{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:٥٦]
إن من الناس -والعياذ بالله- من استولى اليأس والقنوط على قلبه فتراه يتلفظ بألفاظ ينبأ عن مدى ما هو عليه من إحباط ويأس واستبعاد للفرج والنصر ويأس من الرحمة، وهذه كلها ليست من أخلاق المؤمنين الموحدين ..
إن جميع ما يحصل في الكون من شدة وبلاء عامًّا كان أو خاصًّا، وتسلط الكفار والفجار على المسلمين كل ذلك بتقدير العزيز الحكيم، وابتلاء للخلق حتى يراجعوا دينهم ويصححوا مسيرتهم، (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الروم: 36- 37].
وقال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ * وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 27- 30].
إن اليأس والقنوط مرضان خطيران يقعدان عن العمل، ويصيبان النفس بالزجر، ويملأن القلب بالغم والحزن تتكدر مع اليأس والقنوط الحياة، وتضيق معهما الدنيا على سعتها ورحابتها. ولهذا كان موقف الإسلام من اليأس والقنوط موقفًا حاسمًا كما مر في الآيات السابقة، وأما الأحاديث النبوية فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتفائلين في أحلك الظروف وأقسى الأحوال كان يربّي أصحابه رضي الله عنهم على الحذر من اليأس والقنوط وينفّرهم من هذين الخُلقين الذميمين .. سأله رجل فقال يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: «الشرك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله».
وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثَةٌ لا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ يُنَازِعُ اللَّهَ رِدَاءَهُ، فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرِيَاءُ وَإِزَارَهُ الْعِزَّةُ، وَرَجُلٌ شَكَّ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».
وعن حَبَّةَ وَسَوَاءٍ ابْنَيْ خَالِدٍ قالا رضي الله عنهما: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعالج شيئًا فأعناه عليه،فقال :" لا تيأسا من الرزق ما اهتزت رءوسكما، فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشر ثم يرزقه الله عز وجل"
أيها الإخوة في الله: كم تطيب الحياة وتسر يوم يشع الفأل والأمل، وكم هي الحياة مبهجة يوم يعيش العبد فيها محسن الظن بخالقه منتظرًا فرج الله ورحمته ونصره وتيسيره ولطفه. لقد كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه الفأل الحسن وكان يقول: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل».
الكلمة الحسنة سمة طيبة، لقد عاش صلى الله عليه وسلم حياته كلها متفائلاً لم يعرف اليأس والقنوط إلى قلبه سبيلاً في جميع الأحوال والأهوال التي أحاطت به، يبلغ الأذى وتعذيب الكفار لأصحابه ما يبلغ وهم في خوف وضعف، ثم يبشرهم صلى الله عليه وسلم بقرب الفرج فيقول لهم: «والله ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».
يحيط به الكفار في غار ثور يريدون قتله، ويقفون على رأس الغار ليذبوا الخوف إلى قلب الصديق رضي الله عنه ويقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، فيجيبه الرسول صلى الله عليه وسلم بلغة كلها ثقة بربه وتفاؤل بنصر خالقه وثقة بقرب الفرج من الله: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما».
تحيطه الأحزاب بالمدينة من كل جانب ويبلغ الخوف بأصحابه مبلغًا عظيمًا، فيبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح المدائن ..
إنه التفاؤل الحق المقرون بحسن العمل وبذل المستطاع من الأسباب، ألا فلنشع التفاؤل بيننا ولنطرد اليأس والقنوط من حياتنا، إن أمسكت السماء واشتد الجدب أمّلنا بربنا خيرًا وانتظرنا الفرج منه وقرب رحمته سبحانه وتعالى ..
إذا ضاقت أمور الرزق والمعيشة بأحدنا لم ينقطع رجاءه بالكريم الرزاق أبدًا الذي يرزق الحيتان في قعر البحار والوحوش في القفار والطيور في مهامه الصحراء والوديان والجبال. إذا ساءك خُلق أبنائك وتصرفاتهم تفاءل خيرًا بمن بيديه قلوب العباد يقربها كيف يشاء وألح بالدعاء إليه فإنه سميع قريب مجيب .
إذا اشتد بك المرض وطال بك السقم وتوالت عليك الأوجاع فتذكر نبي الله أيوب عليه السلام وقوله: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 83] فأعقب هذا الدعاء بقوله (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 84].
إذا اشتملتْ على اليأس القلوبُ *** وَضَاْقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيْبُ
وأوطنت المكارهُ واستقرت *** وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الخُطُوْبُ
ولم ترَ لانكشاف الضرِّ وجهاً *** ولا أغنى بحيلته الأريبُ
أتاكَ على قنوطٍ منك غوثُ *** يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ
وكلُّ الحادثاتِ إذا تناهتْ *** فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرْيَبُ
لقد جرت سنة الله عز وجل الذي أن الابتلاء يعقبه التمكين، وأن الصبر يتلوه الفرج والنصر والظفر .. إنهم وإن صالت دولة الباطل وجالت وظلمت واعتدت لكن نهايتها إلى زوال وهزيمة، فدولة الباطل مهما عظمت ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة (ولينصرن اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].
خالد بن سعد الخشلان
ملتقى الخطباء
{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:٥٦]
اليأس ضلالة .. وفيك من الهداية بقدر ثقتك برحمة ربك
تأمل {إلا الضّالون} أولئك الذين يشعرون أن أحوالهم الصعبة لن تتغير !!.. حقاً الذنوب عظيمة ياعزيزي ، وإن تشعر باليأس بعدها فهو أعظم .. لكن كيف تقنط من رحمة الله وأنت تعلم أنه يغفر الذنوب جميعا ؟! .. استغفر وعد إليه واعلم أن الله يفرح بعبده التائب
التفاؤل وحسن الظن بالله يثمر الهداية وانشراح الصدر ..والإنابة إلى الله هي طريق النجاة والسلامه والحق ، وتذكر إن أتيت الله ماشيا أتاك هروله .. فماذا تنتظر ؟!
ابتعد عن مجتمع المخذلين والمقنطين والمتشائمين لكي تستمتع بعبادة انتظار الفرج ... وسيأتيك .