تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الكلام على حديث جرير في الاجتماع للتعزية

  1. #1

    افتراضي الكلام على حديث جرير في الاجتماع للتعزية

    الحديث المذكور، أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6905) عن نصر بن باب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: «كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ».
    وهذا إسناد ساقط تالف؛ نصر بن باب (شيخ أحمد) متروك متهم؛ لا يحتج به باتفاق العلماء، خلافًا للإمام أحمد فكان يوثقه، وقد روي عن أحمد أنه تركه أيضًا، فلعله رجع عن توثيقه بعدما تبين له أمره، والحمد لله. قال محمود بن غيلان: "ضرب أحمد وابن معين وأبو خيثمة على حديثه وأسقطوه". ينظر ترجمة نصر في لسان الميزان (8109).

    قلتُ: فسر أحمد سبب النكير عليه، قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي، عن نصر بن باب. فقال: إنما أنكر الناس عليه حين حدَّث عن إبراهيم الصائغ، وما كان به بأس. قلت له: إن أبا خيثمة. قال: نصر بن باب كذابٌ. قال: ما أجترئ على هذا أن أقوله، أستغفر الله. «العلل» (5338) .
    والله أعلم بما نقل الحافظ ابن حجر، فإنه ينقل عن محمود بن غيلان يقول في عدة رواة: ضرب عليه أحمد وابن معين وأبو خيثمة، وفيه نظر.
    ولم أجد أحدا سبقه في نقل هذا في أحد من الرواة، وإن ثبت فالقول بالرجوع عنه فيه نظر أيضا.
    فقد نقل الحافظ في التهذيب في ترجمة علي بن عاصم: وقال محمود بن غَيلان: أسقطه أحمد، وابن معين، وأبو خَيثمة، ثم قال لي عبد الله بن أحمد: إنَّ أباه أمره أن يَدُورَ على كلِّ مَن نهاه عن الكتابة عن عليّ بن عاصم فيأمره أن يُحَدِّثَ عنه. اهـ.
    ويقوي الرجوع عن جرحه رواية أحمد عنهما في المسند، أي روايته عن نصر بن باب وعلي بن عاصم.

    .

  2. #2

    افتراضي رد: الكلام على حديث جرير في الاجتماع للتعزية

    فإن قيل: قد توبع نصر بن باب من هُشيم بن بشير:
    أخرجه ابن ماجه (1612)، والطبراني في المعجم الكبير (2/ 307/رقم2279) من طريق هُشيم بن بشير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي به.
    قلت: هذه متابعة واهية؛ فهُشيم بن بشير مدلس وقد عنعن، فلعله أخذ من نصر بن باب ودلسه.

    وذكر المزي أنه روى البخاري ومسلم لهشيم عن إسماعيل.

    وقال الدارقطني في الرؤيا [68]:
    حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه.
    رواه البخاري عن عمرو بن عون عن خالد وهشيم عن إسماعيل، به.
    وقيل: إنه سمعه من شريك النخعي (وهو ضعيف).
    فقال أبو داود: ذكرت لأحمد: حديث هشيم، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير - رضي الله عنه -: (كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت، وصنيعة الطعام من أمر الجاهلية)، قال: زعموا أنه سمعه من شريك، قال أحمد: "ولا أرى لهذا الحديث أصلًا". مسائل أبي داود (1867).
    وقال إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي: "لم يسمعه هشيم من أبى خالد، سمعه من شريك". قبول الأخبار لأبي القاسم الكعبي (1/ 372).
    قلتُ: مع أن الإمام أحمد لم يعله بالتدليس، فإن ثبت رواية هشيم عن شريك، فإن حديث أهل واسط عن شريك قواه أهل العلم.
    قال أحمد: سماع هؤلاء أصح عنه -يعني سماع أهل واسط-، سمعت أحمد يقول: كأن حديث أهل واسط عن شَرِيْك لا يشبه حديث شَرِيْك ". وانظر: "سؤالات أبي داود" ص ٣٢١.

    وقال الدارقطني في العلل (7/ 462/س3353) - وسئل عن حديث قيس، عن جرير، قال: كانوا يرون الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة - فقال: "يرويه هشيم بن بشير، واختلف عنه؛ فرواه سريج بن يونس، والحسن بن عرفة، عن هشيم، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير.
    ورواه خالد بن القاسم المدائني، قيل: ثقة؟ قال: لا أضمن لك هذا، جرحوه، عن هشيم، عن شريك، عن إسماعيل. ورواه أيضًا: عباد بن العوام، عن إسماعيل كذلك".
    خالد بن القاسم المدائني "متروك، تركه علي والناس"، كذا قال البخاري، فعليه لا تثبت رواية شريك.
    قلت:
    ورواية عباد بن العوام، عن إسماعيل بن أبي خالد لفظها مختلف عن رواية هشيم ونصر بن باب:
    أخرجها الطبراني في المعجم الكبير (2/ 307/رقم 2278) من طريق سعيد بن سليمان سعدويه (أحد الثقات الأثبات)، عن عبَّاد بن العوام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: يُعَدِّدُونَ الْمَيِّتَ - أَوْ قَالَ: أَهْلَ الْمَيِّتِ - بَعْدَمَا يُدْفَنُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «"كُنَّا نَعُدُّهَا النِّيَاحَةَ"».
    وعباد بن العوام ثقة من رجال الشيخين، فهذا اللفظ هو الصحيح.
    وليس فيه كما ترى ذكر للاجتماع ولا صنيعة الطعام، بل فقط فيه أنهم يعددون الميت، وهذا لا شك أنه من النياحة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث.

    قلتُ: يمكن الجمع بين اللفظين، فهم يعددون مجتمعين للتعزية.

    ورواية عباد بن العوام، لم يفرق الدارقطني بينها وبين رواية هشيم، فهما في المعنى قريب.
    رواية عباد يقول: يعددون الميت أو أهل الميت.
    فمن السياق، لم يذكر مفعول يعددون، حتى يكون معناه أنه يذكرون فضائله، أو لماذا يذكر فضائل أهل الميت؟!
    ثم هو مخالف لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: "وجبت"، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال صلى الله عليه وسلم: "وجبت"، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض" (أخرجه البخاري: 1367، ومسلم: 949)، ففي هذا الحديث مشروعية الثناء على الميت.
    وإنما ذكر الفعل يعددون لازما وحده، فيكون معناه أنه يكثرون عددهم عند الميت أو أهل الميت، فذلك أليق بالسياق.

    وله شاهد فيما أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه: (ما قالوا في الإطعام عليه والنياحة)، وذكر آثارا عن التابعين أبي البختري وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز في المنع من الاجتماع وتجهيله.
    وأخرج بعدها أثر جرير [11457]، فقال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ، قَالَ:
    قَدِمَ جَرِيرٌ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: " هَلْ يُنَاحُ قِبَلُكُمْ عَلَى الْمَيِّتِ ؟ قَالَ: لَا " قَالَ: " فَهَلْ تَجْتَمِعُ النِّسَاءُ عندَكُمْ عَلَى الْمَيِّتِ وَيُطْعَمُ الطَّعَامُ؟ قَالَ: نَعَمْ "، فَقَالَ: " تِلْكَ النِّيَاحَةُ ". اهـ.
    وهذا الأثر منقطع؛ وطلحة هو بن مصرف اليامي من صغار التابعين وهو كوفي وجرير رضي الله عنه كوفي أيضا، لكنه شاهد لما سبق ذكره.
    وقال القاسم بن سلام في الإيمان وهو يعدد أمور الجاهلية: (وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ جَرِيرٍ وَأَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ: ثَلاثَةٌ مِنْ سُنَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ : النِّيَاحَةُ، وَصَنْعَةُ الطَّعَامِ، وَأَنْ تَبِيتَ الْمَرْأَةُ فِي أَهْلِ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِهِمْ، ..، لَيْسَ وُجُوهُ هَذِهِ الآثَارِ كُلِّهَا مِنَ الذُّنُوبِ: أَنَّ رَاكِبَهَا يَكُونُ جَاهِلا وَلا كَافِرًا وَلا مُنَافِقًا، وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ، وَمُؤَدٍ لِفَرَائِضِهِ، وَلَكِنْ مَعْنَاهَا أَنَّهَا تَتَبَيَّنُ مِنْ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ مُحَرَّمَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي الْكِتَابِ وَفِي السُّنَّةِ، لِيَتَحَامَاهَا الْمُسْلِمُونَ وَيَتَجَنَّبُوه َا، فَلا يَتَشَبَّهُوا بِشَيْءٍ مِنْ أَخْلاقِهِمْ وَلا شَرَائِعِهِمْ). اهـ.
    وجاء في حاشية ابن عابدين (6/665)، قال:
    وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال: وذكر الأثر.

    والله أعلم.
    .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •