الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد.
فإنّ من أوجب الواجبات على طلبة من العلم أن يضطعلوا بالقيام بما لمشايخهم من الحقوق عليهم؛ لما للشيخ على تلميذه من حق كبير؛ فالشيخ أبٌ لروح طالب العلم, مثل ما والده أبٌ لجسده.
وإنّ من أهم الطرق التي يقوم التلميذ بواسطتها بأداء شيء يسير من حق شيخه عليه أن يسعى في تعريف الناس به, وبيان غزارة علمه, وكثرة الجوانب المضيئة في شخصيته؛ لكي ينتفع الناس به ويبقى ذكره بين الناس إلى ما شاء الله.
وإنّ من أكثر المشايخ الذين كان لهم الأثر الكبير- بعد المولى عزّ وجلّ ثم بعد والديّ الكريمين – في بناء شخصية العبد الضعيف, وتشجيعه على مواصلة طلب العلم, وتحبيبه في كتب علمائنا المتقدمين, وتدريبه على الاجتهاد في فهم عباراتهم.....
من أكثر المشايخ الذين قاموا بذلك شيخنا وأستاذنا الفقيه الفرضي النحوي الشيخ عبداللطيف بن عبدالله السعيد العرفج الشافعي الأحسائي, حفظه الله وبارك لنا في عمره, ونفعنا بعلمه.
فأحببت أن أذكر طرفاً مما أعرفه من سيرته باختصار؛ لأنّ المجال لا يتسع للإطالة.
فأقول مستعينا بالله تعالى:
هو الشيخ عبداللطيف بن عبدالله السعيد العرفج وأسرة العرفج تنتمي إلى قبيلة عنزة المعروفة في الجزيرة العربية وهي من الأسر المعروفة في الأحساء شرق المملكة العربية السعودية, وقد خرج منها عدد من العلماء الذين كان لهم أثر كبير في الحياة العلمية فيها.
ولد سيخنا حفظه الله في حي الكوت في مدينة الهفوف عام 1370هـ.
وكانت نشأته حفظه الله نشأةً عادية حيث كانت تلك الفترة فترة ركود علمي في المنطقة؛ وذلك لأسباب عدة لا يتسع المجال لذكرها.
أكمل دراسته النظامية في الأحساء ثم انتقل إلى الرياض فأكمل دراسته الجامعية في كلية التربية قسم التاريخ.
وبعد تخرّجه عمل مدرساً في إحدى المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم في المحافظة.
وبعد أن بلغ سن الثلاثين حداه حادٍ إلى طلب العلم فالتحق بدرس شيخ مشايخ الأحساء العلامة الشيخ أحمد بن عبدالله الدوغان حفظه الله وبارك لنا في عمره فقرأ عليه عدة كتب في الفقه الشافعي كعمدة السالك وفتح المعين بشرح قرة العين للمليباري والإقناع للخطيب الشربيني, وفتح الوهاب للشيخ زكريا الأنصاري, وقطعة من مغني المحتاج.
وقرأ في الفرائض الفوائد الشنشورية, وشرح الترتيب.
كما قرأ في النحو شرح قطر الندى, وشرح شذور الذهب.
كما صحح تلاوته للقرآن الكريم عليه, وعلى الشيخ محمد الخطيب الجعفري.
وقرأ أيضا متن أبي شجاع وشيء من النحو على الشيخ عبدالعزيز العبيدالله رحمه الله.
وبعد فترة من إلتحاقه بالدرس أمرة الشيخ بالجلوس للتدريس فمكث فترة يدرس مع قراءته على الشيخ ثم تفرغ للتدريس فانتفع به خلق كثير من طلبة العلم من داخل الأحساء وخارجها.
وحتى لا أطيل فسأذكر شيئاً مما عرف عن الشيخ حفظه الله من الصفات ومما لمسته فيه من مكارم الأخلاق:
فمن ذلك التواضع واحتقار النفس وهذا مما اشتهر عن الشيخ حتى أنني لم أر شخصاً عرف الشيخ إلا وأحبه, ومن مواقفه في التواضع أنه قد يأتي إلى المكان الذي فيه التلميذ ليقيم الدرس مع أن المحتاج هو التلميذ.
ومما يتصل بهذا الأمر أني رأيت فيه خصلة لم أرها في غيره من المشايخ وهي أنّه يأتي الدرس لا ليعلم بل ليتعلم, عرفت ذلك من فرحته وشدة تفاعله إذا مرت بنا في الدرس مسألة لم يكن يحفظها, أو إذا استفاد فائدة كان يبحث عنها.
ومن صفاته حفظه الله: حرصه الشديد على نشر العلم وله في ذلك همة عجيبة فلديه بعد صلاة العصر درس, وبين المغرب والعشاء درس,.وأما بعد العشاء فلديه عدة دروس متعاقبة فقد يقرأ عليه في الليلة الواحدة بعد العشاء أربعة أو خمسة كتب.
ومن ذلك حرصه على النساء فله يومان يدرس فيها محارمه, وقد سألته ذات مرة ماذا تفعل إذا مرت بك معهن مسألة مما يستحيا منها؟
فقال: في بداية الأمر كانت زوجتي تحضر معي وأبين لها, وهي تبين لهن ثم تنقل لي الأسئلة, ثم بعد ذلك أصبحن قادرات على فهم العبارة بدون شرح.
وهنا أجد لزاماً علي أن أذكر شيئا من دور زوجة الشيخ فمع صبرها على كثرة دروس الشيخ وعدم تفرغه لها إلا أنها لم تكتف بذلك؛ بل إن الشيخ أخبرني بأنها تعاتبه إذا اعتذر عن الدرس لطارئ ما, وتحضه على الالتزام بالدرس.
ومن حرصه الشديد على نشر العلم حرصه الزائد على من يلتحق بدرسه إذا لم يكن قريبا منه.
وقد قال لي أكثر مرة عن أناس بعيدين عنه: هؤلاء يتحرجون من المجيء عندنا, وقد يكون بيننا وبينهم حواجز, وطالما تمنيت أن يأتيني شخص منهم عنده همة وذكاء وحرص فأتعب عليه, وأعطيه ما عندي من العلم, ثم ينشر ذلك بين أقاربه, ولا أريده بعد ذلك أن يذكرني, أو يقول بأني شيخه, أو ينسب علمه لي.
هذا وأكتفي بهذا القدر وإلا فشيخنا يستحق أكثر, وما أعلمه عنه لا يتسع لهذه العجالة.
وصلى اله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.