تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مسألة بيع الندي بالجاف كيلا وبعض أحكام النقود الورقية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2025
    المشاركات
    60

    افتراضي مسألة بيع الندي بالجاف كيلا وبعض أحكام النقود الورقية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
    https://archive.org/details/20250810_20250810_2127

    [مسألة بيع الندي بالجاف كيلا]
    قال أبو بكر حدثنا وكيع عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش قال: سألت سعدا عن السلت بالذرة فكرهه وقال سعد: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرطب بالتمر" فقال: «أينقص إذا جف» قلنا: "نعم" قال: "فنهى عنه"

    قال أبو بكر حدثنا أبو داود عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنه كره الرطب بالتمر وقال: «هو أقلهما في المكيال أو في القفيز»
    قال أبو بكر حدثنا ابن أبي زائدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب بالزبيب كيلا»

    قال أبو بكر حدثنا أبو الأحوص عن طارق عن سعيد بن المسيب أنه كره الرطب بالتمر مثلا بمثل وقال: "الرطب منتفخ والتمر ضامر"
    قال أبو بكر: وذكر أن أبا حنيفة وأبا يوسف قالا: لا بأس به

    هذه مسألة خالف فيها أبو حنيفة الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلم له تأويلا تأوله ولا عذرا اعتذر به وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فمنعا بيع الرطب بالتمر وهو قول عامة أهل العلم وهو قول مالك والشافعى وأحمد وإسحاق والليث بن سعد وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعى.

    واختلفوا فى بيع الرطب باليابس فى غير التمر مما يدخل فيه الربا فقال أبو حنيفة إن ذلك جائز كما قال فى الرطب بالتمر ووافقه فيه أبو يوسف وترك قوله فى الرطب بالتمر. وقال غيرهم لا يجوز ذلك كما لا يجوز الرطب بالتمر وكذلك أقول.

    واختلفوا فى الرطب بالرطب فقال الشافعى لا خير فيه ولا يجوز بيع شىء رطب برطب مثله لأن الرطب إذا تُرِكَ يبس فيصير مختلفا فى الوزن والكيل ولا خير فى الطعام بطعام من جنسه إلا يدا بيد وزنا بوزن أو كيلا بكيل. وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه يجوز ذلك لأن الحديث إنما جاء فيه النهى عن الرطب بالتمر اليابس لا الرطب بالرطب.

    واختلفوا فى الطعام الذى يدخل فيه الربا فقال الشافعى المأكول كله يدخل فيه الربا ولا يجوز طعام بطعام إلا يدا بيد وإذا كان من صنف واحد فلا بد أن يتساويا فى الكيل فيما يكال وفى الوزن فيما يوزن. والفاكهة عنده فيها الربا.
    وقال مالك إنما الربا فيما يُدَّخَرُ ويُقْتاتُ من الطعام كالتمر والحنطة والأرز واللحم فأما الفاكهة فليس فيها ربا.
    والربا عند أهل الحجاز إنما يكون فى الذهب والفضة والطعام وعند أهل العراق الربا فيما يكال ويوزن غير أنهم جَوَّزو إسلامَ الذهب والفضة فى غيرهما من الموزونات لاجتماع المسلمين عليه وهذه حجة احتج بها الشافعى عليهم.

    وفى قول الشافعى إن الناس لو أجازوا بينهم شيئا سوى الذهب والفضة كالفلوس من النحاس وكالنقود الورقية فصارت بينهم سكة فلا يدخل فيها الربا ويحل بيع بعضها ببعض متفاضلا ونسيئة ولا يقاس على الذهب والفضة شى وهذا أيضا قول العراقيين لأن الربا عندهم فى الموزونات والفلوس والنقود الورقية لا تباع بالوزن.
    وكره مالك ذلك من غير أن يراه حراما وقال إن هذا البيع لو فات لم أرده لاختلاف أهل العلم فيه. وكان قوله الأول أن ذلك جائز بغير كراهة وعلى هذا أكثر أصحابه وقالوا قد ترك مالك أصله هاهنا. وقوله الأول الذى وافق فيه جماعة الفقهاء أحب إلى.

    وفى قولهم جميعا إنه لا زكاة فى الفلوس والنقود الورقية وما اتخذه الناس بينهم سكة حتى جاز جواز الذهب والفضة. وقال مالك إنه لا اختلاف فى هذا. وقد احتج الشافعى على مالك وربيعة ومن جعل الربا فى الفلوس بأنهم اجتمعوا على أن لا زكاة فيها وليست فى هذا كالذهب والفضة فكان ينبغى كذلك أن لا تكون فى الربا كالذهب والفضة فلا يجرى فيها الربا كما يجرى فيهما.

    قال أبو بكر حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: "لا تشتر الرطب باليابس"

    قال أبو بكر حدثنا أسباط بن محمد عن أشعث عن الحكم أنه كره الرطب بالتمر اليابس مثلا بمثل.

    قال الشافعى: "وقال بعض الناس في بيع الرطب بالتمر: حلال، فخالفه بعض أصحابه ووافقنا، وقال: لا يجوز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد صاحبه الذي خالفه فقال: لا بأس حنطة بحنطة مبلولة، وإحداهما أكثر ابتلالا من الأخرى، ولا رطب برطب، ولم يزد على أن أظهر الأخذ بالحديث جملة، ثم خالف معناه فيما وصفت وقال: ولا بأس بتمرة بتمرتين، وثلاث بأربع؛ لأن هذا لا يكال، فقيل له: إذا كان التمر محرما إلا كيلا بكيل، فكيف أجزت منه قليلا بأكثر؟ فإن قال: لا يكال، فهكذا كل التمر إذا فرق قليلا، وإنما تجمع تمرة إلى أخرى فتكال، وفي نهي النبي «إلا كيلا بكيل» دليل على تحريمه عددا بعدد مثله أو أقل أو أكثر منه، فقد أجزته متفاضلا؛ لأن رسول الله نهى عنه إلا مستويا بالكيل" (اختلاف الحديث - باب الخلاف في العرايا)

    قال سحنون: "قلت: ما قول مالك في الرطب بالتمر واحد بواحد أو بينهما تفاضل؟
    قال: قال مالك: لا يصلح التمر بالرطب لا واحد بواحد ولا بينهما تفاضل.
    قلت: وكذلك البسر بالتمر لا يصلح على حال عند مالك؟
    قال: نعم. قلت: فالبسر بالرطب؟
    قال: لا خير فيه أيضا على حال لا مثلا بمثل ولا متفاضلا. قلت: فالرطب بالرطب؟
    قال: قال مالك: لا بأس به مثلا بمثل.
    قلت: فالبسر بالبسر؟ قال: لا بأس به مثلا بمثل" (المدونة - بيع الرطب بالبسر والبسر بالنوى)
    قال سحنون: "قلت: فالعدس المبلول بالعدس اليابس في قول مالك؟
    قال: لا يصلح ذلك عند مالك وإنما هذا مثل الرطب بالتمر أو الفريك بالحنطة أو الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة، وقد وصفت لك ذلك.
    قلت: فالعدس المبلول بالعدس المبلول هل يجوز في قول مالك؟
    قال: لا يصلح ذلك عند مالك لأنه ليس مثلا بمثل لأن البلل يختلف فيكون منه ما هو أشد انتفاخا من صاحبه فلا يصلح على حال.
    قلت: وكذلك الحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة عند مالك؟
    قال: نعم لا يصلح" (المدونة 3/154)

    قد أجاز مالك الرطب بالرطب ثم منع من العدس المبلول بالعدس المبلول.

    قال سحنون: "قلت: فما قول مالك في البقول واحد باثنين وإن كان من نوعه أو من غير نوعه يدا بيد مثل الفجل والسلق والكراث وما أشبه ذلك؟
    قال: لا بأس بذلك عند مالك كان من نوع واحد أو من غيره.
    قلت: وكذلك التفاح والرمان والبطيخ وما أشبه هذا من الفاكهة الخضراء أهو مثل ما وصفت من البقول؟ قال: نعم.
    قلت: أي شيء كره مالك واحد باثنين من صنفه يدا بيد من جميع الأشياء وأي شيء وسع فيه مالك واحد باثنين من صنفه يدا بيد من جميع الأشياء؟
    قال: قال مالك: كل شيء من الطعام يدخر ويؤكل ويشرب فلا يصلح منه اثنان بواحد من صنفه يدا بيد، وأما ما لا يدخر ولا يؤكل ولا يشرب فلا بأس به واحد باثنين من صنفه يدا بيد من جميع الأشياء.
    قال مالك: وكذلك كل طعام لا يدخر وهو يؤكل ويشرب فلا بأس بواحد منه باثنين يدا بيد وهو عندي مثل ما لا يؤكل ولا يشرب في هذا الوجه.
    قال مالك: والذهب بالذهب مثلا بمثل لا زيادة فيه يدا بيد وكذلك الفضة بالفضة، قال: والفلوس لا يصلح إلا مثلا بمثل عددا ويدا بيد ولا يصلح بعضها ببعض كيلا.
    قال: وقال مالك: وما كان مما لا يدخر من الفاكهة مثل الرمان والتفاح والخوخ وما أشبه هذا فلا بأس به واحد باثنين يدا بيد وإن ادخر.
    قال: فقلت لمالك: أرأيت السكر بالسكر؟ .
    قال: لا خير فيه اثنين بواحد" (المدونة 3/157)

    قال الشافعى: "الرطب يعود تمرا ولا أصل للتمر إلا الرطب فلما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرطب بالتمر وكان في الخبر عنه أن نهيه عنه أنه نظر في المعتقب وكان موجودا في سنته تحريم التمر بالتمر وغيره من المأكول إلا مثلا بمثل قلنا به على ما قاله وفسر لنا معناه فقلنا لا يجوز رطب برطب؛ لأنه إذا نظر فيه في المعتقب فلا يخرج من الرطب بالرطب أبدا من أن يباع مجهول الكيل إذا عاد تمرا ولا خير في تمر بتمر مجهولي الكيل معا ولا أحدهما مجهول؛ لأن نقصانهما أبدا يختلف فيكون أحد التمرين بالآخر وأحدهما أكثر كيلا من الآخر، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا.
    (قال) : فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يباع رطب منه كيلا برطب لما وصفت قياسا على الرطب بالتمر والتمر بالتمر واللحم كله صنف واحد وحشيه وطائره وإنسيه لا يحل الفضل في بعضه على بعض ولا يحل حتى يكون مثلا بمثل وزنا بوزن ويكون يابسا ويختلف فيكون لحم الوحش بلحم الطير واحد باثنين وأكثر ولا خير في تمر نخلة برطب نخلة بخرص ولا بتحر ولا غيره فالقسم والمبادلة وكل ما أخذ له عوض مثل البيع فلا يجوز أن يقاسم رجل رجلا رطبا في نخله ولا في الأرض ولا يبادله به؛ لأن كليهما في معنى البيع ههنا إلا العرايا المخصوصة وهكذا كل صنف من الطعام الذي يكون رطبا ثم ييبس فلا يجوز فيه إلا ما جاز في الرطب بالتمر والرطب نفسه ببعض لا يختلف ذلك وهكذا ما كان رطبا فرسك وتفاح وتين وعنب وإجاص وكمثرى وفاكهة لا يباع شيء منها بشيء رطبا ولا رطب منها بيابس ولا جزاف منها بمكيل ولا يقسم رطب منها على الأرض بكيل ولا وزن ولا في شجرها؛ لأن حكمها كما وصفت في الرطب بالتمر والرطب بالرطب وهكذا كل مأكول لو ترك رطبا ييبس فينقص وهكذا كل رطب لا يعود تمرا بحال وكل رطب من المأكول لا ينفع يابسا بحال مثل الخربز والقثاء والخيار والفقوس والجزر والأترج لا يباع منه شيء بشيء من صنفه وزنا بوزن ولا كيلا بكيل لمعنى ما في الرطوبة من تغيره اختلف الصنفان منه فلا بأس ببطيخ بقثاء متفاضلا جزافا ووزنا وكيفما شاء إذا أجزت التفاضل في الوزن أجزت أن يباع جزافا؛ لأنه لا معنى الجزاف يحرمه إلا التفاضل والتفاضل فيهما مباح وهكذا جزر بأترج ورطب بعنب في شجره وموضوعا جزافا ومكيلا كما قلنا فيما اختلف أصنافه من الحنطة والذرة والزبيب والتمر سواء في ذلك المعنى لا يخالفه وفي كل ما خرج من الأرض من مأكول ومن مشروب والرطب من المأكول والمشروب وجهان: أحدهما يكون رطبا ثم يترك بلا عمل من عمل الآدميين يغيره عن بنية خلقته مثل ما يطبخ فتنقصه النار ويحمل عليه غيره فيذهب رطوبته ويغيره مثل الرطب يعود تمرا واللحم يقدد بلا طبخ يغيره ولا عمل شيء حمل عليه غيره فكل ما كان من الرطب في هذا المعنى لم يجز أن يباع منه رطب بيابس من صنفه وزنا بوزن ولا كيلا بكيل ولا رطب برطب وزنا بوزن ولا كيلا بكيل كما وصفت في الرطب بالتمر ومثله كل فاكهة يأكلها الآدميون فلا يجوز رطب بيابس من صنفها ولا رطب برطب من صنفها لما وصفته من الاستدلال بالسنة" (الأم - باب الرطب بالتمر)

    وفى أصل محمد بن الحسن: "وقال أبو حنيفة: لا بأس بالتمر بالرطب مثلا بمثل وإن كان الرطب ينقص إذا جف. وكذلك الحنطة الرطبة بالحنطة اليابسة، وهذا قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: لا خير في الرطب بالتمر مثلا بمثل يدا بيد؛ لأن الرطب ينقص إذا جف. قال: بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك. وكذلك الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة في قول محمد، وأجاز ذلك أبو يوسف كما قال أبو حنيفة" (الأصل 2/413)

    قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى هذا الحديث فقلدوه وجعلوه أصلا ومنعوا به بيع الرطب بالتمر. وممن ذهب إلى ذلك: أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهما. وخالفهم في ذلك آخرون فجعلوا الرطب والتمر نوعا واحدا وأجازوا بيع كل واحد منهما بصاحبه مثلا بمثل وكرهوه نسيئة. فاعتبرنا هذا الحديث الذي احتج به عليهم مخالفهم هل دخله شيء؟
    فإذا ابن أبي داود قد حدثنا قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال: ثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد أن زيدا أبا عياش أخبره عن سعد بن أبي وقاص «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة»
    فكان هذا أصل الحديث فيه ذكر النسيئة زاده يحيى بن أبي كثير على مالك بن أنس فهو أولى. وقد روى هذا الحديث أيضا غير عبد الله بن يزيد على مثل ما رواه يحيى بن أبي كثير أيضا.
    حدثنا يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله، حدثه عن عمران بن أبي أنس، أن مولى لبني مخزوم حدثه أنه، سئل سعد بن أبي وقاص عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل؟ فقال سعد: «نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا»
    فهذا عمران بن أبي أنس وهو رجل متقدم معروف قد روى هذا الحديث كما رواه يحيى. فكان ينبغي في تصحيح معاني الآثار أن يكون حديث عبد الله بن يزيد، لما اختلف عنه فيه، أن يرتفع ويثبت حديث عمران هذا. فيكون هذا النهي الذي جاء في حديث سعد هذا إنما هو لعلة النسيئة لا لغير ذلك. فهذا سبيل هذا الباب من طريق تصحيح الآثار" (شرح معانى الآثار 4/6)

    قد أساء الطحاوى فى رده الحديث الذى رواه سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه والذى احتج به من أن سعدا علل النهى فى رواية بأنه على النسيئة فلا يدفع ذلك تعليله إياه فى أخرى أنه لأجل ما يدخل الرطب من النقص إذا جف وذلك أن بيع الطعام بالطعام نسيئة غير جائز فى قول عامة أهل العلم وإذا كان التمر لا يصلح بالتمر نسيئة فكيف يصلح بالرطب نسيئة؟ ثم هب أن حديث سعد لما اختلفت الرواية عنه فيه بطل الاحتجاج به - وليس كذلك - فقد ثبت حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ولا معارض له فوجب المصير إليه عند من ادعى اتباع السنن. وقد اجتمع عامة أهل العلم على تثبيت حديث سعد والقول به فلا معنى للعلل التى اعتل بها الطحاوى ليبطل الحديث ويصحح قول أبى حنيفة.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2025
    المشاركات
    60

    افتراضي رد: مسألة بيع الندي بالجاف كيلا وبعض أحكام النقود الورقية

    وأما قولهم فى الفلوس فإنى ذاكره بعد إن شاء الله تعالى.

    قال الطحاوى: "قال أصحابنا لا بأس بالسلم في الفلوس عددا وهو قول الثوري والشافعي.
    وقال مالك لا يجوز أن يسلم دراهم أو دنانير أو فلوسا ولا أن يباع بعضها ببعض إلى أجل لأنه صرف ويجوز أن يسلم ثوبا في فلوس" (مختصر اختلاف العلماء - في السلم في الفلوس)

    قال مالك: "لا يصلح الفلوس بالفلوس جزافا ولا وزنا مثلا بمثل ولا كيلا مثلا بمثل يدا بيد ولا إلى أجل ولا بأس بها عددا فلس بفلس يدا بيد، ولا يصلح فلس بفلسين يدا بيد ولا إلى أجل، والفلوس هاهنا في العدد بمنزلة الدراهم والدنانير في الورق. وقال مالك: أكره ذلك في الفلوس ولا أراه حراما كتحريم الدنانير والدراهم" (المدونة 3/158)
    قال سحنون: "قلت: أرأيت لو كانت عند رجل فلوس في قيمتها مائتا درهم فحال عليها الحول ما قول مالك في ذلك؟
    قال: لا زكاة عليه فيها وهذا مما لا اختلاف فيه، إلا أن يكون ممن يدير فتحمل محمل العروض.
    قال: وسألت مالكا عن الفلوس تباع بالدنانير أو بالدراهم نظرة أو تباع الفلس بالفلسين؟ فقال مالك: إني أكره ذلك وما أراه مثل الذهب والورق في الكراهية" (المدونة 1/341)

    قال الشافعى: "ولم يجز أن يقاس الوزن من المأكول على الوزن من الذهب؛ لأن الذهب غير مأكول، وكذلك الورق لو قسناه عليه وتركنا المكيل المأكول، قسنا على أبعد منه مما تركنا أن نقيسه عليه، ولا يجوز عند أهل العلم أن يقاس على الأبعد ويترك الأقرب ولزمنا أن لا نسلم دينارا في موزون من طعام أبدا ولا غيره، كما لا يجوز أن نسلم دينارا في موزون من فضة، ولا أعلم المسلمين اختلفوا في أن الدنانير والدراهم يسلمان في كل شيء، إلا أن أحدهما لا يسلم في الآخر، لا ذهب في ذهب، ولا ورق في ورق، إلا في الفلوس فإن منهم من كرهه" (3 /30)

    قال الشافعى: "ولا يجوز أن يسلم ذهب في ذهب، ولا فضة في فضة، ولا ذهب في فضة، ولا فضة في ذهب ويجوز أن يسلم كل واحد منهما في كل شيء خلافهما من نحاس وفلوس وشبه ورصاص وحديد وموزون ومكيل مأكول أو مشروب وغير ذلك من جميع ما يجوز أن يشترى.
    (قال الشافعي) : وإنما أجزت أن يسلم في الفلوس بخلافه في الذهب والفضة بأنه لا زكاة فيه وأنه ليس بثمن للأشياء كما تكون الدراهم والدنانير أثمانا للأشياء المسلفة فإن في الدنانير والدراهم الزكاة وليس في الفلوس زكاة وإنما انظر في التبر إلى أصله وأصل النحاس مما لا ربا فيه فإن قال قائل فمن أجاز السلم في الفلوس؟ قلت غير واحد (قال الشافعي) : أخبرنا القداح عن محمد بن أبان عن حماد بن إبراهيم أنه قال لا بأس بالسلم في الفلوس وقال سعيد القداح لا بأس بالسلم في الفلوس والذين أجازوا السلف في النحاس يلزمهم أن يجيزوه في الفلوس والله تعالى أعلم. فإن قال قائل فقد تجوز في البلدان جواز الدنانير والدراهم قيل: في بعضها دون بعض وبشرط وكذلك الحنطة تجوز بالحجاز التي بها سنت السنن جواز الدنانير والدراهم، ولا تجوز بها الفلوس فإن قال الحنطة ليست بثمن لما استهلك قيل وكذلك الفلوس ولو استهلك رجل لرجل قيمة درهم أو أقل لم يحكم عليه به إلا من الذهب والفضة لا من الفلوس فلو كان من كرهها إنما كرهها لهذا انبغى له أن يكره السلم في الحنطة؛ لأنها ثمن بالحجاز وفي الذرة؛ لأنها ثمن باليمن فإن قال قائل إنما تكون ثمنا بشرط فكذلك الفلوس لا تكون ثمنا إلا بشرط ألا ترى رجلا لو كان له على رجل دانق لم يجبره على أن يأخذ منه فلوسا وإنما يجبره على أن يأخذ الفضة وقد بلغني أن أهل سويقة في بعض البلدان أجازوا بينهم خزفا مكان الفلوس والخزف فخار يجعل كالفلوس أفيجوز أن يقال يكره السلف في الخزف؟ (قال الشافعي) : - رحمه الله -: أرأيت الذهب والفضة مضروبين دنانير أو دراهم أمثلهما غير دنانير أو دراهم لا يحل الفضل في واحد منهما على صاحبه لا ذهب بدنانير، ولا فضة بدراهم إلا مثلا بمثل وزنا بوزن وما ضرب منهما وما لم يضرب سواء لا يختلف وما كان ضرب منهما ولم يضرب منهما ثمن، ولا غير ثمن سواء لا يختلف؛ لأن الأثمان دراهم ودنانير لا فضة، ولا يحل الفضل في مضروبه على غير مضروبه، الربا في مضروبه وغير مضروبه سواء فكيف يجوز أن يجعل مضروب الفلوس مخالفا غير مضروبها؟ وهذا لا يكون في الذهب والفضة" (الأم 3/98)

    وقد خالفنا بعض الناس فأنكر على من أخذ بقول عامة أهل العلم فى أن لا تقاس النقود الورقية على الذهب والفضة وأن ليس فيها زكاة وابتدعوا ضربا جديدا من الربا لا نعلم له اسما ويزعمون كذبا أنه ربا الفضل.

    وهم يقولون إنك إذا بعت من رجل سلعة إلى شهر بمائة فإن لم يؤدها حتى انقضى الشهر فعليه بعد شهرين مائة وعشرون فهذا ربا الجاهلية وهو حرام لا يحل وكذلك نقول.

    ثم قالوا إذا أراد أن يصيره حلالا باعها منه بمائة وعشرين إلى شهرين فإن أدى بعد شهر فعليه مائة. وهو لم يزد سوى أن نكس الكلام فيصير الربا عندهم حلالا إذا نكس الكلام.

    وقالوا إذا قال له إن أنجزت المشروع فى سنة فلك الربع فإن أنجزته فى ستة أشهر فلك الثلث فذلك جائز. وهذا حرام وربا وهو والمسألة التى قبلها سواء. ثم إن الأجرة لا بد أن تكون معلومة وليست هذه مضاربة ولا تكون المضاربة إلا فى التجارة فلو تعاقدا على أنه لو بنى له بيتا فله كذا من ثمنه كان العقد باطلا.

    ومنهم من أجاز ما يسمى الشرط الجزائى فإذا أراد أن يعمل بربا الجاهلية ويكون ذلك حلالا باعه بمائة إلى شهر فإن تأخر فعليه غرامة عشرون وهذا عين الربا ولا نعلم خلافا بين أهل العلم أن الذى عليه الدين لو مطل وهو قادر على الأداء فإنه ليس لصاحب الدين إلا رأس ماله وإلا صار الربا حلالا.

    ويقولون إذا أقرضه نقودا ورقية ثم نقصت قيمتها أخذها منه وزيادة لأجل ما دخل عليه من الضرر وهذا عين الربا وهى مسألة معروفة عند الفقهاء ولو جاز ذلك لحل لكل أحد أن يتعامل بالربا ويعتل بأن إقراضه المال يضره لأنه يمنعه من الانتفاع بماله فيأخذ الزيادة لدفع الضرر عن نفسه.

    قال الشافعى: "ومن سلف فلوسا أو دراهم أو باع بها ثم أبطلها السلطان فليس له إلا مثل فلوسه أو دراهمه التي أسلف أو باع بها" (الأم 3/33)

    قال سحنون: "قلت: أرأيت إن استقرضت فلوسا ففسدت الفلوس فما الذي أرد على صاحبي؟
    قال: قال مالك: رد عليه مثل تلك الفلوس مثل الذي استقرضت منه وإن كانت قد فسدت قلت: فإن بعته سلعة بفلوس ففسدت الفلوس قبل أن أقبضها منه؟
    قال: قال مالك: لك مثل فلوسك التي بعت السلعة بها الجائزة بين الناس يومئذ وإن كانت الفلوس قد فسدت فليس له إلا ذلك قال: وقال مالك: في القرض والبيع في الفلوس إذا فسدت فليس له إلا الفلوس التي كانت تجوز ذلك اليوم وإن كانت فاسدة قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل أقرضني دينارا دراهم أو نصف دينار دراهم أو ثلث دينار دراهم فأعطاه الدراهم، ما الذي يقضيه في قول مالك؟
    قال: يقضيه مثل دراهمه التي أخذ منه رخصت أم غلت فليس عليه إلا مثل الذي أخذ منه. ابن وهب، عن ابن لهيعة أن بكير بن عبد الله بن الأشج حدثه: أن ابن المسيب أسلف عمرو بن عثمان دراهم فلم يقضه حتى ضربت دراهم أخرى غير ضربها فأبى ابن المسيب أن يقبلها منه حتى مات فقبضها ابنه من بعده. ابن لهيعة، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن محمد بن جعفر، عن سعيد بن المسيب أنه قال: إن أسلفت رجلا دراهم ثم دخل فساد الدراهم فليس لك عليه إلا مثل ما أعيته وإن كان قد أنفقها وجازت عنه، وقاله يحيى بن سعيد وربيعة. ابن وهب، عن الليث قال: كتب إلي يحيى بن سعيد يقول: سألت عن رجل أسلفه أخ له نصف دينار فانطلقا جميعا إلى الصرف بدينار فدفعه إلى الصراف فأخذ منه عشرة دراهم ودفع خمسة إلى الذي استسلفه نصف دينار فحال الصرف برخص أو غلاء قال: فليس للذي دفع خمسة دراهم زيادة عليها ولا نقصان منها ولو أن رجلا استسلف من رجل نصف دينار فدفع إليه الدينار فانطلق به فكسره فأخذ نصف دينار ودفع إليه النصف الباقي كان عليه يوم يقضيه أن يدفع إليه دينارا فيكسره فيأخذ نصفه ويرد إليه نصفه. ابن وهب.
    وقال لي مالك: يرد إليه مثل ما الذي أخذ منه لأنه لا ينبغي له أن يسلف أربعة ويأخذ خمسة، وليس الذي أعطاه ذهبا إنما أعطاه ورقا ولكن لو أعطاه دينارا فصرفه المستسلف فأخذ نصفه ورد عليه نصفه كان عليه نصف دينار إن غلا الصرف أو رخص" (المدونة 3/50)

    قال الشافعى: "إذا سلف رجل رجلا في رطب أو عنب إلى أجل يطيبان له فهو جائز فإن نفد الرطب أو العنب حتى لا يبقى منه شيء بالبلد الذي سلفه فيه فقد قيل المسلف بالخيار فإن شاء رجع بما بقي من سلفه كأن سلف مائة درهم في مائة مد فأخذ خمسين فيرجع بخمسين، وإن شاء أخذ ذلك إلى رطب قابل ثم أخذ بيعه بمثل صفة رطبه، وكيله، وكذلك العنب وكل فاكهة رطبة تنفد في وقت من الأوقات، وهذا وجه. قال: وقد قيل إن سلفه مائة درهم في عشرة آصع من رطب فأخذ خمسة آصع ثم نفذ الرطب كانت له الخمسة آصع بخمسين درهما؛ لأنها حصتها من الثمن فانفسخ البيع فيما بقي من الرطب فرد إليه خمسين درهما.
    (قال الشافعي) : وهذا مذهب والله - تعالى – أعلم" (الأم 3/140)

    قال الشافعى: "قلنا ما وصفنا من السلم أدفع لهذا مائة درهم في رطب فمضى الرطب، ولم يوف منه شيئا فيعود إلى أن يقول لي خذ رأس مالك، وقد انتفع به المسلم إليه، أو أخر مالك بعد محله سنة بلا رضا منك إلى سنة أخرى، فإذا قلت: قد انتفع بمالي فإن أخذته، فقد أخذ منفعة مالي بلا عوض أخذته، وإن أخرته سنة، فقد انتفع بمالي سنة بلا طيب نفسي، ولا عوض أعطيته منه قال: لا أجد إلا هذا فإن قلت لك وصدقني المسلم إليه بأنه تغيب مني حتى مضى الرطب قلت: لا أجد شيئا أُعَدِّيكَ عليه؛ لأنك رضيت أمانته، قلت: ما رضيت إلا بالاستيفاء، وقد كان يقدر على أن يوفيني قلت: وقد فات الرطب الذي يوفيك منه" (الأم 4/29)

    ومن العجب أن بعض من ينكر على أهل العلم أنهم لم يجعلوا فيما أجازه الناس بينهم سكة زكاة قد أنكر زكاة العروض وزعم أنه لا دليل عليها من كتاب ولا سنة. وقول عامة أهل العلم بزعمه لا يلزمه وهذا يشبه قول الباطنية والقرامطة.

    وزكاة النقود الورقية شريعة كاملة ابتدعوها من عقولهم ثم ينكرون على من أخرج زكاة الفطر بالقيمة مع أنه قول كثير من أهل العلم ويروى عن الصحابة وهو قول الحسن البصرى وعمر بن عبد العزيز وأبى حنيفة وأهل الكوفة ثم هو بعد قول ابن تيمية وقول محمد بن عبد الوهاب.

    ويقال لهؤلاء: لم جعلتم الربا فى النقود الورقية كهو فى الذهب والفضة وأنكرتم على من خالفكم ورميتموهم باستحلال الربا؟ فإن قالوا: أخذنا بقول مالك وقسناه على الذهب والفضة فكيف لم تأخذ بقول مالك؟ قيل لهم: قد أجمع أهل الإسلام جميعا أن الرجل أملك بامرأته من نفسها ولا تملك أن تفارقه ولو كان أبغض الناس إليها ولوأعطته أضعاف مهرها فلم لم تقولوا بقولهم وهو منصوص فى بضع آيات من كتاب الله؟ قالوا: إن قولهم لا يلزمنا. قيل لهم: فإذا كان لا يلزمكم كلام الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين عامتهم وخاصتهم فكيف تريدون أن تلزموا الناس برأى رآه مالك وتركه عليه أكثر أصحابه مع أن مالكا قال أكرهه ولم يقل هو حرام؟

    قال ابن عبد البر: "هذا أصل مالك وأصحابه في كل ما عدا المأكول والمشروب والذهب والورق إلا أن مالكا كره الفلوس اثنين بواحد يدا بيد فخالف أصله في ذلك ورآها كالذهب والفضة ومحمل ذلك عند أصحابه على الكراهة لا على التحريم. وأما الشافعي فلا ربا عنده في شيء من ذلك كله على حال من الأحوال" (الاستذكار 6/445)

    وقيل لهم: أرأيتم الربا المحرم فى الذهب والفضة أهو فى القيمة أم الوزن؟ قالوا: بل هو فى الوزن والتفاضل فى القيمة جائز. قلت: أرأيتم لو باعه ذهبا رديئا بذهب أجود منه هل يجوز أن ينقص من الوزن شيئا لاختلافهما فى الجودة والقيمة إذا قُوِّما بالفضة؟ قالوا: لا يجوز إلا مثلا بمثل وزنا بوزن ولا يحل التفاضل فى الوزن بينهما وإن اختلفت القيمة. وقيل لهم: أرأيتم لو باع منه ذهبا بحلى فأراد أن يزيده فى الوزن لمكان الصنعة فهل يحل لهما ذلك؟ قالوا: لا يحل ذلك ولا يحل إلا وزنا بوزن ولا ننظر فى ربا الفضل إلى القيمة وإنما ننظر إلى الوزن فيما يوزن والكيل فيما يكال وإن اختلفت القيم.

    فقلت لهم: أرأيتم النقود الورقية أهى عندكم كالذهب والفضة سواء وفيها ربا الفضل كهو فى الذهب والفضة؟ قالوا: نعم هى عندنا كالذهب والفضة. فقلت أرأيتم إن باعه ورقة مائة ريال بعشر ورقات كل واحدة عشرة ريالات أيجوز ذلك أم لا يجوز وهما مختلفان فى الوزن والعدد؟ قالوا: إن ذلك جائز وإن اختلف الوزن والعدد وإنما ننظر فى ذلك إلى القيمة. وقلت: أرأيتم إن أعطاه ورقة مائة ريال فأعطاه بوزنها ورقات عشرة ريالات فكان عددها أقل من عشرة أيجوز ذلك وهما مستويان فى الوزن مختلفان فى القيمة؟ قالوا: لا يجوز ذلك ولا ننظر فى الوزن وإنما ننظر فى القيمة.

    فقلت: أرأيتم ربا الفضل الذى يكون فى الذهب والفضة والمأكول والمشروب أهو فى الوزن والكيل أم فى القيمة؟ قالوا: بل هو فى الوزن والكيل وإن اختلفت القيمة ولا ننظر إلى القيمة. قلت: فكيف تزعمون أنكم قستم النقود الورقية بالذهب والفضة ثم زعمتم أن التفاضل فى الوزن والكيل والعدد جائز فيها وحرمتم التفاضل فى القيمة وليس هذا ربا الفضل. قالوا: إن النقود الورقية لا تشبه الذهب والفضة لأن الذهب والفضة قيمتها فى وزنها فكلما كانت أوزن كانت أغلى وهكذا السلع كلها وليست هكذا النقود الورقية فإن قيمتها بما يكتبها السلطان عليها وليست فى وزنها. فقيل لهم: فإذا كانت لا تشبه الذهب والفضة فكيف زعمتم قستموها على الذهب والفضة وهى لا تشبهها؟ وكيف قلتم إن فيها ربا الفضل وهو عندنا وعندكم التفاضل فى الوزن والكيل ثم أجزتم الورقة منها بعشر ورقات وأجزتم الاختلاف فى الوزن والكيل والعدد؟ فلئن كان فيها ربا الفضل فقد استحللتموه.
    وقلت لهم: أرأيتم لو أن سلطانا ضرب دنانير وكتب عليها واحدا ثم ضرب أخرى وكتب عليها اثنين ووزنها وزن الأولى وزعم أن قيمتها ضعف قيمة الأولى فكانت تجوز بين الناس جواز اثنين من الدراهم الأولى إذا اشتروا بها ما سوى الذهب. أرأيتم لو أراد رجل أن يبيعها من رجل بالدراهم الأولى أيحل له أن يبيع الدينار منها بدينارين من الأولى؟ قالوا: لا يحل ذلك ولا تجوز إلا وزنا بوزن ولا ننظر إلى كتابة السلطان وتقويمه. فقيل لهم: فكيف أبطلتم تقويم السلطان فى الذهب والفضة واستعملتموه فى النقود الورقية وأنتم تزعمون أن تقيسونها على الذهب والفضة؟ هذا تحكم وقول بالرأى والتشهى.

    وقالوا: إن الرجل إذا عمل فى بلد فأخذ أجره بعملة ذلك البلد وأراد أن يرسل إلى أهله فيقبضوها بعملتهم أعطى الصراف فى البلد الذى هو فيه من عملته ووكل من يقبض له بعملة أهله فى بلدهم قبل أن يفارق الصراف وزعموا أن ذلك جائز. ومنعوا أن يأخذ من الصراف عملته فى البلد الذى يعمل فيه ثم يرسلها إلى أهله لأن القانون بزعمهم يمنعه.

    وفى قول مالك والشافعى إنه إذا وكل رجلا بالقبض فلا يصح حتى يكون هو المعطى.

    وقلت لهم: أرأيتم لو باع رجل ورقة عشرة ريالات بمائة ريال من المعدن أيصلح ذلك وهما صنفان مختلفان فهذه من الوَرَقِ وهذه من المعدن؟ قالوا: لا يصلح ذلك لأنها عندنا صنف واحد لأن السلطان قد سكهما جميعا فصارتا صنفا واحدا. قلت لهم: هذا من أعظم الجهالات وكيف يكون الوَرَقُ والمعدن صنفا واحدا لأجل أن السلطان سك العملتين جميعا لو قال لكم هذا غيركم لقلتم له أنت أحوج إلى العلاج منك إلى المناظرة. أرأيتم لو ضرب سلطان دنانير من الذهب ودراهم من الفضة أصار الذهب والفضة عندكم صنفا واحدا؟ قالوا: لا وكيف يكونان صنفا واحدا وهذا ذهب وهذه فضة ولا يصنع ضرب السلطان الدنانير والدراهم شيئا. قلت: فكيف صيرتم النقود الورقية والمعدنية صنفا واحدا ولم تقولوا بذلك فى الدنانير والدراهم وقد زعمتم أنكم قستموهما عليهما.

    وقالوا: الريالات الورقية صنف والجنيهات الورقية صنف والدولارات الورقية صنف وكل عملة سكها سلطان بلد فهى صنف. فقالوا قولا خارجا عن المعقول والله المستعان. فقيل لهم: كيف تكون كل عملة من الوَرَق صنفا وهى كلها من الوَرَق؟ أرأيتم لو أن سلطان بلد ضرب دنانير وكتب عليها اسمه وضرب سلطان بلد أخرى دنانير وكتب عليها اسمه أتكون الدنانير الأولى صنفا غير الدنانير الأخرى ويحل التفاضل فى الوزن بينهما؟ قالوا: بل الذهب كله صنف واحد لا يحل التفاضل فى بعضه ببعض. قلت لهم: فكيف زعمتم أن اختلاف السلاطين والبلدان لا يصنع شيئا فى الذهب والفضة ثم هو يُصَيِّر كل عملة ورقية صنفا مغايرا لصنف الأخرى وأنتم تزعمون أنكم جعلتم النقود الورقية كالذهب والفضة؟

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •