحة ثمّ أعادت تجميعها وفق آلية منتظمة يراها الناظر مجموعة معاملات مشروعة، بينما هي في حقيقتها ومؤدّاها تصب مع بقية المعاملات الربوية الصريحة في مصب واحد، وهذا ما عبّر عنه الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنه عندما سُئل عن رجل باع حريرة ثم اشتراها لأجل زيادة دراهم فقال : دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة، وهذا بالضبط ما يحصل في المصرف الإٍسلامي مع استبدال الحريرة مرة بمعادن ومرة بأسهم ومرة بسيارات وكل ذلك في حقيقته نوع من الحيلة على أكل المال بالمال، وطريقة فقهاء المصارف تذكرني بقصة ذلك الرجل الذي سأل إياس بن معاوية عن سبب تحريم الخمر مع أنّها مركبة من ماء وثمرة وكلاهما حلال، فقال له إياس : لو أخذتُ كفًّا من ماء، وضربتُك به أكان يوجعك ؟ قال : لا قال : لو أخذتُ كفًّا من تراب وضربتُك به أكان يوجعك ؟ قال : لا قال : لو أخذتُ كفًّا من تِبنْ فضربتك به أكان يوجعك ؟ قال : لا قال : فلو أخذت الترابَ،ثم طرحتُ عليه تبنا وصببتُ فوقه الماءَ ثم مزجتها ثم جعلتُ الكتلة في الشمس حتى يبست ثم ضربتك به، أكان يوجعك ؟ قال : نعم وقد تقتلني به قال : هكذا شأنُ الخمر، أقول أنا : وهكذا هو النظام المصرفي الإسلامي الذي يقدم الحلول التمويلية وهي حلول ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلنا العذاب، فهي معاملات منفردة مباحة تُركب بطريقة تؤدي إلى الإعدام، وصرعى المصرفية الإسلامية - كغيرها - تجدهم حولك في كلّ مكان، والأدهى أنّ المصرفية المُؤسلمة تكاد تربو على الربوية في الجشع وإهلاك العميل مستغلة في ذلك اطمئنان الناس وقبولهم بضيمها لأنّها تتظاهر بأنّها إسلامية والحقيقة غير ذلك عند التأمّل، في حقيقة الأمر : ربّما استطاع فقهاء المجالس الشرعية للمصارف تخفيف كثير من قباحة النظام المصرفي الربوي وإلباسه أجمل الحلل وأطهرها، لكنّهم لم يغيّروا من الجشع والطمع والاستغلال وهي الروح الّتي تسري في كلّ أوصال النظام المصرفي للأسف الشديد إسلاميه قبل تقليديّه، وهي الروح الّتي تنافي أصول الاقتصاد الإسلامي الذي لا ينفك عن الأساس الخلقي الذي يُبنى عليه، قال صلّى الله عليه وسلّم : (رحم الله امرءاً سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا أخذ سمحا إذا أعطى ) .. والله المستعان .
الدكتور أحمد بن صالح الزهراني
azahrany@gmail.com