إخواني المالكية اقبلوني مالكيا جديدا بينكم ![Smile](images/smilies/smile.png)
بسم الله الرحمن الرحيم.
إخواني، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رأيت ما جرى بين إخواني من حوار، والظاهر أنّ النقاش قد أخرجهم من التعليق على كلام محقق الكتاب، إلى محاولة بيان موقف المالكية من السدل.
وقد ذكر أحد إخواننا أنّ ذلك هو المشهور من مذهب مالك.
والصحيح – والله أعلم – أنّ رواية بن القاسم هي التّي شَهَّرت هذا القول، لأنّ رواية المدونة مقدمة على غيرها عند المتأخرين كما هو معروف.
ولأجل ذلك أحببت أن تكون لي مشاركة في هذا الموضوع، أدرس فيها مع إخواني هذه الرواية، حتى نصل إلى بيان معناها إن شاء الله.
أولا: لفظ المدونة في المسألة.
جاء في المدونة الكبرى (1/ 74) ما نصه:
الاعتماد في الصلاة والاتكاء ووضع اليد على اليد.
قال: وسألت مالكاً عن الرجل يصلي إلى جنب حائط، فيتكئ على الحائط ؟ قال: أما في المكتوبة فلا يعجبني، وأما في النافلة فلا أرى بذلك بأساً.
قال ابن القاسم: والعصا تكون في يده بمنزلة الحائط.
قال: وقال مالك: إن شاء اعتمد وإن لم يعتمد، وكان لا يكره الاعتماد، وقال في ذلك على قدر ما يرتفق به، فلينظر ما هو أ رفق به فليصنعه.
قال: وقال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الفريضة.
قال: لا أعرف ذلك في الفريضة، ولكن في النوافل إذا طال القيام، فلا بأس بذلك يعين به على نفسه.
سحنون عن ابن وهب عن سفيان الثوري عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة.
هذه عبارة المدونة بتمامها.
ولقد تتدوال الشُّراح والمختصرون على هذه العبارة، فمنهم من حذف شيئاً منها فتغير معناها، وفَهِم بعضهم منها كراهيةَ وضع اليمين على الشّمال في المكتوبة، واختلفوا في سببها على أقوال، وانتهوا إلى ما حكاه صاحب المختصر في قوله:
(وهل يجوز القبض في النفل أو إن طول، وهل كراهته في الفرض للاعتماد أو خيفة اعتقاد وجوبه، أو إظهار خشوع، تأويلات) (مختصر خليل، ص: 24).
وإذا أراد شخص أن يفهم كلاماً فهماً صحيحاً، موافقاً لغرض المتكلم به، فلينظر إلى دلالة السياق والسباق.
فبمراعاة هاتين الدلالتين يظهر مراد المتكلم ظهوراً بَيِّناً، وتَصِحُّ نسبته إليه نسبةً صحيحة.
وإذا تأملنا عبارة المدونة مع ملاحظة السياق وجدناها معنونة بعنوان: (الاعتماد في الصلاة والاتكاء ووضع اليد على اليد).
وجرى الكلام فيها عن المصلي يتكئ على حائط، وعن العصا تكون في يده أنهّا بمنزلة الحائط، وعن الاعتماد في الصلاة عموماً، وقول مالك: إن شاء اعتمد وإن شاء لم يعتمد، الخ كلامه.
فَهِم منه بعض شرَّاح المدونة كراهة وضع اليمنى على اليسرى في المكتوبة، وهذا باطل لوجهين:
أحدهما: أن سياق الكلام وموضوع البحث الاعتماد والاتكاء في الصلاة، فإدخال حكم الكراهة هنا يأباه السياق ولا يقبله، إذ يصير تقدير الكلام على هذا الفهم الباطل:
وقال مالك: إن شاء اعتمد وإن شاء لم يعتمد، وكان لا يكره الاعتماد، وقال في ذلك على قدر ما يرتفق به، فلينظر ما هو أرفق به فليصنعه، وقال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الفريضة، قال: لا أعرف ذلك الوضع في الفريضة من سننها فهو مكروه.
والكلام على هذا التقدير يكون في غاية الرَّكاكة، لأنه لا رابط يربط بين الاعتماد في الصلاة وبين الحكم على القبض بالكراهة.
والثاني: أن مالكاً يعرف القبض مشروعاً في الصلاة، وروى فيه حديثين في الموطأ، فكيف يقول هنا: لا أعرفه ؟. عجيب.
وهذا لا يليق بمقام مالك، ولا يصح أن يفهم من كلامه أو ينسب إليه.
قال أحد الشيوخ المغاربة: فالمعنى الذّي أراده مالك بقوله: (لا أعرف ذلك في الفريضة) أي لا أعرف الاعتماد على القبض في الفريضة؛ لأنه يُفعَل استناناً فيكره قصد الاعتماد معه أيضاً.
يؤيد هذا قوله: (ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك) أي بقصد الاعتماد يعين به على نفسه؛ لأن النوافل يتوسع فيها.
هذا، ولقد رأيت لأحد الشناقطة في كتاب مواهب الجليل من أدلة خليل (1/ 193)، توجيهاً آخر لكلام المدونة، فأراد أن يجمع بين رواية مالك لوضع اليمنى على اليسرى في الموطأ، وقوله في المدونة لا أعرفه، حيث قال: أنّ هناك فرقاً بين الوضع، والقبض، وما سُئِل عنه مالك في المدونة هو القبض، فمالك لا يعرف رواية القبض، أمّا ما رواه في موطئه فهو الوضع والله تعالى أعلم.
تقبلوا تحياتي إخواني.