(40)

قال الشيخ رحمه الله :

( وَلها أصلان:

أَحدهمَا أَن لَا يعبد إِلَّا الله.

وَالثَّانِي أَلا يعبده إِلَّا بِمَا أَمر وَشرع لَا يعبده بِغَيْر ذَلِك من الْأَهْوَاء والظنون والبدع )

-------------------

الشرح :

-أي العبادة أو العبودية لها أصلان شريفان :

الأصل الأول : (أَن لَا يعبد إِلَّا الله ) وهو الإخلاص .

الأصل الثاني : أن يعبد الله سبحانه وتعالى بما شرع ( لا بغير ذَلِك من الْأَهْوَاء ) فكل ما يقابل ما شرع الله فهو بدعة

كل ما يقابل المشروع فهو المبتدع والمحدث في الدين .

-لكن المشروع منه ما يكون محكماً في مشروعيته ومنه ما يدخله مادة من الاجتهاد المعتبر وهو الذي مدح صاحبه كما في حديث عمرو بن العاص المتفق عليه ( إذا حكَم الحاكمُ فاجتَهَد ثمَّ أصاب فله أجرانِ وإذا حكَم فاجتَهَد ثمَّ أخطأ فله أجرٌ)

فهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد المعتبر وهو الاجتهاد حيث لا يوجد الدليل الموجب الصريح أو البين وإنما يكون في المسألة مادة من الاستنباط وهذه الأوجه من الاستنباط هي التي وقع فيها اجتهاد الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم كاجتهاد الأئمة الأربعة والمدارس الفقهية في فروع الشريعة

وأما في أصول الشريعة فهذه ليست من ذلك البتة .

-ولهذا كان السلف رحمهم الله يسمون من يخالف الأصول من أهل البدع ولايسمون من يخالفهم من أصناف الفقهاء فلاتجدنهم يسمي بعضهم بعضاً بذلك أو يسمي أقوالهم بذلك يل يجعلون أقوالهم من أقوال أهل العلم وينقلها أهل العراق عن أهل المدينة وينقل أهل الشام عن أهل مصر وما إلى ذلك

كلها أقوال معتبرة مادامت أنها للأصول التي حُفظت عن السلف رحمهم الله من كبار أئمة الفقهاء والاجتهاد كالاجتهاد الذي مضى في أصول الأئمة الأربعة في فروض الشريعة .

- ولهذا لم ينصب خلاف بينهم في أصول الدين لإن أصول الدين متفقة ليست محلاً لذلك .

- المقصود أن المصنف بين الأصلين الجامعين في العبادة وتحقيقها وهو :

الأصل الأول ( أَن لَا يعبد إِلَّا الله ) وهو الاخلاص لله

والأصل الثاني : أن يعبد الله بماشرع .

-والأصل الأول متعلق بالعلم والقصد والأصل الثاني متعلق بالعلم والفعل .

والعبادة في ركنها مركبة منهما ولذلك لا تكون العبادة بجهل البتة حتى أبلغ المسلمين عامية عنده ولابد قدر من العلم فإنه إذا عرف أن صلاة الظهر أربع ركعات وصلاها كذلك وصلى العصر على صفتها فهذا وجه من العلم ولابد وإذا يعرف ما يكون بعد تكبيرة الإحرام فهذا وجه من العلم

فلايتصور أن العبادة تخفى على الجاهل المطلق لكن هم في العلم درجات .

-وأن لا يعبد الله إلا بماشرع وهذا يغلق باب البدع وهو باب كثرت الشبهات عند المتأخرين وكثرة الشبهات لم تأت من جهة مناقضة للأصل وإنما من جهة التوهم في المقصود بالمشروع وغير المشروع فتوهم كثير من المتأخرين وبعض العامة بعض البدع توهموها من باب المشروعات .


- ومن سبب ذلك ما يتكلم به بعض المبطلين في القول الذي يزينون بعض البدع فهذا التزيين على وجه من الغلو أو التعصب أو ما إلى ذلك من الأسباب يُفوت على عموم المسلمين مقام العلم والتحقيق والنور والهدى وإلا فقواعد الشريعة واضحة .

- ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم لم يقع عندهم بدع وحتى الذين أسلموا بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم وهم حدثاء العهد وربما رجعوا إلى باديتهم وما إلى ذلك لم يكن يظهر فيهم البدع وذلك أنهم مستمسكون بالأصل والدين يسر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن هذا الدين يسر ) كما جاء في صحيح البخاري وغيره

وما جعل الله فيه حرجاً كما قال الله تعالى ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )

هذا يبين لك أن الشبهات التي صارت سبباً لكثير من البدع في الأقوال والأعمال والتصورات سببها هو هذه المادة من عدم تحقيق الإخلاص لله سبحانه وتعالى

وعدم تحقيق الاتباع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فإن الهدي بين وقواعد العلم بينة ولهذا لم تشتبه على الصحابة رضي الله عنهم .