« ارتكاز الفكر النحوي على الحديث والأثر في كتاب سيبويه »
أهدى فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمود فجّال المكتبة العربية كتابًا طالَ انتظاره ، أعاد فيه إلى الذاكرة ذلك التراث الخالد المتمثّل في كتاب إمام النحاة ( سيبويه ) .
فكتاب سيبويه أوّل مرحلة من مراحل تدوين الفكر النحوي . ويضرب به المثلُ في البحث والتعمّق والإحاطة .و« سيبويه» مفخرة النحاة ، ولا نحوٌ من دون سيبويه . وكتابه يزهو بالأحاديث والآثار . وقد اتفق النّحاة على أن سيبويه اعتمد في احتجاجه على الأصول الآتية :
1 - القرآن الكريم بجميع قراءاته . 2 – كلام العرب من شعر ونثر .
3 – القياس ، ويعدّ من الأسس في دراسة الفكر النحوي .
وقد قالوا : النحو كلّه قياس ، ومن أنكره فقد أنكر النحو .
أمّا الحديث النبوي فقد قال « ابن الضائع » : إنّ سيبويه ترك الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث ، واعتمد في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب . ثمّ جاء تلميذه « أبو حيّان » وسلك دربه ، وقال : إنّ « ابن مالك » خالف سيبويه في استدلاله بالأحاديث على إثبات القواعد الكليّة في لسان العرب ، وتبعهما على ذلك كثير من علماء العربية . وهناك من المعاصرين من رفض الاحتجاج بالحديث النبوي .
ويصرّح الأستاذ الدكتور محمود فجّال بأنّه قد سبر غورَ كتاب سيبويه فوجده بعد القراءة والتنقيب مملوءًا بالأحاديث والآثار ، من كلمة أو كلمتين أو جملة ، كما أحسَّ أن أسلوبه يتّسم بأسلوب أهل الحديث حينما يقول : حدّثني فلان . ويتحدّى جميع المانعين للاستشهاد بالحديث النبوي في النحو العربي اقتداءً بسيبويه - في زعمم - أن يأتوا بنصّ لسيبويه فيه تصريح أو تلميح بأنه يرفض الاحتجاج بالحديث في النحو .
قال أ.د. محمود فجال : و« أنا لم أر لسيبويه تصريحًا أو تلويحًا برفض الاحتجاج بالحديث والأثر.
نعم سيبويه لم يرفع قولًا إلى النبي ، وهذا شأنه في الشعر أيضًا ، فإنّه لا ينسب الشعر إلى قائله ، وما نراه من نسبة الشعر فهو لـ« الجرمي » ، وسبب ذلك يعود إلى أمانة سيبويه وثقته؛ لذا كَرِهَ أن يذكر الشاعر ، لأنّ بعض الشعر يُروَى لشاعرين، وكره أن يرفع حديثًا خشيَة أن يكون الحديث مرويًّا بعدّة روايات ، ويأتي مثل شيخه في الحديث « حمّاد بن سلمة » ويقول له : أخطأت يا سيبويه ».
ثم يعود الدكتور محمود فجّال ليقول : « إنّ سيبويه احتجّ بالحديث والأثر في إثبات الفكر النحوي كقوله: (ونخلع ونترك من يفجرك)، وقوله : ( شاهداك ) ، وجاء في الحديث : ﴿شاهداك أو يمينه ﴾ ، و( مرحبًا وأهلًا ) من قول الصحابية له . وقوله : (تربت يداك ) ، وقوله : ( فداءٌ لك أبي وأمّي ) ، وقوله : (لبّيك وسعديك ) ، وقوله : ( اللهُ أكبرُ دعاءُ الحق ) ، وقوله : ( لا ينبغي لأحد أن يقول : مُطرنا بنوء كذا ) ، وقوله : ( لا حول ولا قوّة إلّا بالله ) ، وقوله : ( كيف أنت ) ، وقوله : (كلّ مولود يولد على الفطرة ... ) ، وقوله: ( لبيك إنّ الحمدَ والنّعمة لك ) ، وقوله : ( إنّ الله ينهاكم عن قيل وقال ) ، وقوله لحُذيفة ررر: ( يا نومانُ ) ، وقوله : (سبّوحًا قدّوسًا ربَّ الملائكة والروح) ، وقوله : ( ما من أيّامٍ أحبّ إلى الله – عزّ وجلّ – فيها الصومُ منه في عشر ذي الحجّة ) ، وقوله : ( حيّ على الصلاة ) ، وقوله : ( الخِلِّيفَى ) من كلام عمر ررر، وقوله : (فبها ونعمت ) ، وقوله : ( أستجير بالله من النار ) ... إلى آخر ما ذكرتُهُ ويبلغ أكثر من مئة وثلاثين شاهدًا من حديثٍ أو أثر ».
هذا ، وقد قام الدكتور محمود فجّال بدراسة الأحاديث والآثار في كتاب سيبويه بذكر نصوصها ، وتوثيقها ، وذكر من استشهد بها من النّحاة في مصنّفاتهم . وصَدَرَ بحصيلة هي أنّه يُضاف إلى أصول الفكر النحوي في كتاب سيبويه الحديثُ النبوي والآثار ، والنبيُّ هو أفصح العرب ، وكلامه يأتي في المرحلة الثانية في أصول الفكر النحوي ، أي : بعد القرآن الكريم .
جدير بالذكر أنّ الأستاذ الدكتور محمود فجّال قد تبنّى مسألة الاحتجاج بالحديث النبوي في النحو العربي ، وصدر له في هذا المضمار العديد من المصنفات التي حوَت الأدلة الدامغة على جواز الاحتجاج بالحديث النبوي في النحو العربي مفنّدًا آراء الخصوم والمانعين بالحجة القاطعة والبراهين الساطعة ، حتى إنّه ليعدّ بحق رائدَ قضية الاحتجاج بالحديث النبوي في النحو العربي في العصر الحديث ، ومن أبرز كتبه في هذا الميدان :
1- كتاب السير الحثيث إلى الاستشهاد بالحديث في النحو / مطبوع في جزأين /
2 - كتاب الحديث النبوي في النحو العربي / مطبوع في مجلد واحد /
3 - تخريج أحاديث الرضي في شرح الكافية للبغدادي ، وقد صدّره بمقدّمة ضافية حول الاحتجاج بالحديث / مطبوع في مجلد / .
إضافة إلى تعرضه لهذه المسألة في مناقشاته للسيوطي في( الاقتراح في أصول النحو وجدله) ، وكذا في كتاب ابن الطيب الفاسي ( فيض نشر الانشراح من روض طي الاقتراح ) ... إلى غير ذلك من الكتب والأبحاث المنشورة في المجلات والكتب غير المطبوعة .
ويعدّ كتاب ( ارتكاز الفكر النحوي على الحديث والأثر في كتاب سيبويه ) صيحة مدوية في قضية الاحتجاج خالف فيها الدكتور محمود فجال رأي كل من سبقه من الباحثين ، وأتى بما لم يفطنوا إليه ، مما أكسب هذا السفر قيمة علمية فريدة ، شكلت إضافة جديدة في الفكر النحوي .
جزى الله المؤلف خير الجزاء وجعل ذلك في موازين أعماله .
الرابط الأصلي للموضوع
http://www.fajjal.com/iwan/showthread.php?p=245#post245