دلائل ذكورية الملائكة
فواز بن علي بن عباس السليماني
قد ثبت في الكتاب والسنة، وإجماع الأمة: صريح وصف الملائكة بالذكورية، والقوة، والبطش، والرجولة، ونحو ذلك، أقتصرُ منها على ما يلي:
قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 82 ـ83].
لا خلاف عند المفسرين أن جبريل عليه السلام هو فاعل ذلك بأمر الله تعالى، كما بَسطَ ذلك المفسرون عند هذه الآية، والله أعلم.
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم:6].
وقال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران:123- 125].
وقال الله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ الآيات إلى قوله: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12].
ووجه الدلالة من الآيات أن ممَّا وُصِف به جملة منهم: الشدة والغلظة، ونصرت أهل الإسلام، وضرب أعناق الكفار، ونحو ذلك مما ينافي كونهم إناثًا.
وقال عمر رضي الله عنه - في حديثه المشهور بحديث جبريل عليه السلام -: بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ طَّلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفه منا أحدٌ؛ رواه مسلم برقم (8)، ورواه البخاري برقم (50)، ومسلم (9)، عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
قال الحافظ: في «الفتح» (1/ 116) ـ عند حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: فأتاه رجل؛ أي: ملك في صورة رجل، وفي التفسير للمصنف: إذ أتاه رجل يمشي.
ولأبي فروة: فإنَّا لجلوس عنده، إذ أقبل رجل أحسن الناس وجهًا، وأطيب الناس ريحًا، كأن ثيابه لم يمسها دنسٌ؛ اهـ.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتهدهد الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قالا لي: انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فيشق، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب، حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قلت: سبحان الله ما هذان؟ قالا لي: انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغط وأصوات، فاطَّلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قلت لهما: ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق، انطلق، فانطلقنا، فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغَر له فاه فيلقمه حجرًا، فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغَر له فاه، فألقمه حجرًا، قلت: لهما ما هذان؟ قالا لي: انطلق، انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء رجلًا مرآةً، وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها، قلت لهما: ما هذا؟ ـ وساق الحديث وفي آخره: وأما الرجل الكريه المرآة، الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم»؛ رواه البخاري برقم (7047).
قلت: فوُصِفتِ الملائكة القائمين بالتعذيب بالرجولة، كما هو منطوق الحديث، والعلمُ عند الله.
وقال الحافظ: في «الفتح» (6/ 306): قد جاء في صفة الملائكة وكثرتهم أحاديث، وذُكر في «ربيع الأبرار» عن سعيد بن المسيب أنه قال: الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا، ولا يأكلون ولا يشربون، ولا يتناكحون ولا يتوالدون؛ اهـ.
قلت: إن صح هذا إلى سعيد بن المسيب، فهو قول مرجوح لما تقدم من وصفهم بالذكورية والرجولة، والشجاعة، وغيرها في الآيات والأحاديث السابقة.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم، وقصة الملائكة مع إبراهيم عليهم السلام ما يُؤيد أنهم لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتناكحون، وغير ذلك مما لا يناسب بسطه في هذا الموضع، والله أعلم.