مختصرٌ من جواب الشيخ ابن عثيمين في مسألة المصر على شرب الدخان :
فقال رحمه الله : فإنه متى تقرر تحريمه,فإنه ليس من الكبائر,ولكن من الصغائر,وقد نص العلماء على أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة,لما في ذلك من الدلالة على أن صاحبها لم يقم في قلبه من تعظيم الله ما يوجب انكفافه عنها,وحينئذ فالمصر على الصغيرة يحكم بفسقه,
الفتاوى
ومن فقهاء الشافعية الشيخ الشهير بالنجم الغزي الشافعي قال ما نصه من الكبائر تناوله المرة أو المرتين ، أي بل الإصرار عليه بكون كبيرة كسائر الصغائر ..(يقصد المسكر)
فتاوى محمد آل ابراهيم {12|79}
وقال في موضعٍ أخر : الإصرار على حلق اللحية من الكبائر ،..
المصدر السابق{25|105ْ}
وهذا كلام نفيس للعلامة بن باز ..
في تفسير آية النجم ...
نشر السؤال والجواب في جريدة المسلمون في العدد ( 530 ) بتاريخ 30 / 10 / 1415 هـ .
س : ما هو المراد بكلمة ( اللمم ) في قوله تعالى : سورة النجم الآية 32 الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ . . . الآية ؟
ج : إن علماء التفسير -يرحمهم الله- اختلفوا في تفسير ذلك ، وذكروا أقوالا في معناه ، أحسنها قولان :
أحدهما : أن المراد به : ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب ، كالنظرة والاستماع لبعض ما لا يجوز من محقرات الذنوب وصغائرها ونحو ذلك ، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من السلف ، واحتجوا على ذلك بقوله سبحانه في سورة النساء : سورة النساء الآية 31 إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا قالوا : المراد بالسيئات المذكورة في هذه الآية : هي صغائر الذنوب ، وهي : اللمم ؛ لأن كل إنسان يصعب عليه التحرز من ذلك ، فمن رحمة الله سبحانه أن وعد المؤمنين بغفران ذلك لهم إذا اجتنبوا
(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 297)
الكبائر ، ولم يصروا على الصغائر .
وأحسن ما قيل في ثبوت الكبائر : إنها المعاصي التي فيها حد في الدنيا ؛ كالسرقة ، والزنى ، والقذف ، وشرب المسكر ، أو فيها وعيد في الآخرة بغضب من الله أو لعنة أو نار ؛ كالربا ، والغيبة ، والنميمة ، وعقوق الوالدين ...
ومما يدل على غفران الصغائر باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر : قول النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الاستئذان (5889),صحيح مسلم القدر (2657),سنن أبو داود النكاح (2152),مسند أحمد بن حنبل (2/276). إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى ، فهو مدرك ذلك لا محالة ، فزنى العين النظر ، وزنى اللسان الكلام ، وزنى الأذن الاستماع ، وزنى اليد البطش ، وزنى الرجل الخطى ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه .
ومن الأدلة على وجوب الحذر من الصغائر والكبائر جميعا وعدم الإصرار عليها : قوله سبحانه : سورة آل عمران الآية 135 وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ سورة آل عمران الآية 136 أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
القول الثاني : أن المراد باللمم : هو ما يلم به الإنسان من المعاصي ، ثم يتوب إلى الله من ذلك ، كما قال في الآية السابقة ، وهي قوله تعالى : سورة آل عمران الآية 135 وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً الآية ، وقوله سبحانه : سورة النور الآية 31 وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وما جاء في معنى ذلك من الآيات الكريمات ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 298)
سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2499),سنن ابن ماجه الزهد (4251),مسند أحمد بن حنبل (3/198),سنن الدارمي الرقاق (2727). كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ؛ ولأن كل إنسان معرض للخطأ ...
والتوبة النصوح يمحو الله بها الذنوب ، وهي المشتملة على الندم على ما وقع من المعصية ، والإقلاع عنها ، والعزيمة الصادقة على ألا يعود إليها ؛ خوفا من الله سبحانه ، وتعظيما له ، ورجاء مغفرته .
ومن تمام التوبة إذا كانت المعصية تتعلق بحق الآدميين ؛ كالسرقة ، والغضب ، والقذف ، والضرب ، والسب ، والغيبة ، ونحو ذلك - أن يعطيهم حقوقهم ، أو يستحلهم منها إلا إذا كانت المعصية غيبة - وهي : الكلام في العرض - ولم يتيسر استحلال صاحبها ؛ حذرا من وقوع شر أكثر ، فإنه يكفي في ذلك أن يدعو له بظهر الغيب ، وأن يذكره بما يعلم من صفاته الطيبة ، وأعماله الحسنة في الأماكن التي اغتابه فيها ، ولا حاجة إلى إخباره بغيبته إذا كان يخشى الوقوع في شر أكثر .
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه ، وأن يحفظنا وإياكم من كل سوء ، وأن يمن علينا جميعا بالاستقامة على دينه ، والسلامة من أسباب غضبه ، والتوبة إليه سبحانه من جميع ما يخالف شرعه ، إنه جواد كريم ...
الفتاوى{8|489}