1ـ حديث أبي موسى رضي الله عنه.
أما حديث أبي موسى فقال الترمذي رحمه اللّه: حدثنا علي بن حجر، أخبرنا شريك بن عبد اللّه، عن أبي إسحاق (ح) وحدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن أبي إسحاق (ح) وحدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق (ح) وحدثنا عبد اللّه بن أبي زياد، حدثنا زيد بن حباب، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن أ[ي بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه : ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
قال الترمذي: وحديث أبي موسى حديث فيه اختلاف.
ثم بين هذا الاختلاف وأطال في الكلام عليه، وسأذكر كلامه مفصلاً في مواضع من هذا البحث، وأختصر منه ما يتم به بيان هذا الاختلاف فأقول: لقد روى هذا الحديث عن أبي بردة عن أبيه من ثلاثة طرق.
أحدها: طريق أبي إسحاق وقد اشتهر عنه، واختلف عليه في وصلخ وإرساله.
فرواه إسرائيل ومن تابعه عن أ[ي إسحاق عن أ[ي بردة عن أ[يه متصلاً.
ورواه شعبة والثوري عن أ[ي إسحاق عن أ[ي بردة مرسلاً.
ثانيها: طريق يونس بن أبي إسحاق وقد اختلف فيه على يونس، فرواه أبو عبيدة عبد الواحد الحداد عن يونس عن أبي بردة عن أبيه، وتابعه أسباط بن محمد وقبيصة بن عقبة.
ورواه زيد بن حباب عن يونس عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه، وتابعه عيسى بن يونس والحسن بن قتيبة على ذكر إبي إسحاق، واختلافهم على يونس لا يضر، لأنه لقي أبا بردة وسمع منه، فلا مانع من روايته له على الوجهين.
وثالثها: طريق أبي حصين عن أبي بردة عن أبيه.
ونحن نذكر بعون اللّه وحسن توفيقه هذه الطرق والمتابعات مفصلة، ونذكر ما وقفنا عليه من أقوال العلماء في هذا الحديث.
الطريق الأول:
أما طريق أبي إسحاق فقال الإمام أحمد رحمه اللّه:
حدثنا وكيع وعبد الرحمن عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول اللّه : ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
وقال الدارمي: أخبرنا مالك بن إسماعيل ثنا إسرائيل به( ).
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وما علمت على إسرائيل خلافاً في وصله لهذا الحديث، وقد رواه عنه غير واحد من الثقات.
قال أبو عبد اللّه الحاكم: فأما إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق الثقة الحجة في حديث جده أبي إسحاق فلم يختلف عنه في وصل هذا الحديث.
ثم أخرجه من طرق عن النضر بن شميل وهاشم( ) بن القاسم وعبيد اللّه بن موسى ومالك بن إسماعيل وأحمد بن خالد الوهبي وطلق بن غنام كلهم عن إسرائيل، به.
وقال: هذه الأسانيد كلها صحيحة( ).
قلت: وقد رواه عن إسرائيل جماعة غير هؤلاء منهم محمد بن قدامة بن أعين وعبد اللّه بن رجاء ويزيد بن هارون وغيرهم( ).
وقد تابع إسرائيل عن أبي إسحاق على وصله شريك بن عبد اللّه وقيس بن الربيع وزهير بن معاوية وأبو عوانة ويونس بن أبي إسحاق فيما رواه عنه بعض أصحابه، ونحن نذكر هذه المتابعات بأسانيدها.
المتابعات:
1ـ أما متابعة شريك بن عبد اللّه فقال الدارمي رحمه اللّه:
حدثنا علي بن حجر، أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي قال: ((لانكاح إلا بولي)) ( ).
قلت: وشريك سمع من أبي إسحاق قديماً كما قال الإمام أحمد.
وقال عثمان الدارمي: قلت ليحيى بن معين: شريك أحب إليك في أبي إسحاق أو إسرائيل قال: شريك أحب إليّ وهو أقدم، وإسرائيل صدوق، قلت: يونس بن أبي إسحاق أحب إليك أو إسرائيل قال: كل ثقة( ).
2ـ وأما متابعة قيس بن الربيع فقال الطحاوي رحمه اللّه:
حدثنا فهد قال: حدثنا محمد بن الصلت الكوفي (ح) وحدثنا أحمد بن داود قال: حدثنا أبو الوليد قالا: حدثنا قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى أن النبي قال: ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
وكذلك أخرجه البيهقي من طريق شبابة ومن طريق أبي الوليد كلاهما عن قيس بن الربيع به( ).
