[باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب]
.............................. .............................. ............
سبق أن ذكر المؤلف كتاب التوحيد، أي: وجوب التوحيد، وأنه لا بد منه، وأن معنى قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} ١؛ أن العبادة لا تصح إلا بالتوحيد. وهنا ذكر المؤلف فضل التوحيد، ولا يلزم من ثبوت الفضل للشيء أن يكون غير واجب، بل الفضل من نتائجه وآثاره. ومن ذلك صلاة الجماعة ثبت فضلها بقوله صلى الله عليه وسلم " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "٢ متفق عليه٣. ولا يلزم من ثبوت الفضل فيها أن تكون غير واجبة، إذ إن التوحيد أوجب الواجبات، ولا تقبل الأعمال
إلا به، ولا يتقرب العبد إلى ربه إلا به، ومع ذلك، ففيه فضل.
قوله: (وما يكفر من الذنوب) : معطوف على"فضل" فيكون المعنى:] باب فضل التوحيد، وباب ما يكفر من الذنوب، وعلى هذا، فالعائد محذوف والتقدير ما يكفره من الذنوب. عقد هذا الباب لأمرين: الأول: بيان فضل التوحيد.
الثاني: بيان ما يكفره من الذنوب; لأن من آثار فضل التوحيد تكفير الذنوب.
وقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} ١ الآية.
فمن فوائد التوحيد:
١. أنه أكبر دعامة للرغبة في الطاعة؛ لأن الموحد يعمل لله- سبحانه وتعالى-، وعليه، فهو يعمل سرا وعلانية، أما غير الموحد، كالمرائي مثلا، فإنه يتصدق ويصلي، ويذكر الله إذا كان عنده من يراه فقط، ولهذا قال بعض السلف: " إني لأود أن أتقرب إلى الله بطاعة لا يعلمها إلا هو ".
٢. أن الموحدين لهم الأمن وهم مهتدون، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} ٢.
قوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا} أي: يخلطوا.
قوله: " بظلم ": الظلم هنا ما يقابل الإيمان، وهو الشرك، ولما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس الأمر كما تظنون، إنما المراد به الشرك "٣ ألم تسمعوا إلى قول الرجل الصالح- يعني لقمان -: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ٤٥.
والظلم أنواع:
١. أظلم الظلم: وهو الشرك في حق الله.
١ سورة الذاريات آية: ٥٦.
٢ البخاري: الأذان (٦٤٥) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٦٥٠) , والترمذي: الصلاة (٢١٥) , والنسائي: الإمامة (٨٣٧) , وابن ماجه: المساجد والجماعات (٧٨٩) , وأحمد (٢/٦٥ ,٢/١٠٢ ,٢/١١٢) , ومالك: النداء للصلاة (٢٩٠) , والدارمي: الصلاة (١٢٧٧) .
٣ من حديث ابن عمر, رواه: البخاري في (كتاب الأذان, باب فضل صلاة الجماعة, ا/ ٢١٦) , ومسلم (كتاب المساجد, باب فضل صلاة الجماعة, ١/٤٥٠) .
يتبع: