البُشْرَى العاجِلة والآجِلة
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه.
أما بعد:
فقد قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [يونس: 62 - 64] الآية.
ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى في كلامهم على هذه الآية عدة بشارات للمؤمن منها:
1- التوفيق لعلمٍ نافع: لقوله - صلى الله عليه وسلم: ((مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يفقِّهْهُ في الدِّين))، وقال - عليه الصلاة والسلام: ((ومَن سَلَكَ طريقًا يلتمس فيه عِلمًا سَهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجَنَّة))، فإذا جعل الله تعالى في قلب العبد الرغبة في العِلم الشرعي، ويسَّر له سبيله كانت تلك من البشارات المعجَّلة.
2- تحقيق العلم والعمل والثبات عليه مع الإخلاص فيه لله - عز وجل: لما في المسند وغيره؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أراد اللهُ بعبدِه الخيرَ عَسَّلَهُ)). قيل: وما عسَّله يا رسول الله؟ قال: ((يفتح له بين يدي موته باب عملٍ صالحٍ حتى يتوفاه إليه)). فإذا استقام العبد على أداء الفرائض، واجتناب المنكرات، والتوبة النصوح إلى الله من الخطيئات؛ كان ذلك مِن البشارات المعجَّلة في الحياة الدنيا.
3- المودة في قلوب صالحي العباد، والثناء عليه ممن يعرفه ومن لا يعرفه: لقوله - صلى الله عليه وسلم: ((أنتم شهداء الله في أرضه؛ مَن أثنيتم عليه خيرًا وجبَت له الجَنَّة.. الخ))، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]، وحديث: ((إذا أحب اللهُ عبدًا نادى جبريل: إني أحبُّ فلانًا فأحِبَّه؛ فيحبه جبرائيل، ثم ينادي في أهل السماوات: إن الله يحب فلانًا فأحبُّوه، فيحبه أهل السماوات، ثم يوضع له القبول في الأرض)).
4- إذا حضر المؤمن أجله بشِّر بمقعده مِن الجَنَّة: كما في الحديث: ((أنه يرى مقعده مِن النار، ومقعده مِن الجنة، ثم يقال له: هذا مقعدك مِن النار؛ أبدلك اللهُ به مقعدًا مِن الجنة، فلا يكون غائبٌ أحبَّ إليه مِن الموت)).
5- الرؤيا الصالحة: يراها المؤمن في حياته، أو تُرَى له في حياته، أو بعد مماته، وهي من أجزاء النبوة الباقية في الأمة وهي مِن المبشرات.
6- تثبيت الله للعبد عند السؤال في قبره: فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيِّي محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقال: نَم؛ قد علمنا إن كنت لموقنًا، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه مِن روحها وريحانها ونعيمها ، فيقول فرحًا: رب أقم الساعة؛ شوقًا على منزله في الجنة.
7- تلقي الملائكة للمؤمن يوم القيامة البشارات والتهاني: كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].
8- في الجنة تلقى الملائكة المؤمنين بالبشارات والتهاني والتحيات: كما قال الله تعالى: ﴿ وَالْمَلَائِكَة ُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24]؛ فتلك أخي المسلم سلسلة من البشارات، متصلة الحلقات، مفتاحها العناية لمتفقه في الدين والعمل به.
فكن أخي المسلم من أولئك الذين فازوا بأوفر الحظوظ، وأعظم الهبات، بأن تتعب بدنك في طلب العلم الشرعي، وتلزم أهله، وتسأل الله أن يزيدك منه، وتعمل به، وتدعوا إليه، وتصبر لله تعالى في سبيله.
جعلني الله وإياك ووالدينا وأهلينا وذرياتنا وإخواننا ممَّن سبقتْ لهم من الله الحسنى، وفازوا بإمامة أولي التُّقَى، وحُشِروا إلى الله وفدًا.
وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه.