بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
قاعدة: المشقة تجلب التيسير؛ مفهومها وتطبيقاتها
بقلم: الدكتور الشريف حمزة بن علي الكتاني.
تمهيد
وبعد؛ فهذا بحث بخصوص "قاعدة: المشقة تجلب التيسير، مفهومها وتطبيقاتها"، أستعرض فيه مفهوم هذه القاعدة، ودلالتها اللفظية، ثم تأصيلها من الناحية الشرعية، وأقوال العلماء في ذلك، ثم أضرب عدة أمثلة في مسائل فقهية أُخذ فيها بهذه القاعدة.
معتمدا في ذلك على ما تيسر لدي من المصادر الأصولية، وفقه القواعد الشرعية، التي غطت البحث من عدة نواحي، من المصادر المعتمدة قديما وحديثا، أو ما رُسم عند المتأخرين على منوالها.
خطة البحث:
ونظرا لاشتراط أي بحث أن يقوم على خطة متجانسة البناء، محكمة الصياغة، فقد آثرت أن تكون خطتي كالتالي:
- المقدمة: أستعرض فيها تعريف القاعدة ومفهومها.
- الفصل الأول: تأصيل القاعدة من الناحية الشرعية، وأقوال الفقهاء في ذلك.
- الفصل الثاني: نموذج من التطبيقات الفقهية لهذه القاعدة.
- الفصل الثالث: في قواعد نتجت عن هذه القاعدة.
- الخاتمة في خلاصة الموضوع.
- فهرس المصادر.
- الفهرس العام.
وأسأل الله تعالى أن يوفقني فيما رمت إليه، ويجعل لي سبيلا إلى الصواب والسداد، فما كان من التوفيق فهو من الله وحده، وما كان من غيره فهو مني ومن الشيطان. وصلى الله وسلم على نبينا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
وكتبه:
الشريف محمد حمزة بن محمد علي الكتاني
المقدمة
قبل الدخول في أي موضوع موضوع، يجب علينا تعريفه وشرحه، حتى يتيسر تصوره ومن ثمة فهمه على الطريقة الصائبة. فقاعدة "المشقة تجلب التيسير" من قواعد الفقه الكلية الخمس التي يرجع إليها الفقه كله، وقد دلت عليها نصوص شرعية كثيرة من الكتاب والسنة، بل وإجماع الأمة.
معنى "القاعدة الفقهية":
وقبل الدخول في معنى القاعدة المدروسة، أجد لزاما علي تعريف مصطلح "القاعدة الفقهية" لغة واصطلاحا:
فالقاعدة لغة: الأساس. وهي تجمع على قواعد، وهي: أسس الشيء وأصوله حسيا كان أو معنويا. وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم، قال الحق تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}. [البقرة/ 127]. وقال جل جلاله: {فأتى الله بنيانهم من القواعد}. [النحل/ 26]. وقال الزجّاج: "القواعد: أساطين البناء التي تعمده"(1).
أما من الناحية الاصطلاحية: فهي قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها. وعرفها أبو البقاء الكفوي بقوله: قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها. وللتفتازاني، والتاج ابن السبكي، والتهانوي تعاريف تدور حول هذا المعنى(2).
معنى قاعدة "المشقة تجلب التيسير":
ومعنى "المشقة تجلب التيسير" من حيث اللفظ: أن الأصل في الأحكام الشرعية أن تطبق، ويعمل بها وفق ما أمر به الشارع، غير أن هذا التطبيق مشترط بالاستطاعة والقدرة على التطبيق، ومتى عدمت تلك الاستطاعة والقدرة، فإن الأمر يرفع إما كليا أو جزئيا، يرفع كليا بانتفاء أسبابه، ويرفع جزئيا بالتخفيف في شروطه، وحتى أركانه أحيانا، كالوقوف في الصلاة، وحضور الجمعة والجماعة...إلخ.
وحينئذ؛ فهذه قاعدة فهمت من مجموعة كبرى من الفروع، وتنطبق على جل جزئياتها، والتي هي جل أحكام الشريعة الغراء.
فجميع الشريعة حنيفية سمحة، حنيفية في التوحيد، لأن مبناها على عبادة الله وحده لا شريك له، ولسنا مطالبين في التعمق في المسائل العقيدية، وشدة التعمق في مسائل الغيب، إنما نؤمن بكلام الله على مراد الله.
سمحة في الأحكام والأعمال، فالصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة، لا تستغرق من الوقت إلا جزءا يسيرا. والزكاة لا تجب إلا في الأموال المتمولة إذا بلغت نصابا، وهي جزء يسير في العام مرة. وكذلك صيام شهر رمضان شهر واحد في جميع العام، والحج لا يجب إلا مرة في العمر على المستطيع..وبقية الواجبات عوارض بحسب أسبابها، وكلها في غاية اليسر والسهولة.
ثم إنه مع هذه السهولة في الأحكام، إذا عرض للعبد بعض الأعذار التي تعجزه أو تشق عليه مشقة شديدة؛ خفف عنه تخفيفا يناسب الحال، فيصلي المريض الفريضة قائما، فإن عجز قاعدا أو نائما ويوميء بالركوع والسجود، ويصلي بطهارة الماء، فإن شق عليه صلى بالتيمم، وإن كان مسافرا جمع بين الظهرين والعشاءين...إلخ. وتأتي في الفصل الثاني بعض الفروع الفقهية التي بنيت على هذه القاعدة بإذنه تعالى(3).
الهوامش:
(1) "القواعد الفقهية" ص39، 40، 41 ملخصا.
(2) "القواعد والأصول الجامعة" ص29، 30، ببعض تصرف..
(3) "القواعد والأصول الجامعة" ص29، 30، ببعض تصرف..
-يتبع-