تخريج الأحاديث والآثار الواردة في عمل قوم لوط
المبحث الأول : الأحاديث والآثار الواردة في قتل من يعمل عمل قوم لوط .
أولاً : حديث : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به " .
هذا الحديث رواه عمرو بن أبي عمرو ،
و الحسين بن عبد الله ،
وابن جريج ،
وداود بن الحصين ،
وعباد بن منصور ،
وابن أبي حبيبة ،
جميعهم عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً ؛ وإليك تفصيل رواياتهم والكلام عنها :
أولاً : رواية عمرو بن أبي عمرو ، وقد رواه عنه أربعةٌ هم :
1 – الدراوردي : أخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 2732 ) ، وأبو داود في سننه ( 4462 ) – ومن طريقه ابن حزم في المحلى ( 11 / 382 ) ، وابن عبد البر في الاستذكار ( 20 / 149 ت . التركي ) – ، والترمذي في سننه ( 1456 ) وفي العلل الكبير ( 251 ) ، وابن ماجه ( 2561 ) ، وأبو يعلى ( 2463 ) ، وابن عدي ( 5 / 116 ) ، والدارقطني ( 3 / 124 ) ، والبيهقي ( 8 / 231 – 232 ) ، والبغوي ( 2593 ) ، والخرائطي في المساويء ( ح 441 ) ، والطحاوي في المشكل ( 9 / 446 ) ، والآجري في ذم اللواط ( ح 27 ) ، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ ( 1 / 495 ) ، وابن الجوزي في ذم الهوى ( 201 ) من طرق عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي .
2 – عبد الله بن جعفر المخرمي : أخرجه عبد بن حميد ( 575 ) ، والطبري في تهذيب الآثار ( 1 / 554 ) ، والحاكم ( 4 / 355 ) .
3 – سليمان بن بلال : أخرجه ابن الجارود ( 820 ) ، والحاكم ( 4 / 355 ) – وعنه البيهقي في السنن ( 8 / 231 – 232 ) ، وفي الصغرى ( 3289 ) ، وفي معرفة السنن والآثار ( 5086 ) – ، والطحاوي في المشكل ( 9 / 450 ) ، والآجري في ذم اللواط ( ح 26 ) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ( 54 / 203 ) .
4 – زهير بن محمد : أخرجه أبو يعلى ( 2743 ) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ( 6 / 7 ) ، وابن أبي جرادة في تاريخ حلب ( 3 / 1127 ) .
وهذا إسناد ضعيفٌ ، وذلك لما يلي :
1 – أنَّ عمرو بن عمرو الأقرب في حاله أنه صدوق – كما قال ذلك البخاري والذهبي – وعلى هذا فأين تلامذة عكرمة عن هذا الحديث حتى لا يرويه إلا عمرو بن أبي عمرو ؟! ومع تفرده هذا احتفت قرائن تدل على عدم ضبطه لهذا الحديث – سيأتي ذكرها – .
فإن قيل : لم يتفرد عمرو بن أبي عمرو بهذا الحديث .
يجاب عنه : أن أسانيد المتابعات – كما سيأتي بيانه – لا تصح ، وإسناد عمرو أقواها مع ما فيه .
2 – أنَّ عمرو بن أبي عمرو لم يثبت سماعه من عكرمة ؛ كما يفهم هذا من تعليل البخاري الآتي ذكره .
3 – أنَّ أئمة الحديث ونقاده - عليهم رحمة الله – قد استنكروا هذا الحديث ؛
أ – قال الترمذي في العلل الكبير ( 2 / 622 ) : سألت محمداً – يعني به البخاري – عن حديث عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس – يريد به هذا الحديث – فقال : عمرو بن أبي عمرو صدوق ، ولكن روى عن عكرمة مناكير ، ولم يذكر في شيءٍ من ذلك أنه سمع عن عكرمة .
ب – ونقل الحافظ في التلخيص ( 4 / 54 ) عن النسائي أنه استنكر هذا الحديث .
ج – وروى ابن عدي في الكامل ( 5 / 116 ت غزاوي ) عن أحمد بن أبي مريم عن ابن معين قال : عمرو بن أبي عمرو ثقة ينكر عليه حديث عكرمة ، عن ابن عباس أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " اقتلوا الفاعل والمفعول به " [1] .
د – قال ابن حزم في المحلى ( 11 / 383 ) : أما حديث ابن عباس فانفرد به عمرو بن أبي عمرو ، وهو ضعيف .
هـ - قال محمد بن طاهر المقدسي في ذخيرة الحفاظ ( 1 / 437 وَ 4 / 2430 ) : وعمرو ضعيف [2] ، وكان ابن معين ينكر عليه هذا الحديث .
و – قال المنذري في الترغيب والترهيب ( 3665 ) : وعمرو هذا قد احتج به الشيخان وغيرهما ، وقال ابن معين : ثقة ، ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس – يعني هذا الحديث – .
4 – الاختلاف على عمرو بن أبي عمرو ؛ فروى محمد بن إسحاق ، والدراوردي ، وسليمان بن بلال ، وزهير بن محمد ، وعبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً في لعن من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوط ، وليس فيها القتل .
وروى سليمان بن بلال والدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً في قتل الفاعل والمفعول به في البهيمة – وسيأتي بيان هذه الأحاديث إن شاء الله – .
فهذا يؤكد أنَّ عمرو بن أبي عمرو لم يضبط هذا الحديث واضطرب في روايته ، فالرواة عنه في هذه الأحاديث من الأئمة الثقات ، فالوهن من قبله لا غير .
5 – أنَّ أبا بكرٍ - رضي الله عنه – جمع الصحابة واستشارهم في قصة كتابة خالد بن الوليد – رضي الله عنه – إلى أبي بكر أنه وجد رجلاً في بعض نواحي المدينة ينكح كما تنكح المرأة ، فجمع لذلك أبو بكر – رضي الله عنه – أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – وفيهم علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فقال : إنَّ هذا ذنبٌ لم يعمل به أمةٌ من الأمم إلا أمة واحدة ، ففعل الله بهم ما قد علمتم ، أرى أن يحرقوا بالنار ، فاجتمع رأي الصحابة على ذلك [3] . ولو كان هناك نصٌّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – لأشار به أحد الصحابة في ذلك المجلس أو أشيع فيما بعد ذلك ، فعلم أنه لم يرد فيه شيءٌ .
ثانياً : رواية الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب ، فقد أخرجها الطبراني في الكبير ( 11527 ) .
وهذا إسناد ضعيف جداً ، ففيه عبد العزيز بن يحيى المديني ، قال عنه العقيلي في الضعفاء ( 3 / 19 ) : يحدث عن الثقات بالبواطيل ، ويدعي من الحديث ما لا يعرف به غيره من المتقدمين عن مالك وغيره .
كما أنَّ الحسين هذا متكلم فيه بكلام شديد حيث تركه بعض الأئمة ، واستنكرت عليه بعض الأحاديث ، ينظر لذلك تهذيب التهذيب ( 2 / 296 ) .
ثالثاً : رواية عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ؛ أخرجها الخرائطي في المساويء ( ح 442وَ 574 ) ، وفي اعتلال القلوب ( 1 / 191 ) ، وابن حزم في المحلى ( 11 / 383 ) ، والبيهقي في الشعب ( 4 / 375 ) ، ولفظه : " اقتلوا الفاعل والمفعول به ، والذي يأتي البهيمة ، والذي يأتي كل ذات محرم " .
وهذا إسنادٌ ضعيف ، وذلك لأن ابن جريج لم يسمع من عكرمة – كما نصَّ على ذلك ابن المديني والمزي ، ونقله العلائي مقراً له [4] – ، كما أنَّ ابن جريج روى هذا الحديث عن عكرمة بالعنعنة ، وقد حذَّر الأئمة من عدم تصريحه بالسماع وأنه يأتي بمناكير وهي شبه الريح [5] .
رابعاً : رواية داود بن الحصين ، فقد أخرجها عبد الرزاق في المصنف ( 13492 ) ، والإمام أحمد في مسنده ( 2727 ) – ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق ( 2 / 327 ) ، وذم الهوى ( 201 ) – ، والطبري في تهذيب الآثار ( 1 / 555 وَ 556 ) ، والطبراني في الكبير ( 11568 وَ 11569 ) ، وابن عدي في الكامل ( 1 / 222 ) ، وابن عبد البر في الاستذكار ( 20 / 148 ت . التركي )[6] .
وهذه الرواية لا تصح ، فداود هذا تكلم فيه ، كما تكلم في روايته عن عكرمة خاصة ، فقد أنكرها علي بن المديني وأبو داود [7] .
ثم إنَّ الراوي عنه هو إبراهيم بن أبي حبيبة تكلم فيه بكلام شديد يوجب تضعيفه [8] .
وقد اختلف عليه – أيضاً – اختلافاً كثيراً بزيادة ونقص في ألفاظه ، يراجع له المسند ( 4 / 458 ) طبعة مؤسسة الرسالة .
خامساً : رواية عباد بن منصور ؛ أخرجها الطبري في تهذيب الآثار ( 1 / 550 وَ 551 ) ، والإسماعيلي في معجم الشيوخ ( 2 / 526 ) [9] ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 8 / 233 ) ، وابن الجوزي في ذم الهوى ( 202 ) ، الآجري في ذم اللواط ( 25 ) ، وابن عدي في الكامل ( 4 / 339 ) [10] ، والذهبي في الدينار ( رقم 23 ) .
وهذه الرواية باطلة ؛ فعباد هذا ضعيف جداً ، وقد روى مناكير ، ولم يسمع من عكرمة كما نصَّ على ذلك الأئمة ؛ بل مروياته عن عكرمة إنما هي من طريق إبراهيم بن أبي يحيى ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة – كما في ترجمته في التهذيب ( 5 / 90 ) ، وأشار لها أبو داود في سننه – ، فرجع هذا الإسناد إلى الإسناد الذي قبله ! .
وقد قال الطبري في تهذيب الآثار ( 1 / 551 ) : وهذا خبرٌ عندنا صحيح سنده ، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح للعلل التي ذكرناها قبلُ ، من قولهم : في نقال عباد بن منصور ، وأخرى وهي : أنَّ هذا خبر قد حدث عن عباد بن منصور به غير عون بن عمارة ، فقال : ن الحكم ، عن ابن عباس وجعله من كلام ابن عباس ولم يرفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ..
سادساً : رواية ابن أبي حبيبة ؛ أخرجها ابن الجوزي في التحقيق ( 2 / 327 ) ، وذم الهوى ( 201 ) ، وقد قرنها برواية داود بن الحصين ، وهي من طريق الإمام أحمد .
وهذا الإسناد غلط ، والصحيح أن الإسناد هكذا : ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ؛ كما في المسند ( 4 / 458 ) ، فرجع إلى ما قبله ! [11] .
أقوال الأئمة على هذا الحديث :
1 – قال الترمذي في سننه بعد إخراجه للحديث ( 1456 ) : وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من هذا الوجه ، وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث ، عن عمرو بن أبي عمرو فقال : " ملعون من عمل قوم لوط " ، ولم يذكر فيه القتل ، وذكر فيه ملعون من أتى بهيمة [12] .
2 – قال ابن القيم في الجواب الكافي ( 120 ) : رواه أهل السنن وصححه ابن حبان وغيره ، واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث ، وإسناده على شرط البخاري . وقال في روضة المحبين ( 370 ) : وإسناده على شرط البخاري . وقال في زاد المعاد ( 5 / 40 ) : ولكن ثبت عنه أنه قال : " اقتلوا الفاعل والمفعول به : رواه أهل السنن الأربعة ، وإسناده صحيح .
3 – قال العظيم آبادي في عون المعبود ( 12 / 102 ) : وحديث ابن عباس مختلف في ثبوته .
4 – وقال ابن عبد الهادي في المحرر ( 1148 ) : وإسناده صحيح ؛ فإن عكرمة روى له البخاري ، وعمرو من رجال الصحيحين ، وقد أُعِلَّ بما فيه نظر .
5 – قال الجصاص في أحكام القرآن ( 5 / 104 ) : عاصم بن عمرو [13] ، وعمرو بن أبي عمرو ضعيفان لا تقوم بروايتهما حجة ، ولا يجوز بهما إثبات حد .
6 – وصححه الألباني في صحيح السنن .
___________________________
[1] مع أنه يحتمل أنَّ المقصود بهذا الحديث : هو حديث البهيمة ؛ والله أعلم .
[2] وقال في الموضع الثاني : وعمرو هذا ضعيف جداً .
[3] أخرجه البيهقي في سننه الكبرى ( 8 / 232 / ح 16805 ) ، والآجري في ذم اللواط ( ح 29 ) ، وابن الجوزي في ذم الهوى ( 202 ) ، والخرائطي في المساويء ( ح 451 ) .
[4] علل ابن المديني ( 131 ) ، وتهذيب الكمال ( 18 / 342 ) ، والعلائي في جامع التحصيل ( ص 229 ) ، وقال ابن حجر في التهذيب : وقيل : لم يسمع منه .
[5] انظر كلام الأئمة هذا في ترجمته في : تهذيب الكمال ( 18 / 348 ، وسير أعلام النبلاء 6 / 328 وغيرها .
[6] قال في عون المعبود ( 12 / 100 ) : ورأيت بخط بعض القدماء على هامش السنن ما نصه : رواه إسماعيل بن إسحاق في كتاب الفوائد : أخبرنا إسحاق بن محمد قال : أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس فذكر معناه .
[7] تهذيب التهذيب ( 3 / 157 ) .
[8] انظر تفصيل كلام الأئمة عنه في تهذيب التهذيب ( 1 / 90 ) وقال ابن عبد الهادي في التنقيح ( 4 / 527 ط . أضواء السلف ) : وإبراهيم يضعف في الحديث ؛ قاله الترمذي ، لكن قد تابعه غيره عن داود ، وقد رواه غير داود عن عكرمة .
[9] وقع في روايته : ( داود بن أبي هند ) ، ثم قال : الصحيح : داود بن الحصين .
[10] وفيه زيادة : " وفي الذي يؤتى في نفسه " ، وقال ابن عدي بعد أن ذكر رواية الدراوردي وغيره : فلا أرى هذه اللفظة في حديث عكرمة إلا من رواية عباد بن منصور عنه ، ثم ساق سنداً آخر من طريق عباد بن منصور في قتل الفاعل والمفعول به ، ثم قال : قال أبو كامل – أحد رجال الإسناد – فقلت أنا لأبي داود : لم يرفعه وليس بمرفوع ، فقال : أهابه .
[11] وقد علَّق بن عبد الهادي في التنقيح على إسناد ابن الجوزي ( 4 / 527 ) : كذا فيه ( أخبرني ابن أبي حبيبة وداود ) والصواب : عن داود . اهـ مما يؤكد أنَّ الخطأ في نسخ التحقيق وليس من نسخة الشاملة .
[12] وفي هذا إشارة لتضعيفه ، كما سبق وأن بيناه في الاختلاف على عمرو بن أبي عمرو .
[13] وهو راوي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في رجم اللوطي – وسيأتي – إن شاء الله – .