يدور كثير من الكلام على ألسنة الناس في وصف بعض الأعمال بالبدعية، وهذا أمر خطير جدا؛ لأن الحكم بالبدعية على فعل ما لا بد أن يسبقه البحث الجاد والتحري التام، وهذا لا يحصل في الغالب إلا من نزر يسير ممن وفقه الله تعالى، وقد يحصل البحث من الطالب لكنه مع هذا تضطرب قاعدته في الحكم على الفعل بالبدعية، فينتج هذا والذي قبله عجائب وغرائب، ومما تكلم فيه البعض ووصفوه بالبدعية إلقاء درس بين ركعات التراويح أو بعدها، ولكي تتضح هذه المسألة نذكر على وجه الإجمال مقدمة لها ثم نثني بحكمها.
عرف محمد الخادمي الحنفي البدع بقوله: جمع بدعة خلاف السنة اعتقاداً وعملاً وقولاً، وهذا معنى ما قالوا: البدعة في الشريعة إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر أيضاً: أن المعنى الشرعي للبدعة هو: الزيادة في الدين أو النقصان منه الحادثان بعد الصحابة بغير إذن من الشرع.
وبهذا التعريف يعلم أنه لا اختلاف بين تعريف الحنفية للبدعة، وتعريف غيرهم من العلماء من أهل المذاهب الأخرى، فالشاطبي عرف البدعة بقوله: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه.
وقوله (تضاهي الشرعية) أي: تشبه الطريقة الشرعية لكنها في الحقيقة مضادة لها، وقد مثل الشاطبي للبدعة بقوله: ومنها: التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وما أشبه ذلك.
ومنها: التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شبعان وقيام ليلته. انتهى
ومن الضوابط التي وضعها العلماء للبدعة قولهم: كل عمل لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي له، وعدم المانع من فعله، ففعله بعد ذلك بدعة، وهذا يخرج صلاة التراويح وجمع القرآن من البدعة، لأن صلاة التراويح لم يستمر النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها (جماعة) لوجود المانع، وهو الخوف من أن تفرض.
وأما جمع القرآن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، لعدم وجود المقتضي لذلك، فلما كثر الناس واتسعت الفتوحات وخاف الصحابة من دخول العجمة جمعوا القرآن.
وليعلم المسلم أن البدعة خطرها عظيم على صاحبها وعلى الناس وعلى الدين، وهي مردودة على صاحبها يوم القيامة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد" رواه البخاري ومسلم .
وعند مسلم : "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد" ، وقوله: في أمرنا أي: في ديننا، وقوله: رد أي: مردود على صاحبه كائناً من كان.
وأيضاً: البدعة ضلالة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه النسائي .
ولم يرد فيما اطلعنا عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الاستراحة بين كل ترويحتين شيء؛ إلا ما أخرجه الإمام البيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربع ركعات في الليل، ثم يتروح، فأطال حتى رحمته، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً.
قال البيهقي: (تفرد به المغيرة بن زياد وليس بالقوي. وقوله: ثم يتروح، إن ثبت فهو أصل في تروح الإمام في صلاة التراويح. والله أعلم) انتهى
لكن المنقول عن السلف من الصحابة وغيرهم أنهم كانوا يجلسون بين كل ترويحتين دون نكير من أحد، وهو أعون على النشاط، أما وجوب ذلك فلا دليل عليه ولا قائل به فيما نعلم. وللعلماء في هذا الجلوس مذاهب: فمنهم من ينص على استحبابها وهم الحنفية، قال الإمام السرخسي في المبسوط 2/146 (الفصل الرابع في الانتظار بعد كل ترويحتين: وهو مستحب هكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، لأنها إنما سميت بهذا الاسم لمعنى الاستراحة، وأنها مأخوذة عن السلف وأهل الحرمين فإن أهل مكة يطوفون سبعاً بين كل ترويحتين كما حكينا عن مالك رحمه الله تعالى، وقال: والصحيح هو الانتظار والاستراحة بين كل ترويحتين على ما حكينا).
وقال الكاساني في البدائع 1/291: (ومنها: أن الإمام كلما صلى ترويحة قعد بين الترويحتين قدر ترويحة يسبح ويهلل ويكبر، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو. وينتظر أيضاً بعد الخامسة قدر ترويحة، لأنه متوارث من السلف. وأما الاستراحة بعد خمس تسليمات فهل تستحب؟ قال بعضهم: نعم، وقال بعضهم: لا تستحب وهو الصحيح، لأنه خلاف عمل السلف والله الموفق).
ومنهم من يجعل فعلها أولى من تركها وهم الحنابلة، قال المرداوي في الإنصاف 2/182: (ومنها: يستريح بعد كل أربع ركعات بجلسة يسيرة.. فعله السلف، ولا بأس بتركه).
وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى 1/564: (ويستراح بين كل أربع ركعات بجلسة يسيرة، ولا بأس بترك استراحة بينها).
ومنهم من يذكرها في صفة التراويح دون تنصيص على استحبابها وهم المالكية والشافعية.
قال الزرقاني في شرح الموطأ 1/339: (وتسمى التراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة كتسليمة من السلام، سميت الصلاة جماعة في ليالي رمضان تراويح لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين، قال الليث: قدر ما يصلي الرجل كذا وكذا ركعة).
وقال الإمام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب1/200: (وسميت كل أربع منها ترويحة، لأنهم كانوا يتروحون عقبها، أي يستريحون).
وجاء في الموسوعة الكويتية 27/144: (اتفق الفقهاء على مشروعية الاستراحة بعد كل أربع ركعات، لأنه المتوارث عن السلف، فقد كانوا يطيلون القيام في التراويح، ويجلس الإمام والمأمومون بعد كل أربع ركعات للاستراحة).
وقال الحافظ في الفتح 4/250: (والتراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة كتسليمة من السلام، وسميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين).
حكم إلقاء موعظة بين صلاة التراويح في رمضان
فتاوى بعض العلماء في ذلك:
** السؤال: عندنا في الكويت موعظة بعد أربع ركعات في صلاة القيام هل تجوز هذه، وإذا جاز كيف تكون هذه الموعظة؟
الجواب (ابن عثيمين)
الذي أرى ألا تفعل، أولاً: أنها ليست من هدي السلف .
ثانياً: أن بعض الناس قد يحب أن يأتي بالتهجد وينصرف إلى بيته، وفي هذا إعاقة وإملال لهم، وإكراه على هذه الموعظة، والموعظة إذا لم تكن متقبلة فضررها أكثر من نفعها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم يتخول أصحابه بالموعظة ولا يثقل عليهم ويكرر، فأرى أن تركها أولى، وإذا أراد الإمام أن يعظ الناس فليجعله في آخر شيء، إذا انتهت الصلاة نهائياً .
** وسئل الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله في ( لقاء الباب المفتوح [118] ) عن ذلك :
السؤال: ما حكم الموعظة بين صلاة التراويح أو في وسطها ويكون هذا دائماً؟
فأجاب الشيخ: " ... أما الموعظة فلا، لأن هذا ليس من هدي السلف , لكن يعظهم إذا دعت الحاجة أو شاء بعد التراويح، وإذا قصد بهذا التعبد فهو بدعة, وعلامة قصد التعبد أن يداوم عليها كل ليلة, ثم نقول: لماذا يا أخي تعظ الناس؟ قد يكون لبعض الناس شغل يحب أن ينتهي من التراويح وينصرف ليدرك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وإذا كنت أنت تحب الموعظة ويحبها أيضاً نصف الناس بل يحبها ثلاثة أرباع الناس فلا تسجن الربع الأخير من أجل محبة ثلاثة أرباع, أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف فإن من ورائه ضعيف والمريض وذي الحاجة) أو كما عليه الصلاة والسلام, يعني: لا تقس الناس بنفسك أو بنفس الآخرين الذين يحبون الكلام والموعظة, قس الناس بما يريحهم, صلِّ بهم التراويح وإذا انتهيت من ذلك وانصرفت من صلاتك وانصرف الناس فقل ما شئت من القول. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأبشروا بالخير بالحضور إلى هذا المكان لأن: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين." انتهى.
** هل يجوز لإمام مسجد في صلاة التراويح أن يلقي بين الركعات موعظة.؟
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
الجواب: يجوز ولا يجوز ، إذا كان التنبيه والتحذير والأمر والنهي لأمر عارض فهذا أمر واجب , أما إذا كان يتخذ نظاما عادة ...فهذا خلاف السنة
سلسلة الهدى والنور-656
** وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:
"قيام رمضان شُرع فقط لزيادة التقرب إلى الله عز وجل بصلاة القيام , ولذلك فلا نرى نحن أن نجعل صلاة التراويح يخالطها شيء من العلم والتعليم ونحو ذلك , وإنما ينبغي أن تكون صلاة القيام محض العبادة , أما العلم فله زمن , لا يحدد بزمن , وإنما يراعي فيه مصلحة المتعلمين , وهذا هو الأصل وأريد من هذا أن من إتخذ عادة أن يعلم الناس ما بين كل أربع ركعات مثلا في صلاة القيام , إتخذ ذلك عادة , فتلك محدثة مخالفة للسنة ".
مفرغ من شريط سلسلة الهدى والنور رقم 693 ـ الدقيقة 28 ـ
للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
** السؤال:- ما الحكمة في تسمية قيام رمضان بالتراويح؟ وهل ترون أن من الأفضل استغلال وقت التوقف في صلاة التراويح بإلقاء كلمة، أو موعظة؟
الجواب:- (ابن جبرين)
ذُكر في المناهل الحسان (عن الاعرج)، قال: ما أدركنا الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، قال: وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، وإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف، (وعن عبدالله بن بكر) قال: سمعت أبي يقول: "كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام، مخافة فوت السحور". (وعن السائب بن يزيد) قال: أمر عمر بن الخطاب أُبي بن كعب وتميماً الداري -رضي الله عنهم- أن يقوما للناس في رمضان بإحدى عشرة ركعة، فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، فما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر، وقال ابن محمود في كتاب الصيام: "وسُميت تراويح من أجل أنهم يستريحون بعد كل أربع ركعات لكونهم يعتمدون على العصي من طول القيام، ولا ينصرفون إلا في فروع الفجر". وحيث إنَّ الناس في هذه الأزمنة يخففون الصلاة، فيفعلونها في ساعة أو أقل، فإنه لا حاجة بهم إلى هذه الاستراحة، حيث لا يجدون تعباً ولا مشقة، لكن إن فصل بعض الأئمة بين ركعات التراويح بجلوس، أو وقفة يسيرة للاستجمام، أو الارتياح، فالأولى قطع هذا الجلوس بنصيحة أو تذكير، أو قراءة في كتاب مفيد، أو تفسير آية يمرّ بها القارئ، أو موعظة، أو ذكر حكم من الأحكام، حتى لا يخرجوا أو لا يملّوا، والله أعلم.
** سؤال رقم 38025- إلقاء كلمة بعد أربع ركعات من صلاة التراويح
هو ما حكم الشرع في الدرس الذي يكون بعد الركعات الأربع في صلاة التراويح ؟ . (موقع الإسلام سؤال وجواب للمنجد)
الحمد لله
الدرس الذي يلقيه بعض الأئمة والوعاظ بين ركعات صلاة التراويح لا بأس به إن شاء الله ، والأحسن أن لا يداوَم عليه ، خشية أن يعتقد الناس أنه جزء من الصلاة ، وخشية من اعتقادهم وجوبه حتى إنهم قد ينكرون على من لم يفعله .
وللإمام أو للمدرس والواعظ أن ينبه الناس على ما يتيسر من أحكام الشرع وخاصة مما يحتاجونه في هذا الشهر من مسائل على أن يتركه أحياناً لما سبق ذكره .
ولا شك أن مثل هذه الكلمات والمواعظ أنفع من الخروج أو من الحديث الدنيوي ورفع الصوت وخير من الذكر المبتدع الذي يحدثه بعض الأئمة بعد الأربع ركعات.
قال الشيخ عبد الله الجبرين :
... وحيث إنَّ الناس في هذه الأزمنة يخففون الصلاة ، فيفعلونها في ساعة أو أقل : فإنه لا حاجة بهم إلى هذه الاستراحة ، حيث لا يجدون
تعباً ولا مشقة ، لكن إن فصل بعض الأئمة بين ركعات التراويح بجلوس ، أو وقفة يسيرة للاستجمام ، أو الارتياح : فالأولى قطع هذا الجلوس بنصيحة أو تذكير ، أو
قراءة في كتاب مفيد ، أو تفسير آية يمرّ بها القارئ ، أو موعظة ، أو ذكر حكم من الأحكام ، حتى لا يخرجوا أو لا يملّوا ، والله أعلم .
** رقم الفتوى 37211 الترويح والترويحة بين ركعاته
تاريخ الفتوى : 14 رجب 1424
السؤال
ماهي كيفية صلاة التراويح، وهل يوجد حديث بعد الركعات الأربع الأولى؟
الفتوى (الشبكة الإسلامية)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد مضى بيان كيفية صلاة التراويح مع ذكر الخلاف الوارد في عددها، وبيان الراجح منه في الفتوى رقم: 11872 . كما بينا خلاف العلماء في الترويحة التي تكون بين ركعات التراويح وموضعها من ركعات الصلاة، وذلك في الفتوى رقم: 28365 . وخلاصة الأمر أن الجلوس للراحة بين ركعات صلاة التراويح أمر مشروع في الجملة، متوارث عن السلف الكرام، وشغل هذا الوقت بالذكر وتعلم العلم وتعليمه لا بأس به، بشرط ألا يُتخذ ذلك عادة دائمة فيحسبه الناس سنة من السنن. والله أعلم.
نصوص بعض الفقهاء في استثمار هذه الاستراحة للفائدة:
قال شيخي زاده في مجمع الأنهر: " ( وجلسة بعد كل أربع بقدرها ) أي بقدر أربعة من ركعاتها ولو قال : وانتظار بقدرها لكان أولى فإن بعض أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين وأهل المدينة يصلون بدل ذلك أربع ركعات وأهل كل بلدة بالخيار يسبحون أو يهللون أو ينتظرون سكوتا وإنما يستحب الانتظار لأن التراويح مأخوذ من الراحة فيفعل ما قلنا تحقيقا للمسمى " انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف: " ومنها : يستريح بعد كل أربع ركعات بجلسة يسيرة فعله السلف , ولا بأس بتركه , ولا يدعو إذا استراح , على الصحيح من المذهب , وقيل : ينحرف إلى المصلين ويدعو , وكره ابن عقيل الدعاء " انتهى.
وذكر ابن قدامة في كتاب التوابين قصة وفيها: " .. قدم أبو عامر البناني واعظ أهل الحجاز ووافق قدومه رمضان فسأله إخوانه أن يجلس لهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجابهم وجلس ليلة الجمعة بعد انقضاء التراويح واجتمع الناس وجاء الفتى فجلس مع القوم فلم يزل أبو عامر يعظ وينذر ويبشر إلى أن ماتت القلوب فرقا واشتاقت النفوس إلى الجنة .. " انتهى.
بعض النصوص المبينة والضابطة لحكم توقيت الوعظ، وتعليق بعض العلماء عليها:
روى البخاري في صحيحه في: (باب مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّجْعِ فِى الدُّعَاءِ)
عن ابْن عَبَّاس، أنَّهُ قَالَ لعكرمة: حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَكْثَرْتَ فَثَلاثَ مِرَارٍ، وَلا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَلا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِى الْقَوْمَ، وَهُمْ فِى حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ، فَتُمِلُّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإِذَا أَمَرُوكَ، فَحَدِّثْهُمْ، وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ، وَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ، فَاجْتَنِبْهُ، فَإِنِّى عَهِدْتُ النَّبِىّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ لا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.
قال ابن الجوزي في كشف الْمُشكِل: " أعلم أن كل شيء يكثر على النفس تمله خصوصا المواعظ التي لاحظ للطبع فيها إلا أن يكون مجرد السماع وقد كان النبي {صلى الله عليه وسلم} يتخولهم بالموعظة مخافة السآمة " انتهى.
وفي البخاري أيضا من باب: (من جعل لأهل العلم أياما معلومة)
عن أبي وائل قال: "كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم ؟ قال أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه و سلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا"
وأخرجه مسلم في: صفات المنافقين وأحكامهم (باب الاقتصاد في الموعظة)، رقم 2821
قال النووي في شرح مسلم: " ومعنى يتخولنا يتعاهدنا هذا هو المشهور فى تفسيرها قال القاضي وقيل يصلحنا وقال بن الأعرابى معناه يتخذنا خولا وقيل يفاجئنا بها وقال أبو عبيد يدللنا وقيل يحبسنا كما يحبس الانسان خوله وهو يتخولنا بالخاء المعجمة عند جميعهم إلا أبا عمرو فقال هي بالمهملة أى يطلب حالاتهم واوقات نشاطهم وفى هذا الحديث الاقتصاد فى الموعظة لئلا تملها القلوب فيفوت مقصودها " انتهى.
وقال ابن حجر في الفتح : " وفيه رفق النبي صلى الله عليه و سلم بأصحابه وحسن التوصل إلى تعليمهم وتفهيمهم ليأخذوا عنه بنشاط لا عن ضجر ولا ملل ويقتدي به في ذلك فان التعليم بالتدريج اخف مؤنة وادعى إلى الثبات من اخذه بالكد والمغالبة " انتهى.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: " ومن ذلك (أي الأمور التي استحسنها العلماء للمصلحة) القصص وقد سبق قول غضيف بن الحارث إنه بدعة وقال الحسن إنه بدعة ونعمت البدعة كم من دعوة مستجابة وحاجة مقضية وأخ مستفاد وإنما عني هؤلاء بأنه بدعة الهيئة الاجتماعية عليه في وقت معين فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له وقت معين يقص على أصحابه فيه غير خطبته الراتبة في الجمع والأعياد وإنما كان يذكرهم أحيانا أو عند حدوث أمر يحتاج إلى التذكير عنده ثم إن الصحابة رضي الله عنهم اجتمعوا على تعيين وقت له كما سبق عن ابن مسعود أنه كان يذكر أصحابه كل يوم خميس وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال حدث الناس في كل جمعة مرة فإن أبيت فمرتين فإن أكثرت فثلاثا ولا تمل الناس وفي المسند عن عائشة رضي الله عنها أنها وصت قاص أهل المدينة بمثل ذلك وروى عنها أنها قالت لسعيد بن عمير حدث الناس يوما ودع الناس يوما وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر القاص أن يقص كل ثلاثة أيام مرة وروى عنه أنه قال رَوِّح الناس ولا تثقل عليهم ودع القصص يوم السبت ويوم الثلاثاء " انتهى.
الخلاصة:
مما سبق يتبين لنا أن الجلوس بين ركعات التراويح مشروع في الجملة، وأن هذا الوقت كان مستثمرا من قبل السلف فيما هو نافع، ولا تحديد لشيئ معين يفعل فيها لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وبحسب القاعدة العامة في تحديد وقتٍ لوعظِ الناس وتذكيرهم؛ بناء على ما ورد عن الصحابة ومن بعدهم؛ فلا مانع شرعا من استثمار ما بين ركعات التراويح لوعظ الناس وتذكيرهم وذلك بشروط:
1 ـ أن يغلب على الظن انتفاع الناس بذلك.
2 ـ ألا يعتقد التقرب إلى الله بتحديد هذا الوقت للموعظة.
3 ـ ألا يصل به إلى حد إملال الناس وتزهيدهم في العلم.
4 ـ الأفضل ألا يفعله بصورة يومية دائمة ولا في وقت واحد ثابت، بل يفعله ويتركه، ويقدمه ويؤخره، خروجا من خلاف من أطلق البدعية.
5 ـ الأولى أن يكون بعد التراويح لئلا يشق على من أراد الانصراف مبكرا.
ملحوظة:
كُتبت هذه السطور على عجل رجاء المنفعة وطرحها للنقاش بين الإخوة، راجيا من الله تعالى أن يعين على إتمامها في المستقبل.