3ـ وأما متابعة زهير بن معاوية فقال ابن الجارود رحمه اللّه:
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا عمرو بن عثمان الرقي قال: حدثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه : ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
وكذلك أخرجه البيهقي من طريق أبي الأزهر أحمد بن الأزهر، عن عمرو بن عثمان عن زهير به( ).
قال البيهقي: تفرد به عمرو.
قلت: يعني عن زهير وهو ضعيف، لكن له عنه أحاديث صالحة كما قال ابن عدي.
4ـ وأما متابعة أبي عوانة فقال ابن ماجة رحمه اللّه:
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا أبو عوانة حدثنا أبو إسحاق الهمداني، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه : ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
قلت: ورجاله رجال الشيخين غير محمد بن عبد الملك فهو من رجال مسلم، وقد تابعه أبو داود وأبو الوليد الطيالسيان وقتيبة بن عسيد وسعيد بن منصور وغير واحد من الثقات عن أبي عوانة، عن أبي إسحاق( ).
وخالفهم مُعلّى بن منصور فقال: عن أبي عوانة عن إسرائيل، عن أبي إسحاق.
ورواه مرة فقال: عن أبي عوانة عن أبي إسحاق، فذكر الحديث.
وفي آخره قال مُعلّى: ثم قال لي أبو عوانة بعد ذلك: لم أسمعه من أبي إسحاق بيني وبينه إسرائيل( ).
قلت: قد صرح أبو عوانة أن أبا إسحاق حدثه به كما رواه ابن ماجة عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب عنه( ).
وقد تابعه جماعة من الثقات فلم يذكر أحد منهم هذا القول غير مُعلّى وحده.
ومُعلّى وإن كان ثقة فقد تكلم فيه الإمام أحمد قال الميموني عنه: ما كتبت عن مُعلّى شيئاً قط، وكذا قال الأثرم عنه، وقال أبو طالب عن أحمد: كان يحدث بما وافق الرأي وكان كل يوم يخطئ في حديثين وثلاثة، وقال أبو حاتم الرازي: قلت لأحمد: كيف لم تكتب عن مُعلّى قال: كان يكتب الشروط، ومن كتبها لم يخل من أن يكذب( ).
5ـ وأما متابعة يونس بن أبي إسحاق، فقد تقدم أن الترمذي رواه عن عبد اللّه بن أبي زياد، عن زيد بن حباب، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق.
وكذلك رواه عيسى بن يونس عن أبيه، عن جده أبي إسحاق، وكذا رواه الحسن بن قتيبة عن يونس عن أبي إسحاق، كذا أخرجه الحاكم من طريق قتيبة.
وأخرجه البيهقي عن شيخه أبي عبد اللّه الحاكم كذلك، ثم أخرجه عن شيخه أبي زكريا بن أبي إسحاق بهذا الإسناد فأسقط منه أبا إسحاق، وسيأتي تفصيل هذا الاختلاف وبيانه فيما بعد.
قال البيهقي بعد ما رواه من رواية الحاكم الآنفة الذكر: كذا قال "عن أبي إسحاق"، وكذلك رواه حجاج بن محمد وزيد بن الحباب عن يونس، وكذلك قاله عيسى بن يونس، عن أبيه، عن أبي إسحاق.
ثم قال: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ أنبأنا مكرم بن أحمد بن مكرم القاضي ببغداد أنبأنا أبو الوليد محمد بن أحمد بن برد الأنطاكي، ثنا الهيثم بن جميل الأنطاكي، ثنا عيسى بن يونس، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه : ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
قلت: وممّا تقدم يتبين لنا أن أكثر أصحاب إسحاق وصلوا هذا الحديث عنه عن أبي بردة، عن أبيه، كما وصله غير هؤلاء ممّن رواه عن أبي إسحاق فقد قال الحاكم:
وقد وصل هذا الحديث عن أبي إسحاق جماعة من أئمة المسلمين غير من ذكرناهم منهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت ورَقْبَةُ بن مصقلة العبدي ومطرف بن طريف الحارثي وعبد الحميد بن الحسن الهلالي وزكريا بن أبي زائدة وغيرهم قد ذكرناهم في الباب( ).
قلت: وقد أطلت البحث عن هذه الروايات فلم أقف على شيء منها إلا رواية أبي حنيفة فقد رواه عن أبي إسحاق عن أبي بردة، عن أبيه بمثل رواية الجماعة( ).
مرسل شعبة والثوري:
وأما مرسل شعبة والثوري فقال الطحاوي رحمه اللّه:
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبي أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)).
حدثنا ابن مرزوق قال: حدثنا أبو عامر ـ هو العقدي ـ قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبي مثله( ).
وكذلك رواه عبد الرزاق، عن الثوري به( ).
وستأتي رواية أبي داود الطيالسي، عن شعبة( ).
قلت: وقد رُوي عنهما موصولاً، قال ابن الجارود رحمه اللّه:
حدثنا أبو بكر حمدان بن محمد بن رجاء بن السعدي ومحمد بن زكريا الجوهري قالا: حدثنا أبو كامل الفضيل( ) بن الحسين قال: حدثنا بشر بن منصور قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي قال: ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
وكذلك رواه الطحاوي عن يزيد بن سنان، عن أبي كامل به( ).
قلت: وهذا إسناد لا مطعن في رجاله( )، ولكن المحفوظ عن سفيان المرسل.
وأخرجه ابن حزم من طريق البزار قال: حدثنا محمد بنموسى الحرشي( )، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي قال: ((لا نكاح إلا بولي))( ).
قلت: ومحمد بن موسى الحرشي ليّن كما قال الحافظ في التقريب.
وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق سليمان بن داود ـ هو الشاذكوني ـ حدثنا النعمان بن عبد السلام، عن شعبة وسفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى أن رسول اللّه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
قال الحاكم: قد جمع النعمان بن عبد السلام بين الثوري وشعبة في إسناد هذا الحديث ووصله عنهما، والنعمان بن عبد السلام ثقة مأمون، وقد رواه جماعة من الثقات عن الثوري على حدة، وعن شعبة على حدة فوصلوه، وكل ذلك مخرج في الباب الذي سمعه مني أصحابي، فأغني ذلك عن إعادتهما.
وقال البيهقي: تفرد به سليمان بن داود الشاذكوني عن النعمان بن عبد السلام،وقد روي عن مؤمل بن إسماعيل وبشر بن منصور عن الثوري موصولاً، وعن يزيد بن زريع عن شعبة موصولاً، والمحفوظ عنهما غير موصول، والاعتماد على ما مضى من رواية إسرائيل ومن تابعه في وصل الحديث واللّه أعلم.
قلت: أما رواية بشر بن منصور فتقدمت، وكذلك رواية يزيد بن زريع، وأما رواية مؤمل فلم أقف عليها، وهذا يدل على أنه تابع بشراً عن سفيان على وصله.
وقد أخرجه الخطيب في تاريخه من طريق إسماعيل بن عمر القطريلي، حدثنا خالد بن عمرو الأموي قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه فذكره( ).
قلت: وخالد بن عمرو رماه ابن معين بالكذب، ونسبه صالح جزرة وغيره إلى الوضع، كذا قال الحافظ في التقريب.
وأخرجه الخطيب أيضاً في موضعين آخرين من تاريخه كلاهما من طريق الفضل بن عبد اللّه الهروي، حدثنا مالك بن سليمان، حدثنا شعبة وإسرائيل، فذكره موصولاً( ).
قال الذهبي: الفضل بن عبد اللّه بن مسعود اليشكري الهروي عن مالك بن سليمان روى العجائب.
وقال أيضاً: مالك بن سليمان الهروي قاضي هراة عن إسرائيل وشعبة وغيرهما، قال العقيلي: فيه نظر، وكذا قال السليماني وضعفه الدارقطني( ).
رأي الإمام الطحاوي:
قال الإمام الطحاوي بعد أن ذكر حديث عائشة "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها..." من طريق عن الزهري، عن عروة عنها وأطال في تعليله وتأويله قال: واتحج أهل المقالة الأولى أيضاً لقولهم ـ يعني من احتج بحديث عائشة ـ بما حدثنا... ثم ساقه من طريق إسرائيل موصولاً ثم قال: فكان من الحجة عليهم في ذلك أن هذا الحديث على أصلهم أيضاً لا تقوم حجة، وذلك أن من هو أثبت من إسرائيل وأحفظ منه ـ مثل سفيان وشعبة ـ وقد رواه عن أبي إسحاق منقطعاً ثم ساقه من طريق شعبة وسفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة مرسلاً ثم قال: فصار أصل هذا الحديث عن أبي بردة عن النبي برواية شعبة وسفيان وكل واحد منهما عندهم حجة على إسرائيل فكيف إذا اجتمعا جميعاً.
قال الطحاوي: فإن قالوا: فإن أبا عوانة قد رواه مرفوعاً كما رواه إسرائيل وذكروا في ذلك ما حدثنا فهد...ثم ساقه من طريق أبي عوانة عن أبي إسحاق موصولاً ثم قال: قيل لهم: قد روي عن أبي عوانة هذا كما ذكرتم ولكنا نظرنا في أصل ذلك فإذا هو عن أبي عوانة عن إسرائيل عن أبي إسحاق فرجع حديث أبي عوانة أيضاً إلى حديث إسرائيل، ثم ساقه من طريق مُعلّى بن منصور الرازي عن أبي عوانة كذلك، ثم قال: فانتفى أن يكون عند أبي عوانة في هذا عن أ[ي إسحاق شيء.
قال الطحاوي: فإن قالوا: فإنه قد رواه قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق أيضاً كما رواه إسرائيل وذكروا في ذلك ما حدثنا فهد...ثم أخرجه من طريق قيس بن الربيع عن أبي إسحاق موصولاً ثم قال: قيل لهم: صدقتم قد رواه قيس كما ذكرتم وقيس عندهم دون إسرائيل فإذا انتفى أن يكون إسرائيل مضاداً لسفيان وشعبة كان قيس أحرى أن لا يكون مضاداً لهما.
قال: فإن قالوا: فإن بعض أصحاب سفيان قد رواه عن سفيان مرفوعاً كما رواه إسرائيل وقيس وذكروا في ذلك ما حدثنا يزيد بن سنان...ثم ذكره من طريق بشر بن منصور، عن سفيان موصولاً كما تقدم ثم قال: قيل لهم: قد صدقتم قد روى هذا بشر بن منصور عن سفيان كما ذكرتم ولكنكم لا ترضون من خصمكم بمثل هذا أن تحتجوا( ) عليه بما رواه بعض أصحاب سفيان أو أكثرهم عنه على معنى ويحتج هو عليكم بما رواه بشر بن منصور عن سفيان بما يخالف ذلك المعنى وتعدون المحتج عليكم بمثل هذا جاهلاً بالحديث، فكيف تسوغون أنفسكم على مخالفكم ما لا( ) يسوغونه عليكم؟ إن هذا لجور بيّن( ).اهـ
وقبل الجواب عن هذا التعليل ينبغي أن يلاحظ عليه ما يأتي:
أولاً: لم يذكر رواية شريك ولا رواية زهير ولا رواية يونس، ولم يجب على هذه الروايات كما أجاب عن روايات إسرائيل وأبي عوانة وقيس وبشر بن منصور عن سفيان، وهذا يوهم أنه لم يروه متصلاً غير هؤلاء فكان يلزمه الجواب عنها.
ثانياً: وقد ذكر أن من هو أثبت من إسرائيل وأحفظ منه مثل سفيان وشعبة وقد رواه عن أبي إسحاق منقطعاً، وهذا يوهم أنه قد رواه غيرهما فأرسله، وليس الأمر كذلك.
مناقشة الإمام الطحاوي:
وبعد أن ذكرت كلام الطحاوي بتمامه على هذا البحث اتضح لي أن أناقشه في أربع فقرات:
الفقرة الأولى: قوله فكان من الحجة عليهم أن هذا الحديث على أصلهم لا تقوم به حجة وذلك أن من هو أحفظ من إسرائيل وأثبت منه قد رواه عن أبي إسحاق منقطعاً ـ إلى قوله ـ فصار أصل هذا الحديث عن أبي بردة عن النبي برواية شعبة وسفيان وكل واحد منهما عندهم حجة على إسرائيل فكيف إذا اجتمعا( ).
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
1ـ زيادة الثقة مقبولة، وإسرائيل ثقة بل هو ثبت في أبي إسحاق.
2ـ وتابعه غير واحد من الثقات كما تقدم منهم الإمام أبو حنيفة، فهل له أن يرد رواية إمامه أو ينتقص من قدره.
3ـ ومع ذلك فقد روي هذا الحديث من غير طريق أبي إسحاق وهو طريق متصل كما سيأتي.
الفقرة الثانية:
قوله ((قد روى عن أبي عوانة هذا كما ذكرتم ولكنا نظرنا في أصل ذلك فإذا هو عن أبي عوانة عن إسرائيل عن أبي إسحاق...)).
أقول: قد تقدم أنه لم يروه عن أبي عوانة هكذا غير مُعلّى بن منصور الرازي وأن الثقات خالفوه في ذلك فلم يذكروا أنه رواه عن إسرائيل وأن أبا عوانة صرح بسماعه من أبي إسحاق وأن الإمام أحمد ترك الرواية عن معلى لكثرة خطئه في الحديث.
الفقرةالثالثة:
قوله: ((قد رواه قيس كما ذكرتم وقيس عندهم دون إسرائيل فإذا انتفى أن يكون إسرائيل مضاداً لسفيان ولشعبة كان قيس أحرى أن لا يكون مضاداً لهما)).
الجواب عن هذه الفقرة هو:
1ـ نحن لا ننكر أن قيساً عندنا دون إسرائيل وأن إسرائيل أيضاً عندنا دون شعبة وسفيان، ولكن إسرائيل أثبت عندنا في أبي إسحاق من جميعا أصحابه.
قال محمد بن مخلد: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة والثوري.
وقال حجاج (بن محمد): قلنا لشعبة حدثنا حديث أبي إسحاق قال: سلوا عنها إسرائيل فإنه أثبت فيها مني( ).
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: إسرائيل ثقة متقن من أتقن أصحاب أبي إسحاق( ).
2ـ وقد ذكرنا في الجواب على الفقرة الأولى أن أكثر أصحاب أبي إسحاق قد رواه موصولاً، وسنذكر فيما بعد عدة أمور معتبرة لترجيح الوصل على الإرسال.
الفقرة الرابعة:
قوله: ((فإن قالوا: فإن بعض أصحاب سفيان قد رواه عن سفيان مرفوعاً كما رواه إسرائيل وقيس ـ إلى قوله ـ قيل لهم: قد صدقتم قد روى هذا بشر بن منصور عن سفيان كما ذكرتم، إلى آخر كلامه.
فالجواب عنه من وجوه:
1ـ ليست حجتنا ما رواه بشر بن منصور عن سفيان، ولكن ما رواه إسرائيل وغير واحد عن أبي إسحاق.
2ـ ورواية بشر إنما هي موافقة لروايات كثيرة موصولة فهي أيضاً صالحة للاحتجاج بها، وقد توبع بشر عن سفيان كما تقدم.
3ـ وكما أسلفت فإن الاعتماد في هذا الحديث على طرقه وشواهده الكثيرة وعلى تصحيح من صححه من أئمة الحديث وحفاظه كالبخاري والترمذي والذّهلي وابن المديني وغيرهم.
هل الراجح الوصل أو الإرسال؟
والذي يراه البخاري والترمذي ترجيح الوصل، فقد سئل البخاري عن حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي قال: ((لا نكاح إلا بولي)) فقال: الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل بن يونس ثقة، وإن كان شعبة والثوري أرسلاه فإن ذلك لا يضر الحديث( ).
وقال الترمذي: رواية هؤلاء الذي رووا عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي ((لا نكاح إلا بولي)) عندي أصح، لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة وإن كان شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث، فإن رواية هؤلاء عندي أشبه لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد ومما يدل على ذلك ما حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود قال: أنبأنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا بردة يقول قال رسول اللّه ((لا نكاح إلا بولي)) فقال: نعم، فدل هذا الحديث على أن سماع شعبة والثوري عن أبي إسحاق( ) هذا الحديث في وقت واحد، وإسرائيل هو ثبت في أبي إسحاق سمعت محمد بن المثنى يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني إلا لما اتكلت به على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم( ).اهـ
قلت: وحديث شعبة الذي استدل به الترمذي على أن سماعهما من أبي إسحاق وقع في مجلس واحد أخرجه البيهقي من طريق الحسن بن سفيان قال: سمعت أبا كامل الفضيل بن الحسين يقول: حدثنا أبو داود، عن شعبة فذكره وزاد في آخره: قال الحسن: ولو قال عن أبيه لقال نعم( ).
قلت: ويستخلص مما تقدم أمور:
الأول: أن البخاري والترمذي يرجحان الوصل على الإرسال.
الثاني: أن ابن مهدي يقدم إسرائيل في أبي إسحاق على سفيان الثوري.
الثالث: أن الذين وصلوه جماعة وقد سمعوه من أبي إسحاق من لفظه في أوقات مختلفة.
الرابع: أن سماع شعبة وسفيان لهذا الحديث من أبي إسحاق كان في مجلس واحد،وهذا السماع ليس من لفظ أبي إسحاق وإنما كان عرضا عليه من سفيان وشعبة يسمع بخلاف رواية الجماعة فإنها محمولة على السماع من لفظه كما صرح به أبو عوانة قال: حدثنا أبو إسحاق، فلا شك أن رواية الجماعة أولى بالترجيح.
الخامس: أن هذا الحديث رواه يونس بن أبي إسحاق عن أبيه ويونس قديم السماع من أبي إسحاق، ورواه إسرائيل كذلك عن جده أبي إسحاق وهو من أثبت الناس في حديثه حتى قال ابن مهدي: إنه يحفظ كما يحفظ الحمد، ولا شك أن آل الرجل أعلم بحديثه من غيرهم.
ولذلك فإن الراجح في نظري هو الوصل، كما ذهب إليه البخاري والترمذي.
الطريق الثاني:
وأما طريق يونس بن أبي إسحاق فقال الإمام أحمد رحمه اللّه: حدثنا عبد الواحد الحداد قال: حدثنا يونس، عن أبي بردة، عن أبي موسى أن النبي قال: ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط بن محمد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه (ح) ( ) ويزيد بن هارون قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه قال: قال رسول اللّه : ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
قلت: وهذا إسناد صحيح، لأن يونس تابع أباه على روايته، عن أبي بردة، عن أبيه كما ترى، ولأن أبا عبيدة ـ وهو عبد الواحد بن واصل الحداد ـ قد رواه عن يونس، وتابعه عليه أسباط بن محمد وهما ثقتان.
ثم وجدت لهما متابعاً ثالثاً قال ابن الجارود رحمه اللّه: حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا قبيصة ـ وهو ابن عقبة ـ قال: حدثنالا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اله : ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
وكذلك أخرجه الحاكم منطريق محمد بن سهل بن عسكر به وزاد قال ابن عسكر: فقال لي قبيصة بن عقبة: جاءني علي بن المديني فسألني عن هذا الحديث فحدثته به فقال علي بن المديني: قد استرحنا من خلاف أبي إسحاق( ).
قال الحاكم: لست أعلم بين أئمة هذا العلم خلافاً على عدالة يونس بن أبي إسحاق وأن سماعه من أ[ي بردة مع أبيه صحيح، ثم لم يختلف على يونس في وصل هذا الحديث، ففيه الدليل الواضح أن الخلاف الذي وقع على أبيه فيه من جهة أصحابه لا من جهة أبي إسحاق واللّه أعلم.
قلت: لكن قد ذكر الترمذي أنه قد روي عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي ( ) يعني مرسلاً.
ولكن لم أقف على من رواه عنه هكذا، ولا على من ذكر ذلك غير الترمذي.
وقد رواه أبو عبيدة وأسباط بن محمد وقبيصة بن عقبة عن يونس عن أبي بردة عن أبيه متصلاً، ورواه عيسى بن يونس وزيد بن حباب وحجاج بن محمد عن يونس عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه متصلاً، وقد ذكرنا روايتهم مفصلة إلا رواية حجاج فلم أقف عليها وإنما أشار إليها البيهقي كما تقدم، وقد اختلف فيه على الحسن بن قتيبة كما سأذكره قريباً.
وقد ذكر الترمذي أمراً آخر وهو قوله: ورواه أسباط بن محمد وزيد بن حباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي .
قلت: أما رواية زيد بن حباب فهي كذلك، وقد أخرجها الترمذي نفسه كما سبق، وأما رواية أسباط بن محمد فليس فيها ذكر أبي إسحاق فقد رواها أحمد عنه عن يونس عن أبي بردة عن أبيه وقد تقدمت، وكذلك أخرجها الحاكم وعنه البيهقي من طريق الحسن بن محمد بن الصباح عن أسباط وسأذكر هذه الرواية بسندها.
قال الحاكم رحمه اللّه: أخبرنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه، قال: حدثنا الحارث بن محمد قال: حدثنا الحسن بن قتيبة قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق.
وأخبرني أبو قتيبة سلم( ) بن الفضل الآدمي بمكة قال: حدثنا القاسم بن زكريا المقرئ قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصبّاح قال: حدثنا أسباط بن محمد( ) قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه : ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
وكذلك رواه البيهقي عن الحاكم به قوال: وهذا بخلاف رواية أبي زكريا عن أحمد بن سلمان، وكأن شيخنا أبا عبد اللّه حمل حديث ابن قتيبة على حديث أسباط، فحديث أسباط كذلك رواه أبو بكر بن زياد عن الحسن بن محمد الصبّاح دون ذكر أبي إسحاق فيه.
قلت: ورواية أبي زكريا التي قال البيهقي أنها تخالف رواية أبي عبد اللّه الحاكم أخرجها البيهقي قبلها بأسطر فقال:
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال: أنبأنا أحمد بن سلمان الفقيه قال: حدثنا الحارث بن محمد قال: حدثنا الحسن بن قتيبة قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه : ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
ويستخلص مما تقدم أن البيهقي روى هذا الحديث عن شيخيه أبي زكريا وأبي عبد اللّه كلاهما عن أحمد بن سلمان عن الحارث بن محمد عن الحسن بن قتيبة عن يونس، فأبو زكريا قال: عن أبي إسحاق والحاكم لم يذكره ثم اتفقا عن أبي بردة عن أبيه.
وكأن البيهقي يرجح رواية أبي زكريا على رواية أبي عبد اللّه، ولذلك اعتذر عن شيخه أبي عبد اللّه بقوله: وكأنّ شيخنا أبا عبد اللّه حمل حديث ابن قتيبة على حديث أسباط يعني أن الحاكم أسند حديث الحسن عن يونس ثم أسند حديث أسباط عن يونس عن أبي بردة عن أبيه فذكره ولم يميز حديث الحسن بذكر أبي إسحاق فيه وإنما أدرجه مع حديث أسباط.
أما أبو زكريا فرواه عن شيخ الحاكم بنفس الإسناد عن الحسن بن قتيبة عن يونس عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه ولم يتعرض لحديث أسباط فلعله حفظه هذا ما يستفاد من قول البيهقي.
ولست أرى أن الترجيح لإحدى الروايتين على الأخرى إلا إذا وجدت من رواه عن الحسن من غير هذا الطريق، وقد أطلت البحث فلم أجده من طريق آخر وعلى كل حال فالحديث محفوظ عن يونس على الوجهين كما تقدم ذكره.
ولا شك أن يونس بن أبي إسحاق لقي أبا بردة وسمع منه، وممّا يدل على ذلك ما رواه الدارمي بسند صحيح قال رحمه اللّه: أخبرنا أبو نعيم قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال: حدثني أبو بردة بن أبي موسى عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه : ((تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فقد أذنت وإن أبت لم تكره)) ( ).
قلت: فقد صرح يونس بسماعه من أبي بردة كما ترى فلا مانع من روايته لحديث "لا نكاح إلا بولي" تارة عن أ[ي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه، وتارة عن أبي بردة عن أبيه( ).
الطريق الثالث:
قال الحاكم رحمه اللّه:
وممّن وصل هذا الحديث عن أبي بردة نفسه أبو حَصِين( ) عثمان بن عاصم الثقفي، حدثناه أبو علي الحافظ قال: أنبأنا أبو يوسف يعقوب بن خليفة بن حسان الأيلي بالأيلة، وصالح بن أحمد بن يونس وأبو العباس الأزهري قالوا: حدثنا أبو شيبة( ) بن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا خالد بن يزيد الطبيب قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه : ((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم موثقون، أبو شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة قال أبو حاتم: صدوق، وقال الخليلي: كان ثقة روى عنه الحفاظ، وقال مسلمة بن قاسم: كوفي ثقة، وأغرب بن القطان فزعم أنه ضعيف، وكأنّه اشتبه عليه بجده، وذكر البيهقي في السنن حديثاً من طريقه وقال: الحمل فيه على أبي شيبة فيما أظن، ووهم في ذلك وكأنه ظنّه جده إبراهيم بن عثمان فهو المعروف بأبي شيبة أكثر ممّا يعرف بها هذا وهو الضعيف( ).
وخالد بن يزيد الطبيب أبو الهيثم المقرئ قال أبو حاتم: صدوق، وقال يعقوب بن سفيان: كان ثقة، وقال الحاكمعن الدارقطني: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ ويخالف( ).
وأبو بكر بن عياش مشهور بكنيته والأصح أنها اسمه، ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح وروايته في مقدمة مسلم( ).
وأبو حصين عثمان بن عاصم بن حصين ثقة ثبت سني وربما دلس( ).
أقوال العلماء في هذا الحديث
قال الترمذي في العلل:
حديث أبي بردة عن أبي موسى عندي واللّه أعلم أصح، وإن كان سفيان الثوري وشعبة لا يذكران فيه عن أبي موسى، لأنه قد دل في حديث شعبة أن سماعهما جميعاً في وقت واحد، وهؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى سمعوا في أوقات مختلفة.
وقال : يونس بن أبي إسحاق قد روى هذا عن أبيه، وقد أدرك يونس بعض مشايخ أبيه فهو قديم السماع وإسرائيل قد رواه وهو أثبت أصحاب أبي إسحاق بعد شعبة والثوري( ).
وقال الحاكم في المستدرك:
سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول: سمعت صالح بن محمد بن حبيب الحافظ يقول: سمعت علي بن عبد اللّه المديني يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان إسرائيل يحفظ حديث أبي إسحاق كما يحفظ الحمد.
سمعت أب الحسن بن منصور يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: سمعت أبا موسى ـ هو ابن المثنى ـ يقول: كان عبد الرحمن بن مهدي يثبت حديث إسرائيل عن أبي إسحاق ـ يعني في النكاح بغير ولي ـ .
حدثني محمد بن عبد اللّه الشيباني، ثنا أحمد بن محمد بن الحسن ثنا حاتم بن يونس الجرجاني قال: قلت لأبي الوليد الطيالسي: ما تقول في النكاح بغير ولي؟ فقال: لا يجوز، قلت: ما الحجة في ذلك؟ فقال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه، قلت: فإن الثوري وشعبة يرسلان؟ قال: فإن إسرائيل قد تابع قيساً.
حدثني محمد بن صالح بن هانيء ثنا محمد بن المنذر بن سعيد ثنا إسحاق بن إبراهيم بن جبلة سمعت علي بن المديني يقول: حديث إسرائيل صحيح في "لا نكاح إلا بولي".
سمعت أبا الحسن بن منصور يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق الإمام يقول: سألت محمد بن يحيى عن هذا الباب فقال: حديث إسرائيل صحيح عندي فقلت له: رواه شريك أيضاً فقال: من رواه؟ فقلت: حدثنا به علي بن حجر وذكرت له حديث يونس عن أبي إسحاق وقلت له: رواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أ[ي بردة عن النبي قال: نعم هكذا روياه، ولكنهم كانوا يحدثون بالحديث فيرسلونه حتى يقال لهم: عمن؟ فيسندونه( ).اهـ
الخلاصة:
وخلاصة القول أن حديث أبي موسى حديث صحيح متصل لا يقدح في صحته الإرسال لأمور أذكر منها:
1ـ لقد رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه متصلاً وهو ثبت في أبي إسحاق بل هو أثبت فيه من شعبة والثوري كما قال ابن مهدي وقال أيضاً: كان يحفظ حديث أبي إسحاق كما يحفظ الحمد.
2ـ وقد وثقه البخاري وقبل زيادته فقال: زيادة الثقة مقبولة، وإسرائيل بن يونس ثقة وإن كان شعبةوالثوري أرسلاه فإن ذلك لا يضر الحديث والبخاري مقدم على غيره في معرفة هذا الفن.
3ـ ولقد تابع إسرائيل على وصله لهذا الحديث جماعة من الثقات فتابعه شريك بن عبد اللّه وقد سمع من أبي إسحاق قديماً كما قال الإمام أحمد، وتابعه كذلك أبو عوانة وهو ثقة، وقد صرح بسماعه من أبي إسحاق فلا يضره ما أعله به الطحاوي من أنه لم يسمعه منه.
4ـ ولقد سمع هؤلاء وغيرهم هذا الحديث من أبي إسحاق في مجالس متعددة، بينما سمعه منه شعبة وسفيان في مجلس واحد، فدل ذلك على أن سماعهم أولى بالترجيح كما أشار إليه الترمذي.
5ـ ولقد رواه يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى متصلاً وسماعه من أبي بردة صحيح، وقد قال ابن المديني لما بلغه حديث يونس عن أبي بردة عن أبيه: قد استرحنا من خلاف أبي إسحاق.
فإن قيل: يونس قد رواه عن أبي إسحاق أيضاً؟.
قلنا: نعم قد صح عندنا عن يونس على الوجهين، وذلك لا يضر.
6ـ ولقد وصله أبو حصين عن أبي بردة عن أبيه فهذا طريق ليس فيه اختلاف وسنده حسن.
7ـ ولقد حكم لهذا الحديث بالصحة غير واحد من الأئمة الحفاظ فقد صححه الذهلي وابن المديني وأثبته ابنمهدي واحتج به أبو الوليد الطيالسي ورجّح البخاري والترمذي تصحيحه، وصححه بعد هؤلاء ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم.