بهدوء
أ. منى مصطفى
س: كيف أرضيه؟ كيف أرضيها؟
همسة: لكِ
أهمسُ في أذنِ كلِّ زوجةٍ أوصيها على زوجِها، نحن في زمنٍ تتقاذفُ فيه الفتنُ على الرجالِ، مجتمعٌ مختلطٌ غالبًا، وشاشاتٌ ملتهبةٌ، وصراعٌ ماديٌّ محتدِمٌ من أجلِ الرفاهياتِ قبل الأساسياتِ، فابذُلْنَ بعضَ الاهتمامِ وكثيرًا من الزينةِ والدلالِ وعذبِ الحديثِ وإبرازِ المفاتنِ لأزواجِكنّ، استَحضِروا أحاديثَ بعيدةً عن المسؤوليةِ التي تجعلُ الرجلَ معك دائمًا في موضعِ دفاعٍ عن النفسِ، وكأنّه يجلسُ مع مُحقِّقٍ لا مع زوجةٍ يُفترض أنّها مصدرُ السكينةِ له، لا المحاكمة!
لكَ: احفظوا أمانَ بيوتِكم، فالتحدِّي صعبٌ وخطيرٌ، لا تنبهِرْ بفتياتِ المواقعِ والشاشاتِ، فهن يمارسْنَ مهنةً للتكسُّبِ وليس هذا حالَها الدائمَ كما تتوهَّم، هي إنسانةٌ فيها ما فيها من النقصِ، فلا تُحزِنْ زوجَك بمقارنتِها بهن، ولا يغرّنَّك ما تراه، فالعفّةُ والشرفُ والحياءُ هم الجمالُ الحقيقيّ، وليست هذه الأصباغُ التي تغرِقُ فيها فتاةُ الشاشةِ للتكسُّبِ، وما تَرَك العبدُ شيئًا للهِ إلا عوَّضه اللهُ بخيرٍ منه حلالًا طيِّبًا، ارفُقْ بها، لا تُهلِكْ عمرَها وصحّتَها في الاهتمامِ بتفاصيلَ يمكنُ الحياةُ بدونها، وأعطِها مساحةً من الحريةِ والأمانِ تَفُزْ بها أنيسةً وحبيبةً.
واعلما ـ حَفِظكما الله ـ أنّه كلّما هَجَعتِ النفسُ واطمأنّت لإيمانِها آتاها اختبارٌ يؤرِّقُها، ويردُّها لنقطةِ الصراعِ الأولى، أتثبُتُ أم تكونُ كمَن نَقَضت غزلَها من بعد قوةٍ أنكاثًا!، ومن رحمةِ اللهِ جلَّ وعزَّ أنّ الاختبارَ يكونُ في مستوى إيمانِك لتنجوَ، قال ربُّك الجليلُ الجميلُ: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 2].
وكأنّ هذه الآيةَ خطُّ سيرِك مع أحداثِ الدنيا، تظلُّ بين سلامةٍ واختبارٍ حتى يقبضَك اللهُ على ما وَقَر في قلبِك من خيرٍ أو شرّ ٍ... اللهم حياةً كريمةً، وميتةً كريمةً على طاعةٍ وسلامةِ قلبٍ!
س: كيف أحقق راحة القلب؟
مهما حاولت التعقل وجاهدت نفسي أجدني أثور لو تكرر حدث مزعج وكأني عدت لنقطة الغضب الأولى!؟
من عجيبِ صُنعِ اللهِ في الإنسانِ ثورةُ العاطفةِ، وأعجبُ منه قدرةُ العقلِ على التلفيقِ ليجدَ مخرجًا يُرضِي هواه! هذا في عمومِ الإنسانِ، أما الإنسانُ المؤمنُ فهو مميَّزٌ بين بقيةِ جنسِه؛ لأنّ له ضابطًا خاصًّا، ونورًا ينسربُ من قلبِه فيضيءُ عقلَه ويُنقِّي عاطفتَه، هذا الضابطُ هو العقيدةُ التي تُملِي علينا الإيمانَ بالقدرِ، فما دام الإنسانُ بَذَل ما في وُسعِه من إصلاحٍ وإخلاصٍ فليُسلِّم للهِ بما قدَّر عليه، وليعلَمْ أنّ تقديرَ اللهِ خيرٌ حتى لو لم يكن موافقًا لأمنياتِنا، وليرضَ بما قَسَمه اللهُ، وليكن على يقينٍ بأنّ كلَّ ما يصيبُه هو له رفعةُ درجاتٍ أو كفارةُ ذنوبٍ.
فما أجملَ تلك اللحظةَ التي تضيءُ فيها الوجوهِ بدموعِ الرضا، وتُردِّدُ فيها كلُّ الجوارحِ: (سَمِعنا وأَطَعنا ربِّي، رَضِيتُ بك وبقدرِك)، بعد صراعٍ مهلكٍ في التوفيقِ بين الرغبةِ والواقعِ، فأقصرُ طريقٍ للسعادةِ واستجلابِ الرضا هو الرضوخُ للدينِ واستلهامُ روحِ الشرعِ! وكأنّك وَجَدتَ قائدًا شجاعًا عدلًا سلَّمت له رأسَك وأرحت قلبَك من سطوةِ النفسِ، وضجيجِ التردِّي بين البدائلِ، وهذا لاشكَّ يصعبُ تحقيقُه تمامًا في بدايةِ الحياةِ الزوجيةِ؛ لأنّ للشبابِ ثورةً وللأمنياتِ سطوةً، ولكن مَن تمتَّع برجاحةِ العقلِ والتأمُّلِ في الحياةِ من حوله وَصَل سريعًا للنفسِ المطمئنةِ التي تزنُ الأمورَ بوزنِها، كلُّ طبعٍ جديدٍ أو مهارةٍ تحتاجُ لتدريبِ النفسِ عليها لتتقبَّلها؛ فالإنسانُ عدوُّ ما يجهلُ عمومًا، ولكن بالتعودِ والتدريبِ تسيرُ الأمورُ بإذنِ اللهِ، وقد قال نبيُّنا صلى الله عليه وسلم: "إنَّما العلمُ بالتعلُّمِ، والحلمُ بالتحلُّمِ، ومَن يتحرَّ الخيرَ يُعطَه، ومَن يتوقَّ الشرَّ يُوقَه."رواه الخطيبُ البغداديُّ، وحسَّنه الألبانيُّ.
هامش: من كتاب صدر للكاتبة بعنوان (بين حبيبين) عن دار مبدعون.