المؤسسات الدينية .. إلى أين ؟





بقلم / خالد بن عبد الرحمن التميمي



لم يكن قرار العفو عن الصحفية المتهمة في إعداد برنامج خط عريض هو الصفعة الأولى التي توجه للقضاء ، والذي أصبح يترنح تحت مطارق الإعلام والصحافة والمنظمات الحقوقية .
فقد توالت الصفعات على هذا الجهاز ابتداء من قضية معلم الفويلق محمد بن سلامه الحربي والذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات وأربعة أشهر و750 جلدة ، مروراً بقضية الكاتب المزيني والذي حكم عليه بالجلد ، ثم ثالثة الأثافي وهي قضية فتاة القطيف التي حكم عليها بالسجن ستة أشهر مع الجلد ، وانتهاء بالصحفية التي تعمل في قناة lbc والتي شاركت في إعداد برنامج خط عريض ، هذا البرنامح الذي لاقى استياء شعبياً عارماً إثر بثه لحلقة المجاهر بفاحشة الزنا حيث كان يتحدث بكل استهتار عن علاقاته المحرمة وكيفية تغريره بالفتيات وجرهن إلى ممارسة الرذيلة معه في شقته التي استقبل فيها طاقم البرنامج وجرى فيها تصوير الحلقة ، هذه الحلقة أشعلت حريقاً كبيراً من الغضب في الأوساط الشعبية ، حيث رفعت أكثر من مائتي دعوى لدى المحاكم الشرعية تطالب بمحاكمة هذا المجاهر وكل من شارك معه في هذه الحلقة كما دعت هذه الأصوات إلى مقاطعة القناة والكف عن دعمها وإغلاق مكاتبها .
ولكنهم فوجئوا من الحكم المخفف الذي صدر بحق الجاني وهو السجن خمس سنوات والجلد ، بالإضافة إلى الحكم بجلد الإعلامية 60 جلدة - وأقول مخخف باعتراف الإعلامية نفسها التي فرحت لأن الحكم توقف عند الجلد ولم يصل إلى حد السجن .
ولكن فجاءة الشعب لم تلبث أن تحولت إلى دهشة حينما صدر العفو بحق المذيعة التي شاركت في إعداد هذه الجريمة والترويج لها ، وليس بمستبعد أبداً أن يصدر عفو ملكي بحق المجاهر بالزنا .
هذا القرار رسم علامة تعجب كبيرة حول سياسة التعامل مع الأحكام الصادرة عن القضاء الشرعي ، وعن مدى الاستقلالية التي يتمتع بها .
فلا يخفى أن كل دولة تتباهى باستقلالية القضاء ، وعدم خضوعه للسلطة التشريعية أوالتنفيذية ، وتعمل على سن القوانين والأنظمة التي تعزز من استقلال القضاة لأن ذلك يساهم في الحد من الفساد والعبث بالأنظمة .
فكيف إذا كان الحكم صادراً من محكمة شرعية ومن قضاة ثقاة وفي بلد يحكم الشريعة ؟
كنت أظن أن الدولة _ حفظها الله _ مشغولة بترميم الجسور مع دول الجوار ، ومحاولة إعادة سوريا إلى التحالف العربي ، وكنت أجزم أيضاً بأنها مهمومة بقضية فلسطين وتقرير غولدستون واقتحام اليهود للمسجد الأقصى ، ولا زلت متيقناً بأنها مسكونة بالتهديد الذي يشكله المد الشيعي في المنطقة والذي يحاول أن يطبق علينا من الجنوب بعد أن أحكم الخناق علينا من الشمال .
ولذلك لم أكن أتوقع بأن هذا البرنامج المزدحم بهموم الأمة وقضاياها الكبرى يتسع للنظر في قضية إعلامية مغمورة حكم عليها بالجلد ستين جلدة في قضية عابرة ، ومن قبل قضاة مؤتمنين قد أوكل إليهم مهمة إصدار الأحكام الشرعية وأتمنوا عليها .
