عش حياتك
على مبدأ :كـن مُحسناً
حتى وإن لم تلق إحساناً، ليس لأجلهم بل لأن الله يحب المُحسنين
كثير من الأزواج وكثير من الأفراد في محيط العلاقات الاجتماعية حتى بين الأقارب المشكلة الخطيرة في تلك العلاقات أنها أصبحت تقام على أساس المعاملة بالمثل: أعطاني أعطيه، سلّم عليّ أسلم عليه، وصلني أصله، منعني أمنعه والقرآن لا يريد هذا النوع من التعامل!
يريد القرآن أن تقام العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية على محبة غير مشروطة عطاء غير مشروط بتعامل الطرف الآخر وهذا هو الإحسان.
هناك شيء يسمى التعامل بالمثل أعطاني سأعطيه لكن هذا التعامل بالمثل إذا طبق في مجال العلاقات الزوجية والعلاقات المجتمعية يمكن أن يصل بها إلى مرحلة لا تستقيم بها تلك العلاقات، لا تدوم!.
إذا منع على سبيل المثال القريب عن قريبه الفضل أو الإحسان أو السلام أو الزيارة أو التواصل الاجتماعي إذا قوبل المنع بمنع مثله السؤال إلى أين سنصل؟
لن نصل إلى أقل من القطيعة أبدًا بكل الأحوال هذا ما يحدث للأسف اليوم في كثير من المجتمعات. إذن القرآن يريد أن يرتقي بالنفوس المؤمنة إلى درجة أرقى، مستوى أعلى، هذا المستوى الأعلى لا يمكن أن يتحقق إلا بالإحسان والعطاء غير المشروط، العطائ الذي لا ينتظر المقابل من البشر بل ينتظر من رب البشر.
وتدبروا هذه الآية
(وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا )
تأملوا لو أننا طبقنا هذه الآية في محيط التعامل الذي تكلمنا عنه وماذا عليك لو آمنت بالله وأنفقت وأعطيت دون أن نتنظر المقابل من البشر؟ ماذا على الزوج أو الزوجة لو أنهم آمنوا أن الله سبحانه هو المعطي هو الرزاق وأنفقوا برًا وخيرا وإحسانا عطاء ماديا ومعنويا ماذا عليهم؟ ما الذي سيخسر الإنسان؟ ماذا ستخسر حين تعطي دون أن تنتظر المقابل من البشر، ماذا ستخسر حين تسلم حتى لو لم يرد عليك الآخرين التحية والسلام؟ ماذا عليك لو أنك وصلتهم حتى لو قطعوا ومنعوا؟ ماذا ستخسر؟ هل أنت بالفعل ستخسر أم ستربح؟ وتدبروا نهاية الآية (وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا) عليمًا بما تعطي عليمًا بما سيقابل ذلك العطاء، عليمًا بنفسيات الآخرين إن منعوا عنك العطاء وإن قابلوا إحسانك بالإساءة إن قابلوا عطاءك بالمنع. وتأملوا التناسب بين الآيات في السورة، الآية التي تليها
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )
تدبروا كيف يعالج القرآن العظيم الشح في النفوس كيف يُطلق ويحرر تلك النفوس من جانب الشح والبخل إلى فضاء العطاء الواسع
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)
يجعل التعامل الأسري والاجتماعي ليس تعامل علاقات بين فرد وفرد بين إنسان وآخر وإنما علاقات مبنية على تعامل بين إنسان وبين خالق سبحانه وتعالىليحرر الإنسان من النظر إلى جزاء الآخرين أو انتظار الجزاء من الآخرين ويجعل الإنسان المؤمن لا ينتظر الجزاء إلا من الخالق سبحانه الذي لا يضيع ولو كان مثقال ذرة (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) الإحسان لا يضيع عند الله سبحانه وتعالى وإن ضاع عند الخلق وإن ضاع عند الناس وإن ضاع في محيط الأسرة وفي محيط الأقارب