التحقيقات المسروقة
السرقةُ داءٌ قديم ، يقدِم عليها من كان في نفسِهِ مرض والمتسلق وطالب الشهرة ، مِن دون وازعٍ من ضمير أو خُلُق ، وقد استغلَّ عددٌ من السّراق قِدَم طبعة الكتاب فعمدوا إلى إعادة طبع تلك الكتب بأسمائهم ، ومما يؤسف له انعدام وجود قوانين تحمي المحقق والكتاب من السطو الفكري، وقد أدى هذا إلى ظهور السرقات العلمية بكثرة كاثرة ، ولعلَّ أشدها كان في لبنان ( دار صادر ) ثم مصر.
ولعلَّ من أشهر تلك السرقات ما قام به د. محمد نبيل طريفي ، عندما نشر ( ديوان الكميت بن زيد ) ببيروت ، 2000م ، وكان قد سبق أنْ حققه داود سلّوم في النجف الأشرف ،1969م ، ثم في بيروت1997م ، و ( شرح هاشميات الكميت ) الصادر في بيروت 1984 و 1986م .
وقد ألّف فيه د. داود سلوم كتاباً برأْسهِ سمّاهُ : ( السرقات الفنية للآثار الأدبية – سرقات الدكتور محمد نبيل طريفي أنموذجاً ) ، وصدر ببغداد 2005م ، وفيه أَثبت أنّ طريفي تابعه حتى في تسلسل القوافي واستعمال المصادر ، من دون ذكرها في قائمة المصادر ، مع نقله شرح النصوص والتخريج واختلاف الروايات ، وأكَّد أنه سرق منه 700 نصّ ، في 1115 بيتاً ، وفي نقله ( الهاشميات ) أهمل هوامشَ التحقيق والأرقام الداخلية الدالَّة عليه ، وكانت 1200 هامش ، ثم اقترح أنْ يُرشّح في بلدهِ لجائزة نوبل في السرقة .
وقبل هذا سرقَ ( ديوان النمر بن تولب ) الذي جمعه وحقّقه د. نوري حمودي القيسي ، بعد أنْ صحَّح بعض أخطائه ، وأضاف إليه ثلاثة أبيات فقط ،و(ديوان النمر بن تولب )، ضمن : شعراء إسلاميون.وكذلك ديوان طهمان الكلابي الذي حققه المرحوم د. محمد جبار المعيبد ، إذ ضمّه إلى كتابه ( ديوان اللصوص ) الصادر في بيروت ، من دون أدنى أشارة إلى جهد محققه .
وكان بإمكانه – بدلاً من هذين العملين المسروقين – أنْ يكتبَ مقالين نقديين في مجلةٍ دورية ، يذكر فيها تصحيحاته وإِضافاته ، لا أنْ يَسِمَ العملين باسمهِ .
وحقق عبد الله الجبوري كتاب ( تصحيح الفصيح ) لابن درستويه ( ت347هـ ) ، وطبع الجزء الأول منه ببغداد 1975م ، على مخطوطة عارف حكمت ، وأشار في مقالٍ له
إلى نشرة د. محمد بدوي المختون : ( تصحيح الفصيح وشرحه ) الصادرة في القاهرة 1998م ، وكانت مقدمة المحقق مؤرخة في سنة 1976 ، وفيه رجع إلى نسخة عارف حكمت مع نسخة ناقصة من مخطوطة جستربتي .
وحقَّق عبد المنعم أحمد صالح ديوان الحماسة برواية الجواليقي ببغداد ، 1980م ، ثم أغار على هذه النشرة أحمد حسن بسام ، وصدر عن دار الكتب العلمية ، ببيروت 1988م ، في 462 صحيفة ، بعد أنْ سطا على التحقيق كله .
أما ( شرح جمل الزجاجي ) لابن عصفور الذي حققه صاحب أبو جناح بجزءين 1981م ، فقد سطا عليه فواز الشعار الذي ( وضع حواشيه ) كسابقه ، وكان بإشراف
د. إميل بديع يعقوب ، وصدر عن دار الكتب العلمية نفسها بثلاثة أجزاء عام 1998م .
وبخصوص ( حماسة الظرفاء ) للعبدلكاني فقد حقق جزأين منها محمد جبار المعيبد ببغداد ، ولم يصدر الثالث على الرّغم من أنه قد أتَمَّ تحقيقهُ ، ثم قام خليل عمران المنصور بِلَصِّ التحقيق كاملاً – مع مصادره النادرة – من دون إشارة إلى المعيبد ، ونشر الجزء الثالث معه ، بدار الكتب العلمية أيضاً ، بيروت 1422هـ /2002م، ، ومما يؤكد هذا كثرة الشروح والتخريجات اللواتي في الجزءين اللذين أصدرهما المعيبد سلفًا ، في حين أنّ الجزء الذي (حققه) المنصور كان فقيراً جداً بها.
وهذه الدار كانت قد سرقت كذلك ( شرح القصائد التسع المشهورات ) للنّحاس
( ت338هـ ) بتحقيق أحمد خطاب العمر ، الصادر ببغداد 1393هـ ، وحقق د. زهير غازي زاهد ( إعراب القرآن ) للنحاس في بغداد وعالم الكتب البيروتية ، وسرق جهده عبد المنعم خليل في نشرته الصادرة عن الدار نفسها 2001م .
وتعرَّض شاكر العاشور إلى سرقةٍ علمية ، حين أقدمت إحدى الطالبات السوريات على سرقةِ جهده : ( ديوان سويد بن أبي كاهل ) في رسالة ماجستير ، نالت به الدرجة العلمية .
وحقَّقَ محمَّد عبد اللطيف جبارة ( متخيّر الألفاظ ) لأحمد بن فارس ، في رسالته للماجستير ، من كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 1969م ، وقد رجعَ هلال ناجي إلى هذا التحقيق واستفاد منه ومن تخريجاته ومقدمته وجهده في البحث عن الدرس اللغوي عند ابن فارس ، وصدر في 5 / 12 / 1970م ، وتُنظر الصفحات 63 – 67 من الرسالة ، وينظر القسم الثالث من رسالة الطالب : 63- 77 وفيه كلام عن أهمِّ المسائل النحوية التي تبيِّن منهج ابن فارس، بتحقيق هلال ، في مجلة (اللسان العربي): 372-375 وسوى ذلك كثير ، وكذلك التخريجات ... وقد أوضح الطالب المقابلة السيئة التي قابله بها هلال ناجي .
ومن السرقات في الاستدراك ما استدركهُ هلال ناجي عام 1993م على عملهِ
( شعر الببغاء ) ، إذ أورد ثماني عشرة قطعة ، ثم تبيَّن أنّ خمسَ عشرةَ قطعةً من هذا المستدرَك سلخها من مجموعِ شعرٍ للشاعر نفسه قام به د. سعود عبد الجابر، قطر ، 1983م ، من دون أدنَى إشارة إليه .
ونشر هلال مستدركًا على شعر العتّابي في 19 بيتًا في مجلة الكتاب البغدادية عام 1975م ، ثم زاده إلى 293 بيتاً بعد صدور مستدركي زكي ذاكر العاني في مجلة المورد ،مج 13 ، ع 3 ، 1984م ، ود. نوري القيسي في مجلة المجمع العلمي العراقي ، مج 41 ، ع1 ، 1990م ، ولكنَّه لم يُشِر إليهما عند صُنعهِ استدراكِهِ في بيروت 1998م، وكذلك الحال مع مستدركهِ على ديوان ديك الجن مجلة العرب ، جمادى الآخرة ، 1971م : 1056 – 1062 ، ثم في كتابه : هوامش تراثية 109 – 114 ، ثم في مجلة الكتاب ، ع 5 ، س 8 ، أيار ، 1974م : 6 – 17 ، ونشرت مستدركات في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق لمحمد يحيى زين الدين عام 1976م ، ومصباح غلاونجي عام 1985 ، و خير الدين شمسي عام 1986م ، إذ أخذها هلال ناجي – من دون إشارة إليهم - في : المستدرك على صناع الدواوين : 1 / 326 – 379 .
وكان نوري حمودي القيسي قد نشر مقالاً استدراكيًا مهمًّا في مجلة المجمع العلمي العراقي عام 1990م على عدد من الشعراء من مخطوطة كتاب ( الدر الفريد ) لابن أيدمر، ولكن ظهر باسم هلال ناجي في الطبعة الثانية من كتاب ( المستدرك على صناع الدواوين ) وقد لاحظتُ أن مقال القيسي ذاك لم يرد في هذا الكتاب ، وقد فعل هذا بعد وفاة القيسي في
1 / 11 / 1994م .
ونشر هلال ناجي ( ديوان الناشئ الأكبر ) في مجلة المورد عام 1982م ، وسبقهُ إلى ذلك مزهر السوداني في مجلة كلية التربية ، ع 1 ، 1979م ، 1979م ، لكن هلالاً لم يصرِّح به ، برغم وجود أدلة قاطعة على نقلِهِ منه ، ومنها وقوع السودانيّ في خطأ تحديد وزن النتفة الفائية رقم 68 بأنّها من السريع ، وتابعه هلال ، والصحيح أنها من الكامل ، وأورد السوداني بيتاً برقم 34 ، وأعاده في النتفة 105 ، ففعل هلال مثله وأعاد البيت المكرر مع شرحه ، وهذا ديدنه في جميع أعمالِهِ .
هذه السرقات كان يظنّ أصحابها أنهُم في منأىً من المُساءَلة ، وأنّ أسماءهم الرنّانة ستحميهم من الفضيحة ، وما ذكرته أمثلة قليلة ، ونحن للصوص بالمرصاد .