تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: لوط عليه السلام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي لوط عليه السلام

    لوط عليه السلام (1)

    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد


    نتحدَّثُ في هذا الفصل عن لوط نبيِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قرن الله تبارك وتعالى قصَّةَ لوط بقصة إبراهيم عليهما السلام في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه الكريم، وذكر عز وجل أن لوطًا آمن لإبراهيم، وأشار إلى أنه هاجرَ معه، حيث يقول: ﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ﴾ [العنكبوت: 26].

    وقد أشرتُ فيما مضى إلى أن الله عز وجل أرسل لوطًا إلى أهل سدوم وما حولها من دائرة الأردن، وبقي خليلُ الرحمن في فلسطين، وكان أهلُ سدوم وقراها من أكفر خلق الله وأفجرهم، وقد ابتدعوا في الفجور بدعةً لم يسبقهم إليها أحدٌ من العالَمين، فكانوا مع شِرْكِهم بالله عز وجل يأتون الذُّكرانَ من العالَمين، ويقطعون السبيلَ، ويأتون في ناديهم المنكرَ ويعملون الخبائث، فجاءهم لوط عليه السلام يدعوهم إلى ربهم وينهاهم عن هذه الجرائم التي يرتكبونها، ويحذِّرهم من عقوبة الله إذا استمروا على باطلهم، فلم يستجيبوا له، وقال بعضهم لبعض ﴿ أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [النمل: 56]، وكأنهم مِنْ تسلُّطِ الرجس على قلوبهم صاروا يعدون الطهارة عيبًا، يستحقُّ به المتطهِّرُ الإبعادَ.

    وقالوا للوطٍ عليه السلام: ﴿ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [العنكبوت: 29]، قال لوط عليه السلام عندما استيئَسَ منهم: ﴿ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [العنكبوت: 30]، فأرسل الله عز وجل ملائكةً وأمرهم أن يَمرُّوا بإبراهيم الخليل يبشرونه بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، وأمرهم إذا انصرفوا من عند إبراهيم أن يَقْلِبوا قرى قوم لوط على أهلها بعد أن يأمروا لوطًا بالخروج من ديارهم.

    فجاؤوا إلى سدوم في صورة رجال من أجمل خلق الله، فجاء قوم لوط إليهم مسرعين يريدونَ بهم السوءَ، فانذعر لوط عليه السلام، وقال لقومه: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾ [هود: 78]، إنَّ نساءكم خيرٌ لكم وأطهَر، قالوا: يا لوط، أنت تعرف أن شهوتَنا في الرجال، ولا رغبةَ لنا في النِّساء، فاشتدَّ غيظُ لوط عليه السلام، وقال لهم: ﴿ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ﴾ [هود: 80]، يعني: لدمَّرتُكم، ولكني آوي إلى الله عز وجل، فمن أوى إليه فقد آوى إلى ركن شديد، فعند ذلك أعلمه الضيوف أنهم ملائكة، وأنهم رُسُل الله لإهلاك قومه، ويذكر أن جبريل عليه السلام بعد أن طمأنَ لوطًا عليه السلام على أنه لن ينالهم منهم أذى ضرب جبريل أعينهم فطمسها، وقالوا للوط: ﴿ لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 33]، وقالوا له: ﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ ﴾ [الحجر: 65]، وبشَّروه بأن ﴿ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ﴾ [الحجر: 66]، فخرج لوط عليه السلام وابنتاه، فنجَّاهم الله من العذاب الأليم، وقلبت الملائكة أرضَ قوم لوط عليهم، فجاءهم حاصبٌ مِن فوقهم، وخسفٌ من تحتهم، فانقلبت أرضهم كما انقلبت فطرتهم، وقد أبقاها الله عز وجل إلى اليوم آية بيِّنةً يعرفها أهلُ الجزيرة العربية إذا قدموا إلى الشام أو رجعوا منها؛ على حد قول الله تعالى: ﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الصافات: 137، 138].

    وقد جعل الله عز وجل امرأةَ لوط قدوة لكلِّ كافر إلى يوم القيامة؛ حيث يقول: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10]، وقد شرحتُ فيما مضى أنَّ خيانة امرأة نوح وامرأة لوط لم تكن خيانة زوجيَّة بالزِّنا، وإنما كانت كُفرًا بالله عز وجل ومحاربةً لرسله عليهم الصلاة والسلام.

    وقد ساق الله تبارك وتعالى قصَّةَ لوط في مواضع من كتابه الكريم؛ حيث يقول في سورة الأعراف: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 80 - 84].

    وقال في سورة هود: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ * وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 69 - 83].

    وقال تعالى في سورة الحجر في قصة بشارة إبراهيم بإسحاق وهلاك قوم لوط: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ * وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُون ِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ * فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ * وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِ ينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 49 - 77].

    وإلى الفصل القادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: لوط عليه السلام

    لوط عليه السلام (2)

    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد


    سُقْتُ في الفصل السابق ما ذكره الله عز وجل عن لوط عليه السلام في سورتي الأعراف وهود وفي سورة الحجر، وقال تعالى في سورة الأنبياء عن إبراهيم ولوط: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 71]، ثم قال بعد ذلك: ﴿ وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 74، 75].

    وقال تعالى في سورة الشعراء: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 160 - 175].

    وقال تعالى في سورة النمل: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ [النمل: 54 - 58].

    وقال تعالى في سورة العنكبوت: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّه ُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 28 - 35].

    وقال تعالى في سورة الصافات: ﴿ وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الصافات: 133 - 138].

    وقال تعالى في سورة الذاريات بعد قصَّةَ ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه بغلام عليم قال عز وجل: ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [الذاريات: 31 - 37].

    وقال تعالى في سورة النجم: ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَ ةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ﴾ [النجم: 53، 54].

    وقال تعالى في سورة القمر: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 33 - 40].

    وقد فهم بعض الناس خطأً أن قولَ لوطٍ: ﴿ أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود: 80]، يعني: أو آوي إلى قبيلة قوية تُدافِع عنِّي؛ وهذا فهم فاسِد؛ فقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يغفرُ اللهُ للوط إن كان ليأوي إلى ركنٍ شديدٍ))، وهذا يدلُّ على أن الركن الشديد الذي كان يأوي إليه لوط موجود، وهو الله عز وجل، بخلاف مَن زعم أنه كان يتمنَّى عشيرة يأوي إليها وهي غير موجودة، فأهله في العراق، وقد هاجر عنهم، وقد جاء تأكيدُ وجود الركن الشديد الذي آوى إليه لوط فآواه فيما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ويرحم اللهُ لوطًا؛ لقد كان يأوي إلى ركن شديد)).

    وفيما ساقه ابنُ كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود: 80] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد))، و﴿ أَوْ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾، بمعنى: بل؛ فهي للإضراب كأنه قال: "ليس لي بكم قوَّة بل آوي إلى ركن شديد"، فلمَّا آوى إلى اللهِ آوَاه اللهُ إليه؛ ولذلك قال الملائكة حينئذ: ﴿ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ﴾ [هود: 81].

    هذا، وجريمة إتيان الذكران من العالمين تَأْباها الكثير من الحيوانات العجماوات، وقد قال عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي: "لولا أن الله ذكر ذلك في القرآن ما ظننتُ أن ذكرًا يَنْزُو على ذكر".

    ومن غرائب الأمور وعجائبها إطلاقُ لفظ "لُوطِي" على مَن يأتي الذكران، وقد شاعت هذه اللفظة، واستعملها العلماءُ والعوام، وهو إطلاق غير صحيح، فلا يجوز أن تُنسب هذه الجريمة إلى لوط عليه السلام، فيقال لمرتكبها "لُوطِيٌّ"، كما لا يجوز أن يُقال في أبي جهل وأبي لهب: إنهما محمديَّان؛ لأنهما ضد محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن مَن يأتي هذه الجريمة هو ضد لوط عليه السلام، وقد حكى الله تعالى عن لوط أنه قال: ﴿ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ ﴾ [الشعراء: 168]، ولا سبيل إلى صحة هذا الإطلاق بحال؛ لأنَّ كلمة لوط تدل على معنى الإصلاح، يقال: لَاطَ الحوضَ؛ إذا أصلحَه، وهؤلاء مفسدون في الأرض؛ ولذلك لم يَرِد خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسمية أهل هذه الجريمة "لوطيين"، بل الآثار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم تقول: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط...))؛ إلخ الأثر، فيقال لِمن يرتكب هذه الجريمة: إنه عمِل عمَل قوم لوط، ولا يقال له: "لُوطِيٌّ" بحال؛ برَّأ الله لوطًا من هذه النسبة الرديئة.

    هذا، ومن مفتريات أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن لوطًا بعد أن نجَّاه الله سكر وزنا بابنتيه؛ فقد جاء في الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين:
    30 - وصعد لوط من صوغر، وسكن في الجبل وابنتاه معه؛ لأنه خاف أن يسكن في صوغر فسكن في المغارة هو وابنتاه.

    31 - وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض.

    32 - هلم نسقي أبانا خمرًا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلًا.

    33 - فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.

    34 - وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، هلم نسقيه خمرًا الليلة أيضًا فادخلي اضطجعي معه.

    35 - فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة أيضًا وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.

    36 - فحبلت ابنتا لوط من أبيهما.

    هذه عبارة الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين من التوراة التي بيد اليهود والنصارى، برَّأ اللهُ لوطًا وابنتيه من هذه الفِرْيَةِ ونزَّه لوطًا من كل إثم، وسلام عليه في العالمين.


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •