3104- (كان إذا أوى إلى فِراشهِ كلَّ ليلةٍ جمَعَ كفَّيهِ ، ثم نفَثَ فيهما، فقرأ فيهما(قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و ( قل أعوذ برب الناس) ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأُ بهما على رأسهِ ووجههِ ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات ) .
قال الالباني في السلسلة الصحيحة :
أخرجه البخاري (5017)، وأبو داود (5056)، والترمذي في "السنن " (3399) و"الشمائل " - باب ما جاء في نومه - صلى الله عليه وسلم - - رقم (218- مختصره) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (788) ، ومن طريقه : ابن السني في "عمله " (691) ، وابن حبان في "صحيحه " (5519- الإحسان) ، وأحمد (6/16) من طريق المفضل بن فضالة عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان... الحديث.
وعُقيل هذا هو ابن خالد بن عَقيل الأيلي ثقة ثبت ؛ كما قال الحافظ .
والمفضل بن فضالة هو القتباني المصري القاضي ، قال الحافظ :
"ثقة فاضل عابد ، أخطأ ابن سعد في تضعيفه ".
قلت : وقد تابعه سعيد بن أبي أيوب : حدتني عقيل به .
أخرجه ابن حبان (5518) بلفظ :
"جمع يديه ثم نفث فيهما ثم قرأ.. " ، وأحمد (6/154) إلا أنه قال :
"فينفث فيهما ثم يقرأ" .
قلت : وسعيد بن أبي أيوب مصري أيضاً ، قال الحافظ :
"ثقة ثبت "
واعلم أن الحديث قد رواه جمع آخر من الثقات عن الزهري ، وآثرت ذكر رواية عقيل هذه لأمرين :
الأول : أنه عزاها جمع إلى الشيخين منهم ابن تيمية في "الكلم الطيب " (رقم30) وغيره كثير، كنت تبعتهم في بعض تعليقاتي ، فلما تبين لي أنها من أفراد البخاري دون مسلم ، وأن هذا إنما أخرجه من غير طريق عقيل هذه مختصراً ، وقد أشار إلى ذلك الحافظ المزي في "تحفة الأشراف " ، لما تبين لي ذلك بادرت إلى تخريجها والتنبيه عليها.
والآخر : أنها أتم من رواية الثقات الآخرين ، منهم مالك ، والليث ، ويونس ، ورواية هذا أقرب إلى رواية عقيل ، أخرجها البخاري (5748) قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي : حدثنا سليمان عنه بلفظ :
" كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ (قل هو الله أحد) وبالمعوذتين جميعاً ، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده " . قالت عائشة : فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به.
قال يونس : كنت أرى ابن شهاب يصنع ذلك إذا أتى فراشه .
وتابعه عبد الله - وهو ابن المبارك - : أخبرنا يونس بلفظ :
"كان إذا اشتكى نفث على نفسه بـ (المعوذات ) ، ومسح عنه بيده ، فلما اشتكى وجعه التي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث ، وأمسح بيد النبي عنه ".
أخرجه البخاري أيضاً (4439) .
ورواه مسلم ؛ وابن حبان (6556) من طريق آخر عنه .
وأما رواية مالك فهي في "الموطأ" (3/ 121) عن ابن شهاب به مختصراً بلفظ:
"كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بـ (المعوذات )وينفث ". قالت: فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه ، وأمسح عليه بيمينه ، رجاء بركتها .
ومن طريق مالك أخرجه البخاري (5016)، ومسلم (7/16)، وأبو داود (3902) ، والنسائي في "عمل اليوم " (1009) ، وابن ماجه (3528) ، وأحمد (6/104 و 114 و 181 و 256 و 263) ، كلهم عن مالك به .
ومن الأوهام الظاهرة قول المعلق على حديث الترجمة في حاشية "عمل النسائي" :
"وأخرجه مسلم من رواية مالك عن ابن شهاب بأتم من هذا" !
فكأنه يعني قول عائشة : " فلما اشتد وجعه... " وهذا خلاف المتبادر من قوله : " بأتم من هذا " فإن الحديث عند النسائي في أذكار النوم ، وحديث الترجمة في الباب أتم منه كما ترى ، ثم إنه قد فاته أنه عند البخاري أيضاً . ومن أجل هذا الاختلاف ذهب بعضهم إلى أن حديث مالك ومن تابعه عن ابن شهاب غير حديث الترجمة ، فهما حديثان مدارهما على الزهري بإسناد واحد ، وهو الذي رجحه الحافظ في "الفتح " (9/ 620) ، وحكى عن أبي مسعود أنهما حديث واحد ، وهو عندي محتمل ، بل هو الأرجح ؛ بدليل رواية الأويسي المتقدمة عن سليمان - وهو ابن بلال - عن يونس ؛ فإنه جمع فيها بين رواية عقيل وبعض رواية مالك المتعلق بشكواه- صلى الله عليه وسلم - ، ولو بنحوه ؛ فإنه ظاهر الدلالة أن الحديث واحد ، وأن الرواة عن الزهري كان يزيد بعضهم على بعض . والله سبحانه وتعالى أعلم .
هذا ؛ وفي الحديث أن السنة أن ينفث في كفيه أولاً ، ثم يقرأ ، ثم يمسح ، هذا ظاهر جداً فيه ، وقد تأول بعضهم قوله : "ثم نفث فيهما فقرأ فيهما " بمعنى : ثم عزم على النفث ، فقد جاء في "تحفة الأحوذي " للمباركفوري (4/231) ما نصه :
"قال العيني : قال المظهري في "شرح المصابيح " : ظاهر الحديث يدل على أنه نفث في كفه أولاً ، ثم قرأ ، وهذا لم يقل به أحد ، ولا فائدة فيه ، ولعله سهو من الراوي ، والنفث ينبغي أن يكن بعد التلاوة ليوصل بركة القرآن إلى بشرة القارئ أو المقروء له . وأجاب الطيبي عنه : بأن الطعن فيما صحت روايته لا يجوز، وكيف والفاء فيه مثل ما في قوله تعالى : (إذا قرأت القرآن فاستعذ ) ، فالمعنى : جمع كفيه ثم عزم على النفث . أو لعل السر في تقديم النفث فيه مخالفة السحرة . انتهى . وفي رواية للبخاري : كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ (قل هو الله أحد) وبـ (المعوذتين) جميعاً . قال الحافظ : أي : يقرأها وينفث حالة القراءة" .
فأقول : لم ينشرح صدري لكل هذه الأقوال ، وبعضها أوهن من بعض ، وهاك البيان :
أولاً : أما الطعن في الحديث فهو من أبطل الباطل ؛ فإنه سبيل المبتدعة وعلماء الكلام ، وقد عرفت أن رجاله ثقات أثبات .
ثانياً : وأما تأويله بنحو ما في آية التلاوة ؛ فكان يمكن التسليم بذلك ، لولا أن مجموع الروايات عن عقيل ترده وبخاصة رواية ابن حبان المتقدمة بلفظ :
"جمع كفيه ، ثم نفث فيهما ، ثم قرأ " .
ونحوها رواية أحمد:
" .. فينفث فيهما ؛ ثم يقرأ " .
فهذه صريحة في الترتيب المذكور لا تقبل التأويل .
ثالثاً : وأما دعوى أنه لم يقل به أحد ولا فائدة فيه ؛ فهذا في البطل بمنزلة الطعن في الحديث ؛ إذ لا يسوغ لمسلم أن يقول في العمل بما صح في الحديث : لا فائدة فيه ؛ كما هو ظاهر .
وأما القول بأنه لم يعمل به أحد ، فهو من الرجم بالغيب ، ورحم الله الإمام أحمد إذ قال : "من ادعى الإجماع فقد كذب ، وما يدريه ؟ ! لعلهم اختلفوا " .
رابعاً : ما نقله عن الحافظ موجود في "الفتح " (10/210) في شرح حديث الأويسي المتقدم ، وهو تأويل أيضاً مخالف لما تقدمت الإشارة إليه من الرواية الصحيحة مع توجيهها بمخالفة السحرة كما تقدم عن الطيبي رحمه الله .
ثم إنني لا أكاد أجد أي فرق بين تقديم النفث على القراءة ، وتقديم المسح باليد على المريض قبل القراءة ، كما في حديث عائشة أيضاً قالت :
" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ، ثم قال : أذهب البأس ربَّ الناس.. " الحديث .
أخرجه مسلم (7/15) ، وأحمد (6/127) من طريقين عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عنها .
ورواه البخاري وغيره بنحوه ، وسبق تخريجه برقم (2775) .
ونحوه حديث علي في شكواه لما دخل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -قال : فمسحني بيده ، ثم قال: "اللهم اشفه.. " الحديث .
أخرجه ابن أبي شيبة (8/46) ، وأحمد (1/ 128) بسند فيه ضعف ، وصححه أحمد شاكر (2/234) !
أقول : فكما شرع المسح قبل القراءة ، فمثله النفث قبل القراءة ، فكما لا يقال : لا فائدة من المسح قبلها ، فكذلك لا يقال : لا فائدة من النفث قبل القراءة ؛ إذ الكل شرع لا مجال للرأي فيه ؛ فتأمل !
(فائدة) : أخرج ابن حبان حديث المسح بزيادة في آخره ، فوجب النظر فيها ، أخرجه (1443) من طريق بشر بن الوليد الكندي : حدثنا حماد بن زيد عن عمرو ابن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت :
كنت أعوِّذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعاء كان جبريل عليه السلام يعوذه به إذا مرض :
"أذهب البأس.. " الحديث ، وزاد :
"فلما كان في مرضه الذي توفي فيه جعلت أعوذه بهذا الدعاء فقال- صلى الله عليه وسلم - :
"ارفعي يدك ، فإنها كانت تنفعني في المدة " .
قلت : وهو إسناد ضعيف ؛ أبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله الربعي ، قال ابن عبد البر في "التمهيد " (20/205) وغيره :
"لم يسمع من عائشة".
وقد رد الحافظ في "التهذيب " هذا ا الزعم ، وفي "صحيح مسلم " رواية أبي الجوزاء عنها رضي الله عنها.
وبشر بن الوليد الكندي مختلف فيه ، وقد وثقه الدارقطني وغيره ، وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/148) , ولا أجد جرحاً عليه عند من طعن فيه سوى أنه كان قد خرف ، ولذلك ؛ لم يزد الذهبي على قوله في "المغني " فيه :
"قال صالح جزرة : صدوق ، لكنه خرف " .
فمثله يستشهد به . وقد توبع ؛ قال أحمد (6/260- 261) : ثنا يونس : ثنا حماد - يعني : ابن زيد - به .
وهذا إسناد صحيح لولا ما سبق بيانه ؛ فإن يونس هذا هو ابن محمد بن مسلم المؤدب : ثقة ثبت من رجال الشيخين .
لكن قد صحت هذه الزيادة من طريقين آخرين عن عائشة ، أحدهما من طريق أبي بردة عن عائشة قالت :
أغمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأسه في حجري ، فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء ، فلما أفاق قال - صلى الله عليه وسلم - :
"لا، بل أسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل وإسرافيل " .
أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (رقم 1097) وفي "السنن الكبرى" (4/260/7104) ، وابن حبان أيضاً (8/199/6557) من طريق سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بردة به ، وقال النسائي :
"الأعلى : الأسعد" .
قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، وعزاه الحافظ (8/137) للنسائي وابن حبان وأقره ، لكنه جعله من رواية أبي بردة عن أبي موسى ! وأنت ترى أنه عندهما من روايته عن عائشة وليس عن أبي موسى ! لكن يبدو أن له أصلاً من حديث أبي موسى ؛ فقد ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/37) من حديثه نحوه بلفظ :
"لا ، ولكن أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد : جبريل.. ".
وقال الهيثمي :
" وفيه محمد بن سلام الجمحي ، وهو ثقة وفيه ضعف ، وبقية رجاله ثقات "
فلا أدري إذا كان الحافظ وهم ، فعزا حديث أبي بردة عن أبي موسى للنسائي وابن حبان ، وهو للطبراني ، وقد عزاه هو إليه في مكان آخر من "الفتح " (8/132) ، أو أنه وقع كذلك في نسخته من "النسائي " و"ابن حبان " ؟ ! وهذا ما أستبعده . والله أعلم .
أما الطريق الأخرى عن عائشة بتلك الزيادة ؛ فهي عند مسلم ، وابن أبي شيبة ، وأحمد بنحوه ، وقد تقدم لفظها برقم (2775) .*