صفعة جديدة في وجه الدولة العلمانية الجاهلية في العالم العربي
[بقلم: (د نجم الباز]
بسم الله الرحمن الرحيم
صفعة جديدة في وجه الدولة العلمانية الجاهلية في العالم العربي
جاء تقرير صنوق الدولي عن وضع التعليم ومؤسساته ( والذي قرأه مروان المعشر نائب صندوق النقد الدولي ووزير الخارجية الأردني الأسبق) في العالم العربي بمثابة صفعة في وجه الدولة الجاهلية المرتدة في العالم العربي- لمّا أكد التقرير أن أوضاع التعليم العربي تتردى وأنها ستقود إلى مزيد من التخلف الاقتصادي. جاءت هذه النتائج المرّة عن مستوى التعليم على الرغم من الجهود الهائلة وهي تدعي ليل نهار وصباح مساء أنها تسعى بكل وسيلة وحيلة للارتقاء بمستوى التعليم –كأداة للارتقاء بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وسخرت في سبيل تحقيق هذا الهدف المنشود الطاقات الفكرية واستنزفت الجهود المالية ( من قوت الضعفاء والمحرومين وعلى حسابهم) ، وأخيرا جاءت شهادة المؤسسة الماسونية العالمية لتفضح عوار جهودهم وأوهام أهدافهم وعبثية خططهم- التي ما أرادوا منها إلا إزالة الإسلام من النفوس وتحطيم الأخلاق وشعارهم التحديث والتطوير للتعليم . ولكن لماذا فشلت كل هذه الجهود المبذولة لتطوير التعليم في العالم العربي في تحقيق أهدافهم . هذا ما نجيب عليه ومن الله التوفيق :
من الأسباب الأكيدة وراء عدم نيل أهدافهم التي أرادوها ، أي زعماء سياسة تحديث التعليم المزعومة من السياسيين ومؤسسات التربية والتعليم هو تحويلهم التعليم إلى ميدان للصراع ضد الإسلام والنظام الأخلاقي الذي ينبعث منه. كان ذلك جليا وواضحا من خلال إشاعة الاختلاط في المدارس والعبث بالمناهج وتغذيتها بالأفكار الملحدة والمنحلة وحذف كل ما يمت للإسلام بصلة ، ثم جعل النجاح في مواد " الدين " كما يسمونها ، آليا بدون اجتياز أي امتحان مما ضاعف من هوانها في نفوس التلاميذ ، ليهون مع هذا العبث – المسمى – تطويرا أو تحديثا – دين الله رب العالمين . ولذا، أنّى يرتجى لأمة هانت عقيدتها ونظامها الأخلاقي أن تسمو في ميدان التقدم المادي أو القوة العسكري أو الوجود في المسرح السياسي العالمي؟ نسي هؤلاء الخونة لدين الله ، أنّ من قلدوهم من الغرب ، كانوا لدينهم أشد أمانة وحفظا وها هي اليابان التي يضربون بها الأمثال- في التقدم الاقتصادي- كانت من أشد الأمم غيرة على دينها البوذي الشركي وما تحقق لها النجاح، إلا لمّا تمثل اليابانيون عقائدهم الشركية وجسدوا ما آمنوا به كل في ميدانه ، فالزوجة مخلصة في بيتها والعامل في مصنعه والسياسي في حكمه وهكذا .....
1. فإذا كان التعليم قد أصبح أداة الهدم وحامض التذويب للأخلاق فكيف النجاح والفوز وقد أصبحت الخيانة والكذب ومساوئ الأخلاق عنوان الحياة اليومية في العالم الإسلامي، كيف لمن تلبس أخلاق يهود أن يكون رحمة بأخيه المسلم ؟ أنَى لمؤسسات أصبحت تعلم الطلاب الغش والإلحاد والفساد أن تصبح وسيلة بناء وعمارة ، كيف للجيل الذي يتلقى سواء- بطريق مباشر أو غير مباشر – أن الحياة مادة ولذلك يحياها الإنسان ، أن يعبد الله وحده بعد ذلك في حركاته وسكناته وأن يتعامل مع الدنيا معاملة الموحد لله لا معاملة صاحب الشهوات ؟
2. الواقع الاجتماعي كان له دور في فشل جهود الجاهلية المعاصرة في العالم الإسلامي في تطوير أو تحسين التعليم. كيف ذلك ؟ جميعنا يدرك الحرب العسكرية والعقائدية التي شنتها الجاهلية العالمية على دار الخلافة الإسلامية في اسطنبول حتى أسقطتها ، ثم ، أنشأوا بعد ذلك دولا علمانية تكفر بالله وما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا نغالي إن قلنا أنه وبعد سقوط دار الخلافة ، ودار الإسلام تعيش أقسى أنواع الحروب ضدها بيد الطغاة الداخليين سواء أكانوا طغاة المال أو السياسة أو طغاة الثقافة و حروبهم التي لا تنتهي، من حروب نفسية أم أخلاقية أم عقائدية أم اقتصادية ، كان من حصادها المؤلم تفكيك المجتمعات المسلمة وإغراقها في دوامة الهموم والأحزان وضنك العيش ، فانعكس ذلك في ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات والمسكرات وكذلك زيادة حالات الطلاق والجريمة بشتى أنواعها وانتشار الزنا واللواط والهجرة الخارجية ، ناهيك عن اليأس من الواقع ومن إصلاحه . لذلك نطرح السؤال التالي: ألا يأتي التلاميذ إلى المدارس وهم في همّ من هذا الواقع والبؤس الاجتماعي الذي خلقته الدولة الجاهلية المرتدة ؟ بلى وربى فإّذا كان واقع الطالب الأسري في مآسي لا تعد سواء من فقر أو طلاق بين الوالدين أو انحراف في بيئته الأسرية أو الاجتماعية ، فكيف يمكن أن نتوقع منه بعد ذلك الجد والاجتهاد في ميادين التعليم التي أنشأتها الدولة الجاهلية العلمانية ؟ بل كيف يمكن أن يكون الجد هدفه والاستقامة عنوانه وهو يأتي الميدان التعليمي وقد بيّت أرباب السياسة التعليمية النية لإفساد تفكيره من خلال المناهج المسمومة ؟ أنسي هؤلاء الأوغاد المجرمون أن الجد والتفوق هو حالة نفسية قسماتها فكرة سامية وأمل يبنى خياله ويشحذ أشواقه و محضن أسري يقود طموح الجد ويعزز سلوك التفوق ؟ فمن أين يمكن أن يكتسب كل ذلك وقد تمحّض الانحطاط و تفاقم الشر وزالت أسباب الأمل من نفوس التلاميذ بدمار بيئتهم الأسرية والاجتماعية ؟ يقول أحد أساتذة علم الاجتماع ملخصا وضع الأسرة العربية بعد أن بيّن دور الدولة القومية العلمانية في خرابها:
صاحب ممارسات التنمية تفكك في العلاقات الأسرية انتقل بها –وقبل الأوان الاجتماعي- من الشكل الممتد إلى البسيط ليعمق قيم الفردية والمصالح المادية. ولعل من ابرز الأدلة على هذا التفكك بروز الأنانية والعزوف عن الزواج لدى بعض الشرائح والطبقات وبخاصة في المدن وظهور العنف الذي تنوعت صوره بين رمزي ومادي وتزايد معدلات الطلاق بثلاثة أو أربعة أضعاف ما كانت عليه منذ ثلاثة عقود كما تضاعفت معدلات انحراف الأحداث وأطفال الشوارع إلى ما بين ثلاثة لأربعة أضعاف ما كانت عليه منذ ثلاثة عقود أيضا)
لذلك ، أصبح التلاميذ يأتون إلى المدارس ونفوسهم ُحبلى بالهموم أو فقدان التربية الأسرية أو تدنى في مستواه الأخلاقي نتيجة ظروفهم الأسرية أو الاجتماعية وانحدر مع ذلك الجد والاجتهاد في المدارس لما يعانيه الطلاب من ظروف اجتماعية بيّناها من قبل ، ولن يصلح وضع التلاميذ خصوصا ومستوى التعليم عموما والمجتمع المسلم غارق في همومه ومضطرب في أوضاعه وذئاب العلمنة والماسونية المتلبسين بأسماء وهويات إسلامية ينهشون في جسده من خلال الإعلام الفاسد والربا وإشاعة الخمور ودور الزنا والفكر الإباحي تحت شعار " الفكر التنويري " والحداثي"
3. كذلك ، عندما قامت الدولة العلمانية الجاهلية ، بعد سقوط الخلافة في تركيا ، وخصوصا بعد حقب التحرير ، كما يسمونها من قبضة الاحتلال الغربي ، رُكزت الجهود على بناء الاقتصاد الوطني –كما يسمونه- فاتبع بعضها خطى الاقتصاد الاشتراكي والآخر الاقتصاد الرأسمالي ، ظنا منهم أن ذلك طريق التقدم المادي والازدهار والاجتماعي والذي لا يكون إلا بإتباع أحد هاذين المنهجين. ولكن و بعد عقود من التنمية الوطنية ما الذي حدث ، هل تحقق ما أرادوا ؟ هل نافست الدولة القومية العربية قوى الحضارة المسيطرة ؟ هل بنت الشعوب عقائديا واجتماعيا واقتصاديا؟ كلا ، لقد انهارت أحلام التقدم وأوهام الازدهار وحل الفقر بالقطاعات المادية والشعبية ، فالقطاع الزراعي والصناعي والإنتاجي عموما في أسوء حالاته ولم تحقق أي تقدم للمجتمعات العربية ، والمؤسسات المدنية غشاها الفساد الإداري من نهب للأموال العامة إلى تأخر الإنجازات وانتشار المحسوبية والواسطة ، بل إن هذه الدول وهي تعلم حقيقة وضعها ، أصبحت سياسيا واقتصاديا في قبضة الماسون العالمي ومؤسساته المختلفة بدءا من البيت الأبيض وليس آخرها صندوق النقد الدولي الذي جرّ أقدام الدول العلمانية نحو تطبيق وصفاته الاقتصادية التي ساهمت بشكل رهيب في انتشار الفقر المرّوع في الشرائح الاجتماعية المختلفة بزيادة مساحة الطبقة الفقيرة وانحدار نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى نحو شقيقتها الطبقة الفقيرة ، في ذات الوقت الذي يزداد فيه الأغنياء غنى وتتجه السياسات الاقتصادية الجاهلية المقيتة لصالحهم وضاربة عرض الحائط آمال الجوعى والمحرومين والمهمشين، وتلك والله ملامح مجتمعات ليس للترامح والتكافل فيها من حظ عظيم . وللأسف .
ما علاقة النظام التعليمي بهذه الأوضاع ؟ هنالك وجهان :
أولا : اتفقت النظريات التعليمية المعاصرة أن البنية الأساسية المدرسية وأوضاع المعلمين المادية والاجتماعية تسهم بدور محوري لا غنى عنه في نجاح العملية التعليمة . وهذا صحيح ، فمثلا يؤخذ بعين الاعتبار عدد الطلاب في الفصل الدراسي كمعيار لجودة التعليم فكلما انخفض عدد الطلاب كان ذلك أحد المؤشرات التي يؤخذ بها على الجودة مع بقية المؤشرات إذا توافرت، مثل توفر الوسائل التعليمة وإعداد المناهج وسلامة المبنى المدرسي ومستوى وكفاءة المعلمين .
والمؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي ليس لها حظ وافر من هذه المؤشرات، فإذا توفر مؤشر غاب الآخر. فأعداد التلاميذ في الفصل الدراسي الواحد بلغ ما بين 60 – 70 تلميذا كما في مصر والصومال واليمن والباكستان . كذلك ، رواتب المعلمين في أسوء حالاتها مما اضطرهم إلى " حمّى " الدروس الخصوصية أو العمل في وظائف أخرى بعد الدوام المدرسي لإيجاد مورد آخر يستطيعون من خلاله إعالة أسرهم وأنفسهم في زمن الغلاء وانهيار الآمال وانتشار الأنانية وحب الذات وتفاقم البؤس الاجتماعي فلا رحمة ولا تعاون ولا تكافل.
ما الذي أوجد هذه الحالات التعليمية الصعبة ؟ بلا شك نقص المال الذي به قوام الحياة . ذلك أن اقتصاد الدولة القومية ليس لديه القدرة الإنتاجية المتطورة كالصناعة والزراعة أو غيرها من وسائل القوة المادية التي تستطيع توليد المال ، مما يعنى اللجؤ إلى سياسة التقتير في الإنفاق على المؤسسات الخدمية الاجتماعية كالصحة والتعليم ، ناهيك عن المديونية الهائلة التي تعاني من شدة وطئتها الدولة القومية في العالم العربي و الإسلامي وتأكل سداد هذه المديونيات من الثروة القومية فلا تترك إلا الفتات من الأموال الذي لا يكفي لتطوير مؤسسات التعليم ، ولذا لا مفر من مواجهة انحدار المستوى نتيجة غياب العناصر المادية والظروف الموضوعية ومعها يدور نجاح العملية التعليمية حيث دارت ، فلا غَروَ ، أن ترتفع معدلات التسرب بين الطلاب والإعادة والرسوب .
ثانيا : ولمّا كانت الجاهلية المحكّمة لشرائع الطواغيت لها الهيمنة والحول والقوة ، فقد انعكس ذلك الوضع المقيت في انهيار النظم المختلفة للمجتمع أو استمرارها وبأسوأ الأحوال ، ومن ذلك : مضاعفة مشكلات النظام الاقتصادي وتدني إنتاجيته وهزال كفاءته ، من مشكلات النظام التعليمي. إذ أن خريجي المدارس ليس لهم أي حظ في الحصول على وظائف تنعش حياتهم و تقيم أودهم أو تشبع جوعاتهم ، وإن حصل الشاب على الوظيفة أو العمل ، فبأسوأ وأزهد الأجور حيث لا تعينه على استقامة ولا تبنى له رفاه أو تحقق له رخاء ولا تعينه على الباءة ( أي الزواج ) ناهيك عن اقتناء المسكن أو وسائل المواصلات أو حتى كفاية الأجر للطعام والشراب وأكدت الإحصائيات أن 17 مليون عربي بلا عمل ، والثلث من العاملين فقراء والمطلوب من الحكومات العربية أن تؤمن 3.9 مليون وظيفة سنويا ولكن هيهات هيهات أن يستطيع عملاء الماسون العالمي وأرباب الطغيان وزعماء الإفساد أن يؤمنوا مثل هذا العدد الهائل من الوظائف.
لذا هزُلت هيبة التعليم وأهميته في نفوس الأسر واقتنعوا أن لا جدوى منه ، فلا التعليم يؤدي إلى الوظيفة أو فرص العمل ، وإن وجدت ، فوظائف ليس منها إلا الذل والهوان و ليس منها إلا حياة الأموات ، وما كان ذلك لو كان اقتصاد الدولة الجاهلية ، اقتصاد فيه الديناميكية والمتانة والإنتاجية المرتفعة والقدرة على المنافسة والتنوع الإنتاجي من زراعة وصناعة وقطاع خدمات واستغلال أمثل للثروات المعدنية . ولكن هيهات هيهات.
4. وأخير ‘ فالله بيّن في كتابه العزيز هوان من اتخذ إلها غير الله سبحانه وتعالى ، فإنه لا يكون إلا كافرا وظالما وفاسقا ومتبعا لهواه ، ولا بد أن تتلوث الحياة بهذا الدون والهوان ، لا بد أن تكون الحياة مليئة بالمظالم والفسوق والضياع لأنها إفرازات البشرية التائهة والضالة عن سبيل الله رب العالمين . يقول سبحانه وتعالى :
( ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق)
هذه نتيجة حتمية وقانون أبدي وسرمدي خالد لا يتغير ولا يتبدل. لا استقرار ولا فلاح ولا سؤدد لقوم أشركوا بالله. مصيرهم التيه والضياع والبقاء مع الأذلين.
والدولة العلمانية الجاهلية في العالم العربي الإسلامي ، لم يعد لها من سياسة راسخة لا تحيد ولا تتزعزع عنها إلا إفساد حياة المسلمين والإطاحة بعقيدتهم والنظام الأخلاقي الذي انبثق منها فتلك حربهم وذلك ديدنهم من أجلها جيشوا القوة المادية والعسكرية وسخروا أنظمتهم لها من تعليم وإعلام واقتصاد وأضحت الأصنام المعبودة من دون الله : " النمو الاقتصادي" و " التنوير الفكري " و " محاربة الرجعية والجمود " وما إلى ذلك من شعارات الفراعنة والطواغيت .
ونقول لهم : لقد أفسدتم الجيل بمدارسكم لما زرعتم فيها جراثيم العلمنة وما ينتج منها من فساد أخلاقي وضياع نفسي ولكن لن تدوم تلك الحالة لكم إلى الأبد :
(إن الله لا يصلح عمل المفسدين)