(وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ) [البقرة: 87]
السؤال الأول:
هل لمعنى لفظة (وَأَيَّدۡنَٰهُ) [البقرة:87] الواردة في الآية علاقة باليد؟ وما دلالة (وَقَفَّيۡنَا) [البقرة:87]؟
الجواب:
معنى (وَأَيَّدۡنَٰهُ) أي: قوّيناه وشددنا أزره وعضده, والفعل (أيدناه) مأخوذ من اليد، فما صلة اليد بقويّناه؟ اليد تطلق عادة على القدرة والمنعة؛ لأنها آلة القوة والدفاع عن النفس ومنع الآخرين من الاعتداء.
وأما معنى الفعل (وَقَفَّيۡنَا) أي أتبعنا , والمادة كلها تدل على التبعية ,والقفا كل تابع وهو مؤخر العنق , ومنه قافية الشعر لأنها تتبع البيت.
ومعنى قوله تعالى: (وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ) أي اتبعنا بعضهم بعضاً على منهاج واحد فكان منهم: داود وسليمان وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى عليهم السلام , إلى أن كانت رسالة عيسى عليه السلام حيث أنزل الله عليه الإنجيل وأيده بالمعجزات الباهرات , ثم ختم الله الرسالات برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم , ولكنّ الكفر برسل الله ظلّ ملازماً لليهود , وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي عليه السلام: يكفينا ما أنزل الله علينا من الكتب , وما أُرسل فينا من الرسل , فنحن ماضون على شريعة الرسل السابقين , ومتّبعون لمنهجهم.
السؤال الثاني:
لماذا اختلفت صيغة الفعل في قوله تعالى: (فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ) [البقرة:87]؟
الجواب:
(كذبتم) فعل ماض، و(تقتلون ) فعل مضارع.
آ ـ الأفعال تعبّر أحياناً عن الأحداث المستقبلية بأفعال ماضية، كقوله تعالى: (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ) [الزُّمَر:73].
ب ـ أو تعبر عن الأحداث الماضية بأفعال مضارعة حكاية الحال فتُعبّر عن حدث ماضٍ بفعل مضارع، كأنما نريد أنْ نستحضر الحدث أمامنا، مثل قوله تعالى في سورة الأعراف: (وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:57].
ج ـ الفعل المضارع (تَقۡتُلُونَ) جاء ليدل على إمكانية تجدد وتكرار الحدث، وهم قد فعلوا ذلك فعلاً عندما حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا أنْ عصمه الله منهم.
السؤال الثالث
ما ترجمة: (عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ) [البقرة:87]؟
الجواب:
عيسى: اسم معرب , من يسوع , أو يشوع , ومعناه: السيد أو المبارك , وقد وُلد عيسى في بيت لحم سنة ست مئة وعشرين قبل الهجرة , أثناء حكم الرومان , وكان حاكم القدس من قِبَل الرومان اسمه ( هيردوس ) وجاءته الرسالة في سن الثلاثين , وبقي في الدنيا إلى سن الثالثة والثلاثين , حيث رُفع إلى السماء.
مريم: اسم عبراني , وهي ابنة عمران , من سبط يهوذا , وَلدت عيسى وهي في الثالثة عشرة من عمرها , وكان أبوها قد مات قبل ولادتها , فكفلها زكريا زوج خالتها , وكان كاهناً من أحبار اليهود.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,
(وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ)[البقرة: 88]
السؤال الأول:
مامعنى قوله تعالى (غُلۡفُۢۚ) [البقرة:88]؟
الجواب:
الغلف: جمع أغلُف، وهي الأغشية، والمعنى أنهم يقولون: قلوبنا غلف مملوءة بالعلم والحكمة وهي مغشاة بأغطية مانعة من وصول أثر دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم , أو هي كالغلاف الخالي لا شيء فيه.وكلمة (غُلۡفُۢۚ) جمع أغلف , كأنما أُغشي غلافاً فهو لا يعي , والمعنى أنّ قلوبهم مغشاة بأغطية لا يدري أحدٌ ما وراءها.
السؤال الثاني:
ما دلالة قوله تعالى (فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ) [البقرة:88]؟
الجواب:
في معانيها وجوه:
آـ لا يؤمن منهم إلا القليل.
ب ـ لا يؤمنون إلا بقليل مما كلفوا، حيث إنهم يؤمنون بالله ويكفرون بالرسل.
ج ـ لا يؤمنون أصلاً لا قليلاً ولا كثيراً، كما يقال: قليلاً ما يفعل، بمعنى لا يفعل البتة.
السؤال الثالث:
لماذا نصبت (فَقَلِيلٗا) ؟
الجواب:
لفظة (قليلاً) نصبت على تقدير:
آـ نائب مفعول مطلق بتقدير: إيماناً قليلاً , و( ما ) صلة.
ب ـ بنزع الخافض، أي: بقليل ما يؤمنون.
والله أعلم.
(وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ) [البقرة: 89]
السؤال الأول:
جاءت كلمة (مُصَدِّقٞ) [البقرة:89] مرفوعة في هذه الآية وفي الآية[101] بينما جاءت منصوبة في آية البقرة (مُصَدِّقٗا) [البقرة:91] وجميع الآيات هي في سورة البقرة، فلماذا؟
الجواب:
أولا: لنسنعرض الآيات:
قوله تعالى: (وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ) [البقرة:89].
قوله تعالى: (وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ ) [البقرة:91].
قوله تعالى: (وَلَمَّا جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ) [البقرة:101].
ثانياً:
الآية[89] كتابٌ: فاعل مرفوع، فتكون الصفة (مُصَدِّقٞ) مرفوعة.
الآية [91] جملة (وَهُوَ ٱلۡحَقُّ) الواو: واو الحال، والجملة (هو الحق) مبتدأ وخبر في محل نصب حال , و(مُصَدِّقٗا) حال منصوبة.
الآية[101] رَسُولٌ: فاعل، وتكون (مُصَدِّقٞ) صفة مرفوعة.
السؤال الثاني:
ما دلالة الفعل (يستفتحون) في هذه الآية؟
الجواب:
الفعل (يستفتحون) أي يستنصرون , وفتح الله على نبيه أي نصره. قال أبو العالية: كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب , يقولون لهم: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوباً عندنا في التوراة حتى نُعذّب المشركين ونقتلهم , فلمّا بَعث اللهُ محمداً عليه السلام , ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسداً للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله.
وقال قتادة: لمّا بعث الله محمداً , فرأوه أنه بُعث من غيرهم كفروا به , حسداً للعرب , وهم يعلمون أنه رسول الله ,يجدونه ممكتوباً عندهم في التوراة.
****
{بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِين َ عَذَابٞ مُّهِينٞ} [البقرة: 90]
السؤال الأول:
ما دلالة لفظة (بَغۡيًا) في الآية؟ وما دلالة قوله تعالى: (فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ) ؟
الجواب:
1 ـ لفظة (بَغۡيًا) أي حسداً وظلماً لأن تكون النبوة في بني إسماعيل عليه السلام , والبغي: هو اشتداد في طلب شيء ما, وأصله مطلق الطلب والإرادة. وكلمة(بَغۡيًا) تعرب مفعول لأجله , وهو علة ( اشتروا ) أو علة ( يكفروا ).
2ـ قوله تعالى: (فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ) أي عاقبهم الله بغضبين:
آ ـ الغضب الأول: بسبب عبادتهم للعجل من دون الله , وعدم إيمانهم بعيسى عليه السلام وبالإنجيل , وتحريفهم للتوارة.
ب ـ الغضب الثاني: بسبب عدم إيمانهم بالرسول عليه الصلاة والسلام وبالقرآن , ونتيجة عملهم هي: (وللكفرين عَذَابٞ مُّهِينٞ) من الإهانة فيُذلهم ويُخزيهم.
السؤال الثاني:
وردت لفظة ( بئسما ) في القرآن الكريم متصلة (بِئۡسَمَا) ومنفصلة (لَبِئۡسَ مَا) فما تعليل ذلك؟
الجواب:
1 ـ وردت لفظة (بِئۡسَمَا) في القرآن الكريم متصلة في ثلاثة مواضع وهي:
[ البقرة 90 ـ 93 ـ الأعراف 150 ] ووردت منفصلة (لَبِئۡسَ مَا) في ستة مواضع وهي:
[ البقرة 102 ـ المائدة 62 ـ 63 ـ 79 ـ 80 ـ آل عمران 189 ].
2ـ حرف ( ما ) في لفظ {بِئۡسَمَا} يأتي موصولاً في الآيات التي ليس فيها تفصيل , لأنه بمعنى واحد من جهة كونه مذموماً , بخلاف قوله تعالى :
{ وَتَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ}[ المائدة: ٦٢ ] فحرف ( ما ) يشتمل على الأقسام الثلاثة التي ذكرت قبل في الآية , وكذلك قوله تعالى:
{ تَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ} [ المائدة: 80 ] فحرف ( ما ) مفصول لأنه يشتمل ما بعده من الأقسام. والله أعلم.
السؤال الثالث:
ما دلالة رسم كلمة (فَبَآءُو) بدون ألف في القرآن الكريم؟
الجواب:
وردت كلمة (فَبَآءُو) بدون ألف في آخرها ثلاث مرات في كل القرآن الكريم في الآيات:
[ البقرة 61 ـ90 ـ آل عمران 112 ] وكلها بدون ألف في آخرها , ويوحي هذا الحذف للألف بسرعة اكتسابهم غضب الله , وهم اليهود الذين عصوا الله سبحانه فاستحقوا سرعة غضبه. والله أعلم.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٩١) [البقرة: 91]
السؤال الأول:
ما المقصود بـ (بِمَا وَرَآءَهُۥ) [البقرة:91] في الآية؟
الجواب:
1ـ الدين الذي كان سائداً قبل الإسلام في جزيرة العرب هو اليهودية وليس النصرانية, واليهود كانوا قبائل في جزيرة العرب، واليهودي لا يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام، ولذلك بقي يهودياً وإلا لأصبح نصرانياً أو مسلماً.
2ـ وقوله تعالى: (وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ) أي: وراء ما أنزل الله عليهم مما أنزل الله على رسله ما قبل التوراة وما بعدها؛ لأنّ وراء تفيد: خلف وأمام، ولا شكّ أنّ هذا يشمل القرآن الكريم. وجاء بما يدلّ على القرآن بالصيغة الاسمية مع واو الحال {وهو الحق}ليدل عليه بشكل ثابت وقطعي، وعلى حاله بكونه (مُصَدِّقٗا) للتوراة من غير تفاوت بينهما في الأصول.
3ـ والقرآن يدلّ على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فلمّا أخبر الله عنه أنه مصدق للتوراة وجب اشتمال التوراة على الإخبار عن نبوته، وإلا لم يكن القرآن مصدقاً للتوراة بل كان مكذباً لها.
4ـ وإذا كانت التوراة مشتملة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم قد اعترفوا بوجوب الإيمان بها لزمهم من هذه الجهة الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
السؤال الثاني:
ما دلالة صيغة الفعل المضارع في (تَقۡتُلُونَ) ؟
الجواب:
هذا يُسمّى حكاية الحال، بمعنى أنه إذا كان الحدث ماضياً وكان مهماً فإنّ العرب تأتي بصيغة المضارع حتى تجعل الحدث وكأنه شاخص ومُشاهد أمامك.
والمضارع يدل على الحال والاستقبال، والإنسان يتفاعل عادة مع الحدث الذي يشاهده أكثر من الحدث الذي لم يره أو الذي وقع منذ زمن بعيد، فالعرب تحول صيغة الأحداث إلى صيــغة مضارع وإنْ كانت ماضية.
وهذا الأمر ورد في القرآن كثيراً، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: (قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة:91] قتل الأنبياء هو حالة مستغربة، وفي القرآن يأتي بصيغة المضارع مع الأشياء التي تدل على الحركة والحيوية والمهمة.
وقد جاء في قوله تعالى في سورة فاطر: (وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ) [فاطر:9] جاء فعل (أرسل) بصيغة الماضي ثم فعل (فَتُثِيرُ) بصيغة المضارع ثم فعل (فَسُقۡنَٰهُ) بصيغة الماضي مع أنّ السّوق يأتي بعد الإثارة والأحداث كلها ماضية؛ لكنّ الإثارة مشهد حركة فجعلها بصيغة المضارع ليدلّ على الحضور.
وهذا الأمر نجده أيضاً في السيرة، ففيما روي عن الصحابي الذي قتل أبا رافع اليهودي الذي آذى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال يصف ما حصل شعراً:
فناديت أبا رافع فقال نعم فأهويت عليه بالسيف فأضربه وأنا دهش؟
فجعل صيغة المضارع للمشهد الأبرز وهو الضرب، فكأنّ السامع يرى الحادثة أمامه ويرى الصحابي وهو يضربه.
السؤال الثالث:
ما دلالة قوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) في هذه الآية وفي القرآن الكريم؟
الجواب:
ورد هذا التركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) في القرآن الكريم في (16) موضعاً وهي ( البقرة 91،93،248،278) وآل عمران ( 49 ,139، 175 ) المائدة ( 23، 57،112 ) الأعراف ( 85 ) الأنفال ( 1)التوبة (13) هود( 86 ) النور( 17 ) الحديد (8 ).
بينما ورد التركيب (إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) في مكان واحد في آية التوبة في قوله تعالى: (يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) [التوبة:62].
وهذا التركيب العجيب يضع الناس أمام أنفسهم وجهاً لوجه , وسر هذا التركيب يكمن في كلمة (إنْ) وهي أداة شرط تستعمل في القرآن عندما يكون الأمر موضع شك قابلاً للظن والاحتمال , أمّا (إذا) فتستعمل في مواضع اليقين.
وقد ورد تركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) مع فئتين من الناس:
الأولى: وهم المؤمنون الصادقون الذين لا يُشَكُّ في صدقهم وحسن بلائهم وسابق جهادهم وصحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
الثانية: وهم المنافقون الفاسقون الذين لا يُشَكُّ في خياناتهم وتلونهم وكذبهم.
ومن السهل أنْ نفهم التركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) مع الفئة الثانية فهم يكذبون على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، ولذلك يخاطبهم الله عز وجل بأسلوب الشك في إيمانهم ويبين للمؤمنين الصادقين كذبهم ونفاقهم، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة:91].
أمّا ورود هذا التركيب مع فئة المؤمنين الصادقين المخلصين كما في آية الأنفال: (يَسۡ*َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [الأنفال:1] وقد نزلت هذه الآية الكريمة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بدر ومعه الصحابة الذين هم أكرم أهل الأرض بعد أنبياء الله , فمن الواضح أنّ مثل هذه الآية عندما ترد مع مثل هؤلاء الناس تكون تطهيراً لهم وتعليماً وتذكيراً، كأنها تضعهم في منزلة الشك في إيمانهم إنْ لم يفعلوا ما يأمرهم الله به فيهبوا للعمل بأحكام الله فيدفعوا عنهم صورة التردد والشك، وليدخلوا في دائرة الإيمان الوثيق الذي يعلمه الله منهم بصدق أقوالهم وأعمالهم.
السؤال الرابع:
ما دلالة لفظة (قَبۡلُ) في هذه الآية (قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ) [البقرة:91]؟
الجواب:
قوله تعالى: (مِن قَبۡلُ) طمأنة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنّ قتلهم الأنبياء انتهى , وفي الوقت نفسه قضاء على آمال اليهود في أنْ يقتلوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم .
وبذلك نزع الله الخوف من صدور وقلوب المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ ما جرى للرسل السابقين من بني إسرائيل لن يجري على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم لو تآمروا على قتله عليه الصلاة والسلام فلن يفلحوا.
واليهود بعد نزول هذه الآية لم يتوقفوا عن تآمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة بمحاولة إلقاء الحجر عليه، ومرة بدس السم له، ومحاولات أخرى لكنها فشلت كلها.
السؤال الخامس:
كيف جاز قوله تعالى: (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ) ولا يجوز أنْ يقال: أنا أضربك أمس؟ وما نوع الفاء في لفظة: (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ) ؟
الجواب:
1ـ في الأمر قولان:
آ ـ أنّ ذلك جائز إذا كان بمنزلة الصفة اللازمة، كقولك: ويحك لِمَ تكذب؟ كأنك قلت: لم يكن هذا من شأنك , وكقوله تعالى: (وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ) [البقرة:102] ولم يقل: ما تلت؛ لأنه أراد من شأنها التلاوة.
ب ـ كأنه قال: لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إنْ كنتم آمنتم بالتوراة؟
2ـ الفاء (فَلِمَ) تسمى الفصيحة لأنها قد أفصحت عن شرط مقدر , أي إنْ كانت دعواكم صحيحة فَلِمَ تقتلون؟ واللام حرف جر , و( ما ) اسم استفهام في محل جر باللام , وحُذفت الألف من ( ما ) فرقاً بينها وبين ( ما ) الخبرية. والجار والمجرور متعلقان بالفعل ( تقتلون ).
والله أعلم.
السؤال السادس:
ما دلالة هذه الآية بشكل عام؟
الجواب:
1ـ عندما قال المسلمون لليهود آمنوا بمحمد , ردّ عليهم اليهود: نحن نؤمن بما أُنزل على نبينا موسى عليه السلام ولا نؤمن بغيره (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ) .
2ـ قال تعالى: (وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ) فجاء بألف التعريف ( الحق ) بصيغة التعريف لا بصيغة التنكير, ليبيّن أنه الحق بصورة دائمة , وهو يوافق التوراة التي بين أيديكم , فوحي السماء واحد لا يختلف.
3 ـ ردّ الله عليهم مقالتهم بأمرين:
آ ـ من يكفر بالقرآن فقد كفر بالتوراة , لأنه الحق المطابق للواقع الموافق للتوراة , فهو: (ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ) .
ب ـ إنْ كنتم مؤمنين بما أُنزل عليكم (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) أي إنْ كنتم كما تزعمون أنكم تؤمنون بكتب الله كالتوراة والإنجيل , وبرسل الله كموسى وعيسى عليهما السلام فلِمَ قتلتم أيها اليهود أنبياء الله كيحيى وزكريا؟! وقد حرّم الله عليكم ذلك في التوراة , ولمَ كذبتم نبيكم موسى عليه السلام؟!!!
والله أعلم.
(وَلَقَدۡ جَآءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ)[البقرة: 92]
السؤال الأول:
متى تُذكَّر (ٱلۡبَيِّنَٰتُ) أو تؤنَّثُ في الاستعمال القرآني؟
الجواب:
جاءت كلمة (ٱلۡبَيِّنَٰتُ) بصورها المختلفة في القرآن الكريم أكثر من 52 مرة، فإنْ جاءت بمعنى المعجزات تؤنث، وإنْ جاءت بمعنى حبل الله أو القرآن أو بمعنى الأمر والنهي تذكّر.
شواهد قرآنية على التأنيث، أي: بمعنى المعجزات والنبوءات:
ـ (فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة:209].
ـ (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ*ۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ) [البقرة:213].
ـ (تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة:253].
ـ (ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَٰلِكَۚ وَءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا) [النساء:153]
شواهد قرآنية على التذكير، أي: بمعنى الأمر والنهي:
ـ (كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ) [آل عمران:86].
ـ (وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ) [آل عمران:105].
ـ (قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلۡبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرۡتُ أَنۡ أُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [غافر:66].
السؤال الثاني:
ما دلالة هذه الآية؟
الجواب:
1ـ المعنى العام: لقد جاءكم نبي الله موسى عليه السلام بالمعجزات الواضحات الدالة على صدقه , كالطوفان والجراد والقمّل والضفادع وغير ذلك ,ومع ذلك اتخذتم العجل معبوداً , بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه ,فلم يكن اتخاذكم العجل معبوداً عن جهل ,لذلك صار الظلم وصفاً لكم , وجاء بواو الحال المقرونة بالصيغة الاسمية الدالة على ثبوت الظلم وملازمته لكم (وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ) .
2ـ قوله تعالى: (وَلَقَدۡ) جاء بصيغة التوكيد , فاللام جواب قسم محذوف , و( قد ) حرف تحقيق.
3ـ قوله تعالى: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) ولم يقل: (بَعدَه ) ليفيد بقصر الزمن, أي بعد مفارقة موسى عليه السلام إلى الطور.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
(وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة: 93]
السؤال الأول:
ما معنى (وَأُشۡرِبُواْ) في الآية؟
الجواب:
الإشراب هو أنْ تسقي غيرك وتجعله يشرب، فكيف أُشربوا العجل؟
إنّ الشرب هو جريان الماء في عروق الإنسان، وقد عبّر الله تعالى عن شدة شغف اليهود بالعجل بشرب الماء؛ لأنّ الماء أسرى الأجسام في غيره, ولذلك يقال: الماء مطية الأدوية ومركبها التي تسافر به في أقطار البدن, فجعل شدة حبهم للعجل وعدم قدرتهم على إخراج هذا الحب الذي خالطهم أشبه ما يكون بالماء الذي لا غنى لأحد عنه وهو يسري في عروق الإنسان فيصبح جزءاً من جسم الإنسان , وكذلك حُبُّ بني إسرائيل للعجل خالط لحومهم ودماءهم حتى غدا جزءاً منهم. وقد عُبّر عن حبّ العجل بالشرب دون الأكل لأنّ شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها والطعام لا يتغلغل فيها , وفي هذا تشبيه بليغ حيث جُعلت القلوب لتمكّن حبِّ العجل منها كأنها تشرب , وقوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِمُ) بيان لمكان الإشراب.
السؤال الثاني:
ما أهم اللمسات اللغوية في الآية؟
الجواب:
1ـ إنّ إظلال الجبل لا شك أنه من أعظم المخوِّفات , ومع ذلك فقد أصرّوا على كفرهم وصرّحوا بقولهم: (سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا) وهذا يدل على أنّ التخويفَ وإنْ عَظُمَ لا يوجب الانقياد.
2ـ قوله تعالى: (بِكُفۡرِهِمۡۚ) فالمراد باعتقادهم التشبيه على الله وتجويزهم العبادة لغيره سبحانه وتعالى.
3ـ قوله تعالى: (قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ) فيه مسألتان:
آ ـ المراد بئسما يأمركم به إيمانكم بالتوراة , لأنه ليس في التوراة عبادة العجل , وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم , كما قال في قصة شعيب: (أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ) [هود:87].
ب ـ الإيمانُ عَرَض , ولا يصح منه الأمرُ والنهي , لكنّ الداعي إلى الفعل قد يشبه الأمر.
4ـ قوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) فالمراد التشكيك في إيمانهم والقدح في صحة دعواهم.
والله أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,
(قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٩٤ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ )[البقرة: 94-95]
السؤال الأول:
ما دلالة هاتين الآيتين؟
الجواب:
في هاتين الآيتين تصحيح لمزاعم اليهود أنّ الآخرة والجنة لهم من دون الناس , وأنّ النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة , وأنهم شعب الله المختار , فأمر اللهُ رسوله عليه السلام أن يبلغهم: إنْ كان الأمر كما تزعمون فتمنوا لقاء الله وادعوا على أنفسكم بالموت , فإنّ الحبيب يَودُ لقاء حبيبه , وهذا نوع من مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم , وليس أمام اليهود بعد هذا الإلجاء والمضايقة إلا أحد أمرين: إمّا أن يؤمنوا بالله ورسوله , وإمّا أن يباهلوا على ما هم عليه بأن يتمنوا الموت , فامتنعوا من ذلك كله , فعلم كلُ واحد أنهم في غاية المعاندة والمحادة لله ورسوله مع علمهم بذلك . وسُميت المباهلة تمنياً لأنّ كل محقٍ يودُّ لو أهلك اللهُ المبطلَ المناظر له.
وجاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( لو تمنوا الموت لشرق أحدُهم بريقه ).
وفي قوله تعالى: (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) خروج الأمر من معناه الأصلي إلى معنى التعجيز , لأنّ ذلك ليس من صفاتهم , ولأنّ تمني الموت لا يكون إلا من شأن المقربين الأبرارلأنّ من أيقن بالشهادة اشتاق لها , وحنّ إليها.
ثم بيّن الله أنّ اليهود لن يتمنوا الموت أبداً بسبب ما قدمت أيديهم في حياتهم من الذنوب والتكذيب والمعاصي والكفر بالرسول عليه الصلاة والسلام , وبسبب علمهم أنّ الموت طريق الحساب والجزاء , فالموت أكره شيء لهم , وهم أحرص الناس على الحياة مهما كان نوعها , قال تعالى: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) [البقرة:95].
السؤال الثاني:
عبّر الله تعالى في الآية عن الذنوب والمعاصي التي ارتكبها بنو إسرائيل بقوله: (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) [البقرة:95] فلِمَ خصَّ اليد بالذنب دون غيرها مع أنهم أساءوا لعيسى عليه السلام بلسانهم وكذبهم عليه؟
الجواب:
إذا رجعت إلى فظائعهم وجدت أفظعها باليد, فأكثر ما صنعوه هو تحريف التوراة ووسيلته اليد، وأفظع ما اقترفوه قتل الأنبياء وآلته اليد.
السؤال الثالث:
نفى التمني في هذه الآية بـ ( لن) (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) [البقرة:95] ونفاه في آية الجمعة بـ ( لا ) (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ ) [الجمعة:7] فما سبب الفرق؟
الجواب:
السبب هو اختلاف سياق الآيتين:
أولا ً ـ السياق:
قال في الجمعة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٦ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ٧)
وقال في البقرة: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٩٤ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ٩٥)
فأنت ترى الفرق واضحاً بين السياقين؛ فالكلام في آية البقرة عن الآخرة, والدار الآخرة للاستقبال؛ فنفى بـ(لن)؛ إذ هو حرفٌ خاصٌ بالاستقبال.
وأمّا الكلام في آية الجمعة فهو عام لا يختص بزمن دون زمن (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) [الجمعة:6] فهذا أمر مطلق ؛ من أجل هذا نفى بـ (لا)، وهو حرف يفيد الإطلاق والعموم.
ثانياً:
لمّا كان الزمنُ في آية الجمعة عاماً مطلقاً غير مقيد نفاه بـ(لا) التي آخرها حرف إطلاق وهو الألف , ولمّا كان الزمن مقيداً في آية البقرة للاستقبال وهو زمنٌ مقيد نفاه بـ(لن) التي آخرها حرف مقيد , وهو النون الساكنة، وهو تناظر فني جميل.
ثالثاً:
تُعدّ هذه الآية بما فيها من تحدٍّ سافر لليهود إحدى معجزات القرآن وإحدى دلائل النبوة، ألا ترى أنها نفت صدور تمني الموت مع حرصهم على أنْ يظهروا تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان تمني الموت فيه تكذيب لهذه الآية ومن ثَمَّ تكذيب للنبي عليه السلام، ومع ذلك لم يُنقل عن أحد منهم أنه تمنى الموت.
السؤال الرابع:
قوله تعالى: (قَدَّمَتْ) في الآية، ما العلاقة بين التعبيرين (بما قدمت) و (بما كسبت) في القرآن الكريم؟
الجواب:
1ـ الآيات التي فيها فعل (قَدَّمَتْ) ليس فيها كسب.
شواهد قرآنية: (بِمَا قَدَّمَتْ):
البقرة 95ـ النساء 62ـ القصص47ـ الروم36ـ الشورى 48ـ الجمعة 7
2ـ آيات الكسب (فَبِمَا كَسَبَتْ) يسبقها شيء يدل على الكسب, والكسب هنا هو الكسب غير المشروع.
شواهد قرآنية: (فَبِمَا كَسَبَتْ) :
البقرة 225ـ الأنعام 70ـ الرعد 33ـ الروم41ـ غافر17ـ الشورى 30ـ الجاثية 22ـ المدثر 38.