فلماذا يزج باسم الملك حفظه الله في كل موضوع ويتم الإساءة إليه في كل قضية ويستحلب منه عفو ملكي عن كل مجرم ، وخاصة إذا كان هذا المجرم ينتسب إلى السلك الإعلامي الذي أصبح أهم في نظرنا من سلك القضاء . أما إن كان المجرم من الجنس الناعم فهنا تكون الكارثة والفضيحة ، فماذا نقول لمنظمات حقوق الإنسان وأين نذهب بوجوهنا من لجان الدفاع عن المرأة وحمايتها من العنف .
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن : إذا كانت المحكمة ليست هي الجهة المصرح لها بالنظر في القضايا المرفوعة ضد الإعلاميين فلماذا يسمح لها - ابتداء - بالنظر في هذه القضية وإصدار الحكم وإذاعته ولماذا لم يتم إحالة القضية مباشرة لوزارة الإعلام حيث أنها هي الجهة المخولة بالنظر في مثل هذه القضايا . هل من الضروري أن نقوم بإحراج جهاز القضاء وإظهار هشاشته وعدم استقلاله وإحراج الدولة أمام العالم حينما يعرض قضاؤها بهذا الضعف .
ولكن دهشتنا ستزول حين نعلم عن التهديدات المبطنة بتصعيد القضية إعلامياً واستعداء وسائل الإعلام الأجنبية والاستقواء بالمنظمات الحقوقية الدولية حيث قالت الإعلامية المتهمة في حوار أجري معها يوم الأحد 25/10/2009: "إنها تجاهلت نحو 100 وسيلة إعلامية أجنبية ووكالات أنباء متعدّدة، من بينها: (رويترز)، و(c n n)، و(b b c)، والإذاعة الفرنسية، والإذاعة الهولندية ، وغيرها الكثير، فضلا عن جمعيات حقوقية ومنظمات دولية، من بينها: (أصدقاء العفو، ولا لتعذيب الصحفيين)". مبيّنة أن رفضها إجراء حوارات مع الإعلام الأجنبي والرد على منظمات حقوقية دولية, يعود إلى حرصها الشديد على ألا تأخذ القضية بُعدا دوليا يسيء إلى المملكة العربية السعودية ) .
مالذي يمكن أن يفهم من ها الكلام سوى التهديد والتخويف والتلويح بهذه المنظمات إذا دعت الحاجة ، ولكن الإعلاميين المحليين رأوا أنه من العيب الاستعانة بالقنوات الأجنبية في قضية وطنية ولديهم الاكتفاء الذاتي ، فقاموا بهذا الدور على أكمل وجه . فبمجرد أن صدر الحكم بالجلد على الإعلامية خرجت لتقول : ( إن كل جلدة هي صفعة في وجه كل إعلامي ) هذه الصرخة لامست أسماع الصحفيين وحركت نخوتهم فهب لها ألف معتصم شاهراً قلمه ليلبي النداء وانهالت عليها الاتصالات المؤيدة والمناصرة على مستويات رفيعة في تحقيق واضح لوصف الله عزوجل ( بعضهم من بعض ) .
وهكذا يتم تهميش هذا الجهاز الكبير وهو ( القضاء) والضرب بأحكامه عرض الحائط ووصف أحكامه بالجائرة الظالمة ، في سلسلة طويلة ممنهجة من تقويض المؤسسات الدينية ابتداء بجهاز الهيئة ثم هيئة كبار العلماء وانتهاء بالقضاء ، رمز قوة الدولة وسيادتها .
وهذا ليس غريباً إذا نظرنا إلى توحد صفوف أهل الباطل وتنسيق جهودهم ، والتنادي فيما بينهم ، في ظل غياب أهل الحق وتفرقهم ، ودعوتهم لعدم الاصطفاف وخشية بعض المثقفين من ( التصنيف ) الذي أصبح في عرفهم تهمة لا تقل عن تهمة الإرهاب .


منقول