تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: هل يشك أحد في سلفية الإمام البخاري!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    8

    افتراضي هل يشك أحد في سلفية الإمام البخاري!

    [JUSTIFY]
    بسم الله الرحمن الرحيم
    هل أحد يجهل علم البخاري وفضل إمامته بالعلم! لا أظن عوام الأعاجم لا يعرفون ذلك، سبب جمعي الآتي أني قرأت في إحدى مشاركات أحد أعضاء هذا الموقع المبارك -إن شاء الله تعالى- من قال عن البخاري والدارمي رحمهما الله تعالى ما يلي: "والبخاري والدارمي من أول من تكلم بالمجاز من أهلالسنة فدخل عليه ما دخل على غيره..."
    و لأن له مكانه في هذا المنتدى وفي غيره لما سودت بيضاء في مثل هذا الموضوع، وإني استغفر الله العظيم كثيرا لما كتبت العنوان، ولما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن أبي نعيم -رحمه الله تعالى-، قال ما نصه (18 / 71):
    ( أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأصبهاني صَاحِبُ كِتَابِ " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " " وَتَارِيخِ أصبهان " " وَالْمُسْتَخْرَ جِ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " و " كِتَابِ الطِّبِّ " " وَعَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " و " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " و " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " و " صِفَةِ الْجَنَّةِ " و " مَحَجَّةِ الْوَاثِقِينَ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ : مِنْ أَكْبَرِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَمِنْ أَكْثَرِهِمْ تَصْنِيفَاتٍ وَمِمَّنْ انْتَفَعَ النَّاسُ بِتَصَانِيفِهِ وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ : ثِقَةٌ ؛ فَإِنَّ دَرَجَتَهُ فَوْقَ ذَلِكَ.)
    وهذا نقول من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- على سلفية وإمامة البخارى -رحمه الله تعالى- ثم أردفتها بترجمة للبخارى -رحمه الله تعالى- من البداية والنهاية.
    مجموع الفتاوى - (12 / 208)
    وَلَكِنَّ أَهْلَ خُرَاسَانَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِأَقْوَالِ أَحْمَد مَا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ الَّذِينَ هُمْ أَخَصُّ بِهِ . وَأَعْظَمُ مَا وَقَعَتْ فِتْنَةُ " اللَّفْظِ " بِخُرَاسَانَ وَتَعَصَّبَ فِيهَا عَلَى الْبُخَارِيِّ - مَعَ جَلَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ - وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ قَامُوا عَلَيْهِ أَيْضًا أَئِمَّةٌ أَجِلَّاءٌ فَالْبُخَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَجَلِّ النَّاسِ . وَإِذَا حَسُنَ قَصْدُهُمْ وَاجْتَهَدَ هُوَ وَهْم أَثَابَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ عَلَى حُسْنِ الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ . وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ أَوْ مِنْهُمْ بَعْضُ الْغَلَطِ وَالْخَطَأِ فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ كُلِّهِمْ ؛ لَكِنَّ مِنْ الْجُهَّالِ مَنْ لَا يَدْرِي كَيْفَ وَقَعَتْ الْأُمُورُ حَتَّى رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَهُمْ عِلْمٌ وَدِينٌ يَقُولُ : مَاتَ الْبُخَارِيُّ بِقَرْيَةِ خرتنك فَأَرْسَلَ أَحْمَد إلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ يَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يُصَلُّوا عَلَيْهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ فِي " مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ " وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْكَذِبِ عَلَى أَحْمَد وَالْبُخَارِيِّ وَكَاذِبُهُ جَاهِلٌ بِحَالِهِمَا . فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ بَعْدَ مَوْتِ أَحْمَد بخمسة عَشَرَ سَنَةً فَإِنَّ أَحْمَد تُوَفِّي سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَكَانَ أَحْمَد مُكْرِمًا لِلْبُخَارِيِّ مُعَظِّمًا . وَأَمَّا تَعْظِيمُ الْبُخَارِيِّ وَأَمْثَالِهِ لَأَحْمَدَ فَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ

    مجموع الفتاوى - (1 / 256)
    فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ مَا يَنْقُلُونَهُ نِزَاعٌ فَهُمْ أتقن فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْحَاكِمِ وَلَا يَبْلُغُ تَصْحِيحُ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ مَبْلَغَ تَصْحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَا يَبْلُغُ تَصْحِيحُ مُسْلِمٍ مَبْلَغَ تَصْحِيحِ الْبُخَارِيِّ بَلْ كِتَابُ الْبُخَارِيِّ أَجَلُّ مَا صُنِّفَ فِي هَذَا الْبَابِ ؛ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ أَعْرَفِ خَلْقِ اللَّهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ مَعَ فِقْهِهِ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا أَعْلَم بِالْعِلَلِ مِنْهُ ...


