تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: مسألة في الزرع بغير إذن صاحب الأرض والخلاف في المزارعة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2025
    المشاركات
    81

    افتراضي مسألة في الزرع بغير إذن صاحب الأرض والخلاف في المزارعة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
    https://archive.org/details/20250810_20250810_2127

    [مسألة في الزرع بغير إذن صاحب الأرض]

    قال أبو بكر حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن رافع بن خديج رفعه قال: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم ردت إليه نفقته ولم يكن له من الزرع شيء»

    قال أبو بكر حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي جعفر الخطمي قال: بعثني عمي وغلاما له إلى سعيد بن المسيب فقال: ما تقول في المزارعة؟ فقال: كان ابن عمر لا يرى فيها بأسا حتى حُدِّثَ عن رافع بن خديج فيها بحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حارثة فرأى زرعا في أرض ظهير فقال: «ما أحسن زرع ظهير» فقالوا: "إنه ليس لظهير" قال: «أليست الأرض أرض ظهير؟» قالوا: "بلى ولكنه زارع فلانا" قال: «فردوا عليه نفقته وخذوا زرعكم» قال رافع: "فأخذنا زرعنا ورددنا عليه نفقته"

    قال أبو بكر: وذكر أن أبا حنيفة قال: يقطع زرعه

    الذى قال أبو حنيفة كما قال إن شاء الله وهو قول مالك والشافعى وعامة أهل العلم والحديث الأول الذى احتج به ابن أبى شيبة مختصر ليس فيه حجة وقد ذُكِرَ فيه أن الزرع كان بغير إذن صاحب الأرض وهذا خلاف ما جاء فى الحديث الثانى فإنه بين فيه أن الزرع كان بإذن صاحب الأرض غير أن فيه النهى عن المزارعة وإذا كان الزرع بإذن صاحب الأرض لم يكن لصاحب الأرض أن يقطع زرعه فى قولهم جميعا فليس فى الذى أورده ابن أبى شيبة حجة لقوله. ومن العجب أن ابن أبى شيبة لا يأخذ بما اشتهر من أحاديث رافع فى النهى عن المزارعة كما ذكر فى باب (مسألة في المزارعة) ثم هو يأخذ برواية شاذة مختصرة فيها ذكر من زرع فى أرض غيره بغير إذنه وبمثل قول ابن أبى شيبة قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

    وقد رُوِيَت عن رافع بن خديج أحاديث كثيرة مختلفة فى المزارعة أكثرها فيها النهى عن المزارعة وبعضها فيها النهى عن كراء الأرض بكل حال ولا يقول بهذا أحد من أهل العلم وبعضها فيها النهى عن أن يشترط رب الأرض لنفسه زرعا فى ناحية من الأرض ولعل الزرع فى تلك الناحية يتلف فيضيع حقه.

    وقد روى عن بعض الصحابة صحة المزارعة وكان عبد الله بن عمر رضى الله عنهما يعمل بها حتى بلغه حديث جابر فترك العمل بها تورعا.

    والمزارعة أن يعطى صاحب الأرض أرضه البيضاء التى لا زرع فيها لرجل يزرعها على أن له جزءا من ما يخرج من الأرض كالربع أو الثلث أو النصف.

    وأكثر أهل العلم يبطلون المزارعة لحديث رافع ولأنها من الغرر وهذا قول مالك والشافعى وأبى حنيفة والليث بن سعد وإليه رجع عبد الله بن عمر رضى الله عنهما وروى أيضا عن زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وثابت بن الضحاك رضى الله عنهم وهو قول الحسن البصرى وإبراهيم النخعى.

    وخالفهم غيرهم فلم يأخذوا بما رواه رافع وأجازوا المزارعة بالربع والثلث وهذا قول عبد الله بن عباس رضى الله عنهما وأنكر على رافع قوله وروى عن زيد بن ثابت أنه أنكر على رافع روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن كراء الأرض مطلقا ولو بالذهب والورق. وأجاز الثورى والزهرى والأوزاعى المزارعة وقال بها القاسم بن محمد وابن سيرين وسالم بن عبد الله وأبو يوسف ومحمد بن الحسن. وقال أحمد الحديث عن رافع ألوان ولم يأخذ به.

    ثم إن أحمد بن حنبل رحمه الله عاد إلى ما شدد من تركه حديث رافع فنقضه وزعم أنه يأخذ به فى مسألة الغصب وهى مسألة الباب فخالف جماعة أهل العلم وأبطل الحديث فى الموضع الذى أثبتوه ثم أثبته فى الموضع الذى أبطلوه والله المستعان.

    والمساقاة أن يدفع الرجل الأرض وفيها زرعه إلى رجل يقوم على الزرع على أن له الربع أو الثلث أو جزءا منه وقد تواترت الأخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع نخل خيبر إلى اليهود يعملون بها على أن لهم النصف وللمسلمين النصف. وأجاز مالك والشافعى المساقاة فى النخل لهذه الأخبار وقاس الشافعى العنب على النخل وأبطل أبو حنيفة المساقاة وهذا خلاف السنة.

    قال أبو بكر حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن مجاهد عن رافع بن خديج قال: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا، نهانا إذا كان لأحدنا أرض أن يعطيها ببعض خراجها بثلث أو نصف" وقال: «من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه»

    قال أبو بكر حدثنا وكيع قال: حدثنا عمر بن ذر عن مجاهد عن ابن رافع بن خديج عن أبيه، قال: جاءنا أبو رافع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان يرفق بنا، وطاعة الله وطاعة رسوله أرفق بنا، أن يزرع أحدنا إلا أرضا يملك رقبتها أو منحة يمنحها رجل»

    فهذا خلاف الرواية السابقة ويحتمل أن معناه النهى عن المزارعة فإن لم ينتهوا عن كراء الأرض إلا بالربع والثلث فليتركوا كراءها وليزرعوا أرضهم بأنفسهم أو يعيروها غيرهم ليزرعها.

    قال أبو بكر حدثنا حدثنا وكيع قال: حدثنا جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن رفاعة بن رافع بن خديج قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة والإجارة: إلا أن يشتري الرجل أرضا أو يعار" ثم قال: "أعار أبي أرضا من رجل فزرعها، وبنى فيها بنيانا، فخرج إليها فرأى البنيان" فقال: «من بنى هذا؟» فقالوا: "فلان الذي أعرته؟" فقال: «أَعِوَضٌ مما أَعْطَيْتُه؟» قالوا: "نعم" قال: «لا أبرح حتى تهدموه»

    معناه والله أعلم أن المستعير بنى لرافع بنيانا فى أرضه عوضا عن إعارته الأرض فلم يرض رافع إلا أن يهدمه. وهذا يفسر أول حديث فى الباب ويبين ما فيه من الخطأ وهو الذى بنى عليه ابن أبى شيبة وأحمد بن حنبل قولهما.
    قال عبد الرزاق أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن حنظلة بن قيس الزرقي قال: سمعت رافع بن خديج يقول: «كنا أكثر الأنصار حقلا، فكنا نكري الأرض، فربما أخرجت مرة ولم تخرج مرة، فنهينا عن ذلك، وأما بالورق فلم ننه عنه»

    وهذا يوافق ما ذهب إليه مالك والشافعى وأكثر أهل العلم.

    قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن الزرقي عن رافع بن خديج قال: دخل علي خالي يوما فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم عن أمر كان لكم نافعا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا وأنفع لكم ومر على زرع فقال: «لمن هذا؟» فقالوا: لفلان، فقال: «لمن الأرض؟» قالوا: لفلان قال: «فما شأن هذا؟» قالوا: أعطاه إياه على كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما» ونهى عن الثلث والربع وكراء الأرض

    وهذا أيضا يوافق قولنا لأن فيه استحباب إعارة الأرض مجانا على كرائها بأجر معلوم وهذا يدل على جواز كرائها بأجر معلوم ونحن نقول بجواز إعارتها وكرائها وفيه النهى عن كرائها بالثلث والربع وبه نقول.

    قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر يكري أرضه، فأخبر بحديث رافع بن خديج فأخبره فقال: «قد عَلِمْتَ أن أهل الأرض، يعطون أرضيهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشترط صاحب الأرض أن لي الماذيانات، وما سقى الربيع، ويشترط من الجرين شيئا معلوما» قال: فكان ابن عمر يظن أن النهي لما كانوا يشترطون

    وهذا خلاف ما تقدم من الروايات وعلة فساد المزارعة ههنا شروط فاسدة سوى اشتراط جزء مما يخرج من الأرض وبهذا احتج أحمد على ترك حديث رافع. وليس فى هذا حجة لأحمد والله أعلم لأن رافعا لم يصرح ههنا أن النهى إنما هو لأجل هذه الشروط دون اشتراط الربع والثلث وإنما ظن ذلك عبد الله بن عمر وقد صرح رافع بتحريم المزارعة على شىء مما يخرج من الأرض فى غيرها من الروايات.

    قال أبو بكر حدثنا ابن عيينة سمع عمرا يحدث عن جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة»

    قال أبو بكر حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن عبد الله بن السائب قال: سألت ابن معقل عن المزارعة فقال: أخبرني ثابت بن الضحاك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها»

    قال أبو بكر حدثنا ابن عيينة قال: سمع عمرو عبد الله بن عمر يقول: "كنا نخابر، ولا نرى بذلك بأسا حتى زعم رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، فتركناه من أجله"

    قال أبو بكر حدثنا عمر بن أيوب عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن زيد بن ثابت قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة» قلت: وما المخابرة؟ قال: «أن تأخذ الأرض بنصف، أو ثلث، أو ربع»

    فهذا إخبار زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المزارعة كما أخبر عنه رافع.

    قال أبو بكر حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت جالسا مع ابن عباس في المسجد الحرام إذ أتاه رجل فقال: "إنا نأخذ الأرض من الدهاقين، فأعتملها ببذري، وبقري فآخذ حقي وأعطيه حقه" فقال له: «خذ رأس مالك، ولا تردد عليه عينا»، فأعادها عليه ثلاث مرات كل ذلك يقول له هذا

    والمشهور عن عبد الله بن عباس إجازة المزارعة.

    قال أبو بكر حدثنا ابن عيينة عن عمرو سمع سالما يقول: "أكثر رافع بن خديج على نفسه، والله لنكرينها كراء الإبل"

    قال أبو بكر حدثنا ابن علية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير قال: قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خديج، أنا والله أعلم بالحديث منه إنما أتاه رجلان قد اقتتلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع» فسمع رافع قوله: «لا تكروا المزارع»

    قد تقدم روايةُ زيد بن ثابت النَّهْىَ عن المزارعة بإسناد أجود من هذا ولا تعارض بين الحديثين والله أعلم لأن الذى أنكره زيد على رافع فى هذا الحديث زعمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع مطلقا ولسنا نقول بهذا بل نجيز كراء الأرض بالأجر المعلوم من الذهب والورق وغير ذلك وهذا خلاف المزارعة بالربع والثلث ولم ينكر عليه زيد نهيه عن المزارعة.

    قال أبو بكر حدثنا ابن أبي زائدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على الشطر»

    وهذه مساقاة لا مزارعة ونحن نقول بهذا الحديث ونجيز المساقاة فى النخل.

    قال عبد الرزاق أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، فقال: أي عمرو، أخبرني أعلمهم، يعني ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها.

    وهذا خلاف عبد الله بن عباس لرافع بن خديج.

    قال مالك: "فأما الرجل الذي يعطي أرضه البيضاء بالثلث أو الربع مما يخرج منها. فذلك مما يدخله الغرر لأن الزرع يقل مرة ويكثر مرة، وربما هلك رأسا، فيكون صاحب الأرض قد ترك كراء معلوما يصلح له أن يكري أرضه به، وأخذ أمرا غررا لا يدري أيتم أم لا؟ فهذا مكروه. وإنما ذلك مثل رجل استأجر أجيرا لسفر بشيء معلوم. ثم قال الذي استأجر الأجير: هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك؟ فهذا لا يحل ولا ينبغي" (الموطأ - باب ما جاء في المساقاة)

    قال سحنون: "قلت: أرأيت إن أكريت أرضا من رجل يزرعها قضبا أو قصيلا أو بقلا أو قمحا أو شعيرا أو قطنية فما أخرج الله منها من شيء فذلك بيني وبينه نصفين أيجوز هذا أم لا؟
    قال: قال مالك: إن ذلك لا يجوز.
    قلت: فإن قال: فما أخرج الله منها من شيء فهو بيني وبينك نصفين وعلى أن الأرض بيني وبينك نصفين أيجوز أم لا؟
    قال: قال مالك: ذلك غير جائز." (المدونة 3/555)

    قال الشافعى: "وتدل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا تجوز المزارعة على الثلث، ولا الربع، ولا جزء من أجزاء وذلك أن المزارع يقبض الأرض بيضاء لا أصل فيها، ولا زرع ثم يستحدث فيها زرعا والزرع ليس بأصل والذي هو في معنى المزارعة الإجارة، ولا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على أن يعمل له شيئا إلا بأجر معلوم يعلمانه قبل أن يعمله المستأجر لما وصفت من السنة وخلافها للأصل والمال يدفع، وهذا إذا كان النخل منفردا والأرض للزرع منفردة.
    ويجوز كراء الأرض للزرع بالذهب والفضة والعروض كما يجوز كراء المنازل وإجارة العبيد والأحرار" (الأم - المزارعة)

    قال الطحاوى: "قال أبو حنيفة وزفر رحمهما الله لا تجوز المزارعة ولا المساقاة
    وقال ابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تجوزان جميعا
    وقال محمد لا تجوز المزارعة في الأرض البيضاء وتجوز المساقاة في أصل نخل وكرم ورمان وما أشبهه وتجوز المزارعة في الأرض البيضاء بين النخل على وجه التبع وتجوز أن يساقيه النخل وعلى أن يزرع الأرض والخارج من الأرض أو بينهما لأنها تبع وإنما تجوز إذا كانت الأرض التي بين النخل الثلث والنخل الثلثين ونحوه
    وقال الأوزاعي والحسن بن حي تجوز المزارعة
    والليث لا يجيزها ويجيز المساقاة وكذلك الشافعي إلا أن الشافعي يجوز المساقاة في النخل والكرم دون غيرهما ولا تجوز المزارعة بالثلث إلا في الأرض البيضاء التي بين النخل التي تشترك مع النخل في السقي" (مختصر اختلاف العلماء - في المزارعة والمساقاة)

    قال محمد بن الحسن: "أبو حنيفة رضي الله عنه لا يجيز المزارعة في الأرض ولا المعاملة في النخل بالثلث ولا بالربع ولا بأقل من ذلك ولا بأكثر وكان يقول هذه إجارة استؤجرت ببعض ما يخرج من الأرض والنخل لا يدري أيخرج شيئا أم لا يخرج.
    وقال محمد: هذا كله جائز المعاملة في النخل والمزارعة في الأرض بالثلث والربع وغير ذلك وهذا بمنزلة مال المضاربة.
    وقال أهل المدينة: يجوز ذلك في النخل وهي المساقاة عندهم ولا يجوز ذلك في الأرض البيضاء التي تستأجر بالدراهم والدنانير لأنه في الأرض غرر وليس ذلك في النخل غررا.
    وقال محمد: هذا كله شيء واحد لئن جاز في النخل ليجوزن في الأرض ولئن بطل في النخل ليبطلن في الأرض" (الحجة على أهل المدينة - كتاب المساقاة)

    قال صالح: "قال أبي: ولا بأس بالمزارعة بالثلث والربع" (مسائل صالح 572)

    قال أبو داود: "سمعت أبا عبد الله سئل عن المزارعة.
    فقال: بالثلث والربع جائز، يعجبني أن يكون البذر من صاحب الأرض، ويكون من الداخل العمل والبقر كالمضارب يعمل في المال بنفسه" (مسائل أبى داود 1304)

    قال عبد الله: سمعت أبي يقول في حديث رافع بن خديج: هو مختلف عنه، يروي عنه ألوان مختلفة.
    مرة يقول: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كري المزارع.
    ومرة: عن ظهير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    مرة يقول: ما خرج عن الربيع.
    وكلها أحاديث صحاح، إلا أنه مختلف عنه، ورأيته يعجبه منها حديث أيوب وسعيد بن أبي عروبة، عن يعلي بن حكيم، عن سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج قال: كنا نحاقل بالأرض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى، فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي، فقال: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أمر كان لنا نافعا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل الأرض بالأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى، وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يزرعها، وكره كراءها وما سوى ذلك" (مسائل عبد الله 1452)

    فهذا ما جاء من حديث رافع بن خديج رضى الله عنه فى المزارعة واختلاف أهل العلم فيه وإنما ذكرت هذا كله ليُعلَم أن أبا بكر بن أبى شيبة وأحمد بن حنبل قد خالفا الصواب والله أعلم حين زعما أن حديث رافع: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم ردت إليه نفقته ولم يكن له من الزرع شيء» إنما هو فى الغصب وليس كذلك بل هو فى المزارعة بإذن صاحب الأرض وذلك إذا فُسِخَ عقدُ المزارعة لفساده فإن الزرع يكون لرب الأرض وترد إلى الزارع نفقته. مع أن هذه الرواية مختصرة شاذة مخالفة لسائر الروايات وقد أخطأ من اختصرها وأكثر أهل العلم ممن أبطل المزارعة لا يقولون بهذا بل يقولون إن الزرع لصاحب البذر ولرب الأرض مثل كراء أرضه.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2025
    المشاركات
    81

    افتراضي رد: مسألة في الزرع بغير إذن صاحب الأرض والخلاف في المزارعة

    فأما إذا غصب رجل أرض رجل وزرع فيها زرعا بغير إذنه وهذه مسألة الباب فإن أكثر أهل العلم يقولون الزرع للغاصب صاحب الزرع ويجبره صاحب الأرض على قلع زرعه من أرضه ولو فسد الزرع من ذلك فليس على رب الأرض شىء لأنه عرق ظالم وقد روى عن رسول الله مرسلا: «ليس لعرق ظالم حق» وهو وإن كان مرسلا فإنه مشهور قد أخذ به الفقهاء وعليه العمل واستدلوا به فى من بنى فى أرض رجل بغير إذنه فإن لصاحب الأرض أن يأخذه بقلع بنائه من أرضه ويُضَمِّنَ الغاصبَ ما نقصَ الأرضَ. وفى قول الشافعى إن على الغاصب كراء الأرض فى المدة التى اغتصبها فيها.

    وخالفهم فى ذلك أحمد بن حنبل فقال الزرع لصاحب الأرض وللزارع نفقته وهو قول أبى عبيد فى كتاب الأموال.

    قال أبو داود: "سمعت أحمد سئل عن حديث رافع؟
    قال: عن رافع ألوان، ولكن أبو إسحاق زاد فيه: «زرع بغير إذنه» وليس غيره يذكر هذا الحرف.
    قال أحمد: فإذا كان غصب فحكمه حديث رافع" (مسائل أبى داود 1308)

    هذا ليس بإنصاف إذ ترك أحمد ما اتفقت عليه روايات حديث رافع من النهى عن المزارعة ثم أخذ برواية مختصرة شاذة تركها سائر أهل العلم وهى مفسرة فى رواية أخرى تدل على أن هذا كان بإذن صاحب الأرض لا على سبيل الغصب.

    قال أبو داود: "سمعت أحمد سئل عن: رجل زرع في أرض قوم بغير إذنهم؟
    فقال: له نفقته، والزرع لصاحب الأرض.
    قلت لأحمد: حديث النخل التي قلعت؟
    قال: النخل غير هذا، النخل ينتفع به، وهذا إذا قلع إنما هو حشيش لا ينتفع به" (مسائل أبى داود 1309)

    حديث النخل هو حديث «ليس لعرق ظالم حق»

    قال إسحاق بن منصور: "قلت: إذا زرع في أرض الرجل بغير إذنه؟ قال: يعطيه النفقة، والزرع لرب الأرض؛ لأن الزرع لا ينتفع به إذا قلعه" (مسائل الكوسج 1890)

    قال ابن قدامة: "متى كان هذا بعد حصاد الغاصب الزرع، فإنه للغاصب لا نعلم فيه خلافا؛ وذلك لأنه نماء ماله، وعليه الأجرة إلى وقت التسليم وضمان النقص. ولو لم يزرعها، فنقصت لترك الزراعة، كأراضي البصرة، أو نقصت لغير ذلك، ضمن نقصها أيضا؛ لما قدمنا في المسألة التي قبل هذه. فأما إن أخذها صاحبها والزرع قائم فيها، لم يملك إجبار الغاصب على قلعه، وخير المالك بين أن يقر الزرع في الأرض إلى الحصاد، ويأخذ من الغاصب أجر الأرض وأرش نقصها، وبين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له. وبهذا قال أبو عبيد وقال أكثر الفقهاء: يملك إجبار الغاصب على قلعه، والحكم فيه كالغرس سواء، لقوله - عليه السلام -: «ليس لعرق ظالم حق» . ولأنه زرع في أرض غيره ظلما، أشبه الغراس" (المغنى 5/188)

    وهذا أيضا ليس بشىء لأنه وإن كان الزرع إذا قلع لا ينتفع به فليس له أن يُلزمه صاحبَ الأرض بغير رضاه ويجبره على أن يدفع إلى الغاصب نفقته. أرأيت لو قال لك رب الأرض لا أريد أن أزرع أرضى ولا أريد أن أدفع للغاصب ما أنفق على الزرع؟ قالوا: فيُقال له إذاً: تُجْبَرُ على أن تُقِرَّ زرع الغاصب إلى الحصاد وتأخذ أجرة أرضك من الغاصب.

    قال: فإنى لا أريد أن أكرى أرضى وأريدها لنفسى وكيف تجعلون للغاصب سبيلا أن يغرمنى ما أنفق على زرعه بغير إذنى أو يمنعنى من أرضى حتى يحصد زرعه؟ وأنتم تزعمون أنه لو جاءنى قبل الغصب فأراد أن أكريه الأرض فأبَيْتُ وتركت الأرض لا زرع فيها لم أجبر على أن أكريه أرضى. قالوا: ليس لك إلا أن تأخذ الزرع وتعطيه النفقة أو تُقِرَّه فى الأرض بكرائها حتى يحصد زرعه.

    قيل لهم: أرأيتم لو غصب أرضى وزرع فيها وأنفق على زرعه نفقة عظيمة لا يُنْفَقُ مثلها على مثله أفتجبروننى على أن أدفع إليه كل هذه النفقة لآخذ أرضى المغصوبة؟ أرأيتم لو كان الزرع أصابه داء فأنفق على مداواته نفقة عظيمة أفأجبر على كل هذه النفقة وهو الغاصب الظالم وأنا المغصوب المظلوم؟ فإن قالوا: نعم تُجبرُ على كل ذلك فقد خرجوا من السنة والمعقول لأن الله تبارك وتعالى حرم أموال المسلمين إلا بطيب أنفسهم. وإن قالوا: بل تُجبرُ على نفقة المثل فقط قيل لهم: ليس فى الحديث نفقة المثل بل فيه نفقته.

    فإن قالوا فقد تأولناه برأينا. قيل لهم: إنكم تتخيرون ما تشاءون وتتركون ما تشاءون وليس بكم اتباع الحديث وإنما هو رأى واستحسان. ثم إنهم تركوا أصل قولهم فزعموا أن المغصوبة منه الأرض لو لم يقدر على أخذها إلا بعد أن حصد الغاصب زرعه فالزرع للغاصب وللمغصوب كراء الأرض وما نقصها زرع الغاصب فرجعوا إلى قول أهل العلم بعد الحصاد. فقيل لهم: كيف زعمتم أنكم تأخذون بالحديث وليس فيه التفرقة بين أخذ المغصوب أرضه قبل الحصاد وبين أخذه إياها بعد الحصاد فإما أن يكون الزرع بكل حال للغاصب ويجبر على قلعه إن شاء رب الأرض قبل الحصاد وبعد الحصاد كما قال عامة أهل العلم وإما أن يكون الزرع بكل حال لصاحب الأرض ويُرَدُّ إلى الغاصب نفقتُه قبل الحصاد وبعد الحصاد. فإن قالوا: قد استحسنا أن يرد إليه نفقته ويأخذ الزرع قبل الحصاد واستقبحناه بعد الحصاد. قيل لهم: أرأيتم إن قال لكم غيركم قد استحسنت ما استقبحتم واستقبحت ما استحسنتم فهل عليه حجة إلا كانت عليكم؟ وهم أيضا يخالفون الحديث حين زعموا أنهم يخيرون صاحب الأرض بين أن يأخذ الزرع ويرد إلى الغاصب نفقته أو يُقِرَّ الغاصب فى الأرض بكراء مثلها وليس فى الحديث التخيير بين هذا وذاك وليس فيه إلا أن الزرع لصاحب الأرض وللغاصب نفقته.

    روى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق» قال مالك: "والعرق الظالم: كل ما احتفر أو أخذ أو غرس بغير حق" (الموطأ - باب القضاء في عمارة الموات)

    قال ابن عبد البر: "رواية يحيى بن عروة عن عروة ورواية بن أبي مليكة عن عروة يقضيان على أن من روى هذا الحديث مرسلا كما رواه مالك أصح من رواية من أسنده والله أعلم ويشهد ذلك اختلاف الذين أسندوه في إسناده
    وقد رواه عمرو بن عوف المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وكثير متروك الحديث
    والحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تلقاه العلماء بالقبول
    ولم يختلفوا أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم «ليس لعرق ظالم حق» أنه الغرس في أرض غيرك
    على هذا خرج اللفظ المقصود به إلى هذا المعنى وكل ما كان مثله فله حكمه وكذلك فسره عروة وهشام ومالك" (الاستذكار 7/184)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2025
    المشاركات
    81

    افتراضي رد: مسألة في الزرع بغير إذن صاحب الأرض والخلاف في المزارعة

    قال الشافعى رحمه الله: "ولو اغتصبه أرضا فغرسها نخلا أو أصولا أو بنى فيها بناء أو شق فيها أنهارا كان عليه كراء مثل الأرض بالحال الذي اغتصبه إياها وكان على الباني والغارس أن يقلع بناءه وغرسه فإذا قلعه ضمن ما نقصَ القلعُ الأرضَ حتى يرد إليه الأرض بحالها حين أخذها ويضمن القيمة بما نقصها. قال: وكذلك ذلك في النهر وفي كل شيء أحدثه فيها لا يكون له أن يثبت فيها عرقا ظالما وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «ليس لعرق ظالم حق» ولا يكون لرب الأرض أن يملك مال الغاصب، ولم يُمَلِّكْه إياه كان ما يَقْلَعُ الغاصبُ منه ينفعه أو لا ينفعه؛ لأن له منع قليل ماله كما له منع كثيره، وكذلك لو كان حفر فيها بئرا كان له دفنها وإن لم ينفعه الدفن وكذلك لو غصبه دارا فزوقها كان له قلع التزويق وإن لم يكن ينفعه قلعه، وكذلك لو كان نقل عنها ترابا كان له أن يرد ما نقل عنها حتى يوفيه إياها بالحال التي غصبه إياها عليها لا يكون عليه أن يترك من ماله شيئا ينتفع به المغصوب كما لم يكن على المغصوب أن يبطل من ماله شيئا في يد الغاصب.
    فإن تأول رجل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا ضرر ولا ضرار» فهذا كلام مجمل لا يحتمل لرجل شيئا إلا احتمل عليه خلافه، ووجهه الذي يصح به: أن لا ضرر في أن لا يحمل على رجل في ماله ما ليس بواجب عليه، ولا ضرار في أن يمنع رجل من ماله ضررا ولكل ما له وعليه. فإن قال قائل: بل أحدث للناس في أموالهم حكما على النظر لهم، وأمنعهم في أموالهم على النظر لهم قيل له - إن شاء الله تعالى - أرأيت رجلا له بيت يكون ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع في دار رجل له مقدرة أعطاه به ما شاء مائة ألف دينار أو أكثر وقيمة البيت درهم أو درهمان، وأعطاه مكانه دارا مع المال أو رقيقا هل يجبر على النظر له أن يأخذ هذا الكثير بهذا القليل؟ أو رأيت رجلا له قطعة أرض بين أراضي رجل لا تساوي القطعة درهما فسأله الرجل أن يبيعه منها ممرا بما شاء من الدنيا هل يجبر على أن يبيع ما لا ينفعه بما فيه غناه؟ أو رأيت رجلا صناعته الخياطة فحلف رجل أن لا يستخيط غيره ومنعه هو أن يخيط له فأعطاه على ما الإجارة فيه درهم مائة دينار أو أكثر أيجبر على أن يخيط له؟ .
    أو رأيت رجلا عنده أمة عمياء لا تنفعه أعطاه بها ابن لها بيت مال هل يجبر على أن يبيعها؟ فإن قال لا يجبر واحد من هؤلاء على النظر له. قلنا: وكل هؤلاء يقول إنما فعلت هذا إضرارا بنفسي وإضرارا للطالب إلي حتى أكون جمعت الأمرين فإن قال، وإن أضر بنفسه وضار غيره فإنما فعل في ماله ما له أن يفعل. قيل: وكذلك حافر البئر في أرض الرجل والمزوق جدار الرجل وناقل التراب إلى أرض الرجل إنما فعل ما له أن يفعل ومنع ما له أن يمنع من ماله" (الأم 3/255)

    والذى قال الشافعى فى تأويل ما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: «لا ضرر ولا ضرار» كما قال إن شاء الله ومعناه أن لا يجوز لأحد أن يمنع غيره من حقه لأن هذا ضرر محرم وإذا أضر أحد بغيره فليس لمن وقع عليه الضرر أن يرجع على المضار له بأكثر من حقه لأنه هذا هو الضرار. فلو أن رجلا مات وترك ابنين أحدهما غنى والآخر فقير غارم فالميراث بينهما نصفان فإن قال الفقير أنا محتاج إلى المال وأخى غنى عنه فزيدونى فى نصيبى لأسد دينى وأدفع حاجتى قيل له ليس ذلك لك وهذا الضرر الذى نهى عنه الله ورسوله ولو أن الغنى قال إنى لغنى عن هذا المال وما لى به حاجة إلا أنى أحب أن أغيظك لم يجبر على دفع شىء من نصيبه إليه.

    وقد حرم الله تبارك تعالى قتل النفس التى حرم إلا بالحق ثم أجاز لولى المقتول ظلما أن يقتل قاتله فقال سبحانه: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}

    فلو أن رجلا صالحا اختصم مع رجل فاسق له ابن فاسق بينه وبين أبيه خصومة وعداوة فقتله الصالح ظالما ثم تاب وندم وسأل الفاسقَ ابنَ الرجل الفاسق أن يعفو عنه وأشار عليه أهل العلم والصلاح أن يعفو عنه لفضل العفو ولما فيه من المصلحة فأبى الابن الفاسق أن يعفو عنه وقال لم أكن أشد فرحا منى بقتل أبى للعداوة التى كانت بينى وبينه وإنى لأعلم أن خيرا لى أن أعفو عنه ولكنى أحب أن أراه يقتل فإن ذلك له ولا يملك أحد أن يجبره على العفو لأن الله قد جعل له أن يقتل القاتل بدم أبيه ولو كان بينه وبين أبيه عداوة.

    وفى قول من أجاز الصلح على الدم بأكثر من الدية أن الابن الفاسق لو قال للقاتل إنى ليس بى حاجة إلى قتلك ولقد كنت أشد حرصا منك على قتل أبى ولكنك سبقتنى إليه غير أنى لا أعفو عنك إلا أن تعطينى كذا وكذا وسمى مالا عظيما يبلغ ديات فإن أديته إلى عفوت عنك وإلا قتلتك فلم يقدر القاتل على أدائه فإن لولى المقتول أن يقتله. وليس فى شىء من هذا ضرر ولا ضرار.

    ولكن لو منعه السلطان من قتل قاتل أبيه للمصلحة كان ذلك عين الضرر لأنه منعه حقا قد أعطاه الله سبحانه وتعالى إياه.

    وقد أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا أدى لامرأته حقها من المهر والنفقة والجماع فإن له أن يمسكها ويحبسها لنفسه على ما أحبت وكرهت ولو كان أبغض الناس إليها ولو بذلت له كل أموال الدنيا ولا يملك أن يفتكها منه أب ولا ولى ولا سلطان لقول الله تبارك وتعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال سبحانه: {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} وقال عز وجل: {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} وقال: {أمسك عليك زوجك} وقال: {وبعولتهن أحق بردهن} ومعنى الإمساك أن المرأة إذا أرادت أن تفارق وأراد الرجل حبسها لنفسه فذلك له كما قال الله تعالى فى الزانيات: {فأمسكوهن فى البيوت} يعنى فاحبسوهن فإن أردن أن يخرجن لم يملكن ذلك حتى تخرجوهن.

    وكل هذا مما أجمع عليه أهل العلم وأجمعوا أن الطلاق والخلع حق الرجل لأن الله تبارك وتعالى خاطبه بالطلاق والخلع ولم يخاطبها بشىء من ذلك فقال: {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} وقال: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء} وقال: {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} فهذا فى الطلاق وقال فى الخلع: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} ولم يقل: ولا يحل لكن.

    ولهذا قال أهل العلم إن للرجل أن يخلع امرأته بغير علمها وبغير رضاها كما له أن يطلقها بغير علمها وبغير رضاها وهذا قول مالك والشافعى وأحمد وأبى حنيفة وعامة أهل العلم وكذلك أقول. فإذا كان الرجل مبغضا لامرأته وهو يؤدى إليها حقها وكانت مبغضة له ناشزة عليه مريدة فراقه باذلة له أضعاف مهرها على فراقه إياه وهو ممتنع عن الفراق حابس لها على نفسه ليغيظها بذلك فإن ذلك حلال جائز ولا يملك أحد أن يجبره على فراقها وهذا كله إجماع أهل العلم لا يختلفون فى ذلك.

    قال الشافعى: "وهكذا زوجته لو كانت ناشزة منه عاصية له عظيمة البهتان وترميه بالقذف قد سقته سما لتقتله وضربته بالحديد لتقتله فأفلت من ذلك وبقيت ممتنعة منه وامتنع من فراقها إضرارا لها، ثم مات فأوصى لها لم تجز وصيته؛ لأنها وارث" (الأم 4/119)

    ومعنى قوله: "وامتنع من فراقها إضرارا لها" أنه لما علم أنها تكرهه وتحب غيره وتريد أن تنكحه أمسكها لنفسه ليغيظها ببقائها محبوسة على رجل تكرهه وممنوعة من رجل تحبه.

    قال الشافعى: "فمن ذلك من ملك زوجة سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عليه أن يخيرها في المقام معه أو فراقها له وله حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته وأمر الله عز وجل رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يخير نساءه فقال {قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} إلى قوله {أجرا عظيما}" (الأم 5/150)
    وقد كان خيار نساء النبى صلى الله عليه وسلم مرة واحدة.

    قال الشافعى: "وإن خلع أبو الصبي أو المعتوه أو وليه عنه امرأته أو أبا امرأته فالخلع باطل والنكاح ثابت، وما أخذا من المرأة أو وليها على الخلع فهو مردود كله وهي امرأته بحالها وكذلك إن كان مغلوبا على عقله أو غير بالغ فخالع عن نفسه فهي امرأته بحالها، وكذلك سيد العبد إن خالع عن عبده بغير إذنه لأن الخلع طلاق فلا يكون لأحد أن يطلق عن أحد أب ولا سيد ولا ولي ولا سلطان إنما يطلق المرء عن نفسه أو يطلق عليه السلطان بما لزمه من نفسه إذا امتنع هو أن يطلق وكان ممن له طلاق وليس الخلع من هذا المعنى بسبيل" (الأم 5/214)

    قال ابن القاسم صاحب مالك: "في المرأة الناشز تقول: لا أصلي ولا أصوم ولا أتطهر من جنابة فلا يجبر الزوج على فراقها وإن شاء سافر وحل له ما أخذ منها مما قل أو كثر" (النوادر والزيادات 5/256)

    قال الخلال: "أخبرني الحسن بن الهيثم أن محمد بن موسى بن مشيش حدثهم قال: سئل أبو عبد الله عن رجل يهودي وتحته يهودية أسلم الزوج؟
    قال: هذا تكون امرأته. قيل له: فإن أبت؟ قال: يضرب رأسها" (أحكام أهل الملل 258)

    قال حرب: "سألت أحمد، قلت: رجل زوج بنته، وهي صغيرة، فلما أدركت قالت: لا أرضى. قال: ليس لها ذلك.
    وسئل إسحاق عن رجل زوج بنته، وهي صغيرة بكر، فلم ترض، وصاحت وضجت حتى سمع الجيران صراخها؟
    قال: إذا زوجها الأب وهي بكر جاز عليها رضيت أم كرهت، وإن كانت ثيبا فزوجها الأب، فإنه لا يجوز إلا برضاها واستئمارها" (مسائل حرب 40)

    فإذا كان الأب إذا زوجها وهى صغيرة لم ترض لم تملك أن تفارق إذا بلغت وكان النكاح صحيحا عند عامة أهل العلم فكيف بالبالغة التى نكحت برضاها؟

    قال عبد الله: "سألت أبي عن جارية زوجها أبوها وهي صغيرة، فلما كبرت تزوجت زوجا آخر؟
    فقال: يفرق بينهما، وترد إلى الذي زوجها أبوها.
    قلت لأبي: فإن كان دخل بها؟
    قال: لها المهر مما استحل من فرجها.
    قلت لأبي: فإن كان ولدت منه؟
    قال: يلزمه الولد، قال: وترد إلى زوجها الأول" (مسائل عبد الله 1189)

    قال صالح: "قلت: الرجل يزوج ابنه وهو صغير، فإذا كبر قال: لا أريد؟
    قال: ليس له ذاك، عقد الأب عليه عقد.
    قلت: فالجارية الصغيرة يزوجها أبوها؟
    قال: ليس بين الناس في هذا اختلاف؛ ليس لها أن ترجع" (مسائل صالح 1175)

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2025
    المشاركات
    81

    افتراضي رد: مسألة في الزرع بغير إذن صاحب الأرض والخلاف في المزارعة

    وقد خالف المسلمين فى أنكحتهم الدروز الكفرة الفجرة وأخذ بقولهم النجدية وقالوا ليس بين المرأة وزوجها عقد يلزمها وإنما هى بمنزلة الزانية واحتجوا بالنهى عن الضرر والضرار وهذا الحديث لا يثبت بسند متصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح موقوفا عن بعض الصحابة. واعلم أن أهل العلم لا يستعملون هذا الحديث إلا فى مسائل قليلة جدا كبعض مسائل القسمة ومسائل ليس فيها نص من كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول متقدم عمل به أهل العلم.

    وقد غلا بعض الناس فى الأخذ بهذا الحديث جدا حتى أنكر الشرائع لأنها بزعمه تضر بالناس ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    فيقال لهؤلاء الجهلة أتباع حمزة بن على لعنه الله وملأ قبره نارا وجعله فى الدرك الأسفل من النار: إن الذى زعمتم من احتجاجكم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كما زعمتم وإنما الضرر أن تمنع غيرك من حقه فإذا نشزت المراة على زوجها وأرادت فراقه فهى مانعة إياه حقه فى إمساكها وهذا هو الضرر وله أن يدفع عن نفسه الضرر بأن يضربها على نشوزها حتى تمتنع عن سؤاله الطلاق وله أن يمسكها لنفسه على ما أحبت وكرهت.

    فإن احتج باطنى قرمطى درزى جاهل بقول الله تبارك وتعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} فقال إن الله قد أمر عند الشقاق ببعث الحكمين وقد قال بعض أهل العلم إن للحكمين أن يطلقا بغير رضا من الزوج ولهما أن يأخذا من مال المرأة لزوجها بغير رضا منها.

    قيل له إن شاء الله تعالى إنما الشقاق أن يَدَّعِىَ الرجل على امرأته أنها تظلمه وتفترى عليه ولا تطيعه فى ما أوجب الله سبحانه له عليها ويأبى أن يعفو عنها و يسألُ السلطانَ أن يوفيه حقه منها وليس معه بينة على ظلمها إياه ولا يكون شقاقا أيضا حتى تدعى المرأة كذلك على زوجها أنه يظلمها ويضربها ويفترى عليها ويمنعها حقها سوى النفقة والوطء وليس معها بينة على ظلمه إياها وتأبى أن تعفو عنه وتسألُ السلطانَ أن يوفيها حقها منه فحينئذ يبعث الحكمين ليجتهدا فى معرفة الظالم منهما من المظلوم فإن كان الزوج ظالما سألاه أن يرجع عن ظلمه فإن أبى فرقا بينه وبينه وإن كانت هى الظالمة خَيَّرَاه بين أن يمسكها على نشوزها أو يأخذا له من مالها ويفرقا بينهما. وهذا كله سوى التفريق بغير إذن الزوجين قول عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وعبد الله بن عباس وشريح وسعيد ين جبير وهو قول مالك وأصحابه والشافعى وأصحابه وأحمد وأصحابه وأبى حنيفة وأصحابه والطحاوى وابن جرير الطبرى وابن قدامة ولا أعلم فيه خلافا بين أهل العلم.

    فإن كان مع أحد الزوجين بينة أو أقر صاحبه بظلمه لم يُبعث الحكمان وقُضى لصاحب البينة ببينته ولا تملك المرأة الطلاق للضرر خلافا لابن الهندى وخليل.

    وإن ادعى الرجل ولم تدع المرأة أو ادعت على زوجها لكنها عفت عنه ولم تسأل حقها لم يبعث السلطان حكمين وقيل له إن كانت ناشزة عليك كما تقول فلك أن تضربها ضربا غير مبرح.

    وإن ادعت المرأة ولم يدع الرجل أو ادعى عليها لكنه عفا عنها ورضى أن يمسكها على نشوزها لم يبعث السلطان حكمين. فإن تكررت دعوى المرأة الضرر فإن الفقهاء يقولون إن السلطان يسكنهما بجوار قوم صالحين ليعرفوا حالهما أو يجعل معهما أمينة فإذا تبين أن الرجل ظالم لها عزره ونهاه عن ظلمه وأجبره أن يوفيها حقها ولا يملك أن يطلق عليه وإنما ذلك بيد الحكمين عند من قال بذلك. وإن كانت المرأة هى الظالمة عزرها لكذبها على زوجها وترد إليه صاغرة ذليلة.

    وإذا قال الرجل إنى أكره امرأتى وأريد ما أعطيتها من المال لأفارقها لم يلتفت إليه السلطان وقيل له إن النكاح عقد قد لزمك فى مالك فلا يدفعه عنك بغضك امرأتك فإن شئت أمسكت وإن شئت طلقت ولم تأخذ من مالها شيئا.

    وإذا قالت المرأة إنى أكره زوجى وأريد فراقه وأرد إليه ماله قيل لها إن النكاح عقد قد لزمك فى نفسك فلا يدفعه عنك بغضك زوجك ولا تملكين أن تفارقيه ولو كان أبغض الناس إليك. وهذا فرق ما بين المنكوحة والزانية وذلك أن النكاح عقد يلزم المرأة فى نفسها فلا تملك أن تفارق أبدا والزانية ليس بينها وبين خدنها عقد فتقيم معه متى شاءت وتفارقه إذا كرهته.

    وإذا قالت المرأة إن زوجى أضر بى ضررا لا أعرفه أو لا يوصف أو شيئا من هذه السفاهات أو قالت إن أباه أو أمه أو إخوته أو أبناءه قد أضروا بى لم يكن على زوجها فى كل ذلك شىء لأنه إما أضر بها غيره أو أنها ادعت ضررا غير موجود كمن قال لى على فلان مال لا أدرى كم هو ولا كيف صار لى عليه.

    والنجدية يتأولون قول الله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} فيقولون معناه: إذا أرادت المرأة الطلاق فابعثوا اثنين للتطليق.

    وهذه سفاهة منكرة وقرمطة ظاهرة وتحريف لكلام الله سبحانه وتعالى وزعمهم أن له باطنا يخالف ما علمه المسلمون من ظاهره وهذا صنيع الباطنية من القرامطة والإسماعيلية والدروز نعوذ بالله من صنيعهم.

    قال الملحد الكافر حمزة بن على رأس الدروز عليه لعنة الله: "فيجب أن يعلموا ساداتي أن شروط الرضى والتسليم ليس تجرى مجرى غيرها من الزواج. لأن الرضى والتسليم شيء من أمور الباري سبحانه فمن نقضها فقد خالف أمر مولانا جل ذكره. والذع توحيه شروط الديانة أنه إذا تسلم أحد الموحدين بعض أخواته الموحدات فيساويها بنفسه؛ وينصفها من جميع ما في يده. فإن أوجب الحال‏ فرقة بينهم فأيهم كان المتعدى على الآخر فإن كانت المرأة خارجة عن طاعة زوجها وعلم أن فيه القوة والإنصاف لها وكان لا بد للمرأة من فرقة الرجل فله من جميع ما تملكه النصف إذا عرفوا الثقات تعديها عليه وإنصافه لها. وإِن عرفوا الثقات أنه محيف عليها وخرجت من تحت ضرورة خرجت بجميع ما تملکه وليس له معها شيء في مالها. وإن كانت هى المخالفة له وليس تدخل من تحت طريقته فله النصف من جميع ما تملكه ولو أنه ثوبها الذي في عنقها. وإن اختار الرجل فرقتها باختياره بلا ذنب لها إليه فلها النصف من كل ما يملكه من ثوب ورحل وفضة وذهب ودواب وما حاطته يده لموضع الإنصاف والعدل.
    فليتحققوا السادة هذه المكاتبة ويعملوا بها وبهذا الشرط. فهكذا يجرى الحال بالعدل والإنصاف"

    وسبب ذلك أن حمزة الملعون نظر إلى أنكحة المسلمين فرأى أنها عقود ملك يملك فيها الرجل بضع امرأته فلا تملك أن تفارقه فيكون المهر عليه والطلاق والخلع بيده فاستقبح ذلك قبحه الله وأراد أن يسوى بين الرجل والمرأة فجعل الفرقة بيدها كهى بيده لأن هذا عنده هو العدل والإنصاف فبطل أن يكون النكاح عقدا ولهذا قال هذا الملعون: "أن شروط الرضى والتسليم ليس تجرى مجرى غيرها من الزواج" يعنى أن الزواج ليس بعقد لازم يلزم المرأة فى نفسها بل لها أن تفارق متى شاءت ولهذا رماهم المسلمون باستحلال الزنا لأن المرأة منهم إذا أحبت غير زوجها رفعت أمرها إلى قاضيهم ففرق بينها وبين زوجها ونكحت غيره وهذا كله زنا لا يحل. النكاح الأول والثانى كلاهما زنا لأنه ليس واحد منهما بعقد ملك لازم.

    وبقول هذا الكافر رأس الدروز أخذ النصارى بعد أن تركوا دينهم فابتدعوا النكاح المدنى الذى هو نكاح الدروز ولا يعدو أن يكون زنا.

    وقول النجدية أشنع من قول الدروز لأنهم زعموا أن الزنا حلال وزادوا فقالوا إن المرأة خير من الرجل وذلك أن الرجل يعطيها المهر من ماله فإذا طلقها ذهبت بنفسها وماله وزيادة متعة ثم ما ابتدعوه من نفقة الحاضنة ومسكن الحاضنة وإذا فارقته عندهم لم تعطه شيئا سوى ماله الذى كان أعطاها ولم تعطه شيئا من مالها فهذا زعمهم أن المرأة خير من الرجل ونسأل الله العافية.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •