{..... وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:١٩]

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجدٌ، فأكثِرُوا الدعاءَ"، السجودُ أشرفُ حالاتِ العبدِ؛ فيه متعةُ الخضوعِ للعزيزِ الكريمِ، وجَمالُ الإذعانِ للرحمنِ الرحيمِ، وهي لحظاتُ كرمٍ وبركةٍ لا حدودَ لها، في السجود لذةٌ لا تُوصف، وانشراح لا يحيط به قلمٌ، ينقل المسلمَ من قطعة ضيقة على الأرض إلى ارتفاع في فساحة السماء، ولذلك وصَفَتْ عائشةُ -رضي الله عنها- في الصحيح قيامَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "يسجد السجدةَ من ذلك قدرَ ما يقرأ أحدُكم خمسينَ آيةً قبل أن يرفع رأسه".
السجود يُضفي على وجه صاحبِه نورَ الإيمانِ، وعلى قلبه تباشيرَ الاطمئنانِ، ويسكب فيه سكينةً ويكسوه جلالَ الوقار، قال تعالى: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)[الْفَتْحِ: 29]، في السجود يكون الإله -سبحانه- قريبا ممن دعاه، مجيبًا لمن ناجاه، سميعًا لمن ارتجاه، ومن كان بقرب الله فإنه ينال عند ربه أجزل العطاء، وأرفع المقامات.

قال الله -تعالى-: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ)[الْوَاقِعَةِ: 88-89]، فاسجد واقترب فلكَ في كل سجدة رفعة درجة، ودُنُوّ منزلة، وقرب مكانة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يسجد لله سجدةً إلا كتَب اللهُ له بها حسنةً، ومحا عنه بها سيئةً، ورفَع له بها درجةً، فاستكثِروا من السجود، واسجد واقترب، فعطاءُ اللهِ لا ينفدُ، ومن تقرَّب إليه أنزَلَه بفضله مراتبَ النبيينَ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ، واسجد واقترب، ففي السجود تتجلَّى علاماتُ التصديق والإيمان، وتبرُز أماراتُ اليقين والتسليم، واسجد واقترب فإن السجود هي العبادة التي اجتمعت عليها كلُّ الكائنات، واسجد سائلا ربَّكَ داعيًا خالِقَكَ، متضرعًا إلى مولاك، فأنتَ في جنة من جنان الدنيا، اسجد سجودَ الخاشعينَ إذا تشنَّفَت أُذُناكَ بآيات القرآن، وملكت بَيِّنَاتُه شغافَ قلبِكَ، قال تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا)[الْإِسْرَاءِ: 106-107].واسجد واقترب كلما تذكرتَ تراخيَ عملِكَ، وتوجعت من ذنبك وغفلتك، وطفقت تطرق باب التوبة والاستغفار، قال تعالى واصفًا نبيَّه داودَ -عليه السلام-: (وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ)[ص: 24-25]، واسجد واقترب إذا اشتدت عليكَ الكُرُباتُ وحاصرتك الصعوباتُ، وواجهتك الملماتُ فإن السجود فَرَجُ كلِّ همٍّ، السجود يُطفئ غضبَ الرحمن، ويُوجب الرضا منه -سبحانه-، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا وقَف الناسُ في عرصات يوم القيامة وانطلقوا للشفاعة فسألوا الأنبياءَ وانتهوا إلى رسول الله وقالوا: "يا محمدُ، أما ترى ما نحن فيه؟ أما ترى ما أصابنا؟ فيقول: أنا لها، فينطلق -صلوات لله وسلامه عليه- فيسجد تحت العرش، قال صلى الله عليه وسلم: "فأستأذِنُ على ربي فيؤذن لي فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدِر عليها الآن، يُلهِمُنِيهِ اللهُ ثم أَخِرُّ ساجدًا فيقول لي: يا محمدُ، ارفع رأسَكَ، وقُلْ يُسمَعْ، وسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ".
كلما هبَّت عليك نسائم الخيرات وفيوض عطاء الرحمن فاسجد لله شكرا، سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأطال السجود ثم رفع رأسه وقال: "إن جبريلَ أتاني فبشَّرني فسجدتُ لله شكرا"
يكْشِفُ رَبُّنا عن ساقِهِ، فَيَسْجُدُ له كُلُّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنَةٍ، فَيَبْقَى كُلُّ مَن كانَ يَسْجُدُ في الدُّنْيا رِياءً وسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا واحِدًا.
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 4919 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه مسلم (183) مطولاً باختلاف يسير

الحديث: يكشف عن ساقه العلماء اختلفوا في الآية عن ساقه، قال بعضهم: عن شدة، ولكن جاء في الحديث الصحيح فسر الآية بما لا يجوز معه خلاف الحديث، والمعنى يكشف عن ساقه.
والله جل وعلا يوصف بذلك على الوجه اللائق به كما يوصف بالوجه واليد والقدم والأصابع والعين، كذلك يوصف بالساق على الوجه اللائق به لا يشابه الخلق في شيء من صفاته


ملتقى الخطباء



{..... وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:١٩]

اطوِ مسافات الكون وقرونه الضوئية ، وتقرب إلى الله بانحناءة لايتجاوز قطرها ذراعا .. واسجد واقترب يزول همك وحزنك ويستجاب دعاءك

قال أحدهم: يارسول الله أسألك مرافقتك في الجنة . قال : (فأعني على نفسك بكثرة السجود )
لاتستطيع شراء السعادة مهما كانت أملاكك ضخمة ، ولكن تنالها إذا تقربت لله بالعبادة ، وأقصر طريق هو السجود !!

القرب من الله لايحتاج إلى شفاعة ووساطة !.. عليك فقط أن تعبده ، اسجد واخشع واقترب واسأله ماشئت يعطيك أكثر ، فالسجود موطن المعجزات ..

هنيئا لوجوه ساجده في الأرض وقلوبها خاشعة في السماء لما وجدت من حلاوة القرب من خالقها ..
اسجد واقترب .. وما ندم من اقترب