    مجموع الفتاوى - (4 / 11)

    وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا إنَّمَا نَبُلُوا فِي الْإِسْلَامِ بِاتِّبَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ . وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَأَمْثَالُهُ إنَّمَا نَبُلُوا بِذَلِكَ


    مجموع الفتاوى - (12 / 326)
    وَقَالَ يَحْيَى بْنُ إسْحَاقَ سَأَلْت مُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ عَمَّنْ قَالَ كَلَامُ النَّاسِ لَيْسَ بِمَخْلُوقِ فَقَالَ هَذَا كُفْرٌ . فَهَذِهِ الْآثَارُ وَنَحْوُهَا مِمَّا اعْتَمَدَ عَلَيْهَا الْمَشْهُورُونَ بِالسُّنَّةِ كالمروذي وَالْخَلَّالِ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ بَطَّةَ يَعْتَمِدُ فِي كِتَابِهِ " الْإِبَانَةِ الْكَبِيرِ " عَلَى هَذِهِ الْآثَارِ وَنَحْوِهِمَا . قُلْت : حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ فِي السُّنَّةِ فِي طَبَقَةِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِي وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فِي الزَّمَانِ وَالْإِمَامَةِ بَلْ هُوَ عِنْدَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ أَقْعَدُ بِالسُّنَّةِ مِنْ الثَّوْرِيِّ وَإِنْ كَانَ الثَّوْرِيُّ أَكْثَرُ عِلْمًا مِنْهُ وَزُهْدًا وَعِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَحْفَظُ لِلْحَدِيثِ مِنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَإِنْ كَانَ حَمَّادُ أَشْهَرَ بِالزُّهْدِ وَأَكْثَرَ دُعَاءً إلَى السُّنَّةِ وَهُوَ إمَامُ الْبَصْرَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي كَانَتْ الْبَصْرَةُ فِيهِ مَجْمَعَ عِلْمِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ وَوَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَخُلَفَاءُ الرُّسُلِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ الَّذِي هُوَ عَصْرُ تَابِعِي التَّابِعِينَ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِمْ وَهُمْ مِنْ الْقَرْنِ الثَّالِثِ الْمَمْدُوحِ . وَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ " أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ أَيْضًا وَهُوَ دُونَ حَمَّادِ ابْنِ زَيْدٍ وَقَدْ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَأَمَّا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ " فَفَاتَ الْإِمَامَ أَحْمَد فَقَالَ : فَاتَنِي حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَعَوَّضَنِي اللَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ بْنَ عُلَيَّةَ وَفَاتَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَعَوَّضَنِي اللَّهُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَة . وَأَمَّا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ " فَهُوَ أَحَدُ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَهُوَ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي مَعْرِفَةِ صِحَّتِهِ وَعِلَلِهِ وَرِجَالِهِ وَضَبْطِهِ حَتَّى قَالَ أَحْمَد : مَا رَأَيْت بِعَيْنِي مِثْلَهُ يَعْنِي فِي ذَلِكَ الْفَنِّ وَعَنْهُ أَخَذَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَعَنْ عَلِيٍّ أَخَذَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ صَاحِبُ الصَّحِيحِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي مَعْرِفَةِ عِلَلِ الْحَدِيثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ . وَهَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءُ الْأَئِمَّةُ أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ قَالَ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ وَلَفْظُهُمْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لَمَّا نَبَغَتْ " الْقَدَرِيَّةُ " الْمُبْتَدِعَةُ وَزَعَمُوا أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ : لَا أَقْوَالُهُمْ وَلَا سَائِر أَعْمَالِهِمْ : لَا خَيْرُهَا وَلَا شَرُّهَا ؛ بَلْ يَقُولُونَ : هِيَ مُحْدَثَةٌ أَحْدَثَهَا الْعَبْدُ وَلَيْسَتْ مَخْلُوقَةً لِأَحَدِ أَوْ يَقُولُونَ : الْعَبْدُ خَلَقَهَا كَمَا أَنَّهُ أَحْدَثَهَا ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ يَتَنَازَعُونَ فِي إثْبَاتِ....


    مجموع الفتاوى - (12 / 332)
    ثُمَّ لَمَّا حَدَثَتْ بِدْعَةُ " اللَّفْظِيَّةِ " احْتَجَّ أَئِمَّةُ ذَلِكَ الْعَصْرِ فِي جُمْلَةِ مَا احْتَجُّوا بِهِ بِكَلَامِ أُولَئِكَ السَّلَفِ مِثْلِ الْبُخَارِيِّ الْإِمَامِ صَاحِبِ " الصَّحِيحِ " وَمِثْلِ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِي الْإِمَامِ صَاحِبِ الْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَخَلْقٍ كَثِيرٍ فِي زَمَنِهِ وَمَثَلِ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ وَنَحْوِهِ . فَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ أَوْ صِفَاتُهُ الْمُتَعَلِّقَة ُ بِصِفَاتِ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ بِمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَصِفَاتِهِمْ مَخْلُوقَةٌ

    مجموع الفتاوى - (12 / 352)
    وَلِهَذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ يَعْلَمُونَ مَقْصُودَهُمْ وَأَنَّ غَرَضَهُمْ التَّعْطِيلُ وَأَنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ وَ " الزِّنْدِيقُ " الْمُنَافِقُ . وَلِهَذَا تَجِدُ مُصَنِّفَاتِ الْأَئِمَّةِ يَصِفُونَهُمْ فِيهَا بِالزَّنْدَقَةِ كَمَا صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَد " الرَّدُّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّة " وَكَمَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ آخَرَ كِتَابِ الصَّحِيحِ بِ " كِتَابُ التَّوْحِيدِ وَالرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّة " وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَقُولُ : إنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّة


    مجموع الفتاوى - (12 / 364)
    وَكَذَلِكَ أَيْضًا افْتَرَى بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْبُخَارِيِّ الْإِمَامِ صَاحِبِ " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَجَعَلُوهُ مِنْ " اللَّفْظِيَّةِ " حَتَّى وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ : مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذهلي وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَكَانَ فِي الْقَضِيَّةِ أَهْوَاءٌ وَظُنُونٌ حَتَّى صَنَّفَ " كِتَابَ خَلْقِ الْأَفْعَالِ " وَذَكَرَ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي قدامة عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ : مَا زِلْت أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ : أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ . وَذَكَرَ فِيهِ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كِتَابِهِ " الصَّحِيحِ " مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ وَيُنَادِي بِصَوْتِ . وَسَاقَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْآثَارِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ





    مجموع الفتاوى - (12 / 433)
    وَالْبُخَارِيُّ لَمَّا اُبْتُلِيَ " بِاللَّفْظِيَّة ِ الْمُثْبِتَةِ " ظَهَرَ إنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي تَرَاجِمِ آخِرِ " كِتَابِ الصَّحِيحِ " وَكَمَا فِي " كِتَابِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ " مَعَ أَنَّهُ كَذَّبَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَأَظُنُّهُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ .
    مجموع الفتاوى - (12 / 530)
    ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِ الكَرَّامِيَة - والكَرَّامِيَة يَنْتَسِبُونَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ - وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَخْتَارُ قَوْلَ الكَرَّامِيَة أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَنَاقُضٍ آخَرَ ؛ بَلْ يَقُولُ بِقَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ : كَالْبُخَارِيِّ وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدارمي وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَة وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ السَّلَفِ

    مجموع الفتاوى - (16 / 385)
    وَبِهَذَا يُجِيبُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ للكرامية إذَا قَالُوا : " الْمُحْدَثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إحْدَاثٍ ؟ " .........






    البداية والنهاية - (11 / 30)
    الْبُخَارِيُّ صَاحِبُ " الصَّحِيحِ ".
    وَقَدْ ذَكَرْنَا لَهُ تَرْجَمَةً حَافِلَةً فِي أَوَّلِ شَرْحِنَا " لِصَحِيحِهِ "، وَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا نُبْذَةً يَسِيرَةً مِنْ ذَلِكَ، فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ بَرْدِزَبَهَ، وَيُقَالُ: بَذْدِزَبَهَ، الْجُعْفِيُّ مَوْلَاهُمْ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ الْحَافِظُ، إِمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي زَمَانِهِ، وَالْمُقْتَدَى بِهِ فِي أَوَانِهِ، وَالْمُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ أَضْرَابِهِ وَأَقْرَانِهِ، وَكِتَابُهُ " الصَّحِيحُ " يُسْتَسْقَى بِقِرَاءَتِهِ الْغَمَامُ، وَأَجْمَعَ عَلَى قَبُولِهِ وَصِحَّةِ مَا فِيهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ.
    وُلِدَ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَنَشَأَ فِي حِجْرِ أُمِّهِ، فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ حِفْظَ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي الْمَكْتَبِ، وَقَرَأَ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ وَهُوَ صَبِيٌّ سَبْعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ سَرْدًا. وَحَجَّ وَعَمُرُهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ يَطْلُبُ بِهَا الْحَدِيثَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى سَائِرِ مَشَايِخِ الْحَدِيثِ فِي الْبُلْدَانِ الَّتِي أَمْكَنَهُ الرِّحْلَةُ إِلَيْهَا، وَكَتَبَ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ شَيْخٍ، وَرَوَى عَنْهُ خَلَائِقُ وَأُمَمٌ.
    وَقَدْ رَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنِ الْفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَ " الصَّحِيحَ " مِنَ الْبُخَارِيِّ مَعِي نَحْوٌ مَنْ تِسْعِينَ أَلْفًا، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرِي.
    وَقَدْ رُوِيَ " الْبُخَارِيُّ " مِنْ طَرِيقِ الْفِرَبْرِيِّ - كَمَا هِيَ رِوَايَةُ النَّاسِ الْيَوْمَ مِنْ طَرِيقِهِ - وَحَمَّادِ بْنِ شَاكِرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ، وَطَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيُّ النَّسَفِيُّ، وَقَدْ تُوُفِّيَ النَّسَفِيُّ هَذَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَة ٍ، وَوَثَّقَهُ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا. وَمِمَّنْ رَوَى عَنِ الْبُخَارِيِّ مُسْلِمٌ فِي غَيْرِ " الصَّحِيحِ "، وَكَانَ مُسْلِمٌ يُتَلْمِذُ لَهُ وَيُعَظِّمُهُ، وَرَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ "، وَالنَّسَائِيُّ فِي " سُنَنِهِ " فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ.
    وَقَدْ دَخَلَ بَغْدَادَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا يَجْتَمِعُ بِالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَيَحُثُّهُ أَحْمَدُ عَلَى الْمُقَامِ بِبَغْدَادَ، وَيَلُومُهُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِخُرَاسَانَ.
    وَقَدْ كَانَ الْبُخَارِيُّ يَسْتَيْقِظُ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ نَوْمِهِ فَيُورِي السِّرَاجَ، وَيَكْتُبُ الْفَائِدَةَ تَمُرُّ بِخَاطِرِهِ ثُمَّ يُطْفِئُ سِرَاجَهُ، ثُمَّ يَقُومُ مَرَّةً أُخْرَى حَتَّى كَانَ يَتَعَدَّدُ ذَلِكَ مِنْهُ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً.
    وَقَدْ كَانَ أُصِيبَ بَصَرُهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَرَأَتْ أُمُّهُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَى وَلَدِكِ بَصَرَهُ بِكَثْرَةِ دُعَائِكِ، أَوْ قَالَ: بُكَائِكِ. فَأَصْبَحَ وَهُوَ بَصِيرٌ.
    وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فَكَّرْتُ الْبَارِحَةَ فَإِذَا أَنَا قَدْ كَتَبْتُ فِي مُصَنَّفَاتِي نَحْوًا مِنْ مِائَتَيْ أَلْفِ حَدِيثٍ مُسْنَدَةً. وَكَانَ يَحْفَظُهَا كُلَّهَا.
    وَدَخَلَ مَرَّةً إِلَى سَمَرْقَنْدَ فَاجْتَمَعَ بِهِ أَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بِهَا، فَرَكَّبُوا لَهُ أَسَانِيدَ وَأَدْخَلُوا إِسْنَادَ الشَّامِ فِي إِسْنَادِ الْعِرَاقِ، وَخَلَطُوا الرِّجَالَ فِي الْأَسَانِيدِ، وَجَعَلُوا مُتُونَ الْأَحَادِيثِ عَلَى غَيْرِ أَسَانِيدِهَا، ثُمَّ قَرَءُوهَا عَلَى الْبُخَارِيِّ، فَرَدَّ كُلَّ حَدِيثٍ إِلَى إِسْنَادِهِ، وَقَوَّمَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ وَالْأَسَانِيدَ كُلَّهَا، وَمَا تَعَلَّقُوا عَلَيْهِ بِسَقْطَةٍ فِي إِسْنَادٍ وَلَا فِي مَتْنٍ. وَكَذَلِكَ صَنَعَ بِمِائَةِ مُحَدِّثٍ فِي أَهْلِ بَغْدَادَ.
    وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيَحْفَظُ مَا فِيهِ مِنْ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْأَخْبَارُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ.
    وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ عُلَمَاءُ زَمَانِهِ مِنْ شُيُوخِهِ وَأَقْرَانِهِ؛ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: لَمْ يَرَ الْبُخَارِيُّ مِثْلَ نَفْسِهِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: لَوْ كَانَ فِي زَمَنِ الْحَسَنِ لَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِ بِالْحَدِيثِ وَفِقْهِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ: لَا أَعْلَمَ مِثْلَهُ. وَقَالَ مَحْمُودُ بْنُ النَّضْرِ أَبُو سَهْلٍ الشَّافِعِيُّ: دَخَلْتُ الْبَصْرَةَ وَالشَّامَ وَالْحِجَازَ وَالْكُوفَةَ، وَرَأَيْتُ عُلَمَاءَهَا كُلَّمَا جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ فَضَّلُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ: كَتَبَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى الْبُخَارِيِّ:

    وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِينَ تُفْتَقَدُ


    الْمُسْلِمُونَ بِخَيْرٍ مَا حَيِيتَ لَهُمْ


    وَقَالَ الْفَلَّاسُ: كُلُّ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُهُ الْبُخَارِيُّ فَلَيْسَ بِحَدِيثٍ. وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: هُوَ فَقِيهُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَكَذَا قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَهُ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ عَلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ.
    وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: رُحِلَ إِلَيَّ مِنْ شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا، فَمَا رَحَلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى: فَضْلُ الْبُخَارِيِّ عَلَى الْعُلَمَاءِ - يَعْنِي فِي زَمَانِهِ - كَفَضْلِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ. وَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّرَامِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ أَفْقَهُنَا وَأَعْلَمُنَا وَأَغْوَصُنَا وَأَكْثَرُنَا طَلَبًا.
    وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: هُوَ أَبْصَرُ مِنِّي. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ الْعِرَاقَ. وَقَالَ عُبَيْدٌ الْعِجْلِيُّ: رَأَيْتَ أَبَا حَاتِمٍ وَأَبَا زُرْعَةَ يَجْلِسَانِ إِلَيْهِ يَسْتَمِعَانِ مَا يَقُولُ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمٌ يَبْلُغُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ بِكَذَا وَكَذَا، وَكَانَ دَيِّنًا فَاضِلًا يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَسْأَلُ الْبُخَارِيَّ عَنِ الْأَسَامِي وَالْكُنَى وَالْعِلَلِ، وَهُوَ يَمُرُّ فِيهِ كَالسَّهْمِ، كَأَنَّهُ يَقْرَأُ: {ö@è%uqèdª!$#îymr&ÇÊÈ} الْإِخْلَاصِ: 1 #.
    وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدُونَ الْقَصَّارُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ جَاءَ إِلَى الْبُخَارِيِّ فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: دَعْنِي حَتَّى أُقَبِّلَ رِجْلَيْكَ يَا أُسْتَاذَ الْأُسْتَاذِينَ ، وَسَيِّدَ الْمُحَدِّثِينَ ، وَطَبِيبَ الْحَدِيثِ فِي عِلَلِهِ. ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ، فَذَكَرَ لَهُ عِلَّتَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ مُسْلِمٌ: لَا يُبْغِضُكَ إِلَّا حَاسِدٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالْعِرَاقِ وَلَا بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى الْعِلَلِ وَالتَّارِيخِ وَمَعْرِفَةِ الْأَسَانِيدِ أَعْلَمَ مِنَ الْبُخَارِيِّ. وَكُنَّا يَوْمًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيرٍ، فَقَالَ لِلْبُخَارِيِّ: جَعَلَكَ اللَّهُ زَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فَاسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِ.
    وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ. وَلَوْ ذَهَبْنَا نُسَطِّرُ مَا أَثْنَى عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَعِلْمِهِ وَفِقْهِهِ وَوَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَتَبَحُّرِهِ لَطَالَ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ عَلَى عَجَلٍ مِنْ أَجْلِ الْحَوَادِثِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي أَوَّلِ شَرْحِ " الصَّحِيحِ "، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُسْتَعَانُ.
    وَقَدْ كَانَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي غَايَةِ الْحَيَاءِ وَالشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ وَالْوَرَعِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا دَارِ الْفَنَاءِ، وَالرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ دَارِ الْبَقَاءِ. قَالَ: أَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُطَالِبُنِي أَنِّي اغْتَبْتُهُ. فَذُكِرَ لَهُ " التَّارِيخُ " وَمَا ذَكَرَ فِيهِ مِنَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ هَذَا، قَالَ النَّبِيُّ r {ائْذَنُوا لَهُ، فَلَبِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ}وَ َحْنُ إِنَّمَا رَوَيْنَا ذَلِكَ رِوَايَةً، وَلَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا.
    وَقَدْ كَانَ -رَحِمَهُ اللَّهُ - يُصَلِّي فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ خَتْمَةً، وَكَانَتْ لَهُ جِدَةٌ وَمَالٌ جَيِّدٌ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا، وَكَانَ يُكْثِرُ الصَّدَقَةَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَكَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، مُسَدَّدَ الرَّمْيَةِ، شَرِيفَ النَّفْسِ؛ بَعَثَ إِلَيْهِ بَعْضُ السَّلَاطِينِ لِيَأْتِيَهُ حَتَّى يَسْمَعَ أَوْلَادُهُ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ، إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ ذَلِكَ فَهَلُمُّوا إِلَيَّ، وَأَبَى أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِمْ - وَهُوَ خَالِدُ بْنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ، نَائِبُ الظَّاهِرِيَّةِ بِبُخَارَى - فَبَقِيَ فِي نَفْسِ الْأَمِيرِ مِنْ ذَلِكَ؛ فَاتَّفَقَ أَنْ جَاءَهُ كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ مِنْ نَيْسَابُورَ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ بِأَنَّ لَفْظَهُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ - وَكَانَ وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ الْبُخَارِيِّ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ، وَصَنَّفَ الْبُخَارِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابَ " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " - فَأَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ النَّاسَ عَنِ السَّمَاعِ مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يُعَظِّمُونَهُ جِدًّا، وَحِينَ رَجَعَ إِلَيْهِمْ نَثَرُوا عَلَى رَأْسِهِ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ يَوْمَ دَخَلَ بُخَارَى عَائِدًا إِلَى أَهْلِهِ، وَكَانَ لَهُ مَجْلِسُ الْإِمْلَاءِ بِجَامِعِهَا، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنَ الْأَمِيرِ، فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِنَفْيِهِ مِنَ الْبِلَادِ، فَخَرَجَ مِنْهَا وَدَعَا عَلَى خَالِدِ بْنِ أَحْمَدَ، فِلَمْ يَمْضِ شَهْرٌ حَتَّى أَمَرَ ابْنُ طَاهِرٍ بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدِ بْنِ أَحْمَدَ عَلَى أَتَانٍ، وَزَالَ مُلْكُهُ وَسُجِنَ فِي بَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَاعِدَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا ابْتُلِيَ بِبَلَاءٍ شَدِيدٍ. فَنَزَحَ الْبُخَارِيُّ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بَلْدَةٍ يُقَالُ لَهَا: خَرْتَنْكُ. عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْدَ فَنَزَلَ عِنْدَ أَقَارِبَ لَهُ بِهَا، وَجَعَلَ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ حِينَ رَأَى الْفِتَنَ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: {وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَتَوَفَّنَا إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ}.
    ثُمَّ اتَّفَقَ مَرَضُهُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ، وَكَانَتْ لَيْلَةَ السَّبْتِ، عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ - وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، وَفْقَ مَا أَوْصَى بِهِ، وَحِينَ دُفِنَ فَاحَتْ مِنْ قَبْرِهِ رَائِحَةُ غَالِيَةٍ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، فَدَامَ ذَلِكَ أَيَّامًا، ثُمَّ عَلَتْ سَوَارٍ بَيْضٌ مُسْتَطِيلَةٌ بِحِذَاءِ قَبْرِهِ. وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَ مَاتَ -رَحِمَهُ اللَّهُ - ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً.
    وَقَدْ تَرَكَ -رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَهُ عِلْمًا نَافِعًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَمَلُهُ فِيهِ لَمْ يَنْقَطِعْ بَلْ هُوَ مَوْصُولٌ بِمَا أَسْدَاهُ مِنَ الصَّالِحَاتِ فِي الْحَيَاةِ؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r {إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ، مِنْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ}الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
    وَشَرْطُهُ فِي " صَحِيحِهِ " هَذَا أَعَزُّ مِنْ شَرْطِ كُلِّ كِتَابٍ صُنِّفَ فِي " الصَّحِيحِ "، لَا يُوَازِيهِ فِيهِ غَيْرُهُ، لَا " صَحِيحُ مُسْلِمٍ " وَلَا غَيْرُهُ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُ الْفُصَحَاءِ مِنَ الشُّعَرَاءِ:
    صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ لَوْ أَنْصَفُوهُ
    هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْهُدَى وَالْعَمَى
    أَسَانِيدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ
    بِهَا قَامَ مِيزَانُ دِينِ الرَّسُولِ
    حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لَا شَكَّ فِيهِ
    وَسِتْرٌ رَقِيقٌ إِلَى الْمُصْطَفَى
    فَيَا عَالِمًا أَجْمَعَ الْعَالِمُونَ
    سَبَقْتَ الْأَئِمَّةَ فِي مَا جَمَعْتَ
    نَفَيْتَ الضَّعِيفَ مِنَ النَّاقِلِينَ
    وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيبِهِ
    فَأَعْطَاكَ مَوْلَاكَ مَا تَشْتَهِيهِ













    لَمَا خُطَّ إِلَّا بِمَاءِ الذَّهَبْ
    هُوَ السَّدُ بَيْنَ الْفَتَى وَالْعَطَبْ
    أَمَامَ مُتُونٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ
    وَدَانَ بِهِ الْعُجْمُ بَعْدَ الْعَرَبْ
    تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَا وَالْغَضَبْ
    وَنَصٌّ مُبِينٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ
    عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ
    وَفُزْتَ عَلَى زَعْمِهِمْ بِالْقَصَبْ
    وَمَنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِالْكَذِبْ
    وَتَبْوِيبِهِ عَجَبًا لِلْعَجَبْ
    وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيمَا وَهَبْ




    وفق الله الجميع إلى ما يحب ويرضى
    [/JUSTIFY]

  2. #2

    افتراضي رد: هل يشك أحد في سلفية الإمام البخاري!

    بارك الله فيك أخي الكريم
    ترجمة مؤثرة تضوع منها رائحة طيبة
    فأين نحن منه ؟؟
    وأين هو منا ؟؟
    لو تطاول أحدنا ما بلغ حذو نعليه !!
    فلا حول ولا قوة إلا بالله
    تَصْفُو الحَياةُ لجَاهِلٍ أوْ غافِلٍ ... عَمّا مَضَى فيها وَمَا يُتَوَقّعُ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    15

    افتراضي رد: هل يشك أحد في سلفية الإمام البخاري!

    أحسنت، أحسن الله إليك..

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    الإمارات
    المشاركات
    546

    افتراضي رد: هل يشك أحد في سلفية الإمام البخاري!

    جزاكم الله خيرا ووفقكم لمرضاته ورحم الله الإمام البخاري ورفع درجته في عليين ورزقه ربي الفردوس الأعلى بغير حساب ...
    الذنوب جراحات ورُب جرح وقع في مقتل وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله وأبعد القلوب من الله القلب القاسي

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    المشاركات
    429

    افتراضي رد: هل يشك أحد في سلفية الإمام البخاري!

    لاحظ أخى أن مصطلح السلفية لم يوجد فى زمن البخارى و الدرمى رحمهما الله
    فهما من هؤلاء السلف الذين ننتسب نحن إليهم ؟! فى مواجهة الصوفية و الأشعريه
    أما هما فكانا من أهل الحديث فى مواجة أهل الرأى و المتكلمون و أهل القدر
    حسنا
    تتغير الأسماء و المراد واحد
    بارك الله فيك

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •